جولة "أبيض قلب" في دهاليز "أحمر حانه " ـ للروائي حميد الربيعي ـ حميد لفتـــة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

hana-rabiiدلالة العنوان :
عنوان رواية الروائي المبدع  ((حميد الربيعي ))   (( احمر حانه ))،  الدال  على  إضافة الأحمر  الي الحانة  ، فالعبارة تدل على المضاف احمر والمضاف  إليه  الحانة ،  والأحمر  كما  يستدل منه  كونه  رمز  الدم  بمختلف توصيفاته   الايجابية والسلبية ، فالأحمر  ورد  ألجوري   ، والأحمر دم الشهداء لذلك نرى  رايات  العديد من الأحزاب  وخصوصا اليسارية منها  هي رايات حمراء ،  والأحمر دم  مسفوح  مهدور  في عالم الفوضى ، وكما نرى  ان  هذه الدلالة  هي  الأوفر حظا  في تأويل  احمر حانه ، فالحانة  رمز  العبث  والسكر واللاعقلانية  ، رمز التحلل وبيع الروح والجسد  ومكانا  للبوح  بالغرائز الإنسانية، وهذا  ما   يجده  القاريء  ضمن متن الرواية  المؤلفة من ((202))  صفحة من الحجم  المتوسط من إصدارات  دار ((صفصافة))  لعام 2017  وهي أخر روايات   حميد الربيعي .
التاريخ  يعيد  نفسه :
الكاتب  يستضيف  ضمن روايته  المؤرخ  العربي الإسلامي الشهير ((ابن الأثير )) وهو  ((عز الدين ابن الحسن الجزري الموصلي ولد سنة  555 للهجرة  بجزيرة ابن عمر الداخلة  في الأرض التركية  وتوفي  في عام 630 للهجرة  أهم كتبه الكامل في التاريخ ، واهم  هذه الكتب هو الجزء السابع ، لم يكن ابن الأثير ناقلا للخبر فقط  وإنما كان  ناقدا ومحللا  لأحداث التاريخ ))...
الكاتب يستحضر ابن الأثير  ليخرجه  من قبره  في الموصل  ويدخله  بغداد ،  يرتقي جامع  الخلفاء  ليطلع  على حال بغداد في زمن  حروبها  الحديثة  زمن ((القائد الضرورة )) ، حيث الحرب الأولى بين العراق  وإيران ((القادسية ))  وحرب الخليج  الأولى  بين  العراق  ودولة الكويت  ، ثم  الحرب الثالثة  او حرب الخليج الثانية  ((أم المعارك ))  بين   صدام  وجيوشه  وقوى التحالف  الدولي وجيوشها من ((33)) دولة ، وهزيمة  ((عبد الله  المؤمن)) في 9 -4-2003 ميلادية  واحتلال بغداد  المدينة المدورة ...

يقرر  ((ابن الأثير))   ان يتابع  الفتى ((  إدريس)) الذي  استطاع  ان يفلت  من  قبضة  ملك الموت  ((عزرائيل ))، الذي اعترضه  ابن  الأثير ، وظن  بأنه  سيأخذ روحه  بدل  الشاب الهارب ، حب  الكشف  وطفولية  المؤرخ   تدفع  ابن الأثير  لملاحقة  ((إدريس))  ومن خلال ذلك  يطلع  على الأهوال  والأحوال  للعراق الحديث ويقرر ان  كل ما كتبه  كان  زورا  ومزيفا  وعليه  ان يكتب التاريخ من جديد  واضعا له  عنوانا   (( الفر هود  في يوم صيهود ))، حيث ان  التاريخ يعيد  نفسه  وكأنه  تاريخ متصل  والحاضر إنما هو امتداد للماضي ، منذ زمن ((لاسكندر)) ومدينته ((خارا كاس)) حيث مولد  المسخ ((  إدريس العاشق ))  من بطن الحوت  في منطقة الاهوار ،وحتى  ((المدينة المدورة )) بغداد  في زمن  ((صدام ))، حيث ((علا الشيخ المنارة – منارة جامع الخلفاء  وهنا   إشارة ان   لا فرق  بين  كل  الطوائف والملل    لأنه يراقب من خلال جامع الخلفاء إي  بجمعهم  ككل   وليس   خليفة دون غيره – وقد اجتاز  مسرعا الفسحة والمصلى  خاف على نفسه من ان تفتك  الحرب الثالثة به ،فارتقى السلم  الملتوي – بمعنى ان  التاريخ  يسير  بشكل حلزوني  وليست مستقيم – بسرعة رغم كبر سنه ))  ص107 .
وقد  توزعت الرواية  على ((24))  عنوانا  فرعيا  توزعت  (( 4))  مدخل ، و ((3))  مخرج،  و((2)) المدينة المدورة، و ((2)) خاراكاس، و ((3)) كرخ ، و ((2)) رصافة ، و ((2)) سوق الجيف ، و ((2)) القاع ، و ((2)) الحمامات ، و ((1)) أسطح  مثلومة، و ((2)) لقاء ، و ((2)) العاب  نارية ...
وزع  الحوار  بين  شخصيات  مثيولوجية  ((  5))  أدارسة  و ((5))  دانيال ، كل  منهما  يشير الي  رمز في الموروث  الديني  المثيولوجي  وقد   صنف  الدانيالين  الي ((احدهم قواد ، الأوسط مذيع  فوضى ، الأصغر رادود ، وآخر يعتلف الحشيشة ))ص126،  وهنا  يصور الكاتب  مستويات  وادوار   وسلوكيات  هذه  الشخصيات التي تمثلها  ناس  العصور  المختلفة ،  بن  القوادة ، والتحشيش، والفهلوة ، والخداع ،  وقادة  الحروب( ،والغش والاحتيال  ومصادرة أموال الناس وهذا  ما تمثله  الادارسة الأربعة والادريسه  ،  وخصوصا  أثناء  عصور الفوضى  وشيوع  الخرافة  والحروب .
كما انه  يستحضر  القوى السلفية  الساكنة لكهوف  الجمود والتخلف ورفض التغيير والتحول  مجسدا  ذلك عبر ((الخمسة اهل الكهف بما فيهم كلبهم  )) ومهاجمتهم  ل ((إدريس )) بصنادلهم  الذي  أصابها التحجر والعفن  بعد ان كانت طرية  في أيامها  الأولى ، وكلبهم  الذي حاول  التعويق  ل ((إدريس))  وعضه  في بطة ساقه  ، وكذلك  تعويقه   لامرأة إدريس التي  انقذت  المؤرخ  ابن الأثير  وتحويلها  الي عرجاء معوقة  تجوب الشوارع ،  وعدم كفهم عن ضرب  ((إدريس)) الا بعد ان ذكرهم بالعجل الذهبي كانه يستحضر فعل السامري الذي  اغوي قوم موسى  فصنع  لهم عجل  من الذهب الذي جمعه منهم  والقمة  ترابا  فاخذ  يخور  فصدقوه  وصدوا عن دين موسى   وهي إشارة الي  عجل السامري و أصحاب موسى اللذين تخلوا  عن دينه وعبدوا العجل  دلالة هشاشة إيمانهم  وضيق  أفق تفكيرهم ... هذا ما قاله  الله تعالى من سورة الأعراف (148): وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ [الأعراف:148]
هذا العجل الذي  خلقه ((إدريس))  العصر المتأخر من   صهر سرقاته  من الذهب  من نجوم وسيوف  وتيجان  العسكر  وحلي  ومدخرات النساء   ما بعد الفرهود .
كل  هذا حدث في عصر انعدام  القيم  وعصر التزييف((هذه المرحلة إنا أطلق عليها التزييف ، كل شيء خاضع لهذه المعادلة :- الأراضي ، المدارس، الشهادات ، الوظائف، العسكر، القيم كل شيء)) ص 137.
 ((الادارسة ))  عصابات الحرب  والخراب :
في اللقاء الثاني  ص 171 ((اصمت إلفا  وانطق ياء))
يجتمع الادارسة الأربعة   بعد  عدة محاولات سابقة  كانت فاشلة  ولكن هذه المرة  اجتمع الشمل ، وقد  تزعمهم  الأصغر حيث  جلس   خلف  كرسي القيادة  خلف منضدة الثعابين ((إدريس العاشق)) ، وقد تم استعراض أعمال واستعدادات الادارسة الثلاثة الآخرين
إدريس العريف قدم لأخيه  ما قام به  وقد استعد كعسكري محترف وانه  قد اعد لأخيه  جيشا جرارا لم يجد في جند الأولين ولا الآخرين من يماثله
الطرارون، النظافون، المحتالون، السلابون والسفلة الغوغاء)).
إدريس الخراز  يقدم  ما عنده
هنا تصطفن السواطين، المأبونين ، الفساق، الزناة، الفجار، الداعرين ، وشذاذ الآفاق)) ص174.
إدريس الثالث  قدم ما عنده
(( الافاكون، الخراصون، المفترون، المنتحلون، المقامرون، الأوباش وأكلوا السحت ، جيش كالعثة  يجعل الدنيا  كورقة متهرئة .)) ص175.
وبذلك  يقدم  لهم  أخيهم    إدريس الأصغر  وليمة دسمة في مطعم دجاج ، وبعد ذلك  قدموا   خططهم  ومخططاتهم لخوض  المعركة القادمة  بعد ان استطلعوا المكان  وعادا  إليه
((عادوا الي ، إنا الذي كنت  أتظلل بنصب ساحة التحرير، ما زال الحصان والجندي  يجاهدان لإيقاف  انزلاق الأرض ، في حين  كانت شمس النهار تنحدر نحو الأفق الغربي.))ص177
هنا  تصطف الجيوش،كل يأتي بعصبته لنبدأ حربنا القادمة  .
مثل التلاميذ يستمعون، افرك راحتي، اشد انتباههم:
يلهثون بانتظارهيمنت ثقافةار البقية، بخبث أطيل  الصمت  قلت :-
كروا وفروا ، عيثوا في المدينة، انخرا لبها .)) ص176 –ص177
 هذه  النبؤة الخطرة والمرعبة التي  يتوقعها  الكاتب  للعراق  في ظل  الواقع  القائم  وتطوراته  وهو محكوم  بتاريخ مزيف  ،  واداريس    لهم  من الجيوش الجرارة سابقة الوصف  للحصول على الذهب وهو عشيق  الذهب(( معشوقي صدمني حال الوصول الي المدينة رأيت تواريه عن الأنظار واختباءه في الخزائن مما حدا بي الي إدارة بعض الألعاب البهلوانية بغية الصول  إليه )) ص113.
وما ال  إليه حال ((دانيال  وإخوته ))  بين قواد ، ومحشش، ومهرج،  ومجتث القضيب  فاقدا رمز رجولته  وتواصله .
ان  من   يضع  إمام  ناظريه  ما يجري في عراق اليوم  يقتنع بتنبؤات الكاتب   لمستقبل  عراق الخراب والاحتراب  والشرذمة  والانقسام ... لم يكن  المؤلف   يخرج   بهذه النتيجة  الا بعد  ان  استعرض  حال وواقع  المجتمع العراقي  الذي  استهلكته الحروب  وطغيان ن الديكتاتوريات المتعاقبة  ومن  ثم هيمنت القوى الإسلاموية  وزمر من الانتهازيين والنفعيين الذين  استفادوا  من تجنيد الكم الجماهير  المخدر بالخرافة والوهم  ،    تحركه الإشاعة  وتلعب  به  الأوهام ....
وكيف  انقلبت  الي الأوضاع  من سيء إلى أسوء   فالبشر تغير والعملة تغيرت  والأسواق تبدلت ، أصبحت المبادئ  سلعة تباع وتشترى . فهو يرى  ان  هذا الوضع  سيؤدي  الي  ظهور جنرال  ديكتاتور:-
(( يخرج من قاع الأرض عجل من ذهب ، يجره حمار نهاق، خلفه الجمع تسير ، يقودهم جنرال صوب جسر الجمهورية فيحدث قتال عظيم بين الكرخ والرصافة ، القتلى يرمون الي النهر ، فتصطبغ صفحة المياه باللون الأحمر ، عند القصر ذي القبة الزرقاء ، تحي الجموع حفلا صاخبا ...)) ص199
فحولة معوجة وفحولة مجتثة :-
يشير الكاتب  الي حال  العديد  من   شخصيات   الرواية ومنهم بطل  الرواية  إدريس العاشق  والذي  أصيب بمحنة  ((قضيب معوج)) عجزت  الزنجيات عن إصلاحه  واستقامته  الا على يد ((المدلكجي)) الشاذ في حمام ((مهدي))...
و((دانيال)) الأصغر الذي    اجتثت فحولته على يد  قوى   عجز عن مقاومتها  ، وعجز عن  استرداد  فحولته ...
ان  الكاتب يستعرض  لنا حالة  السقوط   المفجع  لأحوال المجتمع العراقي  تحت طائلة الجوع  والحرمان (( فالجوع مذلة )) لا تحتمل ،  وعبر كوميديا  هازئة  كسرقة الديكة ، وسباق  نهيق الحمير  يأخذنا  الكاتب الفطن بين  تراجيديا  مبكية  وكوميديا  مضحكة  فيظهر لنا  مأساة العراقيين  وواقعهم  بين البكاء   والضحك  ،  بين  الحزن   والألم ، وبين اللامبالاة  والهزل .
هيمنت  ثقافة العنف  والقتل  والقهر حتى  على  اللغة الشعبية المتداولة لدى  الباعة المتجولين  في المدن
((رمان مثل ثدي مقطوع – يا احمر ))
خيار يشبه ذراع((عتروزيمعيبة لقد( اضحك من السخرية التي تحيل الموت الي بضاعة للبيع، صادفني مأبون يساوم على ركوبه بقطعة حشيشة ، قال انه  يتعاطى الأفيون ، وان مخرجه لا يساوي شيئا أمام شمة أفيون )) ص183-184.

الغرائبية في  ((احمر حانه )):-
من اجل  ان يحكم  الكاتب قبضته  في  مسك خيوط السرد  ولكي   يطلعنا  على جسامة  ما يجري   في عراق  الحاضر واذا علمنا  ان  ألعجائبي  هو حدث  او ظاهرة  مستحيلة الحدوث  على مستوى الواقع  الحقيقي ،  او هي  حادثة او ظاهرة من  صنع  مخيلة  الكاتب  وان كانت  لها  جذور في الواقع ((المتخيل الروائي  في جزء كبير منه  ينتمي الي الواقعي ، او بالأحرى  مولد  منه وبه )) الخطاب الروائي العربي ج2 – ط1 2013 ص 364 د.عبد الرحمان غانننمي .
 فقد  تمكن   الربيعي ان    يوظف  العجائبية في الرواية ،  ليثبت  لنا مدى سريالية  ولا عقلانية ما  نعيشه  في عراقنا اليوم ، استحضر   ابن الأثير ، واستخدم  الأطباق الطائرة ، والأفاعي الجائرة ، والحمير الناهقة ، الحية الميتة ،  والبهلوان  المسحر القادر على  اصطناع المعجزات،  والشقيقة التي تحلت الي حدأة ، وكذلك  شخصية  إدريس العاشق((المسخ ))  العجائبية  ولا  نقول  الغرائبية ... فالغر ائبي   هو  ممكن  الحدث  في الواقع  وما ذكرناه أعلاه  من المستحيل ان يحدث في الواقع .
 وبهذا  الأسلوب ألعجائبي  امتلك  الكاتب  جناح  الطيران فوق  الوقائع  ليمسك  بكل ظواهر اللا معقول  في مجتمع  مشلول

وصف  دقيق  لأهوال  الحرب وواقع  الكرب :

تمكن  الكاتب ان يرسم  لنا صورة  الألم  والجوع  والقهر  الذي  عاشه  المجتمع  العراقي  تحت ويلات  الحروب الخارجية والداخلية ، ما قبل  الاحتلال  وما بعده  حتى ان   مهنة التسول  لم  تعد  معيبة  في المجتمع العراقي
(( مهنة التسول لم تعد معيبة  لقد انخرطت فيها  الأرامل ومشوه الحرب وأطفال الأزقة )) ص150 في  بلاد أصبحت (( كنوزها  مثل  إسرارها  زيف )) ص164.
في مدينة تهرالعائدين من الغربان:
 ((يقال ان هذه المدينة  تفر منها الغربان، جيفها تدفن، الأرض تبتلعها بسرعة فائقة )) ص63.
حالة الجنود العائدين  من  الحرب الثانية (( حرب الكويت لان هذه الحرب الثانية كانت الأرعن ،آلاف الجنود المشوهين عادوا خائبين منهم من  قطعت يده ومنهم من فقد عينه ، لقد زادوا  جيش العاطلين )) ص49.
  أصبح  كتاب ((البخلاء)) للجاحظ  لا يفي  بالغرض  ليكون مرشدا   لمجاميع  الفقراء والمشردين  والجياع  العاطلين عن العمل  في  ممارسة فن النصب والنهب والفهلوة   لغرض الحصول   على لقمة العيش  سواء بالنصب او  بالتذلل والمسكنة او  بالقوة  والافتراس  مما يتطلب   تأليف  نسخة محدثة من  كتاب البخلاء  للجاحظ  وقد   اقترح ان يكون    اسمه (( الفر هود  في زمن الصيهود)).
((الإقبال على تعلم  فن السلب والنهب والبخل ، وتقاطر  أفواج الغرباء  الي المدينة  هجرة طلبا  للعيش)) ص70.


فساد وحرمنة  وجهل  الطبقة السياسية الحاكمة :

وها هوراعة الكاتب الواعي  واقع   ممارسة الطبقة السياسية الحاكمة  بعد  انهيار الديكتاتورية  سوءا  من ((الادارسة )) او من ((  ال دانيال )) وطرقهم  الإجرامية  في  سلب  ونهب ثروات البلد  بدون  إي وازع  من ضمير  وليس هناك  ما أدل  من سرقة((11)) طن  من  الذهب من  مصرف  الزوية  هذه  السرقة  المشهورة  والتي جرت   نهارا  جهارا ، والقيام  بإغلاق  وهدم  كافة دور السينما  والملاهي الليلية على شارع  أبي  نؤاس الذي أعيد الي منصته  وشارعه  وقد سلم من يد الفر هود  العابثة ،   وقد كانت أوامر الهدم  لمصادرة  أراضيها لتكون ملكا   للطبقة الحاكمة  وبالتوافق  فيما بينها ،  بأمر ((الملتحي)) المتاسلم المتنفذ،  وتنفيذ المكروش ((أمين العاصمة )) التابع الفاسد ....
 وها هو يجري  وسط  الم  ومعاناة  بنات  وأبناء العراق الشرفاء الأحرار  وهنا تمثلهم  ((الحداة)) شقيقة  إدريس العاشق التي  حولها الساحر الحضر موتي وبناءا  على طلبها الي حدأة    ولا  ندري  لماذا اختار الكاتب حضرموت  لتكون   موطن السحرة    وهي طائرة   تراقب ما يجري على الأرض  من قبل   ((الادارسة وال دانيال))  وبقية زمر التخريب  والهدم  ولسان حالها يقول  تأسيا لما ترى  وما حل  بأرض الصبا في الاهوار :
((حين أمر  عليها في طيراني وأنا  الحداة ، اشعر بالأسى لما  آل إليه مرتع صباي ، أجوب الآفاق محلقة في العلي فأجد  الأراضي المنخفضة وقد  انسحبت عنها مياه الهور ، تاركة سبخة مالحة وأشتات ، جففتها الشمس فتيبست ثم تهاوت كخيوط مقصوصة الاطراف ) ص51.

المنحى الفكري للرواية :

الروائي  استطاع    من خلال ملاحظاته  ان  يتابع   ما جرى من أهوال  وتغيرات  في بنية المجتمع  العراقي ، ومنه  ظاهرة الفر هود  والذي يرى أنها  ظاهرة ليست جديدة  في المجتمع  العراقي  وإنما هي امتداد غير منقطع    مورست  في مختلف  عصور القهر والتدهور التي مر بها  الشعب  العراقي، سواء من قبل  الحاكم او من قبل  المحكوم ، نهب  السلطة   مجسدة بشخص الحاكم  وزمرته  وحاشيته   ا ومن قبل   الجماهير الرثة  بفعل الجوع والقهر والقطيعة الكبرى والمزمنة بين السلطة والشعب ،  كون السلطة ليست  بنت  الشعب  وإنما  هي مفروضة عليه  من اعلي  من الخارج المستعمر  المتجبر في زمن الاحتلالات المتوالية  منذ  قرون  ماضية  سواء من قبل  الفرس او المغول  ا الأتراك  او الانكليز او الأمريكان  في هذا الزمان .
نريد القول  ان الكاتب   وكحال اغلب كتابنا  يسهبون في  التوصيف  للظواهر والأحداث  دون  الغوص  في بحث  أس  الظاهرة وجذورها  في بنية  التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية  القائمة في  الزمن المحدد .
فحين يرى  ابن الأثير  الحي  المراقب في  العصر الراهن  ان ظاهرة  ((الفر هود في زمن الصيهود))  ممتدة منذ قرون غابرة ولازالت لحين التاريخ ، يجب   ان يظهر الراوي  هنا  طبيعة السلطة  الغير متغير  فلا زال  بيد أقلية من  الإقطاعيين  وأشباههم   في زمن الخلفاء  ومن ثم  بيد  ((الاقطوازية))  من بقايا  الإقطاع والبرجوازية الطفيلية  ، هذه الطبقات  المأزومة في دولة الخراج  او دولة  الريع  البترولي ،  وعدم   تطور قوى الإنتاج  في حين  يزداد  قطاع  الاستهلاك   ويتغول   بشكل  مستمر ، مما سيشبب العفن   والركود في بنية المجتمع ، السلطة تمسك  بمصادر الثروة  توظفها   لتنمية أجهزة القمع   ورشوة   حواشيها  من العسكر وشيوخ القبائل على حساب جوع  وقهر الطبقات  الفقيرة  والمهشمة التي  لا تملك  سوى  الخضوع  لهذه القوى  التي  تبدو منزلة من  قوة جبارة  لا يمكن قهرها ، فتنجرف  في طريق  الخرافة  والتسول الأخلاقي وسلوك طرق  الفهلوة والاحتيال  والثعلبة والقردنة من اجل ان تخطف  لقمة العيش من  أفواه من يشاركها  القهر والظلم ...
وهنا   يبدو لي  ان  لا  معادل موضوعي   لنمو  مسخ  في بطن  امرأة  فلاح  بسيط  او صياد  فقير يعيش في الاهوار  ليكن سارقا وهو في  بطن امه ، ليكون  هذا المسخ  ابن الطبقة الفقيرة المعدمة   وليكون  بالتالي قائد  الادارسة  قادة كل قوى الشر من  النهابين  والسلابين ، والسراق، والمزورين ، والقتلة ؟؟؟
دون ان يكون  هذا المسخ  ابن  الطبقة الإقطاعية  التي زورت  تاريخ وملكية الأرض في بلاد السواد:
  ((ثمة رجل أيام العثمانيين استل ورقة من ملف ،خبأها أياما ، في الأخر حين قرأها مزقها ، كان ينقذ الأرض من أسرها ، الورقة مهرة بخاتم الخليفة ، وتعد هذه أراض أميرية ، وقف ليجوز بيعها او حيازتها ، هو استل ورقة اخرى ومهرها بطريقة ذكية فاستوصى على ارض السواد من يومها صارت تباع وتشترى وتؤجر )) ص138 .
وقد  حول  إتباعه من الحكام والقطاعين  هذا  المزور الكبير  الي مقدس  مبجل  يعبد  حتى لا تكشف  سرقاته  ويفتضح  أمره
                 (( فلا يمكن لسارق  ان يكون ألها )) ص138.
وها  هو الآن   ألها ومقدسا  وحاكما  وممسكا  بصولجان الحكم  ومفاتيح  الخزائن  البترولية ...
 افليس الأجدر والأكثر قناعة ان يكون  ابن السارق  الإقطاعي  والملتحي  والمزور هو  ((المسخ)) الذي مارس السرقة وهو  في رحم  امه ؟؟؟
التاريخ المنطالب ونتمنى ارض السواد  هي ارض أميرية  اتفق على ذلك  الخليفة  عمر بن الخطاب  والإمام علي  في وقتها  ولا احد  يمكن ان يشكك في هذه  الواقعة ، ورغم ذلك  يدعي  الأدعياء  من  كبار الإقطاعيين  ان  الأرض ملكا  لهم ولأجدادهم  في الوقت   اللذين هم  من المغتصبين  والمتجاوزين ظلما وقسرا  على ارض السواد  ملك من يزرعها ويرعاها !!!
  إننا  نلمس  من خلال  العديد  من الروايات  وكتابات بعض الأدباء والكتاب  إدانة كبيرة  ظالمة   للفلاحين   والصيادين  الفقراء اللذين  يهجرون  الريف بسبب جفاف الأنهار وظلم  الإقطاع ويتوجهون الي المدن طلبا  للعمل وكسب لقمة العيش ... ذنبهم الوحيد  أنهم جياع مشردين  حكم عليهم بالضياع  في ظل حكم الإقطاع  المسند من قبل  سلطة الدولة وسلطة ((الدين ))، وبما  ان  دولتنا  ريعية  فلا يجد  هذا المشرد  عملا  منتجا في المدينة مما  يجعله يتحول  إما  الي أداة بيد السلطة  لقهر أبناء طبقته  ا و الي محتال وسارق  ومشرد ، بالضد مما حصل  في بلدان العالم الأول حيث  تم احتواء هذه  الأيادي  المهاجرة من الريف  في المعامل والمصانع  والعمل  المنتج  حتى وان كان تحت ظروف  قهرية  ولا إنسانية ،  ولكن هذا العالم  اخذ يشعر بذاته  ولذاته ، واخذ يصطف  مع  أبناء طبقته في  النقابة والمنظمة  المهنية  للمطالبة بحقوقه ، وقد  أعطته  الطبقة البرجوازية المنتجة في هذه البلدان جزءا من حقوقه  لأنها بحاجة الي صوته  وتضامنه في كفاحها  ضد  الطبقات  الإقطاعية وطبقة النبلاء  وهي  تناضل من اجل انتزاع  السلطة منها ، ليس كما  يجري في بلداننا  لعدم وجود  طبقة برجوازية وطنية  منتجة  تحتوي    هذه  الأيادي  الطالبة للعمل  مما  يعرضه  للضياع  وإبقائه  كالاشنة في مستنقع  الجهل والأمية والبطالة  ومسخ الذات .
مما يجعلنا نطالب  ونتمنى على كتابنا  فهم  ومعالجة هذه  الظاهرة بعين العلم والإنصاف  وليس   بكيل تهم الإدانة  وإحكام  ظالمة  ضدهم ....
سرقوا الأرضم ضمن  معادلة (( من يحوز ومن لم  يحز)) ص143   وهو التقسيم الحقيقي للمجتمع  والذي  يجسد  طبيعة الصراع  بينهما  كفريقين  متصارعين  مدى التاريخ  حتى تتحقق المساواة والعدالة  والتوزيع  العادل  للثروة ، وإعادة (أطنان  الذهب )) المسروقة الي أصحابها  الحقيقيين  من  أبناء الشعب  المظلوم   شريكهم في الثروة  .
فقد سرقوا  الأرض  في ختم مزور وسرقوا  النفط    بقوة أسيادهم  من  الاستعماريين اللذين نصبوهم   أسيادا  وبإسناد  أصحاب العمائم  من مختلف  الألوان والإشكال .

((احمر حانة)) رواية مميزة :

اتبع  الكاتب  المبدع  أسلوبا سرديا  متميزا  من خلال ((24))  عنوانا  فرعيا  ، وقد استهل الرواية   بنهاية وخاتمة الرواية ،  تنقل  بين مختلف مستويات الروي    غير متقيدا  بالتسلسل الزمني الخطي  للروي  كما  في  أغلب الروايات  التقليدية ، توزع  بين شخصيات رئيسة  وفرعية  متشابكة الأفعال والمهام ، تتطلب   تركيز  كبير  وتجربة   لقاريء  غير عادي  لسبر اغوارها  ومتابعة إحداثها  والفصل  بين  شخصيتها  التي   حملت نفس المسمى  مما  يثير الالتباس  بين الأفعال  والأقوال ، خصوصا  وان الكاتب   اصطحب معه  أهوال الواقع  وضجيج  الأسواق  ،   وجمع  بين  الحوت الطائرة ، والحمير الناهقة ، بين  لحى  بهية  وتهتك  تسوي ، بين أطنان الذهب  وأطنان القمامة ،  جمع بين  نقيق  ضفادع  الاهوار المتغضنة الجلود  وبين  ارض الموصل  وأضرحتها  المجرفة ، جمع  بين حداثة  الراهن ، وكهوف  الماضي ، بين مفرقعات  ومتفجرات  الحاضر وصنادل  الماضي  السحيق....
امتلك  الكاتب  المبدع  ثروة  لغوية ،  وخيال خصب ، وحنكة في إمساك  خيوط السرد  رغم  تشابكها  الشديد ، ليخرج لنا   بإبداع روائي   يستحق  القراءة   بعقل منفتح  وتركيز خاص  لنتمكن ان نرافقه بوعي  ضمن  تحولاته وتنقلاته  في مستويات روي  متعددة ...
رواية تقرع لنا أجراس الخطر القادم ، لنشد  أحزمة الأمان ، ونستنفر كل  مخزوننا  الكفاحي  والنضالي  الإنساني لكي   لا نسمح للعث  وعصابات  الادارسة  وفساد   ال (((دانيال )) بان تمهد الطريق   لجنرال ديكتاتور سوف  يحرق  الأخضر واليابس ...ان  نعي صرخته  الكبرى  وهو  يقول :
((لايمكن  لسارق  ان يكون  ألها ً))  ، فاسمعوا  وعوا ،  وانتبهوا   الي ما تعبدون
 انزعوا  عصائب  التضليل  والتجهيل  واقرؤوا   واقعكم  بعين  العاقل  المتبصر  وليس  بعين  الجاهل المتقهقر .
لاشك ان الرواية تحتمل المزيد من التحليل  والتأويل ،  بالتأكيد  سيلقي الأحبة النقاد عليها أضوائهم  لإنارة المزيد  من   جوانبها  الأخرى .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة