رواية " شهوزاد" لعبد المجيد بنعبد الله لذّة الكتابة عتبات القراءة - عبد الباقي جريدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

قراءة في العنوان
انتبهت الدراسات الإنشائية إلى العنوان الذي لم يحظ باهتمام الدارسين إلا حديثا مع تطور الدراسات اللسانية والسيميائية والتفطن إلى الوظيفة الأساسية والحاسمة له . فلم تكن للعنونة الأهمية التي تحظى بها اليوم  . وكان من العناصر المهملة والغائبة .فغابت ظاهرة العنونة في القصائد الجاهلية بل كانت تتلقفها الألسن والأسماع عن طريق الرواية الشفوية .  ومع ظهور الكتابة أصبح للعنوان قيمة أساسية وأصبح علما مستقلا بنفسه له مختصُوه ومجالاته . فنشأ علم العنونة ) (Titrologie) وأصبح اختصاص يوسم به صاحبه أسوة باختصاصات الطب والهندسة (ـ " (Titrlogue  ليتجاوز العنوان مجرد التعيين والتسمية   "  فالعنوان يعتبر معيارا بصريا إجرائيا في تحديد المقاطعِ النصية والفقرات الخطابية ، ويعتبر أيضا آلية دلالية مهمة في تقطيع النصوص ، لأنّ العنوان هو مفتاح القراءة ،وأسُّ بناء المعنى والدّلالة ، وضمن هذا السياق. يمكن الحديث عن العنوان الأساسي والعنوان الفرعي والعنوان المقطعي. ويعد العنوان في الحقيقة مؤشّرا دلاليا مهما،ومكوّنا بنيويا وظيفيا، وعنصرا سيميائيا بارزا في عملية تقسيم النص إلى مقاطع دلالية و تيماتيكية " [1].رغم أن السارد في نص المتن لم يقسم أثره إلى عناوين فرعية أو أرقام و إنما بدا  السرد منسابا ومسترسلا لا يوقف هديره واندفاعاتِه غير لحظة توقُف القراءة .فلا أقسام ولا فصول ولا ترقيم.

 

والعنوانُ يختزلُ يُشيرُ ويُبين هو من العناصر الأولى التي تُخاطب عين القارئ لذا نجد الكثير من المبدعين يختارون عناوين أعمالهم بعناية فائقة لأنهم يعرفون أهمّية العنوان ودوره في شد المتلقي أو صده وله علاقة وطيدة وصلة وثيقة بالنص. فهو يشي به ويحيل عليه ويفي ببعض حاجاته .هو أشبه بالإسم الشخصي للإنسان. فكثيرا ما يحضر العنوان وننسى اسم الكاتب. العنوان يدخل في علاقة تفاعل مع   القارئ باعتباره من النصوص الموازية وهو جزء من المصاحيب النصية ( الهوامش ، العناوين الفرعية ،التعليقات، الغلاف الخارجي،الصُور، حيثيات النشر...( يفتح شهية القراءة بتعبير بارط يلعبُ دورا إغرائيا حاسما في شد المتقبِّل والدَّفع به لاقتناء الأثر أو الإعراض عنه   فكثيرا ما كانت العناوين عناصر مهمَّة في نجاح الكتاب باعتباره اختزالا مكثفا لمعاني النص ودلالته لا يقتصر دوره على الجانب الفني فحسبُ بل له كذلك أبعاد تجارية وتسويقية " فالعنوان للكتاب كالإسم للشيء ، به يعرف وبفضلهِ يُتداول ،يُشار به إليه،ويدل به عليه ،يحمل وسما وفي نفس الوقت يسمه العنوان- بإيجاز يناسب كتابه.ويعرف ليون هـ هوك العنوان بقوله هو " مجموعة العلامات اللّسانية التي تدرج على رأْس نص لتُحدِّدَه وتدل على محتواه العام وتغري الجمهور المقصود بقراءته  " [2].ولا  تقتصر وظيفة  العنوان عامة والعنوان الروائي بصفة خاصة على مجرد التسمية أو التعيين وإنما يضطلع بالوظيفة  الإغرائية ( التي يحملها العنوان وتسهيل عملية الترويج .وقد يسعى من خلالها الكاتب إيقاع المتلقي في حبائل النص ) والتواصلية)باعتباره القيمة المركزية للعنوان. فهو على اختزاله يكتسب كثافة دلالية عالية مما يحقق التواصل وييسر عملية.الإبلاغ  أكثر ما يمكن بين الباث والمتقبل  والتداولية  ( التي تجعل من العنوان مجالا مشتركا يختزل النَص ويحيل عليه باعتباره فضاء تواصليا لحظة مباشرة المعاين للعنوان وتأثره به بمثابة خطاب  موجه تسكنه أكثر من غاية تحكمه سياقات تخاطبية محددة (.وهوما يبعث في النفس الرغبة في الكشف عما وراء العنوان .لأنّ العنوان ليس سوى عتبة من عتبات البناء وعلى المتقبِّل أن يمرَ بها إلى المعمارِ الكامل للنَص وأن يتفطن إلى مزالقِ العنوان . فمن لا يتفطن إلى العتبة الكبرى يتعثر بها ويظل خارج النص على حد عبارة سعيد يقطين [3] فللعنوانِ مكانة خطيرة ومميَزةٌ فهو بمثابة الوجه الذي يطالع به الكتاب مريديه وهو أشبه بالغرة على الجبين ،لأنه  أول ما يظهر من الكتاب . هو الذي يبقى في الذاكرة  وأول من يتنكر لمبدعه فكثيرا ما نذكر العنوان ولا تسعفنا الذاكرة باسم المؤلف.

 لذلك   نجدُ عناية خاصة من الكتاب لانتقاء عناوينهم .. وقد سعى عبد المجيد بنعبدالله في أعماله الروائية إلى اختيار عناوين لها     خصائص ومُميَّزات من  قبيل عناوين رواياته  زمن التككتك وشهوزاد وخزائن العشق أ وديوانيه الشعريين حكايات الدواميس القديمة صهيل السؤال.

..وقد   ورد عنوان الأثر المدروس شهوزاد لفظا مفردا نحته صاحبه مستدعيا نصوصا وآثارا تضرب بسهم عميق في تراثنا الغنائي والأوبرالي فقد وسم الكاتب عنوان روايته بعنوان نحته صاحبه على غير مثال سابق فنهج به نهجا غير مسطور يحيل على أوبرا لسيّد درويش تحمل العنوان نفسه شهوزاد يقول توفيق الحكيم في كتاب ملامح داخلية الصادر عن دار الشروق سنة 2008 وهو في الأصل مجموعة مقالات متميزة لمشاهير من الصحافيين ورد فيه " وفي ذلك الوقت الذي كتبتُها فيه  ) يقصد مسرحية شهرزاد ( أواخر العشرينات لم تكن شهرزاد  قد دخلت في عمل أدبي فكري جاد ...حتى أوبريت سيد درويش كان اسمها شهوزاد ) بالواو لا بالراء ( بعد نشر شهرزاد ذاع الاسم فإذا به يُطلق على فتيات وعلى كبريهات السينما أما قبل ذلك فالمعروف أن الاسم كان شائعا وكان في تلك الأيام إذا ذاع   اسم أو عنوان اُسْتُعمل في مختلف المجالات ويذكر كذلك كمال سعد في كتاب بعنوان صفحات ضائعة من حياة بيرم التونسي عن المكتبة العصريّة الصادر سنة 1949 يقول فيه " لقد كانت معظم أناشيد أوبريت شهوزاد تفيض بمعاني المقاومة والكفاح وحبّ مصر ..." .

بدءا بالعنوان يحاور النصُ بالإضافة إلى كتاب ألف ليلة وليلة الموسيقى في أرقى أشكالها التعبيرية فيستعير عنوان الأوبريت ويجعله رأس الرواية   و تبدو العلاقة بين الموسيقى والرواية متينة ومتشعبة فــــــــ"منذ بضع سنوات بدأ النقد يتعرّف إلى قيمة العمل الخيالي في ارتياد أبعاد الزمن والى  العلاقة الوثيقة بين فن الرواية وفن الموسيقى الذي  ينتشر هو أيضا في المدى والزمن  وأبعاده  ....أكثر المشاكل الموسيقية لها ما      يقابلها  في العمل الخيالي،وأن البناء  الموسيقي له أيضا   تطبيقاته الخيالية "[4] هذا التناسب والتّشاكل إلى درجة التماهى  جعل من الموسيقى مادة رئيسية في بناء النص السردي تفتحه على عوالم رحبة من الإيقاع والتّعدد الصوتي وتكسبه  بعدا كونيا وتسمه بميسم جمالي  فالسّارد  يدخلنا عوالم لم تعتد الرواية أن تلج إليها أو تحيل على عوالمها عوالم ثرية وخصبة. فمنذ العنوان تستحضر الرواية نصوصا وأزمنة وأمكنة متعدّدة وينفتح النّص على الآخر الذي يسكن الذّات منذ المصافحة الأولى للأثر ينفتح النّص على أهمّ النصوص العالميّة ويحاورها مفتتنا بحضورها وسطوتها هو نصّ ألف ليلة ولية هذا المنهل العذب الذي يشدّ إليه المبدعين من فنّانين وموسيقيين وكتاب رواية وشعر وقصةّ ومسرح يقول عنه أندري جيد" إنّ أمهات الكتب العالميّة ثلاثة " الكتاب المقدّس وأشعار هوميروس وكتاب ألف ليلة وليلة " فشهرزاد ملهمة الكتاب والفنَّانين من قبيل الحكيم في ( شهرزادهوخاتم سليمانليلة وليلتان)  و أديب مروة  توبة شهرزاد – والقصر المسحور لطه حسين مع الحكيم  والطاهر بن جلون في عشر ليال وراو وشهرزاد لأحمد الألفي وغيره  ،..( هذا بالنسبة إلى الأدب العربي أما العالمي منه فتعدّ الدّيكامرون أو الليالي العشر للإيطالي جوفاني بوكاشيو من أهم النصوص التي استدعت ألف ليلة ليلة ومتحت من معينها الذي لا  ينضب . وشهوزاد في عرف اللغوين من شهى و شهي الشّيء وشهاه وتشهّاه شهوة واشتهاء أحبّه ورغب فيه ورجل شهوان والشهوة الخفية من الفواحش ورجلٌ شاهي البصر حديد البصر      ( لسان العرب ص 951ج2-1)   فالعنوان ينفتح على أبعاد ودلالا ت جعلت منه رحما خصبا تتناسلُ من عمقه معاني الحبّ والرغبة والكتابة ولكنه يحيل كذلك على معاني الموت فشهرزاد هي الهاربة من الموت إلى الحياة عن طريق سرد الحكايات وإن توقف المحكي توقفت عقارب النّجاة ولكن شهرزاد قاومت الموت بالكتابة ألا ينفتح ذلك على تجربة الكتابة عند الأستاذ عبد المجيد بنعبدالله  فنجد شهرزاد القناع في مغالبة المرض والموت وقد أسعفنا الإهداء أو المقدمة التي لم يعلن السارد عنها ما يراه في العنوان الذي تخيره للرواية فيخاطب القارئ بأسلوب مباشر يقول في الصفحة الثالثة "رواية شهوزاد عنوان مركب لكينونة ضالة يترصدها قراصنة الشهوات في المفترقات وهي في رحيل أهوج تكسر ألواح الثلج تشق عجاج الصحارى وتواجه الضواري وما معها غير الشّهوة وزاد الكتابة والتذكر والتنكر والحنين ..[5]."

العنوان الفرعي أو المؤشر الأجناسي " رواية "

بدا الكاتب حريصا على أن لا يقدّم نصه غفلا دون مصاحيب فبالإضافة إلى العنوان عمد إلى وضع مؤشّر أجناسي  (générique) يجنّس النصّ ويسمه بجنس أدبي مخصوص وهو رواية فلم يترك القارئ في حيرة من تحديد الجنس وقد مثل هذا العنوان أو المؤشّر عقدا بين الكاتب والقراء يؤمّن على الأقل من وجهة نظر الكاتب قراءة تتوقع من النّص أن يكون رواية وليس جنسا آخر من قبيل الأجناس الهجينة التي ذاع صيتها في محافل التجريب الروائيّ  تكسرّ مااستقر من أعراف الكتابة وقوانينها وهذا المؤشّر الأـجناسي هي سنُّة خالفها العديد من الروائيين العرب من قبيل عبد الجبار العش في محاكمة  كلب أو واسيني الأعرج في أعماله أو محمد برادة في لعبة النسيان الذي وسم رواياته السابقة بهذا الوسم رغم أن معجم السرديات[6] يقر بصعوبة التعريف وقد ورد مايلي " يجد دارس الرواية  صعُوبات جمة لوضع تعريف  "   جامع مانع  " لهذا الجنس الأدبي  يحيط بخصائصه الأجناسية والفنية .فينزلها  منزلة القواعد المحددة لطرائق    الكتابة  في هذا الجنس .فالآثار التي تنتسب إلى جنس الرواية سواء في الغرب   مهد الرواية العالمية أو في غيره من أصقاع التي انتقلت إليها الرواية ،وه ومن الاختلاف والتلون والتعدد من حيث تقنيات الكتابة  والمواضيع ورؤى العالم  إلى الحد الذي يصعب معه أن نقر بوجود نقاط تشابه وتماثل بين الروايات ونواجه هذا التنوع حتى في التفاسير المعجمية التي صاحبت مصطلح  "(Roman)  " إذن يقرُ معجم السرديات  باستحالة تقديم تعريف دقيق للرواية يؤمّن قراءة مريحة للأثر لا يداخلها الضيم والاضطراب ولكن السؤال الذي يزداد إلحاحًا هل تُشبه هذه الرواية ما نألفه من روايات وما الذي جعل صاحب الأثر يختار لكتابه هذا التصنيف دون غيره ؟

الإهداء :

الإهداء في هذا النص مخاتل ومخالف للسائد    والمألوف ليس  الإهداء   مجرد تقليد خارجٍ عن النص ظل يطرد منذ بدايات الكتابة وإنما هو إلى ذلك عتبة نصية أساسية تؤثُث فضاء الكتابة  وتشد النص إلى  كاتبه الحقيقي باعتباره شخصا واقعيا وقد اعتنت المدارس النقدية التي اهتمت بالخطابات الموازية بالإهداء  اعتباره ظاهرة أدبية صاحبت العديد من النصوص الروائية وغير الروائية و"يعتبر الإهداء تقليدا ثقافيا.عريقا،لأهمية وظائفه وتعالقاته النصية  فقد حظي أيضا بالدراسة والتحليل من هذه الزاوية...فالإهداء إعلان ) نشرا (لعلاقة بين المؤلف وشخص ما أو مجموعة أوكيان وفي هذا تأكيد لدور المهدى إليه الذي يعتبر بشكل  أوبآخر مسؤولا عن العمل حين يقدِّم  للمُهدى  إليه قليلا من دعمه هكذا ينفتح الميثاق المؤطّر للإهداء على تحقُقات تأخذ بالاعتبار السِّياق التداولي للنُصوص بما أنَّه ميثاق يؤكِّد أهمية هذه العتبة النَصية في تحديد بعض الدَّلالات ومكوناتها النصية " [7]  ولا يمثّلُ الإهداء مُجرّد حلية زائدة أو عنصرٍ هامشيِّ يُمكن ُ الاستغناءُ عنهُ فــ" للإهداء عدَّة وظائف نصّية وتداوليّة، خاصّة الوظيفة العلائقيّة العامّة التي تجمعُ بين المُهدِي والمُهدَى إليه، فتتوزّع إلى مجموعة من الوظائف البارزة، كالوظيفة الاجتماعية( التّواصل الحميم بين الأصدقاء وأفراد العائلة)، والوظيفة الاقتصادية (رعاية العمل الأدبي، وتمويله مادّيا…)، علاوة على وظائف أُخرى: ثقافيّة، وجماليّة، وسياسيّة، ودلاليّة، وتأثيريّة، ورمزيّة، بله عن الوظائف التأويليّة والسّياقية التي تُساعد النّاقد والقارئ في تذوّق النّص، وإعادة بنائه من جديد. زد على ذلك، يُرشدُنا الإهداءُ إلى سياقِ الإبداعِ، فيرصد دواعيه الذَّاتية والموضُوعيّة، ثم يُبيِّن كيفيَّة انكتابه، وتكوينهِ، وطبعهِ، ونشرهِ، وتوزيعهِ، وتلقّيه...كما يُقدِّم الإهداءُ معلومات موثّقة عن طبيعة العمل مضمُونا وشكلا ومقصديّة، مع تحديد ظُروف كتابته، وكيفيّة إخراجه إلى حيِّز الوُجود. وقد يكُونُ الإهداءُ بمثابةِ تعليقٍ عن النَّص، وشرح لدلالاتهِ الظّاهرة والثّاوية، وكشف لخصائصه الفنيّة والشّكلية والجماليّة. وقد يردُ الإهداء أيضا في شكل تقديم أو تصدير استهلاليّ، يفسّر حيثيّات النّص، ويستقصي أبعاده الدّلالية والفنيّة والمرجعيّة."[8]

 ويعود الاهتمام بالإهداء المحايث  مع الانتباه إلى أهمية هذه النصوص الصغيرة التي تبدو لأول وهلة نصوصا مستقلة عن النصِّ . ولكنها على استقلالها) وهي ليست مستقلة تمام الاستقلال  في الأثر المدروس ) .فالإهداء نص مرن طيع لا تحكمه ضوابط أو شروط محددة وإنما هو فضاء تعبر فيه الذات الكاتبة عن مشاعرِها التي تنتابها لحظة   إطلاق  النص  ونشره        للعموم فهذا المجهود الشخصي وما يتبعه من مجهود  يهدى إلى ..ليشد النص إلى منشئه ومحيطه .باعتباره من المتعاليات النصية التي وإن  بدت لأول وهلة  غرِيبة عن النص الأصلي إلا أنها في الحقيقة شديدة الارتباط به باعتباره نصا يحتل موقعا مركزيا يرتبط   بالفضاء النصي للكتابة.فــــــــــ الإهداء هو أحد الأمكنة الطريفة للنص الموازي التي لا تخلو من" أسرارٍ".تضئ النظام والتقاليد الثقافيينِ لمرحلة تاريخية محددة ، فيما تعضد حضور النص وتؤمن تداوليته ،أسرارٍ تصبح مضاعفة عندما تتعلق بتحولات الإهداء ذاته في علاقته بمحافله     الثقافية" [9] ويحيل الإهداء إلى  البعد العاطفي  الوجداني له صلة بالكاتب أكثر من السارد ويعتبر تثمينا للنص وتقديمه في شكله النهائي  وقد اهتم جيرار جينات بالإهداء وبموقعه        من النص وكذلك بالفضاء الذي يشغله فالإهداء يحتل عادة الصفحة الثانية مباشرة إثر صفحة  العنوان وهو فضاء مخصوص  ومميز ولم ينبه جينيت إلى مكان الإهداء فحسب بل تحدث عن زمن ظهورِه إذ يرتبط بالطبعة الأولى الأساسية مع إمكانية المحافظة عليه وتغييره واستدراكه في طبعات  لاحقة[10] وتساعدنا هذه والوظائف التي تقف قبالة النّص وعلى ضفافه في شكل الإشارات والتعرِيفات مهاد ييسر علينا دراسة عتبة        الإهداء في رواية عبد المجيد عبد الله هي وظائفها فنّية وجماليّة. فما هي وظائف الإهداء في شهوزاد وكيف وظّفه الكاتب لخدمة المتن؟

 ورد الإهداء في حقيقة الأمر مربكا ومركّبا . إهداء : " هي أو ما تكون ..هي أو لا أ كون".

 يعتمد الكاتب على ضمير الغائب المفرد المؤنّث في إشارة إلى امرأة أنثى اختزلت كينونته مفردا وضميرا للغائب ليتسم حضورها منذ البدء بسطوة واضحة. هي هذه المرتفعة الشّامخة شبهها الكاتب بشجرة السنديان وأحاطها ضمير الغائب بهالة من القداسة والإجلال حاضرة في الغياب. فتجد اللغة في حالة عجز عن البوح تذكرنا بأعتى تجارب المتصوفة بين اتساع التجربة وعجز اللغة ...في لحظة ما يتحول الإهداء إلى هواجس ومخاوف يحدثنا الكاتب بلحمه ودمه وبمداده الحزين أيضا عن خوفه من أبنائه وعليهم في لحظة ما يكسر الإهداء ما عهدناه من انفصال بينه وبين النص المحايث ليذوب في النص المتن فإذا بنا أمام إهداء تخييلي موصول بالقارئ إليها وإليكم يصبح هذا الضمير الأجوف بتعريف النحُاة ضميرا ممتلئا مع كلّ لحظة قراءة هو إهداء مزدوج إليها وإليكم سرعان ما يتنازل عن مكانته ليتحول إلى نص فتبدأ الحكاية شهوزاد ليست شهرزاد ولا تسكن قصرا وليست قادرة على الحكي " طفلة صغيرة مرحة تبدو كفراشة في ثوبها الزهري واسعة العينين ...مع إطلالة الشمس كانت تخرج تسوق أمامها غنيمات ..." هي راعية من ملح الأرض وطينه...

صورة أقرب إلى صورة الآلهة المرأة في لحظة ذوبان مع الطبيعة وكل ما يحمله الاسم من معاني الخصوبة " تغتسل بالنّدى وتتعمد بالشّمس عند طُلوعها وتذوب في خمرة غروبها .." ينهض النص على الجمع بين الواقعي والمتخيّل في إهاب من الكتابة جديد لا يفصل بين المتخيل والمرجعي ليتحول الضمير من الغائب إلى المتكلم هذا الخطاب الذي تحضر فيه الذات الكاتبة حضورا قويّا في مضمون خطابها .." خلعت أمي عني ملابسي ." ... وتبدأ الحكاية حكاية شهوزاد بدءا بالعتبات فطرقا خفيفا.

عبد المجيد بن عبدالله . شاعر وروائي من تونس من مواليد مدينة الرديف 1955 أستاذ تعليم ثانوي متقاعد متحصل على الأستاذية في اللغة والآداب والحضارة العربية من دار المعلمين العليا _ تونس. عضو اتحاد الكتاب التونسيين من  أعماله الروائية زمن التكتك  وشهوزاد ،هديل  للنشر 2015  وردة الرمال 2019 ،  وديوان صهيل السؤال 2009.حكايات الدواميس القديمة 2015 وخزائن العشق 2019 .

 [1] : جميل حمداوي مستجدات النقد الروائي ، ص 273.

[2]: الهادي المطوي ،شعرية العنوان في كتاب السّاق على السّاق في ما هوالفرياق ، الكويت ،مجلة عالم الفكر ، مجلد، 28 العد الأول ،1999ص 456.

3: مقدمة كتاب عتبات عبد الحق بلعابد بقلم سعيد يقطين ص.15[3]

4 : ميشيل بوتور ، بحوث في الرواية الجديدة ،ص40.[4]

5: عبدالمجيد بنعبدالله شهوزاد ،تونس هديل للنشر 2015.[5]

6: محمد القاضي ،(إشراف): معجم السرّديات، صفاقس، دار محمد على الحامي ، 2010ص201.[6]

7:عبد الفتاح الحجمري ،عتبات النص البنية والدّلالة ،الدار البيضاء ،منشورات الرّابطة،1996،ص ،27/26.[7]

[8]: جميل حمداوي ،عتبـــة الإهــداء في الشعر العربي، مؤسسة بابل للثقافة والاعلام، موقع إلكتروني.2012.

[9]  :   نبيل منصر، الخطاب الموازي في القصيدة العربيّة المعاصرة، الدار البيضاء , دار توبقال للنشر،  2007ص.62.

G.Genette .seuils .P.118/121.  :[10]

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة