1
قال العتابي :
(البلاغة إظهار ما غمض من الحق، وتصوير الباطل في صورة الحق)
وذكر لنا الجاحظ عن أعرابي انه قال: (من التوقي ترك الإفراط في التوقي!)
2
ما من أديب منا- إلا وقد غطته التراكيب المتواشجة بالأساطير، والخزعبلات وأقصته بعيدا عن المعالم الحضرية المتناثرة على وجوه الحقيقة المريعة..
كلما تصورنا ان نواجه الكلمات الأكثر سلطة من الصمت، الأكثر حيوية من النص، إلا وغرقنا في تفاصيل موقودة بالمحرم، بالممنوع..
لكم تصورنا ان عالم الكلمة اليوم وغدا سيكون من قاعدة ثابتة.. ضمن ما يكون التحديث العصري المواكب لانزياح المعلومة الغيبيّة بمعلومة ذات أصل، وكيان!
لكننا لم نـر سوى انكسار آخر ضمن المعنى. انكسار لم يعني الانحراف عن القصد، فحسب. قد يؤلف معنى جديدا/ يكتسب ثباتا آخر.
كيف تثبت تلك الحيثيات بين المعاني وتخرج صارخة بوجه المتلقي العارف/ العليم.. صماء اكثر عفوية وأوغل معنى…؟
ان ذلك الصدق المعنون، المسمى لا يكون إلا احترافا قدريا يكتبه المرء دون ان يستند على دوغماجية بالية أكلتها العثة.. دون ان يتحرر من الفراغات العفوية بين العهد القديم/ الجديد، والهفوات الجوفية غير المقنعة.. اقتدارا تكون الكلمات المستندة على معرفية عريضة، فمن أين يأتي بكل تلك الإرادة صانعها، وناحتها بأبشع الأزاميل الطاهرة…
نكون في لحظة عفوية قد امسكنا المعنى المفترض بين التلافيف، نكون قد صادرنا الاعتباطي الغيبي المجوف، واللا توجه فنقف حائرين ضائعين بين حدود النص في الذهن، وبين إدراك مغزاه على امتداد المقصود..
ما نكتبه الآن يصبح بعد حين، بعد جفاف الحبر شيئا باليا، رغبتنا بالتمزيق اكبر من رغبتنا بان يبقى، وان يقرا.. وما ان يقرأ بعد حين يكون ثاويا في مجد الذهن يطاردنا ككابوس متسلط متنفذ على آلية ما نكون به، ومازوشيا على حيوية ما نعرف…
ان الكتابة قد تطوف حروفا متناثرة بين جزئيات الكتاب، مؤثرين ان نجمع الدم، والموقف فلا نحيد عن عزمنا اللبيب إلا بالكتابة المتفجرة كالدم الخارج نزفا من جرح عميق..
3
الكتابة فن الهي متسلط يطمس منا مناوراتنا في العيش. يحاول ان يبوح، ولا يقدر ذلك الإنسان الذي يمتهن الكتابة في أعماقنا، أنه يمتهن غربة المعاني والاشتقاقات المتناصة اكثر من الذي يرغب بحرية عبثية الكتابة.. فما من شيء ألذ واطهر من النص الذي يطوف الدم به (داخل الجسد) وما من شيء اقهر منه عندما نجمع الظروف كلها في انتظار الهطول السريع والمرير على مساحة الوردة / تلك الورقة الفاضحة!!.
نسعى الى داخلها، بتمكن حريتنا المفترضة، نباغتها معلنين عن تمرد خاص يساوي كل التمردات الآنية لفعل الإبداع..
4
النص في تركيبه متحرر من التفيقه، ومن التفتيت لكنه مربوط إلى عمق رتابة لغة أخرى لا نفهم منها/ لا نحوي من مصطلحاتها- إلا حرية أخرى في قراءة جدية جديدة بكتب التراث الخالدة .
النص في تركيبه موحد، مقوم من الفجوات دون تقلص أو تمدد في حرفيات المبتغى، كأنه انسياح ماء إلى منحدر، يغرق الأشياء الصغيرة يحوي التفاصيل/ البويضات التي ستلقح بذهن المتلقي الفذ/ القارئ غير الدوغماجي/ يقرا دون كلل، أو ملل ..
النص في تقلباته ضغوط ومخاوف يخرج للعالم… يكون حرا في أول ولادته. لكنه يتحول إلى ثابت مدلول بعناصر إشاراته . وعميقا بمساحة مدلولاته. فلا يكون غامضا على مبتكره القارئ الآخر من مبتكره القارئ الأول/ كاتبه.
لا بحرقة الأسئلة المكتناة بأرضية المعلومة الحية، ولا بترحال رابط الفصول بالأبواب وبالمقاطع..
يستخدم النص ذاته تتابعا تركيبيا مفصلا بجمله الموحدة الطيعة من حساسية تثور بما تحمل وتثوّر بما يحدث. ذلك هو الزوال/ المفهوم/ المستخلص من النص بحثا عن التأويل في التناص الذي في الذهن فما قاله النص أشبه بالنصل الذي يحقق الثار المبتغى. ضمن فعال شنيعة جرت عليه وهو دون آله لفتح المكنون والمستتر والمضمر ..
تلك آليات السكون تكون متحركة مع فعل النص في الدواخل المتعددة/ فاعلة المآرب في المقاصد تحديدا!!
5
أي اعتبار لفظي منقول حرفيا من وحدة اللفظ الواقعي في اللغة الدارجة هو حالة من الصعب عبورها ترجمة فلا تكون إلا وهي كاملة القنوط بإبدالها أو بالدوران بحثا عن كلمة ترادفها حيوية تلك الكلمة في عمق محليتها ومشاعية اندلاعها تشبه صورة الفوتغراف التي تبقت الأشياء فيها كما هو عليه الواقع/ المستلب إنها تعي مكانها المعلوماتي الكاشف عن سرّ لا تأويل له باتجاهات مختلفة !!
6
النص ذهان متوقد فيه حفريات معرفية عن اصل المراجع وعن اصل الخطاب الموجه من الذات إلى العالم، ذهان كأغنية لا تغادر بإيقاعها الذهن تطوف مجتافه كل الاختلافات البصرية، النغم يجري على السطور، كلمات محسوبة، مدركة من قبل، ومكتناها هو ما نحس به الآن قبل بدء النص وتصاحبنا حتى نهاية الحرف الأخير من الجملة التي ننتهي بها وحدة نص أديب غيره قد سواها محاطة بكل أساه وحساسيته/ الأديب يبحث عن شجرة أمجاده في سجلات دونها من كان في مسلته الأولى، يوزع عيونه على الأحرف المتشابكة، ويحل لغزها المتنور أساسا مما يحس به، ينسى انه يكتب (ساعة الكتابة)، ويحلق بقلمه آليا في بقاع الوجع الذي يشكوه لصديقه القارئ/ الباحث في غموض المدركات..
فما من قاعدة إلا وقد استثنت شيئا، او قالبا. بذلك المستثنى يستنتجه المدافع القارئ عن النص المكتوب بوحدة الربط الممكنة، والمتوافرة في عقليه ربما لا تحمل قدرها المؤهل لان تكون المتذوقة لعطر الوردة/ تلك الورقة الفاضحة..
ذلك أهاب تابوات المغلق رغم أصالة القالب المحوط لتلك التناقضات التي يغويها النص/ يحتويها على ما بها من تعارض، أو توافق!! .
7
...المفترض يحمل نصا مواجها بالذهن الخالد المرهوب .
غبي ويا لشقاءه عندما يرتكن نسيانه، فيصير موازيا لرجل هرم لم ينجز شيئا سوى كآبته.
(قارئتا القديم) كان في عتمة الاعتراضات، ولم يحمل على ان يحرق شيئا من دمه ويكتب به مأساته الشامخة فوق الدهور. لم يعلن عن استلابه القهري/ الجذري/ أبدا.
النص وحده هو ذلك الوجه الذي يحوي حريتنا المحرمة، وحريتنا ان لا نصرخ صرخة استغاثة مفضوحة الأحرف مكشوفة الدلالات .
الوجه هو النص الأكثر هيمنة على النسيان... ينسينا نسياننا دون ان ينسى، ويقول قولنا دون ان نحرك شفاهنا .
النص الحديث يهيمن على الوجه، يمنحه لونا اخضر يدل على حرية الحياة، و حركيتها.
النص المقترح لم يكن مقترحا وجوديا غير مدرك، بل هو هوية خلاص نبرزها ساعة الحرج مع أي متشكل يقتحمنا.
النص حالة خلاص؛ الوسائل مبررة بالوعي، وليست الكلمات النائحة تعديلا خالصا على جمهورية الحلم الجديد.
8
النص ولادة اقتراح متنافية مع الصبر الذي تقيده الأيدلوجيا المتسترة خلف أنظمة متغيرة لاحتوائنا، والنفاذ فينا– قصد تقييدنا من انفتاحنا على المفتوح غير المطلق..
كل شيخ فينا شاب غيور بهذا العالم الأفاق، لكن الإرادة، لا تجئ كاملة الضرب إلا باتفاق ناكر للذات، لا مصالح، ولا مطامع مرغوبة غير الحرية.. غيور هذا العالم لكن الإرادة لا تجئ طيعة؟..
نحن نميد العبارات، أحيانا نميد الحضارات بالتخلف المحدد بحبر احمر، وأخرى نميد أفكارنا لما يتوافق مع امتداد الحضارة/ الحداثة التي لابد لنا من معرفة مستجداتها/ غاياتها.
لا نريد الهدم، لكننا سنعي أولا وآخر: ما معنى الانفصام، ما نوعد به دون ان نناله؟.
نحن نحب الذات إلى حد التلاشي، ويضيعنا التراب، فقاحلة كل السنوات التي لم ينجز فيها الكاتب نظريته التاسيسية إلى أمام دون كابة/ ظلمات النفس القاهرة ..
أي وجع يسكن ذلك النص لا يعدو إلا ان يكون وهما نضاليا/ لا يكون سراجا منيرا يتخلص من إشكاليه سلطة الماضي الراكدة .
النص المفتوح، هو الخلاص. ولكن كيف ستتأقلم الكلمات بين ما نفكر به، وبين ما يحدث علينا من استلاب حتى بلقمة الخبز الطيعة..
9
النص المفتوح قطيعة الاقتراح ، وبديل الراكد سرا مكسورا على وجه الماء الذي لا يريني ذاتي، ولا يكشف إشكاليه من يكون أبن هذا الجيل الحداثوى الذي يريد ان يرى دون ان يتمكن؟ يريد ان يكتب ولا يغير تراكيب بناءه بعلمية حاضر ذكي متحضر.
النص المفتوح حتما هو من سيفلت من المقصات الدامغة التي تعكر صفو التمازج بالفن القائم، الحاد، المتوازن الرفيع، المهيمن على الأفكار المنفلتة من سلطة الذوق السائد في بناء النص المزيل للكومة العالية المتراكمة من الفوضى، بالنظام المبيت بين تلافيف عقولنا المتفردة، بنرجسية الفن في كل لحظة- انطواءات الفكر المكنون بالكشف والتعرية..
النص المفتوح من يحقق النصر على الموروث التراكمي، واعيا للذات في الزمن، إذا يتخذ النص شكلا يعي عزلة الحاضر وعلاقتها المنفتحة نحو المستقبل!!.
10
الحداثة هي إزاحة التراكم الخوفي الغائر العمق في الإنسان من التسلط، وإزاحة التراكم الخوفي الغائر العمق في الشهوة من الموت…
الألتقاء بغبار الأسئلة التي إثارتها حساسيتها الحاضرة المواكبة لانفتاح العلم ضد الانقراض؟.
11
للنص إرادة وهيمنة على الابتكارات السارية ضمن وحدة العقل مثلما شهوة غامضة، فسلجية تمور في الخلايا، وتتقد في الرغبة. تجعل منها عمياء لا تصل نحو متعة مبهمة، فحسب وإنما متعة كيفية تجبر على الافتراضات المتوالية. فالعقل وحدة موضوعها كله. العين الباحثة بعقل في وحدة العالم المترابط في أسكتناه تلك الشهوة ،العين توعز لذلك الاحتدام الذي يغلي في العروق.. اللذة قد لا تتحقق في بداية نص تأقلمت فيه تلك الأفكار المكتسبة.
فالنص يبقى عصيا، ومحاصرا إن لم تكتمل الرؤية، وإذا اكتملت الرؤية يكون علينا أن لا نجعلها ضمن ما تضيق به العبارة!!.
نكتب مرة أخرى النص الموازي لما أعتمر في الذهن الذي تحقق ذلك الالتحام:
الذكرى/ الأنثوي، النص/ الفكرة ..
عبارات تتمادى في دفء وانجذاب؛ ينجذب الذكر إلى أنثاه.
وتقبله الأنثى احتواء تملكا خاصا بها، وهو خالص لها، يهم البعض بالبعض ويحدث، في الالتحام الأزلي الداخل ضمن المدخل..
المطروح للقارئ/ المضمر في القارئ.
النص المفتوح، يغري.. المرأة تغري الرجل، فيغويها إلى مساحة بيضاء، متحررة من لأعمدة الجاهزة يصور لها ما في حلمها واقعا تطالب به، فتقع في كماشته، ليوقعها نصا مندلعا دون توقف وما ان يتوقف، تنفصل…
الانفصال يعني فشل الغواية… تعني البدء بالمعرفة- المعروف.
12
النص هو تشاكل عفوي، وحدها القراءات في عيون الكتب، في أخبار الجريدة، وحركة السوق.. نقلا للمعاني (ليس حرفيا)- فيسمى واقعا، نقلا فيه شخص المؤلف الغاوي للنص/ المرأة، الفحوى.
النص هو؛ قدرة الغاوي على الإقناع، او هو حدوث المتعة القاطع، ومنهج اللذة تخلصا من الكبت القاهر!
النص الحديث هو الحفر المضني الذي جعل من جهابذة التشريح الأولين يتجول في المقبرة نهارا لتيأهب ليلا لفعل اللذة/ التواصل/ التوازن لفعل الوصول إلى ذروة الكثافة.
القارئ هو مكتشف إيقاع الحيوية والكاتب هو الفعل المحرك لهذه الديناميكية، فمؤلف دون مقترح، لا يكون..
13
الحرية ان لا نكتب بتأن خوفا من قراءة تثلم النص. النص هو احتواء تلك النظرة الشاملة/ الداخلة في عمق الظلمة (لا يكتشف الضوء الآخر تحت سطوع الشمس في نهار).
نقل الضوء: الإبداع (فلا تقوم صبيحة مندلعة الإشراق بعد ظهيرة، إلا قبلها).
النص/ الفكرة بذرة آمال طامعة، طامحة. تحتاج بعد المتعة الشقية، واللذة الشهوانية إلى ارض لتزرع/ كيف يسترشد الحيمن بيضة تأهبت قبل اثنتي عشر يوما فسلجيا. اللحظة التي امتدت في داخل النص صارت في ذهن المبدع ملحقا الذكرى منفصل عن الأنثوي/ كذلك الشجرة التي لن تنبت في الهواء، وإنما الأرض/ الزهرة/ أيضا.
النص: (تلك الوردة العطرة التي لا يمكن لأعمى معطل الشم أن يجدها)!!
14
دوغمائية الكتابة عطلت التحدي، وبطلت التجديد والاتصال تواصلا بالحضارة..
أننا الآن نكتب عن ترصدنا الباحث بعمق عن فكرة تكونيه الكتابة، الكتابة العصية بكرامتها، وعزتها تلك التي حافظت منذ الأزل على بقائها. ممنوعة، محرمة. فلا يصح إلا ما بقى ممنوعا .
ذلك الأكثر رغبة في البحث، فأوراق تسقط كل موسم وتبقى الأغصان تندلع منها أغصان أخَر.. الريادة هو ما يفهم من مثال الشجرة في كل الفصول/ المواسم..
الكاتب/ النص: هو حدّة الحساسية بحدة العاطفة/ حساسية الكشف/ التعامل مع الورقة بعاطفة (دون جوان) المزيفة.. التي يتبعها مع كل امرأة بعاطفة تلائم عاطفتها.. يغويها فتظل تبحث عن طريقة اكثر تعقيدا من السابق في إغرائه، فأن نال أدار ظهره عنها..
15
لكم تحرجنا التفاصيل المجترحة بالثناء (بما يريده الناشر) وتأرجحنا مخلخلة ما نتذوقه اليوم/ تفصل رؤيتنا عما نتذوقه غداً!. فالنص الذي لا يحوي سؤالا حيويا يحدد ما نحن به (يبوح بما يحصل علينا من استلاب مبرمج) لا يسمى بما يستحق القراءة – أن نقرأ نصا آخر جدارته بما يعلن، وبما يعطي من ابستومولوجيا…
النص الذي يعطينا هو الذي يستحق كل ما يأخذه منا…
النص الحر اقرب إلى القلب،
والآخر لا يبتعد بمكانه عن سلة القمامة/ مقبرة الأوراق!!.
16
ديمومة تلك الحروف المتشكلة ، انتفاضها من تسلط المتحجر، يعني ركن الركام الهائل من السفسفة في غير فصولها. الكتابة ارتزاق أيضًا، واليوم تصيرت بكل العلوم!!
عصرنا يطول كل (كيف العلم؟)،
وأيضا يفشل في أل (لماذا)؟
اصل النص عندنا يعني كيف يتم البحث والأكتناه وراء كل العلوم.
17
نكتب النص، نعبره، فاخترقنا.. بعدما ننجزه، وأنجزنا كتلك المناغمة الأسطورية التي قالت (حواء من ضلع آدم) النص الحديث علم العلوم ومنه يجتــاف العصر!.