محمد الخولي:عيد ميلادي والبحث عن زمن التحقق - غزلان هاشمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

peinture-8هو اقتحام لزمن التمكين ....هو ارتحال هامس بالوطن....هو وجع مسيج بالانتظار...أو انتظار مسيج بالوجع...وأنا أصاحب بوحه المفلت من صفة التطابق والباحث عن هويته ضمن مسارات التعدد ...قابلني الألم الكامن في حرفه وذلك الحلم بالاسترجاع والتحقق ...هذا ما وجدته في نص الشاعر المصري الأستاذ محمد الخولي والموسوم بـ"عيد ميلادي"،فما يقوله النص؟

العنوان:"عيد ميلادي" يتشكل العنوان من ملفوظين ،فعيد تحمل دلالة الفرح والتجدد والسرور والبهجة...،وترد نكرة لتترك للمعنى الملحق أن يحدد هويتها ،وأما لفظة "ميلادي" فتدل على الانبعاث والتجدد والبدء....،إذ النسبة دلالة اعتراف بأن الهوية اللغوية في طور الإنجاز ،حيث تسعى الذات/النص لتجديد محدداتها وخصائصها وفق انفتاحات زمنية مختلفة،وكأن بالمنجز النصي يعلن ارتهانه للتشكل القبلي/البعدي حيث التحقق في الزمن الماضي ثم الاحتفاء بذاكرة لغوية ومحاولة استرجاعها في لحظة الذكرى حينما تلتقي أو تلامس تجدد الإعتبار التاريخي في راهنه المعاش ،ومن ثمة يعترف النص باحتوائه لعناصر الزمن المنقضي والزمن القادم في الوقت ذاته،حيث الهوية هي خليط متجانس بينهما،ومن ثمة فالنص يلتقي بهما من خلال المتعالقات الواقعية الآنية والتاريخية معا.


عيد ميلادي
التاسع بعد العشرين
ألم وفراق وأنين
موت وجراح وحنين
وحروف ترقص في
الأحشاء على النسرين
والناس تهز خواطرهم
نايات الحزن
يرتلها سفر التكوين
والعمر يسقط
حبات
حبات
وتصنع سنين


يبدأ الشاعر نصه الشعري بعبارة "عيد ميلادي"،وكأن بالنص يحاول تجديد هويته من خلال لحظة السكون،إذ غياب الحركة هو اعتراف بالرغبة في موضعة النص في إطار من الثبات،ليتوقف عند لحظة واحدة ويؤسس عليها راهنه القادم وكل بوحه البعدي المصاحب،فتصير بعد ذلك كل حركة منجزا ملحقا لا سببا في تغيير وجهة النص،ومن ثمة يصير الكون الإبداعي متأسسا على الوجع ،وتصبح لحظة المستقبل"ترقص ـ تهز ـ يرتلها ـ يسقط ـ تصنع" مرتكزة على هذا البوح الموجع ،حيث تسعى اللغة لخلق مستقبلها بشكل مؤجل ثورة عليه ورغبة في تهميشه واحتفاء بمركزية الاسم السابق أو المقدم إقصاء لكل المحددات الحركية الخالقة لهذا الوضع المؤلم.
أخفقت كثيرا
في الماضي
وأحاول أن أنجز
حلما
يقطعه حد السكين
لبلادي تسبح في لهو
وأحارب
وحدي التنين
وظلام خيم من حولي
وتغيب الشمس
كما غابت أرض فلسطين
وتسلم اللغة بوحها "أخفقت" في الزمن المغيب لتبين خيبة التمكين قبلا حينما أرادت الخروج من سلطة النسق المهيمن أو سلطة النص القبلي لإنجاز وعي لغوي مغاير،حتى تعترف بمحاولاتها  المتعددة في الزمن الحاضر"أنجز ـ يقطعه ـ أحارب" من أجل استرجاع لحظتها الآنية وصياغة الوعي الشعري الجديد بعيدا عن كل سلطة معيارية قبلية مهما كان الطريق مفخخا بالعراقيل ،وحتى ما ورد في الزمن الماضي"خيم ـ غابت" يحمل رغبة التغييب لكل وجع مصاحب للنص،حيث اللغة تحاول بناء هويتها على الأمل والتجديد،ومن ثمة فموضعة فلسطين ضمن حركة فعلية مغيبة هو تعبير عن عدم التسليم بهذه الحقيقة آنيا وجعلها في حكم المنقضي حتى تتجدد حركتها حاضرا بحلم الاسترجاع.


قد صار الخبز
لنا أملا
يجرفنا الجوع
ويجمعنا وهم التاريخ
وأحرفه
كتبت بالدم
معلقة
شاعرها
طفل فلسطين
ويمنح النص للغة/فلسطين تحققها في الزمن الفائت،حيث يبين كيف كان هذا التحقق منبنيا على وعي زائف ،إذ يتم إشغالها بإشكالات هامشية من أجل إبعادها عن الإهتمام المركزي الأول وهو العمل على هوية الاسترجاع وحلم التمكن،وكيف تم  صياغة وعي اللغة ونمذجته وفق هذا التصور آنيا"يجرفنا ـ يجمعنا"،ومن ثمة تطرد الذات الجمعية التي يشتغل النص على صياغتها لحظتها إلى واقع التغييب"كتبت" لتؤكد راهنية مخلخلة وفاقدة لسلطة الوجود والحضور الفعلي.


هذا
عيد ميلادي التاسع
بعد العشرين
قرآن يسكن في قلبي
ولساني
يحمل توراة
ويردد فينا
إنجيل
وأبث الشعر حكايتنا
فيجوب القدس
ويحملني
حرفا مجروحا
يزرعني
أملا في القدس
وفي غزة
في صحن الديار
وفي يافا
ويعيد النص الإعلان عن ذكرى ميلاده ليبني هويته على التعدد،حيث العوالم المختلفة في المستقبل تحاول طرد زمن الارتياب والتبعثر من خلال لم شتات كينونته المتحققة آنيا"يسكن ـ يحمل ـ يردد ـ أبث ـ يجوب ـ يحملني ـ يزرعني"،وذلك من خلال استجماع التاريخ في لحظات تمكنه ،حيث القداسة والطهر والنقاء والحقيقة "قرآن ـ توراة ـ إنجيل"،وحيث اللغة/الوطن وعد بالإنجاز يحمل ممكنات متعددة تشي بحلم منتظر سيتحقق يوما بالاسترجاع"القدس ـ غزة ـ يافا".


تسري الأحلام
كأغنية
أولها القدس
وآخرها
دمع فلسطين
وأراها ترقص
في الكاسات
على وتر
في القلب حزين
ويبقى النص مسلما بوحه لزمن المستقبل"تسري ـ ترقص"،حيث يتم استحضار الحلم رمز الأمل المغيب آنيا وتسليمه لهوية الحضور المؤجل الذي قد يتحقق في أي مساحة زمنية قادمة،إذ اللغة/فلسطين، اللغة/القدس تسترد وجودها الأصيل بشكل مرحلي عبر مسارات النص ومسافاته البعدية.


جمجمة
سجدت في الأقصى
للباري
رب فلسطين
هان الإسلام
فأصبحنا
كالموت
يأكلنا الطين
هذا عيد ميلادي
التاسع بعد العشرين


وتتأخر الفعل في الزمن المغيب"سجدت" مقدما فاعله وكأن بالنص يحاول موضعة هذا الواقع الموجع في لحظة السكون بابتداء المقطع باسم وتأخير الحركة وتأجيلها إقصاء لها وطردها من مركزية التحقق ،كما أن حصر هذه الحركة في اللحظة التاريخية الماضية هو تهميش لممكناتها وجعلها في دائرة المغيب الذي انقضى"سجدت ـ هان.." حيث الرغبة في تغييب الوجع لكن النص يستفيق في آخره على حقيقة الحضور"يأكلنا" حتى يبين حقيقة الراهن الواقعي والشعري المنبني على التبعثر والتوتر والقلق والوجع.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة