مظاهر السرد في الزَّجَل الليبي المعاصر : علي المزلوط أنموذجا ـ أ . د . عبد الجليل غزالة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse12107فرضيات العمل :
     ما هي أهمُّ مظاهر السِّرْدِ في الزَّجَل الليبي المعاصر ؟ كيف يبني الشاعر الشعبي الليبي المعاصر علي المزلوط الطَّالبي طرائق تعبيره بمختلف علاقاتها ووظائفها المشكلة لنسق القريض الذي يحرك عمله الموسوم ب ( قطرات المطر ) ؟ ما البنى السردية التركيبية ( syntactic ) والمجازية المكونة لنصوصه ؟   
  مظاهر السرد في الزجل الليبي المعاصر :
     يُمثلُ السَّرْدُ ( narration)  في الشعر الشعبي ( 1 ) الليبي المعاصر شكلا تعبيريا عريقا ، يحقق نوعا من التواصل والتفاعل بين أفراد المجتمع المحلي .
يسيطر على هذا المصطلح الطابع الشفهي الذي يستند إلى مظهرين محوريين : 
    1    _    الحكاية الشفهية .
     2   _    الطقوس الدينية الإسلامية والعادات الاجتماعية والاحتفالات الموسمية المحلية والتَّناص( intertextuality ) ( 2 ) التراثي المختلف .
    يَقومُ بعضُ الشعراء الشعبيين الليبيين المعاصرين بسرد حواراتهم عن طريق ضمير المتكلم ( أنا ) أو أنهم يوظِّفون شخصيات أخرى للتعبير عن آليات التشكيل الشعري ، مما يجعلهم يبتعدون عن الغنائية (lyric  ) الخالصة ، و يسردون المواقف ( situations  ) باستخدام أدوات وعلامات لسانية خطابية خاصة.
    يُجسِّدُ توظيفُ عناصر السرد في الزجل الليبي المعاصر مدى تطور هذا الجنس الأدبي ، ورؤى الشعراء ، وعلاقاتهم بالتراث المتنوع .
  يضمُّ نظامٌ السرد الذي يتحكم في الشعر الشعبي الليبي المعاصر عدة أنواع :

      أولا ) السَّرد الحكائي : يتحكمُ صوتُ السارد في بعض نصوص القريض الشعبي الليبي المعاصر ، حيث يساير منظور الحكاية ، وبؤرة الحدث ، والزمن ، والفضاء الحكائي ، والشخصيات ، وتعدد الأصوات ( polyphony ) ، والتناص intertextuality ) ) مع التراث المتنوع ، والنفس ، والدراما السردية التي قد تمتزج بالغنائية ( 3 ) .
   تتنوعُ صورُ السَّرد الحكائي في الزجل الليبي المعاصر تبعا لتنوع الحركات المادية والنفسية . يستغل بعض الشعراء هذا النوع من السرد لإبراز حبكة ، وحوارات  ، وشخصيات ، وأزمنة الحكايات الرمزية التي يتعاملون معها ، وهو ما يحدد الأصوات السردية ، وحركية النص ، وتداخل الأزمنة ، والرؤية الفنية ، والاجتماعية . قد يصطنع بعض الشعراء الليبيين الحكاية بغية إيصال رؤية نفسية معينة إلى المتلقي تتعدد فيها الأصوات عن طريق استعمال الضمائر ( أنا ، أنت ، هو / صوت الراوي ، نحن ، أنتم ...) .
  يَمْزجُ بعضُ شعراء الزجل في ليبيا نظام السرد الحكائي برؤاهم السياسية والاجتماعية ، مما ينوع الآليات السردية والحكايات الرمزية ( 4 ) ، ويمنح نصوصهم عدة تشكيلات جمالية .
   يؤسسُ السَّرْدُ الحكائي المنتشر في بعض أعمال القريض الشعبي الليبي المعاصر نصوصا شبه مستقلة ، متميزة ، منفتحة وذات مواقف خاصة ( سخرية ، إصلاح ... ) . إنه يستغل بعض الأمثال المحلية لتطوير البعد التسجيلي والقولي المرتبط بفعل السرد الشعري ، والسارد ، والزمن ، والحدث الحكائي ، والعلاقة بين حركة الذات ، وحركة الواقع الليبي الحي .  
      ثانيا ) السَّرد التوهمي : إنَّه يَرتكزُ عند بعض شعراء الزجل الليبيين المعاصرين على منطلقات سردية حكائية تستند إلى أفعال الحكايات المتنوعة
التي تدفع الناظم إلى التوغل في الوصف أو التشخيص والتصوير السردي الرمزي لعدة مواقف وحكاية أقوال متنوعة وسردها بطريقة جديدة  .
   يَسْعَى هذَا النوع من السرد إلى الربط بين رؤية الحكاية ورؤية الشاعر . تتداخل مطالع القصائد الليبية في هذا المستوى مع السرد الوصفي ، فينتقل النص بين السارد والأفعال والأسماء وبعض الصيغ اللسانية المتميزة ، كما أن الشاعر الغائب يروي الحدث بشكل رمزي من خلال اعتماده بشكل أساسي على حركة الذات ، وما يمنح هذه الحركة والزمن ومضمون الخطاب الشعري أبعادا كبيرة . يسيطر الناظم هنا على النص ، فتتماسك الأصوات التي تجعل النص يحمل بعده السردي الحقيقي عن طريق التناغم في القول والوصف .
    يَمْلكُ هذَا النوعُ من السرد الذي يوجه بعض الأعمال الزجلية الليبية المعاصرة السمات التالية :
         أ    _      الإيهام بالابتعاد عن الحكاية أثناء سردها شعريا .
         ب   _      الربط الجيد بين الأفعال الحركية باستعمال المجاز اللغوي .
         ج   _      العلاقة المتينة بين الذات والآخر وتعدد الأصوات .
          د   _      الانطلاق من النص الشعري باعتباره بؤرة ( focus ) توهم الحكاية الشعرية الموظفة وامتزاج صوت الشاعر بصوت الآخر بشكل عميق .
ثالثا ) السرد التشخيصي : ينتشرُ هذا النوع من السرد بين طيات بعض قصائد الزجل الليبي المعاصر نوعا من الجمالية البلاغية والأسلوبية الرقيقة ، مما يساعده على تحويل النصوص اتجاه الواقع الذي تتوزع صوره وقضاياه داخل العمل الشعري وتتقاطع بشكل لافت للنظر . تتنوع العناصر بين الرمزية والواقعية لتمنح السرد النصي أبعادا مهمة تنقل التعبير الرمزي العادي إلى تعبير رمزي مشخص ومتفاعل يرتبط بالفعل الإنساني والحياة المضنية التي تبحث عن معانقة السرد الحقيقي المتداول ( 5 ) . تتابع داخل هذا النوع من السرد الزجلي الوحدات التشخيصية والصيغ اللغوية بمختلف علاقاتها ووظائفها ...
   يَتميزُ اْلسَّرْدُ التشخيصي في بعض قصائد ودواوين الزجل الليبي المعاصر بالسمات التالية :
   أ   _    مزج الشاعر بين مشهد الحكاية والرمز أثناء الحديث عن الذات .
   ب  _    استعماله للغنائية lyric)  ) المشخصة . 
   ج  _    تحويل المجردات إلى محسوسات وتوظيف الصور المدهشة والغريبة ، والأفعال الحركية المتقاربة في الدلالة ، والانسجام والمصاحبة اللغوية ، مما يؤدي إلى تشخيص الخطاب الشعري بشكل واضح .
     د     _    المراوحة بين التوهم ، والذاتية والتتابع والدقة في التراكيب الزجلية.
     تركز الدلالة الزجلية على الجانب اللغوي ، فيصبح السارد فاعلا مضمرا ، كما أن الانسجام يقوم على حركة الأفعال وزمنها ، وارتباط شخصية سارد narrator) ) النص بالذات.
   يَعْتمدُ السَّردُ التشخيصي هنا على تتابع الوحدات السردية ، وترابطها ، مما يمنح الخطاب الزجلي الليبي المعاصر أبعادا فنية متداخلة ، وموحدة تستند إلى  حركة التشخيص المستعملة . 
رابعا ) السرد الذاتي : يلجأُ بعض شعراء الزَّجَل الليبيين المعاصرين إلى ذواتهم لمقاربة العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية ، وهو ما يحقق لهم وجودا خاصا يملأ عليهم كل جوانب حياتهم ويدفعهم إلى مواجهة العالم ، لكنهم يتأثرون بعالمهم ورؤاهم الخاصة وينغمسون فيها .  يصبح الشاعر الليبي الزجال هنا هو محور النص ومركزه ، والذات المستقطبة لكل عناصره ، والسارد ، والمتلقي الذي ينمي حركته السردية . إنه يقدم لنا من خلال هذا النوع من السرد قريضا مفعما بالصور المتنوعة ( إضافات ، تفسيرات ، شكاوى ، فضاءات مختلفة ، حركات صانعة للأفعال المختلفة ، تنوع صفات الذات وانقسامها ، التعبير عن الواقع النفسي والفعلي ، تجليات دراما ذات الشاعر داخل النص ، الرموز الذاتية للحكاية الشعرية ...) .
   يَتميزُ السَّرد الذَّاتي الذي يعشش في بعض قصائد الزجل الليبي المعاصر بالسمات التالية :
   أ    _     سيطرة ذات الناظم على حركة النص وتحويلها إلى مشهد سردي رمزي يناسب المواقف المتنوعة ( رمزية ، تصويرية ، تمثيلية ...) .
    ب  _     تتابع الأصوات والصور اللغوية .
    ج  _    مزج الحكايات بالذات الرمزية والحوارات المتنوعة .
    د   _    مواجهة حركة الذات للآخر بشكل حتمي .
    ه  _    ميل النص وتوجهه نحو ثقافة خاصة .
     و  _    تداخل العلاقة بين السارد والمتلقي وتعدد الأصوات .    
خامسا ) السرد المشهدي : يُمثلُ عند مجموعة كبيرة من الشعراء الشعبيين الليبيين المعاصرين عرضا للوقائع ، ورؤية خاصة للسارد ، والشخصية المتحدثة ، إذ يتم من خلالهما التحام الأصوات داخل النص ( 6 ) . يساعد المشهد الشعري السارد على بناء مركز سردي دلالي للنص ، فيصبح هو المحرك الأساسي ، والعنصر المصاحب لكل التفصيلات .
    يُوظفُ الشَّاعرُ الزَّجَّالُ الليبي رؤاه التصويرية المشهدية من خلال الحكاية الموظفة بغية خلق لحمة قوية بين الطرفين ، كما أنه يقوم بضبط العناصر النصية السردية . يستعمل في هذا الصدد تقنيات لغوية متميزة مثل التشخيص والوصف والحوار . إنه يستغل أيضا الأفعال المتنوعة التي تؤسس الحبكة التصويرية داخل النص ، كما أنه يفتح الرؤية ، واللغة لبناء خطاب زجلي قوي . يشكل السارد من المشهد رؤية كلية للحكاية الشعرية عن طريق سيطرة الحركة على هذا المشهد ، لكنه يتوارى بين طيات موضوع حكاية القريض .
     يَخلقُ السَّاردُ من الحكاية مشهدا واقعيا محايدا يتصرف فيه وفي المكونات والمعجم بحرية كبيرة من أجل بناء فضاء شعري متماسك العلاقات والوظائف . ينفتح النص بانفتاح رؤية السارد / الشاعر تبعا لطبيعة المواقف والمشاهد المتداخلة .
     يَعْتمدُ عَملُ السرد التشخيصي في عدة أعمال زجلية ليبية معاصرة على قيم متفردة :
    أ   _   ربط حركة السارد داخل المشاهد بأفعاله ورؤيته المتحررة الخالقة للوحات تشكيلية في بعض الأحيان   .
   ب   _   تنمية مكونات المشهد الشعري .
   ج   _   اتصال المشاهد الشعرية بالصراعات النفسية والسياسية والثقافية .
  د     _   استعمال المجاز لتحديد الصور المشكلة للمشهد الشعري .  
  ه   _  مزج المشاهد بالواقع ، والمتخيل ، والتراث ، والمجازات المختلفة .
     تتقاطع داخل المشاهد الشعرية الزجلية الليبية المعاصرة عدة علاقات تتجلى من خلال تعدد الأصوات ، والحوارات ، والرسم والتصوير وتوظيف كلمات المعجم الواقعي المحلي ضمن المشهد المجازي الذي يشكل جوهر نص القريض ورموزه ، وعالم المحسوسات والمجردات التي تكتنفه ، مما يفضي إلى مطابقة الواقع أو مخالفته .  
العينة المدروسة والبنية السردية :
    1   _ العينة ( ( corpusالمدروسة : نشرت المؤسسة العامة للثقافة الطبعة الأولى من مجموعة ( قطرات المطر ) عام 2010 . يقع هذا الإنتاج الشعري الشعبي في 317 صفحة من الحجم المتوسط ، ويضم حوالي أربعين موضوعا وزعها الناظم على النحو التالي :
      _   مصدر التشريع الاسلامي .
      _   وحي السماء .
      _   ذكرى المولد النبوي الشريف .
      _   الزاهد .
      _   قصيدة ترحيب .
      _   وطن وجماهير .
      _   الصديق .
      _   تحية لمربي الأجيال .
      _   شواهد .
      _   ومضات .
      _   لقاء .
      _   انتفاضة القدس .
      _   صرخة الاقصى .
  _     الرشاش .
  _     وصف البندقية .
  _     نصيحة .
  _     الضمير.
  _     المبدأ .
  _     العيد الصالح .
  _     الرفق .
  _     سلوكيات .
  _     معدن بشر .
  _     تجربة حياة .
  _     عتاب .
  _     الغيبة .
  _     عولمة .
  _     استشارة .
  _     الإخوة .
  _     الفراق المر .
  _     الميعاد .
  _     مشروع .
  _     حصله .
  _     حوار .
  _     نظرة .
  _     ظليم .
  _     غلاء .
  _     مقابلة .
  _     أمنية .
  _     عيون .
_       جت ظاهرة .

     2    _  البنية السردية في ( قطرات المطر) : يرتبط وجود شخصية الشاعر علي المزلوط الطالبي بوجود شخصية السارد من خلال علاقاتهما المختلفة ، إذ يحصل بينهما اندماج قوي ومتعاقب ، مما يجعلهما يشكلان ذاتا واحدة داخل العمل المدروس . قد تغيب أحيانا ذات الشاعر لتمنح السرد وجودا بعيدا عن شخصيته .
    يَسْتهلُّ الناظمُ عمله بمدح سيد الورى ، فيعدد خصاله الفريدة
ويرسم سمات الشريعة الإسلامية ، والسلوك القويم ، والمعجم الديني المتميز : رسول الهداية ، يتمنى الشهادة ، ما ضل من تبع القرآن ، والسنة ، الصلاة على جميل الخلق ، والتكوين ، صلاة النجاة من الهول ، المبعوث للثقلين ، الوحي نزل في الغار ، البشير ، التبليغ ، بالبشر وصاه ، محمد للعباد نذير ، عاش حياة الشغل ، والتفكير ، حمل الأمانة ، محفوظ بأمر الخالق ، بالكتاب بشير ، أدماه الشوك في الطريق ، صابر ، صامد ، عبد فقير ، في الرسالة منهج التنوير ، توحيد مسلكه ، ومسعاه ، نوره سطع في الكون ، الباطل زهق ، والحق نور ، للأصنام تدمير ، ثورة على التثليث ، والتنصير ، دستور ربي ، الإسلام فعل ، وتحرير ، الرجوع للأصل ، يوم الحق عد ، واستعد ، المبعوث للإنس والجن ...
     يَتضحُ هنا تفرد الرؤية الشعرية التي تتجه خارج الذات وتتحرر أثناء انطلاقها عبر الفضاء الزمكاني لتسطر جوانب مهمة من عالم إسلامي تراثي وواقع نبوي طاهر بالارتكاز على وجهة نظر سردية تشكل نص
 القريض الزجلي .
     تتحدَّدُ العلاقاتُ السردية عند علي المزلوط الطالبي في مطلع عمله من خلال السمات التالية :
         أ    _  سيطرة الإحالات خارج الذات ، من خلال استعمال بعض الوحدات اللغوية . يقول في الصفحة  17:
       رسول الهداية المصطفى ما قالنه /    اثنين ما ضلوا بعدهم موحال
       القرآن لول واقتداء بالسنة     /   ونسن فيها أقوالها وأفعال
  ونقرأ في الصفحة21   نظمه :
       رسول الهداية المصطفى هادينه  /  ونحن عن التبليغ مسؤولين
       ويشهد علينه يوم ما ايلاقينه      /  يوم اللقاء والناس مفزوعين
    تَنْقلُنَا هذِه الإحالاتُ إلى دلالات سيرة نبي الإسلام وخصاله والقدوة الحسنة التي خلفها للبشرية ، حيث شكلت أفعاله وأعماله قسما من الشريعة الإسلامية وأسست الدولة الإسلامية ، كما أنها خلقت ماضيا مشرقا دينيا نظرا لكثرة الانتصارات والتوسعات ، وانتشار العقيدة في آفاق نائية من المعمورة  ، ووجهت الناس لعمل الدنيا والآخرة وانتظار الجزاء المناسب ، وجعلتهم يتحملون الرسالة من بعد وفاة سيد الهدى .
        ب    _   اعتماد السارد / الشاعر على أفعال أساسية :  قال ، ضلوا ، نسن ، عدل ، تحرم ، يشهد ، يلاقيه ... 
  تشكل هذه الأفعال وغيرها عند الناظم / السارد طريقة مباشرة  تتصل باستعمال ضمير الغائب ( هو ) ، وهو ما يجعل وجوده فاعلا ومهيمنا رغم غيابه أحيانا على مستوى ضمير المتكلم ( أنا ) .
        ج    _    مزج الناظم بين السرد الذاتي والسرد التشخيصي الوصفي ، مما يجعل من ذاته محورا لحركة السرد الشعري الموجهة للعمل بأكمله . يبرز الموقف والسياق هنا بشكل جلي تبعا للوضع السياسي والاجتماعي والمعرفي المحيط بالشاعر ، كما ترتبط ذاته بعوالم أخلاقية متنوعة ، وموضوعات العمل وقضاياه من أجل تحقيق هدفها .
    يَظْهرُ الشَّاعرُ في مطلع مجموعة ( قطرات المطر ) مرشدا وناصحا وهاديا لناس بغية الاقتداء بنهج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . تختفي أحيانا ذات الفعل خلف ذات الموقف ، من خلال تتابع الوحدات السردية والإحالة إلى خارج الذات وتجلي ذات الموقف .
      يوظفُ علي المزلوط الطالبي عنصرين سرديين مهمين في بناء قريضه :
     أولا )  الحوار الشعري :
    يتجلَّى هذا الإنجازperformance عن طريق تعدد الأصوات والضمائر ، واستبدالاتها المختلفة ، والتركيز على ضمير المتكلم ( أنا ) بالصيغة اللهجية الليبية المحلية (7  ) ، و إسناد بعض الكلمات إلى ( ياء المتكلم ) ، والإفراط في استعمال ضمير المخاطب ( أنت ) و ( كاف الخطاب ) ، إذ يحاور الناظم عن طريقهما المتلقي (( الضمني )) أو المفترض بالنسبة للشعر الشعبي الليبي ، كما يتكرر أحيانا توظيف ضمير ( نا ) الدالة على جماعة من الفاعلين . يقول في قصيدة ( وحي السماء ) ص 34 :
      أحنا العلم لينه وعلمنه لأول  /  أحنا مسلمين القلم والقرطاس
      أحنا فخر وأهل الفخر ليه اندل / أحنا خير أمة أخرجت للناس
 ونقرأ في ( قصيدة ترحيب ) ص 55 قوله :
    على أول كلامي نلعن الشيطان / وإبليس هالملعون ما غيراش
    وثاني كلامي بالصلاة عالزين    / وبعده الأنبياء ما هناش
ونعانق في قصيدة ( الصديق ) ، الصفحة 67 قوله :
     أنوصيك يامزلوط خوذ وصيه /  راهي الصداقه أصبحت وقتيه
     كلامك صحيح أوصلني       /  كلام خونا صحني قديم وفتى
ويقول في قصيدة ( وصف البندقية ) الموجودة بالصفحة 131 :
     نوعك جديد ومصدرك شرقية   / كلاشن اسماك وصنعتك روسية
   نجد في قصيدة ( نصيحة) الصفحتان 142 _ 143 القول التالي :
     وخالط أكبار الدم منها صيب   /  ترفع أحمول الثقل نصف اقطاعك
     وللعافنه وإياك لا تتخيب         /  وأمسك ضميرك غصب كانه طاعك
              *******************************
             بختك وقسمك والإعمار إجالي    /   وهو السند للشارقه مرباعك
             عملك وفعلك والبقى عوالى        /  والصبر للكاره دواء لا أوجاعك
            يَتفاقمُ وجعُ ذات الشاعر / السارد ، فتلوذ بالفرار من أتون هموم الحياة ، وعثراتها لتلجأ إلى حمى الخالق مستجيرة وطالبة الرحمة والمغفرة لأصناف معينة من الناس . نعانق  ترجمة راقية لهذا الوجع من خلال أسلوب النداء المثير والناشر لرؤية الناظم ، وخطابه السردي بين طيات قصيدة ( الرفق ) ، ص 175 :
      ومن ها الذات ياخالق آمين    /    ويامولاي ياربي الكريم
      وتصلح حال من عنده قرين     /  عليه ايبعده بعد الشفق
   يُعرِّجُ علي المزلوط الطالبي معارج راقية ، تتوخى تقديم النصح ، والعبرة باستعمال أسلوب النداء لتنبيه المخاطب إلى شيء مهم . يترنم بقوله في قصيدة ( معدن بشر ) ، الصفحتان 190 _ 191 :
   ويا منتصر لا نذال ما يرتدوا      /    و لا يكبكبوا على فعلها الدونيه
    يا محاشهم واجلامهم يصدوا    /   الفعل الققاء للهم ايدين سخيه
   توظف الذات الساردة أسلوب الاستفهام لمحاورة الواقع ، وعالم (( المتلقي الضمني )) فيما يخص غياب بعض القيم أو تعطيلها  في حياة الفرد العربي المسلم . نقرأ بعض الاستفسارات المنجزة بواسطة الأداة اللهجية (( وين = أين ؟ )) ، الواردة في قصيدة ( سلوكيات ) ، ص  186:
  وين الشهامه وين عرب زمان     /   وأهل الكرم الجود ما تخفيه ؟
  وين وقتنه من وقتهم شتان        /  بعد السماء على الأرض نشبح ليه؟
  وين عهدهم والصدق والأمانه       /  من عهدنه اللي عائشين عليه ؟
      يُوجِّهُ الشاعر حواره السردي مباشرة إلى المخاطب عن طريق الضمير ( أنت ) رغم أن التغذية الراجعة feed back المتبادلة بينهما تبقى مضمرة وأحادية الجانب ، لكنها مع ذلك واضحة ودالة . يقول في الصفحة 191 :
     وأنت بعيد وغفل واثق حدوا           /  ومن قبل ما غليت حذاقه نيه  
     كما تتجلى ذات الشاعر / السارد من خلال (( حوار الوعي )) بسماتها الخاصة ، التي تركز على المتكلم لتعرب عن كل أفعالها ، وحركاتها . يقول في قصيدة ( تجربة حياة ) الصفحات 193  _ 195 :
     جربت لمعدن تريس اليوم          /  كان التجارب ينفعوا معيار
ونبعد ونقرب لتريس اليوم             / وجابد محاكي ذهب من بازار
وفي قصيدة  ( عتاب ) ص 201 نعانق قوله :
   حللت دمي في كثير مشافي   /  ألقيت النتيجة الدم ماهو صافي
ونقرأ نظمه في قصيدة ( استشارة ) ، الصفحتان 221  _  222 :
   فكري تحير من تريس مصفى    /  بننشد أنديرة غاندي وتوفى
  ننشد دايخ                         /  على قوم غاب زعيمهم وذوائح
  أني ناشدك بمرارة                  /  وما هببش عيبه المشورة والشارة
      يَكْشِفُ الشَّاعرُ عن جروح ذاته من خلال إسناد الفعل الماضي اللهجي إلى( ياء المتكلم ) . يقول في قصيدة (  غلاء  ) ، الصفحة 293  :
غلاء من حفل بالذهب ودراجيحه       /   غلاء من صهدني بالغلاء وكرسعني
كواني كواني النفس منه جريحه         /  وكمل عليه بالنظر قربعني 
      تبرز عناصر الحوار الزجلي قوية ، وجلية ، وشاملة عند علي المزلوط
الطالبي من خلال قصيدته ( حوار ) ، الصفحات 271 _ 272 _ 273 ، حيث يقوم برسم سمات المخاطب ، كما يتم تبادل الرؤى ، وتتطور وتتشعب جوانب التغذية الراجعةfeed back  بين الشاعر ، والسيارة :
الشاعر :
      يا مازدة خيرة حديدك بائد       / وزيل الغنم دائر عليك رفائد
السيارة  :
     أنت نشدت خير بيادي            /  جار وقت عني وتعب ماهو عادي
     كل يوم شور السعي جاي وغادي  /  ومصيت في السابق كثير نضائد
     كسيتي ولد قعد رباع وبادي        /  وقلبه حديد الرؤق عندة زائد
الشاعر  :
     وين تلحقي في أشياها       /  أبرور تخبريها وتعرفي لسماها؟
     وين تعبك بالله على سبها      /  وين جز دار الصوف صار ربائد ؟
     وين المناهل وردك لي ماها    /  مكاتيب والمولى عليك ورائد ؟
السيارة :
  بر الجفائر ريته                  /     جميع المناهل زرتها وسقيته
  من الحوض لي لبرق البرفليته     /   عروق رملها تقطع أحبال شدائد
  وتغرد بصوتي المارشه بالعيطه      /  أعظامي مشت نبغي كثير ضمائد
    يَسْتعملُ النَّاظمُ في حواراته الشعرية بعض الأفعال المرتبطة ب( تاء الفاعل ) لرسم خوالج ذاته وأفكاره وحركاته ، وأحيانا يصرف أفعالا في زمن المضارع حسب النسق اللهجي المحلي .
    تتجلَّى عناصرُ السرد الشعري قوية ومتلاحمة في قصيدة ( مقابلة ) الموجودة بالصفحة 297 ، إذ نعانق من خلال ضمير المتكلم وضمير المخاطبة حوارات جميلة يحركها معجم عاطفي ، زجلي ، غني ومشاهد رائقة . يتحول السرد بعد ذلك إلى الوصف واللقطات الفنية الجميلة باستعمال ضمير الغائب الذي يهيمن على الحكاية التي ترسم صورا جذابة وأوضاعا متنوعة للمرأة بناء على قوامها وحركاتها الرشيقة . نقرأ قوله بالصفحتين297 _ 298 :
اسم الله جت اتخط بحناني حنطت واوشام أمنقط / شبحتني وقفت قالت مرحبتين
بعد الوقف مشت ياليه قربت وصلتني صمدت     / بشهامة حييت مدت لي اليدين
     *****************************************
ها الريم اللي ينط قمر عندي حط ناجم ويعفط /   يمشي تيلوفت كامل حق الزين
فيه الهذب رشق ظاهر في نبائق وجواهر تبرق/  خاطم يصعفق وخزر لي بالعين 
     يستمر النسق السردي عينه في قصيدة ( أمنية ) الصفحة 303 ، إذ يتم استعمال أفعال حكائية وحركية مألوفة في مجال النثر والسرد العام  الموجود في أجناس أدبية أخرى : عمل ، دار ، يهاب ، هلل ، ضرب ، (( يقصل )) ، يلوي ، تكاسل ، (( يعفس )) ، يرتاح ، ترتمي ، يوصل ، وقف ، عاش ، كان ، يظفر ، خشي ، ارتعب ، قطع ، لحق ، نزل ، اقترب ، رمى ، أحرق ، احترف ، يطلق ، هاج ، أردف ، تنظر ، تعثر ، طرح ، يحاذي ، تشابك ، 
     تَطْغَى ذاتُ الشاعر / السارد على أغلب الأفعال والحركات وأحداث القريض الزجلي التي يحويها هذا العمل ، إذ أنه يسند جل الأقوال إلى ضمير المتكلم ( أنا ) أو ( ياء المتكلم ) و( تاء الفاعل ) وضمير الغائب ( هو ) الذي يشير إلى كل إنسان أو حيوان أو جماد يرد ذكره داخل المجموعة (  الشعرية .
   يَتضحُّ لنَا من خلال الأمثلة السابقة أن الشاعر علي المزلوط الطالبي يوظف (( حوارا مسرحيا )) في بعض قصائده بطريقة جيدة ، حيث تصبح الأفعال حية ، ومباشرة ، كما يمتزج صوت الناظم / السارد بالأصوات المخاطبة وبزمانها ، مما يساعدهم على بناء الأحداث بصورة مشتركة . يحرك الشاعر / السارد الشخصيات ويتفاعل معها ، مما يجعل الحوار السردي يخلق دراما متحركة ورموزا نصية شيقة تتناصُّ ( intertextual  ) مع العقيدة الإسلامية وثقافة المجتمع الليبي بكل طقوسه وخصوصياته بالإضافة إلى بعض الحكم والقيم والتجارب الشخصية للناظم التي تجسد رؤيته الخاصة وموقفه الديني . تبرز الدراما من خلال حكاية سيرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، واستعمال أفعال سردية وحركية متنوعة ( قال ، ضلوا ، سن ، عدله ، تحرم ، نقبل ، نحفظه ، باعد ، ينهل ، وردت ، تحجج ، جاء ، نزل ، تحدث ، أغفله ، كان ، خرست ، زاد ، واصل ، ذكره ، نعبده ، عمله ، يتمنى ، شهد ، نال ، يدخل ، يمنع ، أعمل ، تبخل ، تنتظر ، جاهد ، تهنأ ، هدى ، صلي ، تحد ، جرب يشفع ، يحط ، توزن ، لقن ، حذر ، عاش ، حمل ، تحدى ، رفع ، طالب ، انتصر ، نهج ، سطع ، زهق أشعلت ، بدت ، أنارت ، دمرت ، قبر ، داوى ، شافي ، يعتبر ، تسير ، كتب ، عرف ، تبع ، يصل ، تبطل ، يعم ، يوحد ، داس ، نظف ، بلغ ، أخرجت ، صنع ، قسم ، ازداد ،أصبحنا ، تداعى ، ينفعل ، تسأل ، ترك ، يلزم ، نستفيق ، نرجع ، نرفع ، نغطس ، نزيد  ، نمشي ، يلوي ، يكيل ، تردى ،  ضاع ، يبتغي ، تبيع ، يفيد ، عد ، استعد ، مشى ...   ) .
       يَتمُّ تَشْخيصُ الحكاية الشعرية المتوهمة بشكل سلس يربط بين الشاعر والسيارة ، التي تتذمر من الواقع الفلاحي المحلي نظرا لكثرة حمل الماشية واتساخ هيكلها من جراء ذلك ، ووعثاء المسير أيام جز صوف الغنم ، وسقي الماء من آبار المناطق المنخفضة ( الجفارة ) ، كما أنها تشكو من تآكل قطعها واهترائها.
     يَظهرُ وصف الموضوعات الزَّجلية الموزعة بين ثنايا قصيدة ( حوار ) على الشكل التالي :
     1   _    تجسيد الحوار بين الشاعر والسيارة لجوانب مهمة من تاريخ الطرفين ، وتجاربهما ، ومشاكلهما ، ورؤيتهما المختلفة للأمور وتقويمها ...
      2  _    تعبير الحوار بين الطرفين عن مقام خارجي للنص الزجلي يقدم بشكل رمزي ، وهو ما يخلق تصورا ثقافيا عن الواقع الليبي وعلاقته بالمركوب .   
       3   _   سيطرة ذات الناظم على الموقف من أجل تشكيل سرد حواري مباشر نابع من البنية الاجتماعية التي أنتجت النص الشعري الشعبي .  يتم المزج بين عدة رموز وذات الفعل المباشرة باستعمال ضمير المتكلم ( أنا ) و ( ياء المتكلم ) و ( تاء الفاعل ) .
   يَعْتمدُ النَّصُّ الحواري المرتبط  ب(( حكاية السيارة )) وقصيدة ( مقابلة ) على (( سرد الشخصية )) ، وكذلك بعض سمات الآخر بغية تشكيل الرؤية الفنية الخاصة بهذا العمل . يقوم هذا الإنتاج الأدبي على بعدين نصيين مهمين :
      أ   _  استعمال الشاعر لضمير المتكلم ( أنا ) وضمير المخاطبة ( أنت / السيارة ) أو ( كاف المخاطبة / السيارة  ) أو المرأة الجميلة الأوصاف ، كما في قصيدة ( مقابلة ) : (( مصيت ، كسيتي )) ، تلحقي ، تخبريها ، تعرفي ، تدفعي ، يوقظني ، تذبحني ، جرحتني ، رأتني ، وصلتني ، مدت لي ،   نظر إلي ، ذوبني ، رفعني ، عذبني ، و بعض الأسماء مثل : (( بيادي )) ، صوتي ، أعظامي ، نيتي ، أصلي ، حناني ، أفكاري ، روحي ، عيوني ، رأسي ، عندي ، قلبي ...
       ب  _   خطاب الآخر / المخاطبة : وردك ، تعبك ، حديدك ، بالك ، وجهك ، ركبتك ، اختصاصك ...
       ج  _   استبدال ضمير المتكلم ( أنا ) بضمير الغائب ( هو ) من خلال تغذية راجعةfeedback)   ) كبيرة ومتعاقبة ، وحوارات مشتركة بين الأطراف المساهمة ، تتحكم فيها الضمائر العائدة والإحالات الدقيقة ، كقوله في قصيدة ( الصديق ) الصفحة 68 :
     وخليك مثلي اصادقو نقناقه    /  أيطول الزمان ويرد لو في العيه
     وفيه من أنواع إيهرطلو هيداقه  / ويوصل مراتب عافنة دونية
     يُخاطبُ الشَّاعرُ المتلقي موظفا ( كاف الخطاب ) لتعود التغذية الراجعة ، وتتلاحم الأصوات والمباني والمعاني عن طريق الكلمة ( مثلي ) التي تركز على شخصية المتكلم أو (( الأنا الساردة )) ، كما يبرز ضمير ( الهاء ) المتصل بأداة الجر ( في + ه = فيه ) للإحالة إلى السابق ( الزمان ) . تترابط وتتماسك ( 8 ) هذه الضمائر والإحالات بين الجمل السابقة واللاحقة داخل الحوار الشعري ، والبناء السردي المشكل للعمل بأكمله .   
        د  _  استعمال السرد اللغوي الذي ينتقل بين ذات الفعل وذات الموقف الشعري الشعبي ، كما يتجلى ذلك في بعض صيغ أسلوب الاستفهام الذي يشكل مرجعية (reference ) قوية عند الشاعر / السارد ، لكنه قليل جدا في هذا العمل المدروس . يقول في قصيدة ( انتفاضة القدس ) الصفحة 110 :
      وين العروبة ونخوة العربية  / وين التريس اللي يشعروا بلظاها ؟
    يُوظفُ علي المزلوط الطالبي أيضا أسلوب الاستفهام في نفس السياق و نفس التداول المقاميpragmatic  ضمن قصيدة ( حوار ) الصفحة 272 ، حيث يقول :
      وين تلحقي في شياها      /   أبرور تخبريها وتعرفي لا سماها ؟
      وين تعبك بالله عل سباها   /   وين جز الصوف صار بائد ؟
      وين المناهل وردك لماها    /   مكاتيب والمولى عليك ورائد ؟
ثانيا ) المستوى التركيبي :
        يَقومُ هذا المستوى على (( نحو الزجل )) popular poetic) grammar ) من خلال الإحاطة بقواعده وطرائق اشتغاله ، وعلم المعاني فيما يخص عملية الإسناد وضبط مكونات ، وصيغ (( النص الزجلي )) الليبي .
    تُبْرزُ لنَا التراكيبُ اللسانية عند علي المزلوط الطالبي علاقات الكلمات ، ومواقعها داخل الجمل التي تشكل نسق قريضه الشعبي . تنظم هذه التراكيب المباني والمعاني الشعرية من خلال مختلف الصيغ المباشرة وغير المباشرة ، حيث تتجلى صرفيا عن طريق تأثيرها الوظيفي ، وهو ما يكون عدة بنى أساسية بالنسبة لتشكيل (( نحو السرد )) في الشعر الشعبي الليبي المعاصر ، إذ يتم خلق عدة صيغ فنية وتركيبية ( syntactic  ) تصبغ النص الزجلي بصبغتها . يتوخى الناظم ضبط معاني نحو الشعر الشعبي داخل معاني تلفظه enunciation)  ) ( 9) . يستغل الناظم عدة صيغ لغوية للإسناد لربط الجمل الشعرية ببعضها ، لكننا نصادف أحيانا بعض الانحرافات التي يخلقها الشاعر / السارد لربط علاقات مكونات الخطاب الزجلي ( 10 ) .
   تلعبُ التراكيبُ والسياقات اللسانية المتنوعة دورا كبيرا في تحقق البنية السردية بكل علاقاتها النحوية والصرفية التي تحدد التكوين اللغوي للشاعر . يبرز المستوى التركيبي في هذه المجموعة الزجلية ، من خلال العناصر التالية :
    1   _    البؤرة النحوية للتراكيب اللغوية في قصائد المجموعة : تمثل محورا أساسيا وظيفيا يخص الصيغ اللسانية المشكلة للقصائد .
2       _    علاقة الجمل بالشاعر / السارد والسياق النفسي والاجتماعي.
3       _    ارتباط التراكيب اللسانية بالدلالة والمقام .
   تُسيْطرُ عدةُ تراكيب اسمية وفعلية وتوابع متنوعة على مجموعة ( قطرات المطر ) ، حيث يقوم الشاعر بتكرارها وانتقاء أصواتها

   والمُلاحظُ أنَّ التركيب السردي الشعري عند علي المزلوط الطالبي يتجه إلى رسم عدة مشاهد جميلة ، من خلال استعمال بعض القرائن النحوية ، وهو ما يجعل منها مشاهد واقعية عن طريق التكرار لعدة أفعال ماضية ومضارعة ، وجمل اسمية ، وفعلية وتابعة  : رسول الهداية المصطفى ، صلاة ، دستور السماء ، إسلام ، أحنا ، للثقلين ، جربت لمعدن تريس اليوم ، وحاذر من اللي مزوقة قشرته...
   نَسْتخلصُ ممَّا سبق أن الناظم يستعمل في هذا الصدد عدة آليات لبناء تراكيبه الشعرية : 
       أ    _    جمل اسمية ، وفعلية ، وتابعة .
       ب  _     ضمائر متصلة ومنفصلة وتنويع أصواتها( polyphony )  وإحالاتها ( references ) .
       ج   _    المزاوجة بين زمن الماضي والمضارع بالنسبة للأفعال .
       د   _     الاستعمال لأدوات العطف من منظور لهجي محلي أحيانا  .
  ثالثا ) المستوى المجازي :
    يُبرزُ لنَا التَّشكيلُ السَّردي الموجه لمجموعة ( قطرات المطر ) أن الشاعر علي المزلوط الطالبي يوظف عددا من البنى العميقة(  (deep structures، و البنى السطحية (   surface structures) (  11  ) استنادا إلى خبراته الفنية والموضوعية ، والجانب النفسي بكل ما يحويه من شعور وفكر وخيال . تتلاحم الأدوات الفنية المشكلة للمجاز لتصنع صورا لغوية حية ومتآلفة بها جمالية السياق الفني والاجتماعي . يعتمد الناظم في هذا المستوى على الرمز والصورة الشعرية لخلق الإبداعات الدلالية الجديدة التي تستند إلى مكونات تراثية وتخيلية وحكائية . يتنامى البناء السردي عبر قصائد المجموعة ليحقق تراكما من الصور الزجلية المتعانقة التي يعبر الشاعر من خلالها عن موقفه الجمالي والوجداني ومدى ارتباطه بدلالة بناء النصوص ، لذلك فهو يوصل بين النشاط الدلالي والوظيفة المسندة إلى الصورة الشعرية لكي تتماشى مع رؤيته الجمالية داخل المجموعة بأكملها .
    تضمُّ مجموعةُ ( قطرات المطر ) طرائق متنوعة من المجاز اللغوي والمجاز المرسل ، كما يبرز ذلك من خلال الأمثلة التالية :
  _     ما ينفعك في الضيق غير ذراعك / وما يوكلك الحلو غير أصباعك
 تظهر العلاقة المجازية الجزئية بين الذراع واليد من جهة وبين الأصابع واليد من جهة ثانية .
 _    صقور لحم على العرض ظهر صانوا : نجد هنا تجسيدا للقوة والحماية .
 _    وحي السماء القرآن بيه عدلنه : يعد هنا الوحي هو المسبب للقرآن .
 _    اللي يفزعوا لكان صار رنين : تكريس للنجدة والتلاحم . 
 _    طريق الحق : إبراز للاستقامة وسواء السبيل  .
 _    دستور السماء وحي الله : السبيل القويم .
 _    شعلت النور : الهداية .
   إنَّ علاقاتِ المجاز المُرسَل الموجودة في النماذج السابقة تتجاوز علاقات المشابهة والمماثلة اللغوية البسيطة ، حيث تصبح كلية أو جزئية ، سببية ، محلية ، باعتبار ما كان أو ما سيكون ...
    لقد استعمل علي المزلوط الطالبي عدة كلمات وأقوال وأمثال وعبارات في غير محلها الحقيقي لكي يعبر عن مجازات لغوية ، مرسلة ، شيقة .  

 
الهوامش :
 (   1  )  يفضل بعض النقاد الليبيين المعاصرين استعمال مصطلح ( اْلزَّجَلُ ) بدلا من مصطلح ( الشعر الشعبي ) . 
 (   2   )  يملك هذا المفهوم اللساني النصي الخاص بنا كفاية نظرية ، وتفسيرية معممة تتجاوز مكونات وعناصر التَّناص intertextuality البنيوي الجملي ، كما طرحتها جوليا كريستيفا وأتباعها . يرتكز التجاذب  gravitatation النصي عندنا على نشاط تداولي له ثلاثة جوانب مهمة :
     أولا  _ النشاط التركيبي والدلالي داخل النصوص المتقاطعة والمتماسكة التي تخلق (( كونا نصيا )) محدد السياقات والفضاءات .
          ثانيا _ النشاط الموجه لبؤرة التجاذب : إن التداخلات والتقاطعات النصية الساعية لتكوين (( البنية النصية الكلية )) تقوم على مجموعة من المتواليات المرصوصة التي تتجاوز حدود الجمل البنيوية الشكلية . تعتمد هذه المكونات على النشاط التداولي الثلاثي الذي تنضد عمله (( قمة / هيكلة )) نصية محورية ناقلة للخصائص الجمالية والفكرية .
          ثالثا _   النشاط المرتب لتفريعات التبادلات والتوزيعات الاتصالية الصغرى والكبرى الموجودة بين سلطة الكاتب ، وسلطة النصوص ، وسلطة المتلقي الضليع .
(  3 ) محمد زيدان ، البنية السردية في النص الشعري ، ط 1 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، سلسلة ( كتابات نقدية ) ، القاهرة ، 2004 ، ص 24 .
(   4  ) ارتبط كثير من هذه الحكايات الرمزية الإصلاحية بالنظام السياسي القديم في البلاد .
 (  5   )     محمد زيدان ، مرجع سابق ، ص 43 .
 (   6   )    محمد زيدان ، المرجع نفسه ، ص  55.
(   7    )   غالبا ما تقلب ( فاء الفعل ) التي تكون ( ألفا ) في اللغة العربية إلى ( نون ) في اللهجة الليبية ، خاصة عندما يصرف الفعل في زمن المضارع مع ضمير المتكلم ( أنا ) ، الذي يصبح (( أني )) ، و ضمير ( نحن ) يتحول إلى (( أحنا )) : على أول كلامي نلعن (( ألعن )) ،  ننشد (( أنشد )) ، نختم سلامي (( أختم سلامي )) ، أحنا العلم لينا ...أحنا فخر وأهل الفخر ... 
(    8   )  درسنا عمليات الترابط والتماسك بين الجمل من خلال مفهوم السبك التركيبي cohesion syntactic  والحبك الدلالي semantic coherence  في عدة أعمال مغربية وعربية .
(   9   ) عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، تحقيق محمود شاكر ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط 2 ، 1989 ، ص  361 .
(  10  )   المرجع نفسه ، الصفحات 526 _  531.
(  11 )    يعبر النحاة العرب عن البنية السطحية التوليدية بالبنية الظاهرة ، والبنية العميقة بالبنية المقدرة .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة