حديث .. بلا شفاه – قصة : عبدالرزاق العاقل

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسلم يبق في ذاكرته المكــتظة بالألم .. والمكسوة بالحــسرة .. إلا ذلك الوجــه الجميل .. والصدر الرحب  لتلك المرأة ، الذى تمنى أن لا تــودعه إلي رحاب اللّــه إلا بعد أن يستقر بـه المقـام في الوطن بـعد رحلة الإغـتراب التي استمرت سنــوات طويلة ..ولكن الــقدر .. كان اقوى مــن تمنياته .. فبـقي ذاك الوجـه العنصر الجميل في ذاكرة زاخرة بشتى الآلام ..يرتبها كعادته ..ويجعل منها مجسماً أركــانه مترعة بقسوة ونذالة  أقرب الأقربين اليه . في لحظات ضعــفه  الشديد تجتاح نــفسه  تلــك الكآبة القاسية المتمثلة فـي تصرفات نزقــة لأخـوة مسحت ملامحهم أيـادي زوجات وقــحة ، وأخــت طمس معالمها الجمـيلة الخــيرة زوجٌ .. مــترعٌ بالغم  يبحث  عن الشيطان في أركان  ذاته .
تتـجمع المظاهر الثلاثة  في كُـنه نفــسه .. مكونـة اضلاعاً مثلثة فــي حركة نزقة لا أصالة فيها ..يتربع علي اطــلالها  يًحــدقُ فيهم يحاول أن يبــحر في بــؤس ذاكرتهم .. ليعرف ماهية أنفسهم .. ولكن ..!!
يهفو بروحه ونفسه إلـى ذلك  الوجــه المتميز الذى يتمثل فــي وجـه أمه ..فيطل عليه باكياً مترعاً بألم خلّفه عبث الآخـرين .. ومتقلــصا من ألم الداء .. الـذى يأكل داخلها الجميل .. ينتفض وهو يرى الوجه المخضَب بالألم .. قد ملأته بســمة يانعة .. والكلمات تنساب من خلال شفتين تحمل مشقة كل هذا الكون .
- ربى يفتح عليك يا وليدى .
يدقــق فــي ماهية الصوت القــادم ، عبر مخـيلته الملبوسة بوهــج الأذى..يغمـض عيـنيه .ليتحسس بروحه المرهفة ذلـك الصوت المتهدج .. يغــيب الصوت في دهاليز نفسه من جديد .. ثم يطفح مرة أخرى كقــطعة الفلـين على السطح.
- ماذا أنت فاعل  فيما أتى به السفهاء ؟
يتداخل الصوت في ذاكرته كالنغــمة الحنــون المتـيقظة ..ينــتبه لُيحدق مليــاً فــي الدوائر اللامتنــاهية المرسومة بعــناية .. غايــة فــي الجمال .. التى كونـت صدى صــوت أمــه وصورتها ..فــتح فاه دهشة .. وأغمــض عينيه .. ليــبقي على تــلك
التقاسيم في ذاكرة مسخها السفهاء من أبنائها .
  تتفتح إحـدى الدوائر المتـلاحقة ، ليـأتى الصوت حاداً ثابتاً لا يزعزعه إلا خروج الكلمات من بين أسنانها الناصعة البياض، وهي تهُم بالقول:
- الحـب .. عطاء مـن دون مقـابـل ، وعندما يـتوقـف هذا الدفـق الفيّـاض لا نعـود
أوفياء لأنفسنا !!
مسحت دمعتها الساخنة  الممتدة عبر ذاتها، ثم استطردت القول بكثير من التأني :
- اخوتك أشواكهم خطــيرة .. والأخطر أن ضــفائرهم تتجدل في أحــضان أشجار ثقيــلة !! ثم ألــم تدر أن الحـياة نــهر متــدفق عجول .. يغــرينا.. ثم يرغــمنا علي النسيان ..طوبى لهم .. طوبى لهم ..
بهتت الدوائر المتلاحقة في ذاكرته رويداً .. رويداً حتى تفسخت ملامح ذلك الوجه الجميل .. المتمثل  في وجه أمه .. عندئذ أغلق فاه .. وفتح عينيه !!
* كاتب من ليبيا 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة