الأجنحة ـ قصة : سمير رايس

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ac-abstrاتسعت رقعة الأسى..
ركضت حتى آخر الشارع المفضي إلى الميناء..لم أر غير بواخر السلع القادمة من الموانئ البعيدة.. ترسو كجبال شاهقة...
على طرف العوازل الحديدية تربع سكير يحتضن زجاجة نبيذ رخيص...كان ثملا لايقوى على رص الحروف بعضها لبعض..يمدها كمن يحتضر..
" أبو نواس كان شاعرا وحكيما ...وسكيرا..."
يا أنت المرمي على الأرصفة النتنة...مالك ونشواها ودبيبها...
أغرتني الفكرة...خطر لي " عبد القادر الكندي"..كيف يغني بصوت جميل حين تسكره نخلات الشواطئ المزيفة..


استفقت على صوت نورس تائه..أخطأ الشاطئ إلى شارع عام.. تكاد السيارات الوقحة تسحقه...
ارتاع هذا الضال..
لعل الأجنحة تخون في الأوقات غير المناسبة هي كذلك...
بين حالي النورس الذي أرى و" ابراهيم الذيب " بعض شبه..
النورس يبحث عن قوت زهيد يسد به رمق اليوم....و " ابراهيم الذيب" يحتال على الفرائس..
والنورس تاه عن رفاقه وقد لاذوا بصخب الموج ونتوء الصخر..
و " ابراهيم الذيب" خلق من ضلع أعوج لذئبة أورثته سلالتها..طبائع الاحتراس والخديعة..
أحبك يا صديقي لأني ألفت عواءك الجميل...
لأنك تقدر على كتمان حزنك..وغرز مخالبك ضد الأيام ولا تبالي..
وتركض في كل الاتجاهات ، على يقين بأنك ستنال مبتغاك...
وتعوي كما تشاء فلا يفهم لك وعد من وعيد...
أدعي أني قرأـك منذ الصبا، وحفظت ما ظهر من روحك وما استتر..
هل يصير الذئب نورسا ضالا على ضفاف الموانئ..يبحث عن ديدان الأرض..فيهلك قبل الأوان..؟
2
الشوق إلى " سعيد التلي" يقتلني..
أفقت على صوته عزف ناي حزين...
توسلت الأيام أن تمنحه بعض فرح...تمهله عمرا قصيرا ليأسى جراح " سميرة نوار"...
دخلت " بسكرة" ... فتشت الحارات القلقة .... وجدته في كل منعطف ، وتحت كل نخلة...ماثلا بصمته ودخانه..." مقهى السعادة" ...جلال الذكرى... توحشته وبكيت..هل يساعد الغياب الطويل على النسيان..؟ هل تمحو الأيام آثار السين....
صاحبي... وجهي ووجعي...محنتنا معا في جحيم الحب وجناته..
لعينيك مد الصحارى...غبطة الفراشات... عليل الصباحات..وانكسار الموج...
وأنا الباحث عن تغريبة توحشني صدى الأيام الرتيبة..
" أناديك هل تسمعني"...؟
يا هذا الغارق في فلوات الروح...قحط العزلة وأنينها..
هل تبصر نجما آفلا بعد ضياء..؟
تمثلت نفسي صقرا بلا أجنحة...آلمني المشهد..ذعرت وقد ارتسمت صورة الأفق ضيقا ، لا يسع طائرا يطوي مدى المدى...يعاند الريح أنى اتجهت..
" أناديك هل تسمعني"...؟
بح النداء..
صحت – كالغريق-: عربدي أيتها الأمواج كما شئت..
كنت أرعى حلما زرعته في القلب منذ سنين..لم يستو الحلم شجرة..فانتابني الخوف والأسى...كم كنت محترسا من دورة الأيام الخبيثة...
أبصرتهم يعبرون أفواجا ...كاد يخنقني الغبار..لم أشهق..- من عادتي ابتلاع غبار الأحبة-...
أيها الزاحفون ..الخارجون من دمي... أيتها الريح الجامحة في صحراء الروح..
أيها المناضلون بلا أغنيات...
أيتها المنافي المقدسة على سواحل المشقة.. والاندثار...والموت المجاني..
يا أيها الغبن ..التوسل...الفجيعة..قذارة المعنى والكلمات..
قلت : ليس غريبا أن يتحول " ابراهيم الذيب" خطيبا يحث الناس على التقوى... وينهى عن الفحشاء...أو معلما يحذر من كيد النساء..أو مطربا ترقص الدنيا على عوائه..
كم يريحني ضحكي...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة