عندما يصبح للمتعة مخالب – قراءة في رواية مخالب المتعة - حمزة الذهبي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

" السعادة هي متعة بدون ألم "
سقراط

كيف بدأ كل شيء ؟
أول ما لفت انتباهي وأنا أشاهد رواية مخالب المتعة  للكاتبة فتيحة مرشيد على رفوف المكتبات هو عنوانها  ، إنه عنوان مهم ومبهم ، محير ، مليء بالدلالات ، والإيحاءات ، عنوان إستعاري ينفتح على أكثر من تأويل ، وما الأدب إن لم يكن استعارة ، إنه عنوان يجعلني أطرح أكثر من سؤال  : هل للمتعة ، التي نبحث عنها يوميا بلا كلل أو ملل وبكل الطرق والوسائل الممكنة ، مخالب ؟ وإن كانت لها مخالب متى تظهر ؟
ومن أجل إشباع هذا الفضول الذي قدح زناده العنوان  ، من أجل الحد من هذا التشويش الذي أحدثه في كقارئ  ومتلقي وجدت نفسي اقتنيت الكتاب وتوجهت به صوب المنزل  حيث تحلو القراءة وأنا أتلهف التلهف كله لإسكات هذه الأفكار التي تدور في الرأس، وذلك بالإطلاع على هذه الرواية ، وبهذا يكون العنوان قد حقق وظيفتين :

 

  • الأولى في تشويش أفكاري ، فالعنوان – كما يذهب إلى ذلك امبرتو إيكو في كتابه تأملات في اسم الوردة ترجمة سعيد الغانمي ص 19 - يجب أن يشوش أفكار القارئ لا أن ينظمها .
  • الثانية في جعلي متلهفا لقراءة الرواية من أجل إيجاد إجابة للأسئلة التي فجرها في رأسي . بمعنى أن العنوان يفتح شهية القارئ للإطلاع على العمل بحثا عن فهم المغزى من وراءه .

وصلت إلى المنزل ، لذت بالرواية في ركن ركين ،  وبدأت في التهام كلماتها التي تمسك بعضها برقاب بعض في مدة لا تتجاوز ساعة ونصف ، لأكتشف أنها الرواية يمتزج  فيها السرد بالشعر بالفلسفة  ، لا تحتوي على  قصة واحدة  ، بل على  قصص عديدة ، متداخلة،  تشبه إلى حد ما إن لم أكن مخطئا صندوق الدمى الروسي :   إنها قصة  أمين الباحث بدون جدوى عن عمل يحفظ كرامته  ، إنها قصة عزيز، الوسيم ، المتهور ، المحبوب من النساء  ، الذي يبيع نفسه مقابل أجر ، القاتل بسبب وقوعه في حب ليلى ...  إنها قصة ليلى المرأة الثرية ، عشيقة عزيز التي تمده بالنقود ،  والتي اغتصبت وهي في السادسة من عمرها على يد زوج أمها ، وعندما بلغت السن التي تفتح فيها جسدها ، باعها لرجل ثري يكبرها بثلاثين سنة، لا تؤمن بالحب تقول " وحدها المتعة تحركني . متعة أشتريها .. متعة مع رجال يصغرونني سنا، لا أتحمل الجنس مع من هم أكبر مني .. أرى فيهم شبح زوج أمي (ص86) " ،  المقتولة على يد عزيز بعد أن حاولت الإبتعاد عنه لأنه " أخل بتوازن هش حاولت الحفاظ عليه بصعوبة طوال أيام عمرها الهجين(ص152)  ، إنها قصة  بسمة  ، المرأة الحزينة ، الحاقدة على زوجها ، إذ تحمله مسؤولية موت ابنها غرقا .   بالإضافة إلى  قصص ثانوية سأذكر منها على سبيل الذكر : قصة بسمة ، نادلة الحانة ، التي تكالبت عليها المصائب ، و المجنونة بحب عزيز  ،  و قصة الأستاذ إدريس الرسام  الذي" يرسم  نفس البورتريه ، كل ليلة ، لنفس المرأة " ( ص 40 )

ملخص مقتضب للرواية :

تحكي الرواية التي تقع  في واحد وثلاثين فصلا ،  بلغة جميلة ، شعرية إلى حد ما ، جاذبة للمتلقي ، عن أمين ، الشاب الخجول و المثالي ، المجاز في التاريخ والجغرافيا ، الذي اختار هذا التخصص إيمانا منه "  بأن لا مستقبل بدون تاريخ ومصير الشعوب تحدده الجغرافيا " (ص 8 )  ، بيد أنه سرعان ما يكتشف أنه اختيار خاطئ ، إذ أنه  يصطدم بالبطالة ، هذا الوحش الذي يدمر حياة أناس لا عد لهم ، هذا الغول الفتاك الذي يفتك بأجيال من حملة الشواهد بلا رحمة أو شفقة ، فيردد بما يشبه التحسر والندم  على إختياره :

  • ما قيمة الجغرافيا الآن ، في عصر محو الحدود ، حيث بإمكان كل من تعلم الضغط على الأزرار عبور كل المحيطات ؟ وما نفع الجغرافيا إن لم أنجح في اختيار جغرافية تناسبني أكثر ، كما فعل الذين هاجروا إلى حيث لا حياء في شغل ؟ وكيف سولت لي نفسي الاستفادة من التاريخ ، وهو " لا يسمح بأدنى دخيل ، هو الذي يختار أبطاله وينسى الباقين مهما عظمت إنجازاتهم (ص8)

هنا وبينما أمين يفكر في وضعه المأسوي الذي يلفه الضباب  ، ينتزعه صديقه عزيز من أفكاره  ، عزيز الذي لم يره منذ التخرج ، عزيز الذي درس معه في الكلية ، ها هو يأتي  بأناقته اللافتة للانتباه ، قائلا لأمين  بعد أن علم أنه عاطل عن العمل بأنه " لا توجد دراسة غير مجدية ، المهم أن توظف معلوماتك وتعرف كيف توجهها التوجيه الصحيح "  يتساءل أمين " مثلا ؟ " (ص8)  فيجيبه عزيز بالقول " مثلا ، أن توجهها نحو تاريخ النساء وجغرافيتهن ، يا سلام على جغرافية النساء : هضاب ووديان وجبال وسفوح ومغارات .. ما كنت لتتخيلها " ( ص 8 -9 )

في اليوم الموالي يطلب منه مرافقته  إلى مسكن  ليلى  ، قبل الوصول إلى هذا المسكن الذي لا نراه نحن الفقراء إلا في الأفلام ـ يكتشف أمين أن صديقه تحول إلى الفتى المرغوب ، جيغولو ، الذي أضحى يبيع نفسه للنساء الكبيرات في السن والمتزوجات مقابل المال ،  حولته  البطالة إلى أداة جنسية إن صح القول في يد ليلى التي جرته إلى هذا العالم وعرفته إلى  صديقاتها ، يبيع  لهن المتعة مقابل أجر . يقوم "  بما لم يعد له – أي الزوج – لا الوقت ولا الرغبة ولا حتى القدرة على القيام به " (ص 25)   ، فيستدرج  عزيز أمين لهذا العالم المليء بكل الانحرافات الخارجة عن معايير / إطار المجتمع .  في الفيلا يتعرف على بسمة ـ فتقوم بينهم صداقة ، حب أفلاطوني ، فهي لا تبحث عن الجنس بل تبحث عن صديق يخفف عنها الحزن الذي سببه موت الإبن  إذ تقول لأمين " لا أبحث عن الجنس ولن أمارسه مع أحد غير زوجي ، لكنني أحتاج إلى صديق .. إلى أذن صاغية .. إلى كتف حنون .. إلى عاطفة سامية .. كي لا أموت حزنا " ( ص 67)  وعن هذه العلاقة يقول أمين " كان الحنان مسموحا والشهوة محظورة . كانت القبل مباحة والمضاجعة ممنوعة"( 76) بيد أنها علاقة تنتهي بهجرة بسمة إلى كندا -  بإنتهاء بطالة أمين إذ تركت له توصية إلى السيد علي الشرقاوي ، مدير معهد العالي للتكوين ، ليتسلم تعيينه في المعهد - مثلما إنتهت حياة ليلى على يد عشيقها عزيز الذي أحبها ورفض تخليها عنه  فهو ليس أحد فساتينها تلبسه يوما وتستغني عنه في الغد

عود على بدء

في الختام نتساءل :  هل للمتعة مخالب ؟

ونجيب :

 نعم ، للمتعة مخالب ، مؤلمة  تنهش وتدمي وتخدش وتفتك بأرواح وأجساد الذين ينغمسون فيها أكثر مما ينبغي أي  أكثر من اللازم ، إذ تقول فتيحة مرشيد على لسان شخصيتها بسمة " للمتعة (..) مخالب قد تخدشنا .. قد توجعنا .. قد تدمينا .. وقد تفتك بنا ذات جرعة زائدة " (ص  153 ) وتضيف في أحد حواراتها الصحفية التي نشرت في جريدة النصر الجزائرية " السر يكمن في مقدار الجرعة، تماما كما هو الشأن بالنسبة للدواء: جرعة تشفي وجرعة إضافية تحدث تسمما وجرعة زائدة تسلبنا الحياة "

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة