نيران صديقة - قصة : د.حسين مرعى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسضحك حتى انكشفت اسنانه البارزة وكاد ان يسقط سلاحه الميرى المعلق على كتفه الأيمن
 حينما سمع اخر الاخبار فى المذياع الملفوف بألف رباط ضامد والقابض عليه كأنه وصية ابيه الأخيرة :
" مصر توقع اتفاقية الكويز مع امريكا واللى ما يتسموش "
ويبدو ان الكلمة ذكرته بكوز الماء الفاتر فى ليالى الشتاء الباردة
اما الصيف فقد كانت له طقوس خاصة فى الترعة التى تمر امام بيته ..
**
اغلق المذياع ووضعه جانبا حتى يتمكن من ان يدخن سيجارة
اشعلها كأنما يحرق عدوه .. ضم عليها كأنما يحتضن ولده
وحشتينى .. رددها وهو يلقى نظرة على صورة "فاطمة"
كانت اخته .. بنته .. امه .. كانت زوجته
مرت ثلاث شهور وهو بعيد جدا عنها ..
عادت به ذاكرته للوراء عندما جاءه جواب التجنيد مكتوبا بالألة الكاتبة على ورقة قديمة
سوف تخدم وطنك على حدود سيناء ..
لطالما تمنى ان يكمل تعليمه لكن ظروف ابيه جعلته يكتفى بشهادة الدبلوم المعلقة على حائط البيت
**
صوت طلق نارى يخترق المكان الهادئ الا من صوت المذياع
اندفع صاحبه الواقف كعمود النور فى مكان خدمته القريبة
صرخ بصوته الجهور .. " يا ولاد الكلب"
لم يتماسك نفسه رغم ان تعليمات قائده واضحة
موش عاوزين غلط ..
دول بيسمعوا دبة النملة .. وبيفهموا عربى احسن منى ومنك
**
كان الطلق النارى قد سكن قلب صديقه .. والجارح النازف لا يلتئم مثل كل جروح الوطن
حاول ان يبعث اشارة فى جهازه الاسلكى القديم المكتوب عليه بالروسى .. فقد كان من زمن الحرب
حاول لكن عندما تأتى المصائب يتوقف العقل
جاء صوت من خلال اللاسلكى.. كله تمام يا فندم
حاول ان يتدخل فى الاشارة .. لكن لا فائدة
القى به على صخرة صلدة فتهشم
بصق عليه .. وحمل صديقه على كتفه وانطلق ..
**
كانت الشمس حارقة .. والجرح النازف لا يكف
اشار اليه صديقه .. ضعنى على الأرض
كانت الرمال ملتهبة ..كحضن ام عاد اليها وليدها بعد سنوات السفر
وضعه متمهلا حتى لا يتألم ..
وقال بصوت متقطع.. اخبر فاطمة انى احبها ..فاضت الروح لبارئها.. وانحنى صديقه يقبله
**
هناك كانت فاطمة تعد الفطائر وطعامه المفضل
فقد ارسل اليها زوجها خطابا قبل يومين انه راجع فى اجازة
كانت فرحتها مضاعفة .. فقد اخبرتها طبيبة الوحدة الصحية
مبروك .. انتى حامل
**
وضعت يدها على بطنها المثقل ببضعة منه
كانت تحلم بالطفل منذ سنين
جففت دمعها .. وانطلقت تلعب بعرائسها
فقد كان زوجها يعاملها كطفلته المدللة .. وكان يشترى لها الحلوى كل مساء
**
وكان قد وعدها فى خطابه الاخير ان يصطحبها معه الى مولد سيدى "الفقير"
فهى تعشق اصوات المنشدين بذكر الله والنبى المطهر
وكان يستهويها الحاوى القادم من البندر الذى يمشى على الهواء
ويخرج من يدها منديل من حرير
**
طرق الباب بشدة .. لملمت عرائسها واسرعت تفتح
كان الطارق عمدة بلدتها وفى يده ورقة ..
القى على البيت نظرة كأنما يريد ان يقول لها سر
ترك فى يدها الورقة ومضى يضرب كفا بكف
انطلقت مسرعة .. حتى انها نست ان تغلق الباب كعادتها
ذهبت تبحث عمن يفك طلاسم الورقة
قابلها فتى عائد من مدرسته على اطراف القرية
البقاء لله .. زوجك شهيد
**
سقطت على الأرض كأنها طائر صغير اصابته احجارصبية يلعبون
امسكت بحفنة من التراب تخضب بها الوجه والثياب الزاهية  كأزهار الربيع
ضربت بشدة على بطنها..تحادث جنينها الذى لم يتشكل بعد .. لا تأتى.. لم يعد للحياة معنى

جمع قادم من الطريق السريع .. سيارة عسكرية وخلفها مجندون يتمايلون كسيقان الشجر اليابس
التف رجال القرية حول السيارة.. نزل منها ضابط وعيناه تنظران من خلف نظارته الشمسية
انتى زوجة الشهيد ؟.. كانت تعرف هذه الكلمة .. لكنها تعلم ان الحرب انتهت من زمن
وضع بيدها ظرف مغلق .. وقال استعدى للعمرة فى الشهر الكريم مع اسر الشهداء
قالت والتار؟ رفع هامته كأنه محمد الفاتح على  اطراف القسطنطينية وقال.. خلاص اللى ما يتسموش قدموا اعتذار
القت بالظرف فى وجهه.. وانطلقت نحو السيارة ..
**
تدافعت بين صفوف الرجال .. ونحيب النساء الذى يعلو تارة ويخبو تارة  اخرى
كأنه الهدوء الذى يعقبه العاصفة
تبسمت كأنما تلقى حبيبها العائد .. ووضعت يدها على بطنها ..وقالت .. موش عاوز تشوف ابنك؟
اندفعت بجسدها الذى ارهقه الشوق .. تحتضن النعش الملفوف بعلم مصر..

انتهت

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة