كعادتي دوماً حال انتهائي من قراءة بعض الروايات الفلسطينية التي تستثيرني أحداثها وأفكارها، فإنني أسعى جاهداً للكتابة حول الراوية المقروءة. وأذكر أني كنت قد كتبت سابقاً قراءة نقدية حول رواية (عين سفينة) للروائي الفلسطيني خضر محجز وكانت قراءتي قاسية جداً بالنسبة لمؤلفها، لأنني عملت على سبر أغوار ما كان يرمز له في جوف روايته تلك. وأذكر يومها أيضاً بأن جريدة الحياة الجديدة رفضت أن تنشر القراءة، الأمر الذي دفع بالدكتور خضر محجز نفسه لأن يطلب من الجريدة أن تنشر النقد دون وجود أي معارضة من جانبه، فهي في النهاية مجرد قراءة نصية.
واليوم فإنني –وبعد قراءتي لرواية السيدة من تل أبيب- أردت أن أضع بعض التوصيات الهامة والملاحظات – حسب ما أرى- للاستفادة منها في الطبعات القادمة، ولعل ذلك بدا واضحاً من خلال ما كتبت في سياق النقد، حيث ذكرت على سبيل المثال لا الحصر في موضع لقاء البطل بأمه "أعتقد أن الكاتب بحاجة لإعادة صياغة المقطع بما يتناسب مع حجم الموقف واستغلاله لاستدرار مشاعر القارئ الجياشة". وحين ذكرت أيضاً، "وهذا خلل طارئ داخل الرواية أعتقد بأن على الروائي المدهون معالجته في الطبعات القادمة".
لكنني –وللأسف- فوجئت برد قاس من طرف السيد ربعي المدهون، والتهديد باللجوء إلى القضاء، وغيرها من الاتهامات والتجريح. ولست أدري منذ متى كان النقد الأدبي يدفع بصاحبه إلى ساحات القضاء. ولعلي بحاجة هنا إلى توضيح وتفنيد بعض الأمور للسيد المدهون حول قراءتي لتك الرواية.
العنوان الذي ابتدأ به السيد المدهون رده على قراءتي النصية "النقد في خدمة مخافر الشرطة"، أثار استغرابي كثيراً، ولعله قد أثقل على نفسه بهذا الادعاء، الذي لا أظن أنه يتحمل تبعاته، ويبدو أن أعصابه المتوترة بدت واضحة من خلال ذلك العنوان الذي يوحي بأن المدهون لديه من المعلومات حول سيرتي الذاتية ما يدفعه لاتهامي بذلك الأمر.
يتابع صديقنا المدهون "...إلى المس بشخصي، اعتمادا على أكاذيب، وتلفيق تهم وتزوير النص الأدبي وتقويل شخصياتي ما لم تقله، واتهامي شخصيا بمواقف غير وطنية، والتشهير بي، بالاسم، في عملية تحريض علني مثيرة للاستغراب" وهنا أود القول بأن كل ما ذكرته حول رواية (السيدة من تل أبيب) لم يتجاوز نص الرواية، وأن الإدعاء بأن ما ذكرته يمس شخص الكاتب، غير صحيح على الإطلاق. فإن هذا الإدعاء عار عن الصحة، كون انتفاء المصلحة الشخصية التي ستعود عليّ من هذا النقد الذي لم يخرج عن قالب النقد الأدبي الصرف. ثم إنه لا تجمعني أي علاقة شخصية سابقة بالسيد المدهون، تتعارض أو تتوافق معها المصالح، ما يعني انتفاء الباعث على محاولة التجريح والتشهير بشخصه.
يقول صديقنا المدهون في موضع آخر "...يقفز الغول فوق ملاحظاته الفنية، التي تعبر عن وجهة نظره في نهاية الأمر، إلى خطاب سياسي أيديولوجي بحت، يندفع نحو قراءة تعسفية، تنتهي إلى سلسلة من الاتهامات الخطيرة بدءا من التطبيع"، واستغرب اعتبار ما ذكرته هو نوع من الأدلجة، فأنا أؤمن بأن الأدلجة هي مقبرة للفكر. لكن كون القضية الفلسطينية هي قضية شعب وأمة، فإنها لا تتعلق بشخصي أو شخص الكاتب، الأمر الذي ينفي الإدعاء بالتحريض كما أسلفت. فنحن ندافع عن جوهر قضية سامية يحاول البعض الإطاحة بها من خلال الترويج لأفكار من شأنها أن تساوي الضحية بالجلاد، و حرف القضية عن مساقاتها المقدسة وإنزالها إلى دركات الهاوية.
يتابع صديقنا المدهون أيضاً "...إلى تزوير حقائق موضوعية" ولست أدري من الذي يزور الحقائق، ومن الذي يحاول الزج باسم الجامعة الإسلامية بغزة، في أي موضع يسيء لهذا الصرح الشامخ.
أما عن رد الكاتب حول ذهابه إلى حيفا، وافتخاره بذلك حين يقول "... إذا كان يعتبر كل ذلك تطبيعا، فلا أجمل ولا أعظم من هذا التطبيع"، أقول: لقد أصبح السيد ربعي المدهون اليوم شخصية أدبية اعتبارية في الوطن العربي، وعليه فإنه يجب أن يكون عند مسؤولياته حول رفض التطبيع مع المحتل. وكما هو معلوم فإن الذهاب إلى أي مدينة من مدن الداخل المحتل لا تتم إلا بموافقة الجانب الصهيوني وتحت وصايته وسلطته، وهذا بحد ذاته يعتبر تطبيعاً مع المحتل، لذلك فإن الكثيرين من قادة ومفكري ورياضيي العرب رفضوا الذهاب للقدس والصلاة فيها وزيارة مدننا وقرانا المحتلة، لمجرد أن ذلك يندرج تحت إطار التطبيع.
يقول صديقي المدهون أيضاً: "... في قراءته "النصية" كما يقول (يقصدني بالطبع)، يلقي الغول تهما خطيرة بلا أدنى مسؤولية. يقول الغول في مقاله حرفيا، ومن دون أن يرمش له جفن ضمير وطني: "أراد المدهون أن يخبرنا من خلال نصه الروائي بأننا نحن الفلسطينيين لسنا سوى ظل مساو لليهود الذي احتلوا الأرض وقتلوا وشردوا أهلنا ومن بينهم السيد المدهون ذاته"، والحقيقة أنني قرأت ذلك العنوان حسب ثقافتي التي قد لا تهم صديقنا المدهون، وأسأله هنا: ما ذنبي إن لم تفهم ما أقصد، تقودك ظنونك لتفسير ما تريد حسب ما تدعي. أم لك الحق وحدك سيدي بأن تقبل تفسير بعض النقاد لهذا العنوان بما يتناغم مع أفكارك وأرائك، ثم لماذا قبلت تسمية الرواية المتخيلة بهذا العنوان. حتى أن غلاف رواية "السيدة من تل أبيب" يبرز في اللوحة كتاب ظلان لبيت واحد. ولعل الصديقة الصحفية رشا فرحات سبق وأن كتبت حول الرواية بعنوان " رواية السيدة من تل أبيب، محاولة فاشلة لتشويه الحقيقة" بتاريخ 7/2/2011 في صحيفة الرسالة، قالت فيها: "ثم تنتهي الرواية.. تاركة للقارئ أن يستنتج النهاية، ويبدو واضحا أن الكاتب كان يريد أن يطرح استفهاما في نهاية روايته، من قتل رفيقته الإسرائيلية المسالمة!!؟ وهذه جريمة أخرى، لأنه وضع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في ذات الكفة وذات الشراكة في الجريمة، وترك الاستنتاج للقارئ، ناسيا للأسف بأنه رجل فلسطيني عانى الغربة، والقتل وسرقة الوطن، بسبب هذا الإسرائيلي الذي يستجدي فيه سلاماً لن يكون".
أما قول المدهون "سأكلف بطلي وليد دهمان، أولا، بالرد عليه، فهو أصدق منه مع انه شخصية متخلية وليس حقيقيا مثل الغول" بهذه الكلمات دخل صديقنا ربعي المدهون متاهة الاتهامات والتحريض بالكذب، متمترساً خلف بطله وليد دهمان حتى تنصهر الحقائق. وحق له أن يقول ما يشاء لأنه وحده المخول بذلك، أما نحن فلا يجوز لنا أن نقول سوى ما يرتضيه الروائي، أسوة بمن سبقوني من النقاد.
يقول المدهون: "وأشكر بطلي ثانيا، الذي أحببت فلسطينيته النظيفة ونظافته الفلسطينية لأنه رسم أيضا، هذه الصورة البالغة الدلالة لقطاع غزة في لحظة تاريخية فاصلة سبقت رحيل قوات الاحتلال عنه، والتي أفزعت الغول ويرفض أن يراها أو يعترف وأمثاله به" ولعلي هنا لن أقوم بالإجابة على ما قاله، بل سأترك الصحفية رشا فرحات مرة أخرى ترد على ما كتبه، تسرد فيها ما يخالف قول المدهون جملة وتفصيلاً حيث قالت في ذات القراءة "إن رحلته تلك سيطر عليها طابع التعالي والنظر إلى سكان القطاع "عائلته" على أنهم مجتمع متأخر، متخلف، يذبح بعضه بعضا، فها هو يبحث عن أصدقاء طفولته فيجدهم قد قتلوا ويبحث عن الكثير من الشخصيات المنتمية إلى أسرته فيجدهم قد قنصوا. والمشهد الأكثر إيلاما من الموت، هو عثوره على صديق طفولته الكفيف الذي كان ينوي أن يكون فنانا تشكيليا، وقد حولته الإعاقة والحاجة إلى شحاذ مقره بوابة بلدية غزة، وهذه صورة لا تليق بالمجتمع الغزي الذي قدم اكبر وأعلى درجات الكفاح والصمود والتميز، بثوب قذر، فمنذ متى نترك أبناءنا الموهوبين يتحولون إلى شحاذين، بسبب إعاقتهم، إن هذا التصوير الذي يعتبر حالة مر بها المؤلف، يعد ظلما لمجتمع كامل".
يتابع الروائي ربعي المدهون رده فيقول: "قراءة الغول النصية، لم تكن في جزئها الأخير على الأقل، نقدية للرواية كواقع مواز، بل قراءة أيديولوجية، انزلقت إلى شكل من أشكال النقد السائب مثل المليشيات المنفلتة...أن يمارس الكثير من التحريض، ويمارس الإرهاب الثقافي والإيديولوجي، بمحاولته فرض أجندة ومفردات وتعابير مؤدلجة على سرد روائي" وللأسف فإن السيد ربعي المدهون يحاول إزاحة صخرة الأدب على منحدر الأيديولوجية، وسبق وأن ذكرت بأنني أرفض أدلجتي بأي حال، فلم يتبق له هنا سوى اتهامي بأنني أقود تنظيماً عسكرياً إرهابياً.
ثم يحاول المدهون تصحيح معلوماتي حول العمليات التي يسميها بـ(العمليات الانتحارية)، فيقول "إن مفهومه –ويقصدني أنا- للعمليات العسكرية التي يقوم بها فلسطينيون بتفجير أنفسهم لقتل أكبر عدد من الإسرائيليين جنودا أو مدنيين، لا يتفق الفلسطينيون أنفسهم عليها، ويشجبها بقوة قسم كبير منهم، ويعتبرها سببا في فشل الانتفاضة الثانية وما جرته على الفلسطينيين من كوارث على غير مستوى". والحقيقة، أنني لم أكن أعرف بأن هناك قسم كبير منا –كفلسطينيين- يعتبر هذه العمليات بأنها عمليات انتحارية، رغم أنني متأكد جداً من أنه لا يتجاوز الواحد في المليون.
ترويج السيد المدهون لمصطلح (عمليات انتحارية) يبرر للمحتل ما يفعله بنا كفلسطينيين، فنحن لسنا سوى أناس نرغب في قتل أنفسنا ونتلذذ بذلك، ونسي ربعي المدهون أن لدينا حق انتزع منا بالقوة ولن نسترده إلا بالقوة. وللأسف فقد اعتبر المدهون بأن أهل غزة انتحاريون شأنهم شأن الذين يفجرون أنفسهم في العراق أو الباكستان أو إيران أو غيرها من المدن أو الدول الغربية. وعليه فإنني آمل منه أن يعيد التفكير في تسميته لتلك العمليات بالانتحارية.
المدهون تحدث عن الأسيرة وفاء البس وما تبع اعتقالها من استنكار واسع من طرف عائلتها المكلومة –حسب أحد البيانات- لمحاولة تنفيذ ابنتهم عملية وطنية فدائية مشرفة، فيتعلق كاتبنا بمشجب البيان الذي يُعتقد بأن عائلة وفاء البس قد قامت بتوزيعه. فيتعلق كاتبنا بهذا النموذج ونسي أو تناسى نماذج كثير أخرى مشرفة، فهناك من الفدائيات من قدمن أراوحهن وفلذات كبدهن رخيصة من أجل فلسطين تباركهم عوائلهم، ولعل أم نضال فرحات التي ودعت ولدها محمد خير مثال على ذلك، كما الاستشهاديات هنادي جرادات وهبة ضراغمة ووفاء إدريس وآيات الأخرس وريم الرياشي وميرفت مسعود ودارين أبو عيشة وعندليب طقطاقة وزينب أبو سالم والحاجة فاطمة النجار (57 عاماً) والكثير الكثير من النماذج المشرفة تلك. وإن مجرد الاستهزاء والسخرية بمن يذدن عن الوطن لهو أمر خارج عن أصالة وأعراف ديننا وأخلاقنا العربية.
أما قول المدهون "ومن الخطأ والعيب على كل المستويات، بما فيها الأخلاقية لا النقدية وحدها، إخراجها من سياق السرد ومحاكمتها بمعزل عن النص" فإنني سأدع للقارئ أن يقرر بأن ما ذكرته كان نقلاً لما هو موجود في طيات الرواية من استخفاف وسخرية بالاستشهاديات، أم أنه مجرد محاولة لإدخال عنصر الفكاهة في الرواية، ولست أدري لماذا في هذا الموضع بالذات تتجه الرواية إلى استخدام عنصر الطرفة؟ كما أنني سأدع للقارئ الحكم على الرواية –كما يراها هو- لا كما رآها بعض النقاد.
أما حول تقريعي والتهجم على شخصي من طرف الصديق ربعي المدهون: "في كليشيه تقليدي مزاود سمج/ ثم عيب، عيب يا غول..عيب عليك وقلةّ حيا كما نقول بعاميتنا الجميلة/ ثم وهذا ما يستغله الغول بطريقة رخيصة لخداع القارئ واتهامي بالدفاع عن الاحتلال الرحيم" وكأنني يا سيدي لا أقتات إلا على الرخيص.
قضية دفاع السيد المدهون عن سفر الفلسطينيين للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، فإن ذلك يعتبر في خدمة اليهود، لا في خدمة الفلسطينيين، فنحن دولة تقع تحت طائلة الاحتلال، وبدوره فإنه يجب أن يقوم بالحفاظ على أمن وسلامة الشعب الذي يقع تحت إمرته تبعاً للأعراف والقوانين الدولية. كما أن المبالغ التي تُدفع ثمناً لتلك العمليات والتحويلات لإسرائيل تكون على نفقة السلطة الفلسطينية، بمعنى "ما في شي ببلاش".
ما آلمني حقاً هو محاولة الزج بي تحت إطار تنظيمي معين خلال اتهام السيد ربعي المدهون لي بقوله: "حين يتعلق الأمر بحماس التي تحكم قطاع غزة اليوم، يصمت تماما، وربما يستمتع، حين يوجه الراوي نقده الحاد للسلطة الفلسطينية، بمن فيها رئيسها الراحل ياسر عرفات، ويسخر من بعض مواقفه بطريقة لاذعة" وهنا من حقي أن أتساءل: كيف لك يا سيدي أن تتهمني بأنني أدافع عن حماس أو غيرها، وكيف لك أن تتهمني بأنني استمتع بشتمك للسلطة أو لشخص الرئيس الراحل ياسر عرفات، أو التلذذ بالإساءة إليه رغم أني لم أفكر بذلك يوماً ولم يبدر عني ما يثبت ذلك. ولعلك أردت بذلك استدرار عطف البعض ممن يحسبون على تيار محدد للوقوف إلى جانبك.
يتابع السيد المدهون قوله "يعمد الغول في سبيل تسجيل إدانة ما، إلى التحريض ذي طابع ديني، فيخلط بين احترام الآذان وقدسيته، وبين الموقف من الضجيج الذي يحدثه وجود ميكروفونات لا عدد لها، تطلق الآذان بفروقات زمنية واضحة (ثوان وأحيانا دقائق) بين المؤذنين كل حسب ساعة يده، واختلاف الأصوات وطبقاتها، وبشاعة بعضها أحيانا، مما استدعى توحيد الآذان في بعض المدن العربية مع الإذاعة، كما في عمان، الأردن، وعبر الأقمار الاصطناعية، كما في بعض مدن الإمارات"، وهنا أود القول للصديق ربعي، بأن ادعاءك علي بنقدي لك من استياءك من الأذان لا يعطيك الحق في نقد اختلاف أوقات الأذان. ففي الأولى أتحدث عن شعورك تجاه النداء المقدس، وفي الثانية تنتقد التفاوت الزمني بين هذا النداء. فأي لنا الحق في نقد الآخر؟
يختم صديقي المدهون بقوله: "الغول، الذي يحسب نفسه على الثقافة والأدب وعالم القصة القصيرة، يخلط بين الواقع وبين مشهد روائي ينتمي إلى واقع مواز يتجسد في المتخيل، أو يتعمد ذلك، لأغراض ليست نزيهة أبدا." فكيف لك يا سيدي تفسير نقدي الأدبي الصرف بأنه ينطوي على أغراض ليست نزيهة؟ أشققت على قلبي فعرفت ما يختلج به؟ أم أنك اعتدت على محاكمة الناس بناء على محض الظنون؟
صديقي ربعي المدهون، كان الأجدر بك أن تهمل قراءتي لروايتك تلك، فلن يلتفت لها أحد إلا القليل، لكنك قمت بالرد وعليه فإن من واجبي أن أفند لك ذلك. ويسعدني جداً أن نلتقي يوماً فنتحدث أكثر وأكثر، وكل عام وأنت بخير.