على حافة الليل – قصة : دريسي مولاي عبد الرحمان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgهكذا ينام وهكذا يستفيق على وقع مغزاها.لكن لماذا هي تضيع في كل لحظة ظانا أنه ممسك بتلابيبها؟أحقير هو وملعون لعنة الأبالسة؟ويا للأسف,كم تمنى أن يغدو وجبة,جيفة تنهشها الأكاسرة,لتلقي به بعد انتهاء حفلتها من تلك النافذة التي تتلاعب بأضواء العمود الكهربائي في الخارج,خالقة لذيه نوعا من الهذيان الطيفي داخل غرفته...                         &n bsp;                         &nb sp;                   
انه الغم الميتافيزيقي يهيم على روحه,مقتنعا بقواه الواهنة على أنها تستطيع أن تضع بعض الترتيب على فوضى عارمة تهز عوالمه..اضطرام أصوات صاخبة متداخلة,يثير فيه ألوانا من الوحدة القاسية,ضروبا من القسوة المتوحدة في عوالم الاضطراب الفظيع.غب هذا النضال المرير مع تجريد يقبع زواياه,ليس هناك شيء سوى اللامعنى يسيجه ,يخنقه...فعندما لا يستطيع الإنسان أن ينعم  بقسط ضئيل من الراحة الداخلية,فالأجدى به أن ينتحر في بواطن تناقضاته  ويتلاشى في التواءات دروبه الماحلة,ليبحث هناك عن طلقات رصاص تدوي في أعماقه...
   حوار داخلي أقرب إلى مونولوج تردد صداه في أرجاء محيطه..التفت إلى جميع الجهات ليبحث عن ذلك الصوت الذي يتربص به.همس اقرب إلى وسوسة الشياطين أربكه.قام من غفوته ووقف مشدوها أمام ظلمته..تحسس وجهه المفزوع في ظلمة غرفته,فوجده معروقا.مسحه بظاهر كفه وهم بالوقوف نازعا عنه غطاؤه بانفعال ظاهر.اتجه نحو زر الكهرباء فاصطدم بحافة السرير التي آلمته.تأفف وسب وشتم,بعد أن تعثرت مشيته وهو يتحسس كضرير أجواء الغرفة عله يلمس برودة الجدران وينير هذه العتمة التي ترعبه دوما..أخيرا ضغط على واهبة الأضواء..شحوب ضوئي باهت يبدد خوفه.تراءت له ظلاله بجنبه أطيافا هلامية لشبح مريع.عمد إلى القاء نظرة على هيئته,فنشأت في تلافيف دماغه وبين عصيات مخه,سلسلة من الترابطات المنطقية.قال في قرارة نفسه:
 
- أنا الكائن نفسه..ملامحي هي ذاتها..قامتي هي عينها..اذن ماذا وقع؟
في غمرة اندهاشه,لم تسنح له الفرصة ليكتشف ان المظاهر الخارجية في النظر والاستمرار والتجدد قد تحولت في زمن التبدد هذا دون أن يكترث لها...
رفع بصره إلى السقف فلم يجد سوى خواء مشوشا.انتهى إلى مسامعه صوت غريب,هوى على رأسه كنغمة تسربت إلى مشاعره:                        
    " أراك دوما سادرا في غفلتك..خارجا عن نطاق الزمكان..تائها في مغامرات لا تعرف مغزى..قل لي يا حبيبي ما بك؟"                         &nbs p;        
 
سحنته تجهمت وعرق تصبب من جبينه كشلال دافق.عيناه جاحظتان,غائرتان إلى تردد هذا النداء العجيب..أحس قرب صداه منه,لمللم قواه الشاردة في حركات عشوائية وألقى بثقله على سريره حيث سمع أزيز نوابضه...أوجس مهمهما:
- فؤادي يذوب أسى..وأحس قلبا آخر يحل محله..عقلي مسكون بصور رائعة تضببها ألوان لا اعرف مصدرها..في فمي رضاب ليس كالريق البشري وأسناني تصطك بحثا عن لحم تريد أن تنهشه...                         &n bsp;                        
 
جاءه الصوت هذه المرة منسابا كندف الثلج في ليلة شتائية مقرورة:
"هون عليك أيها البائس...أخالك تحب الأحلام وتؤمن بكل الأساطير والأوهام"
تمرغ فوق سريره زاحفا نحو وسادته التي غطى بها رأسه..تلوى حول نفسه كشرنقة ولدت لتوها وتمتم في غمار أنفاسه متحسرا:                         &nb sp; 
- بالفعل أؤمن بكل الحماقات والتفاهات والأوهام..فما دمت لا أرى أحلامي سوى أوهام,فإنني أرسو دوما فوق مينائها ولا شغل لي سوى المضي قدما نحو سرابها,محاولا البحث عن فرصة تشرعن الحفاظ عليها والدفاع عنها...
 
خفت الصوت وأحسه هذه المرة منبعثا من داخله بنبرة حنونة:
"ما الذي غيرك وجعلك على هذا النحو؟"
تساءل مع ذاته:هل أنا أحلم؟لا أظن.. إن ما يقع الآن يدخل في واقعي..وما يدخل في واقعي فهو حقيقي..وحقيقتي الآن هي أنني واقع في شراك الوهم...
 
أزاح عنه الوسادة وانتفض واقفا أمام ظله..حملق بعينيه الزائغتين فيه ولم ينتبه انه استرسل في الكلام:                         &nbs p;                           ;                
- بالعكس تماما..بالعكس تماما..أنا لم أتغير قط,لم ابرح مكاني,محافظ على جلدتي..أشعر أنني ما زلت على شاكلتي وسؤال التغيير لازمني كظلي,لكنني لم استطع الإمساك به حتى في أحلامي.ربما لم أطلق العنان لقوى لاشعوري الداخلية,فأصبحت صنما يخاله الآخرون شبحا...أما مع ذاتي فأحس شيئا آخر..عجبا عجبا...                         &n bsp;                                         
انحنى نحو ظله أكثر فأكثر حتى لامست يده برودة الأرض..صفعه تلاشيه فاستيقظ من شروده وسمع:                         &nbs p;                           ;
"لكنك أصبحت شخصا غريب الأطوار,شيء يحز في داخلك المضطرب وأصبحت مع مرور الزمن إنسانا آخر وكأنني لا أعرفك بتاتا"                         &nbs p;    
 
اعترته قشعريرة غامضة حلق على إثرها في فضاء غرفته صائحا:
- اشك انك تعرفني تمام المعرفة,معرفتك ظاهرية لا تنفذ إلى أعماقي,لهذا سأتعالى عن فذلكاتك الزائفة والجوفاء.صمت قليلا ثم صرخ:هل تعرفني حقا؟
 
تردد الجواب من الداخل بشكل مرتاب:" اعتقد أنني أعرفك جيدا...فمنذ أن وجدنا وأنا قابع في داخلك..اعرف نفسي كما أعرفك"    
 
أشهر يديه متوسلا وكأنه يخاطب شخصا معلوما قبالته:
- ألا ابتعد عني أيها الشبح الباهت..أنت تخيفني,لم أحس يوما أننا متصلان..أظن أننا نسخة مشوهة لشيء أصيل ومفقود..ماركة غير مسجلة..وأنت تبحث عن حقيقتك المفقودة في...                         &nb sp;                         &nbs p;                 
 
ثم جاءه السؤال مباغتا:"ماذا تود القول بالضبط؟"
 
رد بحزم فائق وكأنه بصدد إلقاء حقيقة من وحي هلوسته:
- أعني الحقيقة بصفائها,بنقائها,بكل تجلياتها الإنسانية.والمشكلة الأساسية في الحقيقة ليست هنا....                         &n bsp;                         &nb sp;           
"وأين هي إذن يا حبيبي؟"
 
تحسر لوقع السؤال ثم سقط أرضا مشرعا رجليه المشلولتين..بدت طاقته باهتة لم يقو فيها على النبس بكلمة.تلعثم مرارا إلى أن جاءت كلماته تباعا كأنها الحان مريرة,مبتورة نثرتها رياح حزن دفين:                         &nbs p;                         
- إنها بالضبط فيك..أنت أيها الكائن المغاير..الوطن الآخر..أنت لم تعد تتقن شيئا سوى الاستكانة لي والتواكل علي ومرافقتي بإلحاحك واستفزازك..كم أثقلت كاهلي بأسئلتك اللامتناهية وباحراجاتك الخرقاء؟أنت كالجوزة تريد أن تكس ولكنها جوفاء..متفرج سادي تعشق إيذائي وتبحر بي في متاهات ذهان لتسكنني بلوثتك...                         &n bsp;                         &nb sp;                       
"إذن احتاج إلى التأويل والتفكيك والتركيب لأفهم حقيقتك"
 
صرخ عاليا ولوح بيده نحو صدره متحسرا:   
- ربما يا حبيبي لا تحتاج إلى كل هذا لتفهمني..لست سرا عصيا على الكشف..لا احتاج إلى تأويل ولا إلى تفكيك,بل احتاج إلى جسد يقرا أوجاعي ويفضح سر هذه العلاقة التاريخية التي تجمعنا...                         & nbsp;                         &n bsp; 
 
بعد هذه الزوبعة الداخلية التي أفضت به إلى شفير الهاوية...ساد صمت رهيب..أحس خلاله بوطأة الأسئلة الكبرى المنهارة عليه وكأنها أحجار ترشق من سقف غرفته...                         &n bsp;                         &nb sp;                
 
أمسك رأسه بكلتا يديه مغطيا أذنيه وبدقة متناهية تناهى إلى سمعه,عبر انسلال أصابعه بوح غريب:                         &nbs p;                                  & nbsp;   
" ممكن جدا,وان كانت هذه العلاقة التاريخية كما قلت تحكم وجودنا بهذه الغرائبية التي تسكننا وكأنها ظلال جبرية مطلقة,فلنعمل سويا على تعميق الهوة بيننا ولنحاول الانفصال نهائيا عن بعضنا البعض,ليعرف كل منا من يكون"
 
الانفصال,القطيعة,الاستمرارية..عوالم حاول أن يصيرها واقعا..لم يتوفق أبدا..فانتابه يأس شل حركته وقمع طموحاته وانهار في آخر المطاف...
 
لقد وقع كل شيء بهذه الطريقة المفجعة..فهبت عليه من جميع الجنبات همسات مشوشة تزمجر في محيطه نشيد الموت الفجائي...
 
رأى فجر الصباح يكتسح جنح الظلام بخلسة بطولية..تحرك من مكانه ليدفئ ساقيه المتجمدتين من كمد الرهبة الداخلية,في غرفة شبيهة بالزنزانة..راحت رائحة الموت تسكن أنفه بحدة لا تطاق..شرع نافذته على نجمة عالقة في سماء ذاكرته الداكنة..تلألأت عبر فضائه ورياحه الكونية العاصفة..تنسم هبة نسيم صبح ندية,لامست حلكة روحه فانبعثت في قلبه كل الأسرار وغمغمت في جسده نداءات الأقدار:
- أنت....أنت....لست سوى كومة من الأصفار....
 
هذه الليلة...وكل تلك الليالي,كانت تناديه بهيبتها الموحشة أن يسير خلفها الى حوافي الأرض المقفرة,لترميه فجاءة أسيرا,اعزلا في فجواتها المضيقة,وتطمره بكل حلكتها القاتمة...حينها يوشحه السواد بصمت مريب..رهيب..ورائحة أشبه برائحة الكبريت تنفذ إلى جوفه..تطوقه..تخنقه وتلفه في ثوب محنط ثم تواريه تراب التيه وتلقي به إلى هاوية النسيان..أما هي فتمضي بعيدا..بعيدا لتعانق اشراقة الصباح...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة