تواريخٌ مبعثرة ـ نص : رانيا عبد الرؤوف

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

550469تتبارى العصور أحياناً على ... التشابه !
واضعة أحلام العباد فى رحاب السماء التى تُنْظَرُ ولا تُطَال !
ونبقى نحن الشعوب على حال من شرئبة عنق الأحلام ... دوماً !

25_6_1954
الوقت : الشمس على وشك الشروق ، لا زالت تلتحف بـــ السماء .. أسمع تثاؤبها من هنا ... من موقع قلمى فوق الورق !

المكان : طريقٌ ، صُفِّت الأشجار فيه على الجانبين ... يُخَيل لـــ عين الناظر إليه أنه ربما تلك الأشجار تأخذ طريقها إلى الأبدية أو لـــ ربما ... إلى ما بعد المنتهى !

 

_ هتف رفيق الخطى فى وجدانه ، وهو يسير بـــ جانبه أو لـــ ربما يسكن ظل الرجل فوق الأرض : تُرى أفي نهاية هذا الطريق سنجد المسيح مصلوباً فوق شجرة لم يتبق منها سوى الجذع ... ؟!

 

_ أجابه الرجل فى شرود : فقط، دعنا نصل أولاً !
_هتف ذاك الذى يسكن ظل الرجل فوق الأرض فى إلحاحٍ مرة أخرى ، وفى صوت يأتى من بعيــــد ... من سابع أعماق الروح أو لـــ ربما ابعد : أتعلم ، أنا أود لو التقى بـــ ثمرة مريم .. تلك التى حين هزت جذع الشجرة إليها ... ناولتها حياةً ! (ورفع ظل رأسه من فوق الأرض فجأة لـــ يواجه الرجل ) أريد أن أسكن أرضاً تضج بها ... الحياة !
_ الرجل وهو يشرئب بعنق حلمه لـــ السماء : ربما !


25_6_2013
الوقت : الشمس ترفض الظهور ، تأتى بالقمر غصباً تستلقى على الجزء المضئ فيه وتصدر لـــ الأرض وجهه المعتم ، من موقع قلمي هنا أسمعها تغط فى الظلم !

المكان : لم أتبين معالم المكان بعد لـــ أصفه لكم ... أحاول التدقيق والتحديق والتمحيص لـــ أرضي فضولكم لكنه ضبابى الملامح ... يوحى بـــ اللاشئ ...!
المكان تختلط به جميع الروائح ، رائحة عرق مُعتق وكأن الجسد حفظه أحدهم فترة ليست بـــ الهينة داخل صندوق مغلق لا منفذ فيه لـــ الخروج ، ثم قرر فجأة أن يُطلع عليه الأنوف ! ... رائحة تشبه البحر ... بها شئ كــ ملح البكاء ! ... وأخرى تفوح منها الهموم ... ولكل هم رائحته المميزة ... المميزة جداً ...!

_ صوت من بين الزحام ينطلق فى حشرجة صارخة لــ إمرأة عجوز تجلس واضعة رأسها بين ركبتيها ، ومحني رأسها إلى حد التقوقع ، الأسمال البالية إذا وصفنا بها ملابسها .. كنا غير عادلين ، تهتف فى صوت عــــالي جداً ، لكنه حين يحاول الخروج من بين ركبتيها المثنتين يطلع محشرج مكتوم : ساعدووووووونى
_صوت آخر مجيباً ... يضج بـــ صوته لـــ يغطى على كل الأصوات الأخرى لـــ رجل يكاد لا يرتدى شيئاً / مجرد شئ يشبه الخيش فوق وسطه ، وشعره الأشعث يملأ كل جسده يسير رافعاً رأسه موجهاً حديثه إلى لا أحد: أدع ربكِ أن يساعدنا أولاً !
_صوت ثالث من بين الزحام يهتف فى صوت غليظ : دمه محلل ... اقتلـــــووووووه
يلتفت الجميع لـــ يتبين مصدر الصوت ... من صاحبه ... يستوضحون يقصد من ...؟ وإذ بهم يتسمرون فجأة فى أماكنهم يستمعون إلى دم الرجل ذو الشعر الأشعث وهو مع كل دفقة هواء لـــ خروج الروح يتمتم بـــ شئ ... شئ لا يكاد يُسمع !

25_6_1954
الوقت : لا زلت أعدكم ســـ تشرق الشمس ، فها أنا أراها بعينى قلمى تجالس النجوم على مائدة الإفطار وبعدها ســـ تتمطع ربما لـــ المرة المائة لـــ تنفض عنها غبار الظلام وتشع !

المكان : قهوة فى حى الحسين ، قعقعات النارجيلة تغطى أحيانا على صوت الأحاديث ، صوت من هنا (أيوا جاى) ، وصوت هناك (شاي وظبطه) ... لا تنتهى الطلبات كما لا تنتهى تلبية صبى القهوة ... يجلس نجيب محفوظ بنظارته الكبيرة والحسنة التى تكاد الا تميز من وجهه شيئاً سواها ، واضعاً ساق فوق ساق ، يجلس فى استرخاء فوق طاولته فنجال القهوة يرتشفه الإنتظار ، ونجيب ممسكاً بـــ القلم يهتف فى حبره كــ وحى محمد بما يُسطَر لـــ تاريخ البشرية !
يُجْلِس شخصيات (السكرية) بـــ داخل عقله فوق أرائك من ثورة ، يستأذنهم لـــ يخرج بعينيه إلى هنا وإلى حيث هناك ... إلى التلفاز الذى يعلن خطابات عبد الناصر ، إلى أحاديث البعض وهى تنقلب إلى شتائم وسباب من مع عبد الناصر ومن ضد ... من يذكر محمد نجيب وكيف يتذكرون ؟ ... ومن يرى المستقبل وبأى شكل يرى ؟
يعود إلى السكرية لـــ ينهى حياة البعض ، ويتجه بـــ البعض إلى عمر المشيب ، وبـــ الآخرون إلى التساؤل ؟


25_6_2013
الوقت :الشمس يغتصبها الظلام ... فـــ تلد ألف نور مُغلف بـــ ألف عتمة ، يسمع صراخها قلمى من موقعه هذا ... فـــ يرتجف !
المكان :صخب وضجيج ... وأجساد تتلوى فى عجب ، على كلمات تتعشق فى الحمار وأخرى لا أعلم فيما تتعشق ... أعتقد فى ثمار الفاكهة ... لا أذكر صراحة فى أى ثمرة فاكهة بالضبط تتعشق ؟ أو ما هى الصفة التى تجعل الوله بهذا الشكل ، أو تصيب أجساد الراقصين من بنات و شباب بهذا الوهج ... ربما تكون الموسيقى والتى تشبه زلازل اليابان فى قوتها وضجيجها ، حد توسل أذنى لى فى صراخ
_(فلنرحل) ...؟
فأجيب أذنى فى همس : فرح إبنة عمى وأذهب ... جننتِ أنتِ ؟
فـــ تهتف فى وعيد وقد على صوتها على كل الضجيج من حولى : ســـ أصاب بـــ الصمم أيها الأبله ، ووالله لو جئتنى بـــ كل توسلاتك بـــ رفقة أفضل أطباء العالم ، لما عدت لـــ السمع مرة أخرى ... هِه .
تفكرت لحظات فى وعيدها ، وأدركت أنها لا تتوعد هباءً ... أمسكت بـــ حقيبة يدى التى كنت أضعها على الأرض فلا مكان لها وسط المدعوين ، رفعتها مرة أخرى إلى كتفى وأسلمت الطبق الذى كنت ممسكاً بـــه ... طبق حلويات مُشكلاً من كل شئ .. لم يترك صنفاً من الحلوى الا وأتى به ... واليد الأخرى علبة المياه الغازية .
نفضت يدى عنهما وحملت الحقيبة وتحايلت على أبى الذى نظر لى فى "توعد" ... وسلمت على الجميع ... ورحلت ..!
كانت الساعة العاشرة ليلاً ، وفى موقف الميكروباصات أقف ... أتوسل إلى كل سواق ميكروباص أن (يُحَمِل) ... وأخيرا تطلع إلينا رجل بعينى الشفقة وهو يهتف من بين شفتيه التى تنفرج على أخراهما ... الأجرة بـــ 5 جنيه ، ونشب نار الحوار بين السواق من جهة ومجموعة الواقفين من هنا ، حتى سلم منهم الكثير للأمر الواقع وركب ... وأنا منهم !
استلقيت بظهرى على الكرسى وامسكت بالكتب التى كنت أبتعتها من سور الازبكية قبل الذهاب الى الفرح مباشرة ... وأخذت أقلبها بين يدى ، اخترت منها (ثلاثية غرناطة لـــ رضوى عاشور) وبدأت فى القراءة وواصلت القراءة حتى وصلت التى سلمى ومحرقتها بـــ رفقة الكتب ... تألمت !
لـــ ربما أيضاً استمعت إلى صوت طقطقة عظامها عبر آثير الكلمات ... ! وسمعتها أيضاً وهى تصرخ ولا أحد ينتبه :... لا تحرقوا كتباً لامست وجدانى ... يكفى حرقى !
وانتبهت فجأة إلى صوت يسلبنى حياة غرناطة ... يسلبنى العالم الذى توحدت فيه ...
يهتف فى فى حدة :
_أنت ، تعالى هنا ؟.
_وسط تسمرى ودهشتى أجبت فى صوت واهن من الخوف وأنا أشير بإصبعى إلى نفسى وأتلفت حولى وسط تحديق ركاب العربة فى وجهى : أنا ...!
وصوت أحد الركاب يصرخ فى فجأة : (تحرك يااخى شوف الباشا عاوز ايه)
نزلت وأنا اتبين ملامح الضابط فى وجوم ولفت نظرى بشدة ذقنه الطويل ... طلب البطاقة فـــ ظهرتها له ... وشهادة الإعفاء من الجيش فظهرتها ... ثم امر أن تتحرك العربة وأن أبقى معه ...
فسألته من بين جزعى وأنا اتلفت بينه وبين العربة التى تحركت فى سرعة البرق : وأنا ؟ ما تهمتى ؟ لماذا تبقينى ؟
فنظر لى مليّاً ثم هتف فى غيظ وصوته ييكاد أن يدك عظام الصمت السكون من حولى : تهمتك الحرف !


25_6_1954
الوقت : قررت الشمس أن تستفتى أحلام وجداننا ... متى تشرق !

المكان : منضدة صغيرة ومقعد ... وشرفة مُطِلة على حلم كبير جداً بــــ حجم وطن ، بــــ نكهة مصر جديدة ، وفوق المنضدة وضع الجزء الثانى من رواية رد قلبى لـــ يوسف السباعى!
وقف هو بـــ قامته الفارعة يتأمل سماء الحلم ... يتطلع إليها ، يطالبها أن تبعث له بـــ شهاب لـــ يستلقى سرعته الشاهقة ويصل النجوم !
_حدثته زوايا عقله هازئة : ألقِ بـــ نظرة على الأرض يا أنت ، ولا تسائل المستحيل التحقق ... أينُكَ أنت من إبنة السلطان (وفى ضحكة ساخرة) أم تراك صدقت قصة الشاطر حسن ؟
وشعر هو بـــ شئِ يعتصر قلب أحلامه ... حد التوجع !
فـــ هاتفته نفسه حنيناً تُطمئنه: لا تستمع له ، لم يعد هناك ابنة أمير وابن جناينى ... صدقنى لم يعد سوى أن تحث السعى لـــ تحقيق الأمانى ، فـــ تصل .

وظل هو بين ذلك الهاتف وذاك يستطلع نجوم السماء ... يسائلها الدنوّ !
وتهتف حناياه : لـــ ربما

25_6_2013
الوقت :الشمس أصرت على ألا تشرق اليوم ، ولـــ ربما لـــ قرن لن تشرق ، ســ تموت عدة مشاعر ناقصة الدفئ ... ســ تُجهض أحلام تحتاج جذورها لـــ نور الواقع ... وســـ يفنى الكثير ، ســ يذهب برفقة العدم تاركاً خلفه ... حرقة قلب أو أكثر !

المكان :افترشت حولها شهادات كتب اسمها فيها فى خط عريض ، شهادات كثيرة خط فوقها (شهادة تفوق) ، وأخذت بـــ بالحبر الأسود تكتب فوقها واحدة تلو الأخرى ... حسرات قلب وخيبة !
فهنا خسرت طفولتها فى سبيل (الثانوية العامة) ... لـــ تكسب أعصاب عارية !
وهنا وأدت أنوثتها فى سبيل (أن تصبح ذات شأن) ... على سبيل الحلم !
وهنا خلفت ضحكة وراءها ...لـــ (يزيد راتبها) ... آملة فى فقر ذا مستوى أرقى !

وعلى المستوى الموازى جلس هو ...
لم يفترش شيئاً على الأرض ... لم يجمع حوله نجاحاته ... والتى لها نكهة السخرية !
لم يفعل سوى أن اسند ظهره إلى الحائط ... وافترش (ذاكرته ، أحلامه ، مستقبله الذى قيد العدم ، و وجوده الذى رافقه الغياب ) !
وكتب داخل مذكرة عقله اليومية ....
و خسارة عينٍ ... فى سبيل وطن أحمق !

25_6_2013
الوقت : دقات الساعة مصابة منذ عقود بـــ الخرس ، نناشدها التحرك فـــ تتمسك بــ تلابيب الثبات !

المكان : قمامة ، تكوم عليها الذباب ودعا عائلته ومعارفه لـــ إقامة حفلة ... وكان وسط الواقفين هو ...!
لا أحد دعاه ... حتى الذباب يقف فوق ملامحه فى دهشة ، ينظر له فى تساؤل (من تكون) ، وكأنه يعزم على طرده ؟!
وقف بـــ ظهره المحنى أو بالأصح الذى يبدو أنه يسير فى زاوية قائمة ... فـــ تكاد تعتقد أنه لم يكن يوماً ما كـــ سائر البشر يسير مستقيماً !
شعره ناعم الكثيف ، عينيه ضيقتين والتى بنت حولهما تجاعيد الزمن بيوتاً وقصور !
وبين كل حفرة وأخرى فى وجهه .... سرٌ تخفيه الملامح !
أنحنى على القمامة وأخذت يداه تفتش فيها . والسائرون حوله لا يعيرونه إنتباهاً .
فأى إنتباه وسط مشاغلهم يستحق !
وظل ينحنى أكثر فـــ أكثر حتى طال وجهه القمامة ، فأصبح وكأنه زاوية منحنية بشكل مثير لــــ .... ؟
حقاً يخوننى التشبيه

ظل هكذا كثيرا حتى ارتمى فجأة على القمامة حتى يتراءى للناظر أنه جزءاً لا يتجزأ من قاذوراتها ... وظلت رأسه مغمورة وسط القمامة .
الذباب يتكوم فوقه ، مهللاً بـــ الوليمة الطازجة .
والبشر من حوله سائرون ... لا يميزون شيئاً عن شئ ، من موقع قلمى هذا ... اسمع غطيطهم فى اللامبالاة !
25_6_2013
الوقت : لـــ الشمس نكهة الدم ، وشعاعها بـــ لون ... اللاسطوع !

المكان : غرفة صغيرة ومكتب ... ويجلس هو منكباً فوق مجموعة من الصور ... إحداها لـــ فاقد عين واحدة ، وإحداها لـــ إثنتين ، والأخرى لــ شاب فى العشرين ، زينت صورته شريطة سوداء ذاك الذى رحلت روحه فى إحدى (هباء التظاهرات)...
والبعض الآخر يحوى أماً عجوز ترتدى البكاء . والكثير ... الكثير !

أمسك بـــ قلمه وأخذ يكتب فى جنون فوق ظهر كل صورة :
يا وجع ثورات العالم ... وهى تلتهم دم الشهداء دون تحقق !

أتعلم ...
أي وجع تعانيه روح الثورة فى الإنتظار الذى ينتهى ... بــــ شهيدٍ سُدى !
أى ألم تعانيه روحٌ فى فراق روحٍ !

أتدرى ... ؟
أى عتب على الوطن !


الوقت : تتداخل العصور فـــ لا تُمَيز ، ملامح الألفية الأولى تشبه الثانية حد التماثل ، والشمس زاوجت القمر مُخْلِفة لنا ... (غموض ، نور ممتزج بـــ الغروب .... وألف تساؤل) !

المكان : عربة مترو ، تزاحمت فيها الأجساد وكأنها (لحوم بـــ لا معالم) !
وهو ، جالساً بعد أن استقل مكاناً بعد عدة محطات واقفاً .. تكاد ساقاه تتركانه وتجلس هى من تلقاء التعب .
يحوى بين يديه نصاً مسرحياً لـــ إحدى كتاب العبث .
رن هاتفه ، قام من حشرته فى مقعد العربة بين الأجساد المتراصة بـــ جانبه ، لـــ يستطيع بعد عناء أن يشق طريقه فى جيب بنطلونه لـــ يمسك بالهاتف :
_آلو ، خمس دقائق وأكون عندك .... أنا فى محطة الشهداء .... نعم ، قال لى المدير كل مرة تحلف أنك ذاهباً لـــ تأتى بحجرة الصالون .... والله أخبرته الاسعار نار ... ولا زالنا نبحث .... يارب تكون المرة الأخيرة ... مع السلامة .

وجلس مرة أخرى محاولاً حشر نفسه وسط الأجساد المتراصة ، شاعراً أن مكانه تضاءل أو بالأصح أُلتهِمَ ، نظر إلى الجالس بجانبه شذراً وكأنه يريد أن يصرخ فيه( ايها السارق) ... ولكنه سكت ، وأمسك بالنص مرة أخرى يقرأ فيه ، حينها سمع صوت صراخ وإرتطام أجساد وتزاحم ... فنظر بتكاسل وهو يعى أنها لابد إحدى معاركات المترو الشهيرة .
لكنه حين استوضح المشهد وجد مجموعة من الكائنات لازال لا يميز ماهى ، ترتدى ملابس وأقنعة من السواد ممسكة بالمسدسات المصوبة جهة راكبى العربة فى محاولة لـــ إنزالهم منها صائحين بهم وسط أصوات الذعر والإسترحام :
أحدهم واضعاً يديه على رأسه :
_أتركونى أنا عندى ولاد أربيهم
والآخر يجذب نفسه من يديهم جذباً إلى داخل العربة ، صارخاً فى بكاء :
_ سيبنى الله لا يسيئك
وأنا أقف ذاهلاً عما يحدث ، وهم يجذبوننى إلى خارج العربة وقع نظرى على الساعة ، الرابعة إلا ربع ، ومر طيف خطيبتى وهى تنتظر ... فكرت فى هاتفى ، وضعت يدى على جيب بنطلونى ... وإذ بيد الرجل تجذب اليد التى تلامس الهاتف تجذبنى إلى الخارج .

الأصوات تتداخل من هنا ومن هناك ، وهؤلاء ينزلوننا واحداً تلو الآخر غصباً ... ونحن نستسلم فى خضوع ، فـــ عددهم لا يزيد عن العشرة لكنهم يملكون السلاح ، وما أخوفنا من كل ما يشكل تهديداً لـــ روح الحياة ، تلك الحياة التى لا تهب سوى نسمات الموت !

أنزلونا جميعاً ، اوقفونا أمامهم بالمئات ، فوق رصيف المترو ، وعلى القضيب ، حتى موظفى المترو لم يستطيعوا النفاذ من تحت أيديهم ، فــ ساءلت نفسى (أي قوة تلك التى يحملون) !

علا فجأة صوت إحداهم وهو يمسك بـــ الميكروفون : هدوء ، نحن لا نكن لكم اذى ... كل مافى الأمر ســـ نأخذكم رهينة من الحياة حتى تحقق مطالبنا منها ، تلك المطالب المعتقلة لديها منذ جاء آدم إلى السماء ، نطالبها أن تكف أسرها ، أن تكف أسر (تذوق أرواحنا لـــ الفرحة) ، ســـ نأخذ أرواحكم رهينة حتى تكف عن أن تبعث لنا الحياة ولكم بأسباب الموت ، حتى تعى أنها بدوننا نحن البشر لا تستطيع أن تكون ذا قيمة تذكر !

وظل الرجل يهدئ من روعنا وهو يسير وسطنا هاتفاً : ما جئتم لـــ اخيفكم بل جئت لـــ أرهب الحياة ، أهددها ، أشعرها بـــ أنها بدون تلك الأرواح ... بدون أرواحنا لا تساوى شئ !

جئنا لـــ نأخذ ضمان رغبتكم معنا فـــ نرحل سوياً إلى اللاوجود ، تاركين أحلامنا المتعفنة منذ خلق البشرية معلقة فى عنق الحياة ... لـــ تخنقها ذنباً !

أتعلمون يا أنتم ؟
كم من ثورة قامت لـــ نحيا فـــ اخذت بـــ أرواح الزهور ورحلت ! ، كم من مطالب ولدت لـــ تنتحر ، كم من نحن لم يمت سوى بعد التعفن !
لذا ، فـــ لنرحل مُخلفين لـــ الكون هذا ألف لعنة ألم !

ظللت استمع إليهم وأنا افكر فى كل مجرى حياتى ، من عملٍ مهان فيه ، وشقة لا تنتهى متطلباتها إلا بطلوع الروح أو بـــ اللازواج !
جلست أمعن التفكير فى الكلام ، واتلفت إلى من حولى فــ اجدهم ليسوا أقل منى إمعاناً فى حياتهم ... تلك التى دوماً ما تشير إلينا بـــ لسانها ، وترتسم على وجوه الجميع شئ واحد مشترك : اللعنة على ذاك الوجود !

وكنت أنا أول الناطقين بعد ذهول : رافعاً عقيرتى (أنا) مشيراً بالسبابة إلى جسدى (أنا معكم) .
فـــ سألنى إحدى هؤلاء الذين يرتدون السواد : فيمَ
فـــ اجبت فى صوتٍ مهزوز : فى ثورة الرحيل !

(انتهت ، لـــ تبدأ من جديد )

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة