خوان غويتيصولو و تطورات الثقافة الاسبانية المدجّنة - يونس تـهوش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

[ الوعي بالزمن مؤامرة على الزمن]
سيوران

 خوان غويتيصولو  Juan Goytisolo [i] واحد من الكتاب و المثقفين الذين حرصوا في أعمالهم الأدبية على تقويض أسس ثقافة الحقد و الكراهية، و دافعوا عن فكرة تدجين الإبداع و النصوص غير النقية التي يخصّبها باستمرار التراث الإنساني، باعتبار أن النص يرتبط بالمكتبة الكونية و أن عمل المبدع يمثل مجموع تجاربه الشخصية، و الكاتب الكبير هو من يقيم خصوصيته على التناقح و التبادل المستمر. و واحد ممن انتقدوا النقاد الإسبان و حمّلوهم مسؤولية تهميش العديد من نصوص الأدب  المورسكي الشّاهد على التلاقح اللاتيني – العربي أو دراسته دراسة جزئية أو ناقصة.

 ترجم له كاظم جهاد مجموعة من الدراسات الفكرية التي تسعى إلى تفكيك رؤية ثقافته الغربية لثقافة الآخر الشرقية،  و عنونها بــــ "في الاستشراق الإسباني"[ii].

تطورات الثقافة الاسبانية المدجّنة، واحدة من هذه الدراسات التي ترصد رؤية الإسباني لثقافة المسلم المغربي من خلال قراءة ثلاثة أعمال أدبية لثلاثة تجارب إبداعية مختلفة، تشهد على تطور الإبداع الأدبي و الفني الإسباني المدجّن- العامل بمعايير الجمالية العربية الإسلامية و المتشبع بحساسيتها، و هي كتاب الحب الطيب(Libro de Buen amor) لــ خوان رويث (Juan Ruiz[iii])، و حكاية دون كيخوتة المانشي  لــــــ ثربانتيس(Miguel de [iv]Cervantes)، و آيتا تيتاوين (Aita Tittauen) لـــــ بنيتو بيريث غالدوس ([v]Benito Pérez Galdós).


كتاب الحب الطيب
يحدد غويتيصولو  شروط قراءة القصة أو الرواية في ضرورة توفر سياق مشترك بين القارئ و المؤلف، و الإحاطة بالدّلالات الضّمنية و المقاصد الخفية في الأثر، و في حالة غياب هذا السياق يقول:«يضطرني إلى إعادة تركيب ذلك السياق إذا ما رغبت في قراءة للعمل كاملة»[vi]، و حتى تتحقق للناقد نفس المشاعر التي عاشها جمهور العمل نفسه في زمنه، فإنه يدعو إلى إعمال المنهج الاجتماعي لمقاربة هذا العمل الذي يعيد تشكيل المناخ الثقافي و الاجتماعي الذي نشأ فيه. و هو نفس المنهج الذي قارب به كتاب الحب الطيب. هذا العمل الذي تفرد و حافظ على عصريته بعد مرور أكثر من ستة قرون على تأليفه بفضل:
1-بنيته المتحررة في شكلها،
2-مزجه الحاذق للغات و اللهجات المختلفة،
3- مفرداته عالمية و شعبية، دنيوية و دينية، لاتينية وعربية
4-جمعه لتجارب صاحبه المفتون بالتراث اللاتيني، و تراث متع الرهبان، وبالنوادر التي تجمع المقدّس إلى المدنّس، و بالثقافة العربية و القصص الإباحية و الأشعار المتلاعبة بالألفاظ،                  
 و حتى يحقق غويتيصولو لنفسه، نفس المشاعر التي عاشها جمهور هذا الكتاب الذي ينتمي للقرن 14م، فإنه أعاد قراءته في ساحة جامع الفنا التي انجذب إليها و سحرته مكوناتها المتعددة (المهرجون، المغنون، المشعوذون، الأطباء الشعبيون، و أصحاب الحيوانات الفطنة...)، و وجد في فن الحلقة بعضا من روح  خوان رويث الذي يشتغل كعبد السلام الحلايقي بـــاللهجة الشعبية و يعظم مكائد الحب و يلعنه في نفس الوقت، و يختتم حديثه بعبارات من الكتاب المقدس[vii].

حكاية دون كيخوتة المانشي
لـــــ ثربانتيس علاقة مستحوذة بالعالم المورسكي و العثماني، و في قصصه و مسرحياته ينتقل من معالجة «المشكلة الموريسكية إلى المجابهة الثقافية و الدينية بين المجتمعين المسيحي و المسلم، و ظروف أسره هو شخصيا في الجزائر، و التهديد الفعلي بحصول توسع عثماني»[viii] .
و ما امتازت به كتابته عن هؤلاء، هو عدم إقصائه لوجهات النظر المورسكية أو التركية رغم الصراع الثقافي و الإيديولوجي و العسكري الذي كان بين الكاثوليكيين و الإمبراطورية العثمانية.
يتفرد ثربانتيس باستثماره الجيد لموضوع الإسلام خصوصا في عمله هذا، الذي يعد عملا فريدا في الغرب لأنه مزج الرؤية الأدبية بالتجربة الفعلية عكس من جعل موضوع الإسلام في هذه الحقبة(ق16)«موضة أدبية و استجابة لذوق الجمهور في آن معا»[ix].
و كان عبر هذه الحكاية ذلك « الأسير المتناهب بين قناعاته و مخاوفه، بين رغباته و مصادر نفوره » [x]، حيث استطاع أن يتعهد بجميع تجاربه و أحلامه في هذا الابتكار الروائي، على حد تعبير غويتيصولو المتأثر بكتاباته الروائية...

آيتا تيتاوين
 آيتا تيتاوين، ملحمة روائية، عن حملة أودونيل العسكرية التي شنّها على مدينة تطوان سنة 1905م. أدان فيها الحرب و اعتبرها شيئا مريرا أحمقا، و جعلها رسالة تآخٍ و سلام و محبة. قدّم فيها صورة لثقافة تدجينية خصبة تتجاوز الفن و تذهب إلى أبعد منه، إلى الصراعات و الخلافات في ظاهر الأديان الثلاثة و التي ترجمتها الحرب الأهلية داخل إسبانيا، الأكثر منها حرب بين إسبانيا و الأجانب كما كشف عن ذلك غويتيصولو: " يرينا غالدوس إسبانيا أخرى مخفية، بثقافاتها الثلاث، و يعيد تركيب ذلك الطرس من الدم والعرق و الدمع الذي يمتد على قرون عديدة"[xi].

  نهجت الرواية نهجا توثيقيا و استمدت تماسكها الداخلي بالارتباط مع أعمال عربية أخرى.  انتصرت للثقافة المدجنة للإنسان الإسباني المتداخل بـــــــ المورو[xii] المسلم ، و سحبت عنهما أقنعة الاختلاف عندما خاطبت المتلقي صراحة بــــــ: " المورو و الإسباني لشقيقان أكثر ما يبدو عليهما.ارفعوا عنهما شيئا من الدين و شيئا من اللغة، و ستفقأ أعين القرابة و الهيئة العائلية اللتان تجمعانهما. و ما المورو إن لم يكن إسبانيا مسلما ؟ و كم من الإسبان ممن ليسوا في الحقيقة سوى "مورو" متنكرين في هيئة مسيحيين؟»[xiii]

هذه هي الأعمال الثلاثة، التي رصد من خلالها غويتيصولو تطورات الثقافة الاسبانية المدجنة؛ فكتاب الحب الطيب لـ خوان رويث يستثمر البعد الفني للتدجين، بجعل لغته، لغة منفتحة تجمع بين مفردات عالمة و شعبية، عربية و لاتينية، دنيوية و دينية. و باستلهام فضائه الحكائي من الجذور المشتركة بين الثقافتين الاسبانية في (ق14) و الإسلامية المغربية التي يختزلها فضاء جامع الفنا و يتداولها إلى يومنا هذا.
 أما حكاية دون كيخوتة لــــــ ثربانتيس، فهي نموذج حي، ينطلق من وعي صادق و شغوف بالثقافة الإسلامية (الموريسكية و العثمانية) و يمزج بين الرؤية الأدبية و التجربة الفعلية.
في حين يتسلح غالدوس في آيتا تيتاوين ،بالجرأة الكافية لنبذ الحرب على المسلمين التي يعتبرها حربا أهلية، باعتبار أن المورو و الإسباني شقيقين.
و بهذا يكون مسار تطور الثقافة الاسبانية المدجّنة، حسب هذه الأعمال، قد انطلق من الأسلوب  في ق14 مع خوان ، و مرّ بالموضوع في ق16 مع ثربانتيس ، ليصل للفكر في ق19 مع غالدوس.   

الهوامش:
[1] - ناقد و روائي إسباني، ولد ببرشلونة سنة 1931 م، اختار أيام الحكم الفرانكاوي النفي بباريس (1956)، ثم استقر بمراكش-المغرب. من أعماله :
 Telόn de boca، Seňas de identidad ،  Juan  sin Ttierra.
[2] - Crόnicas sarracinas = في الاستشراق الاسباني – دراسات فكرية، خوان غويتيصولو، ترجمة: كاظم جهاد، نشر الفنك، طبعة منقحة ومزيدة/مارس1998.
[3] - خوان رويث، كبير كهنة مدينة إيتا القشتالية، حافظ بشكل ما على نسق شعر الأكليروس المطول في عمله الوحيد كتاب الحب الطيب (1330م). وعرض الكتاب صورًا حية لعديد من دقائق الحياة في إسبانيا في (ق14)، مثل: الطعام والآلات الموسيقية والأغاني وشؤون العشق والعادات في الأديرة والحانات.
[4] - ميغيل دي ثيربانتِس Miguel de Cervantes، كاتب إسباني عاش في (قرطبة 1547م- مدريد 1616م). اشتهر بروايته "دون كيشوت دي لامانشا" أو (دون كيخوتى) (1605-1615م)، وهي شخصية مغامرة حالمة تصدر عنها قرارات لاعقلانية. تركت حياة "ثيربانتِس" الحافلة بالأحداث أثرا بليغا في أعماقه، وتجلى ذلك في طغيان روح السخرية والدعابة على أعماله.
[5] - بنيتو بيريث غالدوس Benito Perez Galdos، أحد أشهر الروائيين الإسبان في (ق19)، ولد في مدينة لاس بالماس Las Palmas في جزر الكناري وتوفي في مدريد. أبدع عالماً زاخراً من الشخصيات الممتلئة بالحيوية التي تظهر في أحوال شديدة التنوع، وتقوم بأدوار مختلفة، يوحدها عالم مشترك هو مدريد (ق19).
[6]ـ في الاستشراق الاسباني ، ص75
[7] ـ ن م، ص 79-80
[8] ـ ن م، ص82
[9]ـ ن م، ص83
[10]ـ ن م، ص85
[11]ـ ن م، ص92
[12] - المورو، كلمة اسبانية، والجمع موروس، ذات استخدام شعبي وعامي تطلق على كل سكان  المنطقة المغاربية و تشير أيضا إلى المزيج العربي و الأمازيغي و الأوروبي الذي تشكل في البلاد بعد فتح الأندلس، حملت معنى ايجابيا و سلبي مهين

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة