ذاكرة مدينته عقيمة كأرحام بعض النساء، حين عاد إليها يوما يبحث عن خلاص من ذاكرته الموبوءة، احتضنته أسوارها، فوأد خلفها أفراحه و كتب وصيته على شاهدة قبرها. مد إليها يده مصالحا فاعترضته فوهات البنادق المتمترسة خلف بقايا صور كانت و لا تزال تسكن ركنا من روحه، وجوه الصبايا المطلة من خلف النوافذ، و أصوات الصبية اللاعبين بين الأزقة و في الباحات و صوت المؤذن الصادح...كل ذلك تهاوى و وُئِدَ تحت ركام صومعة و تناثر مع دموع اليتامى و الأرامل. و صَمَتَ الجميع، فلا صوت يعلو فوق صوت الأزيز.
تسوّر ما بقي من جدار ذاكرته و مضى يبحث عن حلم جميل يعيد فيه للمدينة سحرها، و لروحه ألقها.