عشق في القارة السابعة – قصة : الرشيد حاجب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسعشقه للحروف لا يضاهيه عشق ..
صحيح أنه أحب وتعذب وذاق مرارة الهجر حتى كاد يكفر بكل شيء .. غير أن عشقه للحروف ظل راسخا لا يتبدل.
وهاهو "النيت-NET" يفتح أمامه بابا من أبواب السماء .. عالما زاخرا بالحروف الزاهية الأشكال والألوان .. أنشأ مدونته وأغرقها بكل ما جاشت به حياته خلال السنين الثلاثين التي عاشها على الأرض حينا وفي عالم الحروف أغلب الأحيان.
ظل يتجول بين المواقع والمدونات صائدا مقيدا إلى أن وقع بصره صدفة ذات يوم على مدونتها.
فتاة في العشرين .. جامعية .. مليحة الوجه .. دافئة ابتسامتها  وفي نظراتها ثقة و دعة ..أما كتابتها .. حروفها .. يا الله ..إنه لا يعرف كيف يصفها .. هذه الفتاة لا تكتب أفكارا .. لا تتفلسف ..لا تحاول أن تقنع أحدا .. كتاباتها نوع من الخواطر الصافية المشرقة .. روح شفافة بريئة تنساب مثل جدول رقراق على الصفحات فتصيب عدوى الابتهاج والسكينة كل من يلامسها.. حتى الحزن لديها يبدو شفافا كأنه الفرح.
يذكر أنه يوم فتح هذه المدونة وسبح في أرجائها الفسيحة, وجد صعوبة في إغلاقها .. لم يتركها إلا بعد أن نقش عليها تعليقا ضمنه كل ما تحرك داخله من إعجاب و انبهار .. فجاءه الرد سريعا "أخي الحبيب .. سرني أنك استطعت أن تحلق معي في أجوائي وتتلمس شغاف روحي .. و .. و .. أصبحا صديقين حميمين.

بدأ يشعر بتغير نظراته إلى الناس والوجود .. صار أكثر رقة وأعمق إدراكا ..ليتأكد أعاد قراءة رواية "الجريمة و العقاب" التي كادت تدفعه وهو طالب إلى إزهاق روح أحدهم ليخوض تجربة العقاب بنفسه .. هذه المرة لم تتلبسه شخصية البطل, بل عاش معه ومع سائر الشخصيات عذاباتهم الروحية والنفسية فازداد عالمه الداخلي اتساعا...
هذه الفتاة ملاك..
عرف عنها و عن أسرتها كل شيء .. ولم يكن يتركها أبدا دون أن يترحم على روح والدها الذي فقدته و هي طفلة ما تزال, كما لا يفوته قط أن يرسل التحيات مع التمنيات بالصحة و طول العمر لأمها فاطمة .. أستاذة الأدب المتقاعدة.
كانت تحب أسرتها حبا لا مثيل له .. تطمح أن تحقق طموحات أمها الطيبة و وترسم لفارس أحلامها صورة ملاك يأتيها على صهوة جواد أبيض فيهيمان معا في عالم روحاني مشع .. عالم تستوي فيه الدموع و الابتسامات لأن مبعثها واحد هو النفس الهادئة المطمئنة.
 ما كان إعجابا بدأ يتحول إلى حب .. بل عشق ..وبدأ يخطط للقاء أرضي .. فالصور لم تعد تكفي والعيش بدونها بدأ يبدو مستحيلا .
لقد أنس منها إعجابا به ..بل ربما حبا فلماذا لا يصارحها بما يجيش في أعماقه؟
لماذا يستمر في التلميح مثل "لقد أدمنتك" التي قالها لها في آخر اتصال ؟
لا .. كفى تلميحا .. اليوم سيصارحها بحبه .. سيقول لها أنه يريدها بجانبه .. سيكرس نفسه لخدمتها .. سيعوضها حنان أبيها .. سـ..سـ..
سيف حاد طلع عليه من شاشة الحاسوب و راح يحز قلبه و يتفنن في تقطيعه.."لا وجود لمدونتها .. ولا حياة لبريدها الإلكتروني"
لم يذهب إلى عمله .. لم يأكل ..لم يعد يحس بشيء ..
ظل أمام الحاسوب يبحث و ينتظر..
ينتظر ماذا ؟ لا يدري بالضبط ..
في اليوم الثالث وقد أوشك أن يتهاوى ضعفا جاءه بريد منها:

"سيدي الفاضل الرقيق ..
أشعر بذنب قاتل ..لا أعرف من أين أبدأ ..لم أعد أستطيع الاستمرار أكثر.. لقد حاولت من خلال تلك المدونة أن أحافظ على روحها حية بيننا .. لقد كانت تلك روح ابنتي الصغرى فعلا .. لكن ابنتي ميتة منذ  سنتين يا بني فأرجوك سامحني..." إمضاء الأم فاطمة.

 الجزائر صيف 2008

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة