رحلة على ضفاف البؤس من أجل التغيير : قراءة في منجز قصصي تحت عنوان (وصف ما لا يوصف ) للمبدع والإعلامي المغربي مجد الدين سعودي ـ مالكة عسال

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse16103استهلال كتمهيد وجيز
وأنا أتصفح المجموعة القصصية للإعلامي والأديب  المتميز مجد الدين سعودي ،حيرتني العتبة النصية الخارجية بكل تفاصيلها اللوحة والعنوان ،والألوان..
اللوحة تتوسط الغلاف بدفتيه معا ،باللون البنفسجي يميس بين  الغامق والفاتح، ترمز إلى كتلة من الدخان  شكلت ما يشبه خصلات من الشعَر متموجة ،أو وردة مكدسة البتلات ،أكان هذا او ذاك، فهي  تشخص ما يعتمل في النفس من هزات واضطرابات خلخلت الهدوء والسكينة ،وما سيوضح اعتقادي هذا هو العنوان الملغز، المشكّل من ألفاظ بسيطة متداولة ،ولكن تتناغم في ما بينها  في علاقة، نتج عنها التباس لا يمكن فك إبهامه ،إلا بتبصر سره ...
(وصف ما لا يوصف ) كلمتان متنافرتان :وصف وفي الآن نفسه ما لا يوصف ،كيف نصف أشياء لا يمكن وصفها ،الأشياء التي لا توصف معناها لا شكل لها ولا لون ولا حجم، أي ليست لها عناصر يمكن تحديدها من خلال الوصف ..وقد يقصد الشاعر المتراكمات المترسبة في غمد  العمق، التي تُحَس ولا تُلمَس أو تُرى بالعين المجردة ، مجموعة من الهموم والرغبات والتطلعات تزلزل كيان الذات الإبداعية ،لانعرف سرها ولكن نفهم معناها بالحدس ،بتقاسم الشعور مع المبدع  حين عبّر عنها في صفحة الإهداء (( إلى ديموقراطية العرب المؤجلة إلى أجل غير مسمى )) (( إلى ربيع عربي مغتال )) ((إلى حلم في الطريق)) ((إلى سفر ملغى ))..وغيرها من العبارات التي تدل بالكاد ،على تطلعات مبدعنا الإنسانية ،والتي يمكن اختزالها في عبارة واحدة ،هي ((  أن يعيش الإنسان في فجر سعيد خال من وعكات الحروب والفقر والتهميش ،متمتعا   بالكرامة وكافة الحقوق )) وهذا هو المثقف الحقيقي الذي يتأبط صفائح البياض  في يمناه ،وأحباره في يسراه ،ليُسيلها دموعا نائحة على الأوضاع الإنسانية المخرومة ،التي تعبَثُ بها أياد الطغيان والجبروت ،وتنكّل بها بأبشع الصور ..لإيصال الأصوات المختنقة والآهات الموجعة والعذابات المقلقة على حد قول مبدعنا في صفحة الفهرس  بتصرف ...

1ـــ ما بين ثنايا الكتاب
المحتوى  يتكون من 14 نصا قصصيا ،يبتدئ بمستهل تحت عنوان (برولوغ  )،...و لفظة (البرولوغ )(Prolog) اسم فرنسي يعني (( لغة برمجة منطقية)). أي (برمجة المنطق) عن طريق البرولوغ يتم كتابة البرنامج بالكامل باستخدام الحقائق والقواعد ،في العديد من برامج الذكاء الاصطناعي بالخصوص.. وقفت على هذا المفهوم لأعَرّف به لغويا حسب ما جاء في ويكيبيديا بعجالة ،ودلاليا ما له من علاقة صارمة وحادة بينه وبين ما يعتمل في داخل كاتبنا مجد الدين سعودي ،مما جعله يوظفه بذكاء ؛وإقحامه بطريقة فنية في المنجز ليس عبثا ،ولا للتزويق أو الإثارة ،وإنما له بعده الدلالي حول ما سيقدمه في مجموعته  ، مستندا إلى حقائق علمية /موضوعية /ملموسة ،استقصاها من الواقع الأجوف بطرُقه المنطقية ،تلاقحَ فيها الجانبان : الحسي والفكري على امتداد ...
وتنتهي المجموعة بنص معنون ب( وختامه مسك أو زفت أو أمل ) وهنا يتجلى موقف الكاتب بشدة حماسته  وفيض قلقه ،وبركان غضبه ،حين يسقط في غور الحيرة حتى النخاع ،لا يدري ما نهاية  هذا المنجز الذي تقطّره  من دمه ،هل هو إيجابي أم سلبي  ؟؟هل سيقدم شيئا للقراء أم هو فارغ ،؟؟  أسئلة تتناسل هكذا بعد كل منجز، تطرق دفعة واحدة رأس المبدع ، تبين  عدم رضاه على ما قدم حتى ولو كان مكتملا ،والتوق إلى البحث عن الأجمل والأكمل ....
يلقي المنجز بظلاله على 92 صفحة ، وزنٌ بخفة الفراشة ،ولكن بثقل الذهب ،ففي النص (البرولوغ)نجد الذات المبدعة ة متدمرة حد الأطراف ،ساخطة على واقع ،يختلط فيها الحابل  بالنابل ، تنقلب فيه الأوضاع رأسا على عقب ،مما جعل الأشياء تفقد جوهرها ،وقيمتها.. نظرة تشاؤم خيمت على عمق الذات المبدعة ،أحرقت شعاع أمل كان قادما من بعيد ...((سأحاول تجسيد المسكوت عنه في وطن البهتان والفئران في وطن ينعق فيه البوم )) ص:8 ..صورة قاتمة ،ينظر فيها المبدع إلى الحياة بنظارتين سوداوين ،وهذه النظرة الكارثية لم تأت من فراغ ،وإنما إفراز نتج عن تأمل واسع  وشعور ساخن ،وعمق متأجج بحرارة،  لعوالم تكتنفها أسرار ملتبسة  كبحَتْ جماح التطلع  إلى غد بفجر متنور ،ورغبة في البحث عن الحقيقة  بضوء الشمس ،لتحرق آليات  التدليس ،والكذب والرياء .. هي إذا  حالة صراع مرير، بين ما تحلم به الذات المبدعة وترجوه ،وبين غياب شروط تحقيقه ..

*** الهموم الإنسانية تؤرق الذات المبدعة
مبدعنا إذا صديق الدراويش والمومسات ،وماسحي الأحذية والمتسكعين في الشوارع ،والجائعين ،ومَن  قوتهم اليومي الخبز الحافي والشاي الحار ،ومَن جيوبهم خاوية وبطونهم طاوية ،ومَن  يقتاتون مِن القمامات والأزبال ،ومن تشردوا في الشوارع بشهادات جامعية ،ومن يعانون  من التقتير والهزال والاصفرار لقلة ذات اليد ،ومن رُميَ بعِلَّته أمام المستشفيات ،ومن قٌهِرَ في مدن الصفيح ،ومن يواجه حرارة ارتفاع الأسعار والطرد من العمل دون مبرر معقول ؛والوطن رغيف  تتقاسم خيراته القاذورات الإنسانية والبهيمية ،من قبل ديناصورات لادين لها ولا ملة ،ألا تتماهى رؤية مبدعنا مع قولة كارل ماركس ((إن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع ،هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر)) ..حيث الأوضاع تبقى على حالها ،رغم الانتخابات وتغيير الحكومات ،وكثرة الشعارات  والوعود الكاذبة  ..فلعبة الأقنعة والتنكر ،والنفاق والرذيلة ،تمارس جهارا وبنفس الوتيرة ،على إيقاع خطط وبرامج مُلهِبة ،مُهيَّأ لها قبلا ،ولها أهدافها الساحقة للطبقات الهشة ،القاتلة للطموح والأحلام ؛البانية لأرصدة  الطبقة المهيمنة  ،الراعية للمصالح الخاصة ،(( شعب جائع يبحث عن لقمة عيش ...و(كروش الحرام )))ص:14 .......وطن تسكنه الضمائر الميتة ،والقلوب الكلسية ،والأذهان المتحجرة ،تعشش فيه الكلمة العاهرة ،والسياسات الفاسقة ،والفقر يأكل الجميع ...ومن منا لم تدمه هذه الحقائق ؟؟ ويسعى بما أوتي من آليات  لرفع الحجب ،وتعريتها ،لتصل بجلبابها الأبيض ونورها الساطع إلى العقول والأذهان ،إن لم يستطع الوصول إلى التغيير ؟؟
*** التحليق فوق قمم القضايا العربية 
فبعد أن توغل مبدعنا في فضاءات الواقع ،وصوّر بعدسته التي لا تخطئ أوضاعَ مختلفِ شرائح المجتمع ،مشخصا مفسرا ،كاشفا ،منددا، ثائرا ،غاضبا بضمير ليس له مكان في المزاد ،وروح لا تقبل المساومة ،وقلب يرفض تماما المقايضة ،يطير عبر أجنحة التحليق في فضاء الأمة العربية برمتها ،يرفع الغطاء عن أهل الرياء والسياسة ،الذين قرروا الدخول الحروب نيابة عن الغرب ،لمقايضة النفط بالتغذية أو السلاح أو دساتير من الإيديولوجيا الزائفة ، ليس بِقَصْدِ التَّشْنِيعِ وَتَشْوِيهِ السُمْعَة ببلاغ كاذب ،وإنما  للكشف عن فضائح بالجملة ،سجلها تاريخ المزابل بسقوط إمارات ،وانهيار دول بسبب الظلم وسوء التدبير وفساد الأنظمة وعبادة الذات البشرية (( إنه الداء الذي دمر بيروت أيام الحصار )) ص:43 فمبدعنا تؤرقه ما وصلت إليه الدول العربية من خراب ،طال كل الجوانب الاجتماعية والتعليمية والصحية ،وحتى الثقافية ،ويؤرقه جمْع من المرتزقة الذين مزقوا جذعها ،فقتلوا أبناءها ،وهدموا أروقتها ،وحطموا حقولها ،وتركوها عصفا ما كولا ،فأصبحت ضرعا يرتوون من خيراتها متى أرادوا، ولما تنفذ ،يبحثون عن أخرى  دون الاهتمام بجفاف النبع ،أو جوع او موت أصحابه ..((ما بال هذه التجارة الفاسدة تعجب البويهمين ،وقطاع الطرق ؟؟  وما السر في المؤمنين بالنفط  والكافرين بالأنبياء يصلون )) ص:54
*** الترميز بالأسطورة لإنطاق اللغة بغير المعتاد
عادة نجد الأسطورة توظَّف في الشعر: كلغة الإشارة والتلميح ،محملة بأشكال الرمز والإيحاء  والاستعارة، في شذرات جد مقتضبة ،تعمل على توسيع المعنى وتعميق  الدلالة  في كمشة من الألفاظ لاتسمن من جوع ، تخفي خلفها دلالات غائرة تشبع النهم ؛ غير ان مبدعنا مجد الدين سعودي يقفز على السطر بكعبه العالي، ليوظف الترميز بالأسطورة في نصوص سردية ،لإنطاق اللغة بغير المعتاد بنزعات أسطورية ،تدغدغ ذائقة القراء ،وتحرك عواطفهم ،وتجلجل تفكيرهم بدهشة ،مما يزيد اللغة توهجا وإشراقا، وقد استغلها مبدعنا كمادة تزخر بمخزون لا يستهان به من  القيم الإنسانية ، للتعبير بها بألاعيب فنية ساخرة أحيانا ،ترمز إلى الظواهر الإنسانية والطبيعية حاليا ،بإدغام الماضي في الحاضر حد الانصهار ،  ليتسنى له نشر أفكاره ورؤاه ، وخلخلة المسكوت عنه بجرأة وشجاعة في لوحات فنية، بأدوات  الخلق والإبداع ، يمتص من خلالها قضايا المجتمع، وهموم الحياة، لاسيما في ضوء اتساع التجربة الإنسانية، الشيء الذي يخيف ويرهب ويتحاشاه المثقفون ..
ومن الأساطير والأشياء الفنية التي اخترتها  من المجموعة القصصية :
لوحة الجوكندا أو الموناليزا ،هذه اللوحة  المدهشة ببراعة الفنان والنحّات الإيطالي ليوناردو دو فينشي، لأشهر ابتسامة في التاريخ ،تميس بين الفرح الذابل والحزن الخافت ،احتار النقاد في تفسيرها حتى اليوم ..
وأسطورة أفروديت إلهة الحب والشهوة والجمال، والإنجاب.
ـــ القديس ديمتريوس، قديس  سلا نيك (في مقدونيا الوسطى، اليونان الذي عرف بجهاده وثباته بالإيمان، فعرّف الوثنيّين على الإله الحقيقي 
ـ أثينا إلهة الحكمة الإغريقية. خالقة شجرة الزيتون للمدينة ،لتكون رمزا للسلام والازدهار حسب  ما تداولته  الأسطورة...
إيزيس ربة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين. عبدها المصريون القدماء والبطالمة والرومان. كانت مثال الزوجة الوفية حتى بعد وفاة زوجها، والأم المخلصة لولدها....
أساطير وأشكال فنية معبرة عن السلام والجمال والإيمان والحب  والوفاء والإخلاص ،امتصها مبدعنا في قالب فني ،بلبوس جديد، متجاوزًا حدَّ الاعتدال أحيانًا، بعذوبة الخيال وعمق التصوير، وذكاء  التشخيص، قاطعا كل مسافة بينه وبينها ، يحاور أبطالها ،أو يسمعهم وهم  يتحدثون:
((قالت سمرقند  لقاضي الترقيع :من يحاكم من ؟؟ ))ص:25 .. كأنما يجمع مبدعنا في رؤياه الماضي والحاضر والمستقبل، لتمرير القيم الجميلة التي دهسها جشع الأطماع ،والتشبث بالكراسي ،وإسالة الريق للمناصب ، والتمنطق  بالنرجسية القاتلة ،فتناثرت قشا على رؤوس عشاق الوطن  ..
ولأن أديبنا يسعى إلى الجمال ،وإلى العيش الكريم بكافة الحقوق العادلة ،ويبحث في رحابة هذا الكون ،عن الشروق يضيء بنوره الجوانب والسراديب المعتمة ،لإعادة الأوضاع  في حلة من الفردوس، تكسوها أقواس قزحية ،الشيء المستحيل طبعا ؛فهو لا يوظف إلا الأسماء المعبرة والدالة عن الجمال ،التسامح ،احتواء الآخر ،التآخي ،حتى وإن كانت في كُمّها تتسم بالغرابة .. لا حظو ا معي هذه العبارة اللطيفة ((الربيع سمرقند عاشقة الأحزان وقبلة البؤساء )) ص:25 ..وسمرقند كما جاء في الكتب الجغرافية أكبر المدن وأحسنها وأتمّها جمالاً، في آسيا الوسطى، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادي القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة،.. فمن خلال ما تقدم أحِسُّ أن مبدعنا ،يشرُد به التفكير أثناء وجبات الأكل ..يتأمل ويحلم قبل خلده إلى النوم ..يبحث عن الحلول للثغرات الموجعة أثناء يقظته ..وكأني أسمعه يقول في نفسه :آه لو استطعت ،أن أحكِم القبض  على الكون  بيدي ،لسطّحته لوحة ،ومحوت بممحاة ملامحة الثخينة/ الخبيثة، وزرعته مروجا وبساتين تطفح بالنوار ،وقلت لفقراء العالم :تمتعوا هذه جنانكم لا تَدَعوا سلالة الشياطين ...تعبث بها....
*** مرآة الأمل محفوظة في لوح المبدع 
فعلى الرغم مما يسود من تدجيل وشعوذة ،وما يزرعه أباطرة السوء من حواجز وقيود ،وما ينتشر من فساد وظلم ،وما تعانيه شريحة من بني الإنسان من قهر وفقر في ظل العهر ،فمبدعنا عاشق حتى النخاع للحياة ،هائم حد الجنون ((بالسماء والوديان والشطآن ،لحبات الرمل ،ونسيم البحر وسكون الليل وضوء القمر،)) ص:55.. وهذا يدل بالكاد أن مبدعنا متسلح بسيف الأمل ، يتطلع إلى التغيير بأية طريقة ،فإن لم يستطع فعلى الأقل بالتعبير عن حرائقه المتأججة ، لترميم أجنحة الأوضاع المهيضة ،وإنزال ذاك الثقل الجاثم على صدره ،إيمانا منه أنه سيأتي حين من الدهر، يسقط فيه التاريخ الرسمي ،وينتحر الصعاليك ،ويتناسل الدراويش ،وربما يصل به الأمل إلى كسر الكراسي ،وتخريب المنابر ،وهدّ العروش ، فتصبح الكرة الأرضية نظيفة طاهرة من مثل هؤلاء الأغبياء المتسلطين.. ((ولتمت سيوف التربص والتجسس والردة والرجعية )) ص:56..
الحياةَ الدنيا كثيرةَ التقلُّب؛ تارة تتفجر بالسار ،وأخرى تنزل بجامّ سخامها على الجماجم ، لا تستقيم على حال، ولا تصفو لمخلوق مِن الكدَر، تتنوع بصلاح وفساد، وسُرور وحزن، وأمل ويأس ،لكن علينا أن  نتسلح بالأمل والتفاؤل كشُعاعَين يُضيئان دياجيرَ الظَّلام، ويَشقَّان دروب الحياة الدامسة ،ويَبعثان في النفس الجدَّ والمُثابرة، الشيء الذي يُعتبَر حافزا قويا إذا أردنا تغيير المُجتمَع، وإصلاح أعطا به ..وعلينا ألا نستمر في لوك المشاكل والنكبات والمصائب ، وتعداد إثارتها  ،فتلك لعمري طامة كبرى على النفس والعقل والذات ،تؤزم النفس ،وتشل العقل على التفكير، وتهدّ الذات  فتصاب بالكسل والوهَن والخمول ،فتفقد الحيوية والنشاط ،والاستعداد للبحث عن الطرق الناجعة  لتحسين الأوضاع ،فعلينا  إذا التحلي بالصبر والثبات ،وتأمل الواقع بأضداده ومتنافراته ،فنحلل ،ونفسر ونستشرف الأسباب ،ونقترح الحلول ،ونختار الطرق الممكنة للتغيير أو الإصلاح ، ويبقى الأمل  في سفرنا الطويل واللانهائي نصْب أعيننا قد يصيب أو يفشل ،وكلما كان إيماننا قويا بالتغيير ،رافضين الجمود والتقليد ،مناشدين الانفتاح ،والتطلع إلى التجديد ،كلما ازدادت عزيمتنا إصرارا ، وفي هذا الصدد ،لن ننسى البيت الشهير الخالد  للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي ((إذا الشعب يوما أراد الحياة ***فلابد أن يستجيب القدر ))
إن الناس اليوم بحاجة إلى مَن يبثُّ في نفوسهم الأمل، ويُيسِّر لهم طريق الخير؛ بتعزيز استِحضار النماذج المُشرِقة؛ حتى يتَّخذونها أسوةً تُبلِّغهم الهدف الأسمى ...
2ــ الجانب الفني :متانة اللغة وأناقة الأسلوب
أي مبدع يتوق إلى الكتابة والتعبير بأسلوب أنيق تعزيزا للغة العربية من جهة ،وزرع فيها روح البناء والتجديد ،لإثراء المنجز الإبداعي بالجمال، حتى يحقق توقع القارئ ، فيتحمس وينشَدّ إليه ،لذا فالمبدع يخلق من ذاته المبدعة قارئة لنفسها قبل النشر، فيُلِم باللغة من حيث انتقاء الألفاظ ،والدقة في صياغة النصوص ،والحرص على أن تكون اللغة  صافية كاللؤلؤ ،والسمو بها بتطريزها بالبهي ..ومبدعنا مجد الدين سعودي أصاب الجوانب بكل ما تستدعيه آليات الجمال التي تفتح شهية القارئ ،وتجعله يتمسك بالمنجز من أول خيط ،ولا يفارقه إلا بعد إنهائه ..
*** المحسنات البديعية كفن للقول
فأول ما لاحظت توظيف مبدعنا بعض المحسنات البديعية ، لإظهار مشاعره وعواطفه ، فرصع سبيكة أسلوبه بلؤلؤ السجع ، لتزيين  الأسلوب وزخرفته  وإعطاء القولَ رونقاً ونغمة موسيقية ،  حتى تكون اللغة مُحبَّبة، ويكون لها الوقع والأثر الحسن في نفس السامع، وبالتالي تؤدي الألفاظ  معناها على الوجه الأكمل ،
((ــ عرينا المدنس.. وصوّبنا نحوه المسدس ..ونفضنا عنه غبار المكدس..
ــ الخطابة ..وما ادراكم من رتابة ..وكآبة
ــ خطابته.. وبلاغته ..وفصاحته
ــ البرقوق والقوق ...والورقة في الصندوق..))
ص:7
والمحسنات البديعية كأحد الفنون المزينة للكلام ، كانت منتشرة في النصوص النثرية العربية.. في المقالات والرسائل  والمحاورات  والخطابات بل حتى في الأمثال ...
عادت حليمة لعادتها القديمة،
ناس بحنانيها وناس بغنا نيها،
وقد وردت  بأشكال متعددة حتى في القرآن الكريم .كما يلي
((فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب))
فالمحسنات البديعية ليست مجرد تلاعب لغوي كما يحلو للبعض أن يسميها ، بل هي زينة وحلية جمالية فنية،  لجذب انتباه السامعين عند سرد الحكايات من أجل الإمتاع والاستمتاع ، وأنا نفسي لم أسلَم من هذه الآفة  الجميلة حيث عنونتُ كتابي الأخير في أدب الرحلة ب ((لطيف المقال في الأدب والترحال )) وكنت سأضيف مالكة عسال ..لولا خشيتي من بعض القراء أن يتهموني بالتبجح ،والفخر باسمي ..والسجع مُرّر إلينا عبر جهابذة الأدب ،ورضعناه من حبلهم السري ،وقد يستعصي على البعض توظيفه إن لم تكن له رافعة قوية في اللغة العربية ...
***تطعيم اللغة العربية بلغة الدارجة المغربية 
يرى البعض  أن توظيف العامية في النص الأدبي، ترجمة للواقع حيث إن اللهجة المحكية-هي في الغالب- أداة التواصل في البيت، والشارع، والعمل، وهي لغة الحياة، المتداولة؛ ويرى آخرون أن الاستعانة بالعامية إلى جانب الفصحى يثري المعجم اللغوي؛ ومبدعنا ليس لا من أولئك ولا من هؤلاء ،لقد  تفرد في استعمالها بشكل مختلف ،فطعم  اللغة بشذرات وألفاظ بالدارجة المغربية ،ليس عسرا منه في انتقاء اللفظ ،ولا لإثراء معجمه ،ولا لأنها لغة التداول العادية، وإنما هي لعبة مراوغة اللغة بمستملح ساخر ، ليفسح المجال أمام القارئ من أية شريحة كانت ، كعتبة مبسطة  ليبلغ المعنى ،وكأنه بذلك يشارك قارئه رؤاه ،بنزوله المتواضع أحيانا ،كي يكون هو والقارئ في سلة واحدة يتقاسمان أوجاع الهموم ، وبالتالي القبض على  مفرداتها ومن وجهة أخرى تحمل حساً شعبيا ،يصل في تأثيره إلى تأثير الفصحى في المتلقي المتذوق لها. (( ماكاين غلا على المسكين ..ها الريكلام ))ص: 13..
وعليه ،نجد كثيراً من الأدباء يستحضرون حكماً وأمثالاً ،أو مقولات ،أو شعراً من الأدب الشعبي لدعم وجهات نظرهم ،ومشاركة السواد الأعظم من الناس الذين يستعصي عليهم فهم اللغة العربية الفصحى ، وإلى هذا وذاك فالعبارة العامية كما يعلم الجميع  تستجيب لحاجة القارئ من حيث شؤونه وفنونه وشجونه ،وأحزانه وأتراحه ،لِما تطرحه من أفكار وتعليقات ممتعة بأسلوب ساخر يحثُ على المتابعة والقراءة..
*** وحدات النصوص مجزأة إلى جزيرات
النصوص صيغت على شكل جزيرات ،تنفرد كل واحدة بموضوعها ،ولكن تلتف جميعها ،حول النقطة المركز ، وهو البؤس المتفشي في العباد ،في هذه البلاد ،وشرذمة من الأبالسة تهيمن على الأوطان والشعوب ،وتمسك كل الخيوط بقبضتها ،لتذبحها على حد الإجرام ، بالقبض على خيراتها ،وامتصاص حقوقها ،وتمريغها في وحل الفقر والقهر؛ غير أن الجزيرات تجاور بعضها البعض بخيوط رفيعة ممتدة حتى العروق ،حيث ينتقل الأديب من واحدة إلى أخرى بتسلسل ضمني ،يمكن التقاطه بالحدس ..ويتجلى هذا في أغلب النصوص من بينها نصوص )((حلم ))ونصوص ((عندما تنطق الأسطورة )) ونصوص(( الرحيل ))...وحتى أخلص فهذا التلون الفني إضافة إلى نقط تتابع ،والفراغات بين الكلمات ،سيؤجج في القارئ قريحة  مَلْئِها انطلاقا من منظوره الشخصي ،واقتناص ما وراء السطور بما يملكه من زاد معرفي ...
ــ الخاتمة
مبدعنا له التصاق عظيم بالثقافة العربية  قديمها  وحديثها ،بمقالاتها وأشعارها ونصوصها السردية ،وتاريخها  وجغرافيتها ، وأساطيرها ،ومحكياتها  وأمثالها الشعبية. لقد غرف من معين حكاية الف ليلة ،وقصة شهرزاد ،وبحور الاشعار والسير والاخبار، ومن نبع الاعراف والتقاليد ، ومن المحيط وما عاشه من تجارب، وما عاينه من وقائع ،فألمّ إلماما واسعا بجوانبها على اختلاف مشاربها ،الشيء الذي أثرى تجربته لتبلغ المدى، فاستطاع بحنكته الأدبية ومراسه السردي، أن يوظفها في قوالب جديدة بطريقة حداثية  تشخص الأوضاع الإنسانية المزرية ،ليس بنية عرضها جافة ،وإنما للنفخ في صورها ،ليقدمها أطباقا شهية ،فكان التنوع حتى في صياغة النصوص على شكل أشعار أو مسرحيات، أو نصوص مفتوحة او حواريات .. ليمرر إلى القارئ قيما إنسانية آخذة  في الأفول ،وأخرى متوحشة تتفشى فينا دون حدود  ..منجز ثري يصب بتنوعه الثقافي في البعد الإنساني بمشاكله وهمومه ،والقضايا العربية وظواهرها بأحزانها وأسرارها ...ولمكتبتنا المغربية شرف احتضانه بفخر ليأخذ حيزا هاما من  رواقها   ...
****المراجع
ــ الأمل والتفاؤل/حسام العيسوي إبراهيم /موقع شبكة الألوكة
ــ موسوع الجزيرة /النيت
ــ توظيف المفردة الدارجة في الشعر العربي.. /أحمد قنديل نموذجاً
عبدالرحيم الأحمدي موقع اللغة العربية
ــ الفصحى والعامية في فلك السرد الأدبي  /الشارقة - “الخليج
ــ المحسنات في اللغة العربية /بقلم فاروق مواسي /موقع ديوان العرب   

مالكة عسال

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة