1 - تعريف بالكاتب
الفرزدق عبد الله حسن، كاتب سوداني من مواليد مدينة « ود مدني»، خريج لغة انجليزية و حاصل على ماجستير ادارة الأعمال من الجامعة البريطانية.
علاقته بالكتابة بدأت منذ الجامعة حيث نشط مع عدد من الأصدقاء و المولعين بالأدب من خلال اصدار جرائد أدبية حائطية ثم تواصلت منذ ذلك الحين دون انقطاع.
بعد الجامعة اشتغل بالتدريس لمدة معينة قبل الإنتقال لمجال التخطيط وتطوير الاعمال حيث يعمل الآن.
تعتبر رواية « أهزوجة أعلى النفق » باكورة أعماله الأدبية و نصّه الأوّل الذي تفتّح في انتظار اعمال قادمة له قيد الإشتغال، منها رواية « أبناء خاصرة النيل »2 - رواية « أهزوجة أعلى النفق »
صادرة عن دار المصورات السودانية للنشر و الطباعة و التوزيع في طبعة أولى لسنة 2020.
و قد وردت في مائة و اثنين و ثلاثين صفحة، افتتحها الكاتب بأربع اهداءات ثم اتبعها بتصدير. كما تضمنت ثمانية فصول هي على التوالي شفّاتي، الكنداكة، 6 افريل، دماء على المتاريس، متاريس الموت، السقوط، دماء في رمضان و الإيقاع الأخير.
كلّ فصل بدأه الكاتب بتصدير خاص به جاء في اشكال مختلفة بين النثر و الشعر لعدد من الكتّاب و الشعراء و المتصوّفة أيضا في مزيج فنّي جميل.
يستهلّ الكاتب روايته بطريقة درامية، موجهة إلى حدّ كبير حيث يصدم القارئ بمشهد شاب مصاب بالرصاص يسقط في مياه النيل مكبّلا و مشدودا بجسم يهوي به أسفل الماء حيث لا أمل في النجاة.
أحمد بطل الرواية، هذا الشاب السوداني الذي هوى و هوت أحلامه في قعر النيل، فكأنّ الكاتب هنا يهوي بأحلام السودان ممثلة في بطله، بأحلام أجيال متعاقبة من السودانيين في مياه النيل التي كانت دائما عنوانا للحياة عند السودانيين لكنّها تتحوّل لعنوان للموت، للفناء، للعدم و لمقبرة للأحلام.
في نهاية المشهد يعود أحمد بذاكرته حول كلّ ما حدث ( تقنية الفلاش باك) و هنا نكتشف أنّ مشهد الإستهلال ليس إلا المشهد الختامي للرواية التي سيعود الكاتب لأحداثها من خلال تذكّر بطلها احمد لكلّ ما حصل.
يعود الكاتب لبدايات الحكاية حيث تجتمع عائلة بطل الرواية واصفا ما يحدث خلال تلك الإجتماعات الليلية المفعمة بالجوّ السوداني العتيق حيث يمضي بعيدا في وصف عادات السودانيين خلال سهراتهم من مأكل و مرح إلى أن يأتي على ذكر اخبار سارّة و هي شقيقة بطل الرواية لأخيها ببيان أحد أهمّ روابط الثوار السودانيين حيث تقول « أحمد، تجمّع المهنيين طلّع بيان فيه نقاط تجمّع موكب القيادة العامّة» ص 14. و كأنّ الكاتب هنا يحدد نقاط روايته الكبرى التي لن تكون سوى تلك المحاور التي أُعلن عن انطلاق المظاهرات المناهضة للنظام منها. فهذه النقاط المادية واقعا الرمزيّة معنى ( في الرواية ) ليست إلاّ نقاطا تبدأ منها أحداث التغيير، أحداث اعادة كتابة التاريخ كما فعل الكاتب بإعادة كتابة سير أبطاله بدءا من تلك النقاط.
يمضي الكاتب في العودة أكثر للتاريخ حيث يعود إلى أصل تسمية عائلة احمد (بالهلالي) ذاكرا انتساب جدّه منصور لمعركة التحرر الوطني و رحلته فيما بعد الى ليبيا و مشاركته في حرب التحرير الليبية جنبا لجنب مع عمر المختار حيث اكتسب هناك لقب ( الهلالي ) نسبة لاحدى القبائل الليبية لكنّه سوداني أب عن جد كما قال الكاتب ( ص 18 ).
هذه الإحالة التاريخية، اشارة من الكاتب بأنّ الأمّة واحدة و قضيتها واحدة، فسواء كنت سودانيا أو ليبيا أو مغربيا فالهمّ واحد و المطلب واحد، طغيان يقابله مطلب للتحرر. معركة قديمة لم تحسم إلى اليوم بين انظمة ورثت الإحتلال فتسلّطت على رقاب الناس و شعوب دحرت الإحتلال و هاهي تحارب ورثته و وكلاءه.
يعود الكاتب للزمن الحاضر في الرواية حيث يجتمع أحمد بطل الرواية بصديقيه عثمان و سعيد و هم يستعدّون للإنطلاق نحو ساحات التغيير، فيمرون بشوارع السودان و ما يتخللها من مظاهر السعادة بالآتي و الشقاء بالحاضر و ما بينهما من الرجاء و الإنتظار.
أحمد العاشق للموسيقى رغما عن والدته التي كانت تريد له عشقا آخر، مضى يقود صديقيه إلى ان وصل عند نقطة الإتفاق، هنا يبرع الكاتب في وصف حالة القلق و الانتظار التي كانت ترتسم على وجوه الجميع حالة كسرتها « زغرودة » من احدى الكنداكات معلنة انطلاق موسم الفرح، فالزغاريد عند الشعوب العربية مفاتيح الأفراح مغاليق الأحزان، و كأنّ بالكاتب يوصّف لحظة فرح لن تتكر في حياة الشعب السوداني كما لا تتكر لحظة فرح العريس و العروسة بعرسهما ثانية لذلك كان لابدّ من الزغاريد.
ينهي الكاتب هذا الجزء من الرواية عند هذا الحد لينتقل بالأحداث نحو ثاني أبطال الرواية.
فكما استهل الكاتب حديثه عن البطل احمد بطريقة غاية في الوجع فانّه فعل الأمر ذاته مع البطلة عزّة حيث تستفيق بصعوبة بالغة تحاصرها الأوجاع و تغرقها الدماء و جنديان كَرِيهَا الرائحة و المنظر سيلتهمانها كما سيلتهم العسكر ثورة الشعب السوداني فيما بعد.
تغرق عزّة في اوجاعها فتغوص في ذاكرتها عائدة إلى انتمائها و قصّة جدّها عثمان الصول و رحلته مع القوات الفرنسية الى المكسيك محاربا هناك.
عزّة تشبه احمد كثيرا، فهي ايضا تمردت على والديها رافضة دراسة الطب او الهندسة مفضلة الفنون الجميلة، فقد كانت رسّامة تجيد مداعبة الألوان و هنا تلتقي الموسيقى ( احمد ) و الرسم ( عزّة ) ليقفا جنبا لجنب في وجه الأحذية العسكرية الجاثمة فوق صدر السودان و كأنّ قدر التغيير لن يكون و لن يمرّ إلاّ عبر جسر الفنون.
يعود الكاتب إلى الزمن الحاضر في الرواية عند نقطة وصول الثوّار عند مركز القيادة العامة حيث تطلق عزّة زغرودتها اِيذانا بانطلاق مسيرة الزحف، فالكنداكة التي آذنت للثورة ان تنطلق لم تكن إلاّ عزّة. و مع ارتفاع صوتها بالزغاريد تلتقي عيناها بعينيْ احمد، لتبدأ المشاعر بالتسرب لكليهما في موقف غاية في الشجن ( الحب و الثورة ). ينجح الثوار في اقتحام الطوق الذي فرضته القوات الأمنية حول مقر القيادة العامة ليلتقي احمد بعزة هناك و يغرقا في حديث الموسيقى و الرسم و الثورة.
عقدة الرواية كان هذا اللقاء بين البطلين احمد و عزّة في ميدان الإعتصام حيث يمضيان الوقت معا في انتظار الإنتصار. يبرع الكاتب في وصف تفاصيل التفاصيل داخل ميدان الإعتصام معطيا للقارئ مساحة هامة من استكشاف ذلك الفضاء الصغير مساحة الكبير رمزا و المليئ بالأحلام و الطموحات.
يُهَاجم الإعتصام من قبل الموالين للنظام في محاولة منهم لإلحاق الضرر بالثوار و هو ما سينجحون فيه لحدّ مَا حيث قتلوا عددا منهم لكنّ اصرار الآخرين على التغيير دفعهم للصمود الى ان جاءت الأخبار السارة أخيرا حيث تمّ الإعلان عن سقوط النظام و تولّي الجيش للسلطة و هنا سيبدأ أكثر الفصول دموية حيث سيتمسك العسكر بالسلطة و من ثمّ سيقومون بفضّ الإعتصام بالقوة مُنْهِينَ أسطورة الثورة في مشهد ختامي رهيب حيث يجد بطل الرواية احمد نفسه فوق اعلى قمة في النفق يعزف و ينشد لحنا للحياة تجاوره عزّة و اصوات الأحذية العسكرية تقترب شيئا فشيئا منهما إلى ان جاء الرصاص فيسقط احمد و تسقط معه الثورة جريحة مجروحة غارقة في الدماء و تنتطفئ الأماني مع انطفاء عزّة ومرور البوط العسكري من على جسر شرفها.
3 - خاتمة
رغم محدودية الفضاء المكاني و الزماني في الرواية إلا أنّ الكاتب نجح في حسن التصرف في الفضائين من خلال تركيزه على الحوار و السرد مما مكّنه من اكساب شخصياته قيمة اعتبارية بما صدر عنهم خلال الحوارات التي تعطي فكرة للقارئ عن تجذّر فكرة الثورة عند بطلي الرواية و بأنّهما ليسا من الشخصيات المهزوزة أو العابرة التي موقفها موقف الجمهور بل لها رؤية و تعرف بالتحديد ماذا تريد و كيف السبيل إلى تلك الإرادة التي لن تكون في نهاية المطاف إلاّ بالدمّ الذي يجب ان يسيل كثمن يدفع للحرية و الإنعتاق، كما ان تركيز الكاتب على السرد مكّنه من الخروج من زمن الرواية و العودة للتاريخ في مواضع معيّنة لتجذير فكرة الثورة أيضا باعتبار أنّ الفكرة متواصلة منذ الأجداد و ثورتهم على المستعمر و ارتحالهم في الأمصار و الحروب التي خاضوها هناك تجعل من الطبيعي ان يأتي زمن يثور فيه الأحفاد باعتبار ان المطلب كان و مازال الحريّة و الكرامة.
يمكنني القول بأنّ الكاتب حسنا فعل بتركيزه على حادثة فضّ اعتصام مقرّ القيادة العامة و تحويلها لفكرة رئيسية لروايته و هذا هو القصّ الذي برع الكاتب في تمثّله، فالقصّ في المطلق هو اقتصاص جزء صغير من حكاية كبيرة و تركيز عين الكاميرا عليها لتكبيرها لتظهر بتفاصيلها الصغيرة و الصغيرة جدّا أمام المشاهد و هنا أمام القارئ و هو ما أبدع فيه الأستاذ الفرزدق الذي اقتصّ لنا هذه الحادثة من المسار العامّ للثورة السودانية ليطلق فيها لِجَامَ قلمه الذي انطلق كفرس جموح يجوب كلّ نقطة فيها مضيئا جميع تلك البؤر التي بقيت بعيدة عن عين القارئ و سمعه.
إنّ هذه الرواية شهادة عن الطغيان و الجبروت الذي يسبتدّ و يتسلّط على رقاب النّاس، فيضيع الدول و الشعوب معا. و هي حكاية هذا الوطن العربي المعطوب الذي يعاني من محيطه لخليجه و الذي مازال عليه سكب دماء كثيرة حتّى يتحرر و ينعم بالحريّة.