سادت في المجتمع ظواهر مقلقة من قبيل العنف المتفشي في المجتمع وداخل الأسرة وفي المدرسة، وساد الإحساس بالانزعاج وباللا أمن وانحراف في الأخلاق. كل ذلك هي أعراض انحراف واضطراب عاطفي عام ترتب عن فقدام مراقبة انفعالاتنا. يفرض هذا الوضع أن ينكب البحث خاصة في المجال السيكولوجي على تسليط الضوء على مكانة المشاعر والانفعالات في حياتنا وعلاقتها بالحياة المعرفية التي ظلت لسنوات طويلة خارج اهتمام السيكولوجية، مما جعل من الانفعالات، في جزء كبير منها على الأقل، غير خاضعة للدراسة العلمية وبالتالي غير مكتشفة.
في الخمسينات من القرن العشرين هيمن التيار السلوكي على السيكولوجية، حيث اعتبر السلوكيون أن مجال البحث العلمي ينحصر في السلوك القابل للملاحظة. وبذلك أبعدوا الحياة الداخلية والانفعالات ( المشاعر والأحاسيس والدوافع النفسية..) من مجال الاهتمام والبحث العلمي. كما اهتم رواد السيكولوجية المعرفية، في الستينات من القرن الماضي، بما يقع داخل العقل ردا على التيار السلوكي الذي أهمل هذا الجانب. غير أنهم بدورهم اهتموا أكثر بالميكانيزم الذي يعالج به العقل المعلومة ويضعها في الذاكرة، وميكانيزم الإدراك والفهم والتذكر. غير أن نماذج معالجة المعلومة التي أخذ بها رواد هذا التيار لا تأخذ في الاعتبار أيضا المشاعر والانفعالات التي قد تؤثر بل تهيمن أحيانا على العقل مثل ما يقع لكثير من العقلاء حيث يمكن أن يصدر عنهم سلوك مشين ولا عقلاني في حالة الانفعال.
لقد ظهرت أصوات تعارض المنظور التقليدي الذي يعطي كل السلط إلى الذكاء العقلي وتنفي أي ارتباط له بالحياة العاطفية الانفعالية. وترى أن الذكاء التقليدي QI المرتفع لا يؤمن بالضرورة لنا حياة مزدهرة وسعادة ونجاح في الحياة كونه لا يهيئ الفرد إلى مواجهة إكراهات الوجود الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية. إن مجتمعنا ومدارسنا التي تعتمد أساسا على المعرفة والعقل الخالص تعتقد أن ما تقدمه هو الحل السحري ومفتاح النجاح في الحياة متجاهلين كليا أهمية المشاعر والانفعالات.
استثار هذا الأمر اهتمام المختصين السيكولوجيين الجدد، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي وانكب اهتمامهم على تسليط الضوء على علاقة الانفعالات بالأداء العقلي.
لقد اعترفوا بسلطة وفضائل الانفعالات على العقل وكذا انعكاساتها السلبية عليه، حيث تبين أنه يمكن لها أن تغني وتوسع أدائنا العقلي كما يمكن أن تكبح قدراته. هكذا ابتدأ يتراجع المفهوم التقليدي الذي يجعل العقل في تعارض مع الأحاسيس، وطفا منظور جديد يعتقد في تكاملهما.
لقد اعتبر السيكولوجيون الجدد أن الانفعالات لها وقع كبير على العقل، ذلك أن القدرات العاطفية تقودنا دائما في اختياراتنا وتشتغل في ذلك في انسجام مع العقل لتسمح أو تمنع ممارسة التفكير، كما يقع مثلا في الامتحانات حيث يمكن أن يكون الأداء جيدا إذا ما كان المزاج جيدا، ويمكن أن يتعطل التفكير تماما بشدة الارتباك. وقد ظهر الذكاء الانفعالي ليمثل هذه القدرات والاستعدادات التي تقع خارج نطاق قدرات الذكاء التقليدي. ما هو الذكاء الانفعالي وما طبيعته وما تأثيراته على حياتنا العملية وحياتنا الخاصة وما انعكاساته التربوية والبيداغوجية؟
ظهرت منذ التسعينات من القرن الماضي نتائج هامة لبحوث علم الأعصاب حول طبيعة الذكاء الانفعالي، ودون الدخول في التفاصيل، نكتفي بالإشارة إلى بعض المعطيات التي تؤكد وجود منطقة خاصة للتفكير(الدماغ المفكر) ومنطقة خاصة للمشاعر والعواطف والانفعالات بشكل عام (دماغ انفعالي). ويمكن أن يصبح الإنسان بدون حياة عاطفية إذا تعرضت هذه المنطقة إلى الإتلاف، مثلما كان يترتب عن المعالجة الجراحية التي كانت تجرى في الأربعينيات عندما لم يكن هناك أدوية للإضرابات العقلية، حيث كان يتم قطع الروابط بين الدماغ العاطفي والدماغ العقلي الذي يسكن الألم لكن يفقد الإحساس بالحياة العاطفية نتيجة تلف دارة التواصل بين الدماغين.
وقد أكدت نتائج البحث في الموضوع التي قام بها عالم النفس الأمريكي Richard Davidson هذا الأمر حين خلص إلى القول‹‹ نمتلك ، بمعنى من المعاني، دماغين وعقلين وشكلين من الذكاء: الذكاء العقلي والذكاء الانفعالي››. وأكد أنه توجد روابط مكثفة ودقيقة بينهما بفضل المرونة الفائقة للدماغ والأعصاب. وتتوقف جودة حياتنا على مدى إيجاد تناغم بين العقلي والعاطفي، حيث أن هيمنة الانفعالات تقود إلى تصرفات غير عقلانية أحيانا كثيرة وغير مفكر فيها باعتبارها تصرفات اندفاعية وعنيفة وسلوكات مضطربة. لكن عندما نتمكن من إيجاد تناغم بين العقل والقلب أي تكامل بين الجهاز العقلي والجهاز الانفعالي سنتمكن دون شك من تطوير ذكائنا الانفعالي وقدراتنا العقلية وبالتالي تطوير جودة حياتنا. هكذا بزغ باراديكم جديد يسعى إلى إيجاد تناغم بين العقل والمشاعر ليحل محل المنظور التقليدي الذي كان يريد التخلص من أثار الانفعالات لصالح العقل.
وهكذا ظهر الذكاء الانفعالي كمفهوم جديد في أوائل التسعينات، حيث عرفه عالم النفس بيتر سالوفي Peter Salovey من جامعة ييل ‹‹القدرة على إدراك وتقدير والتعبير عن الانفعالات بشكل دقيق وتوافقي، فهو القدرة على فهم المشاعر وعلى الوصول أو إنتاج المشاعر التي تسهل الأنشطة المعرفية، وهو يتضمن كذلك القدرة على تنظيم هذه الانفعالات لدى الفرد والآخرين››. وقد انتشر هذا المصطلح على نطاق واسع عندما نشر المحرر العلمي لجريدة النيويورك تايمز والمتخصص في علم النفس المفكر دانييل غولمان D. Golman كتابه الشهير ‹‹الذكاء الانفعالي : لماذا قد يكون أكثر أهمية من نسبة الذكاء›› (1995). لذلك اختير كأفضل عبارة جديدة في اللغة الأنجليزية في سنة 1995.
إن فرضية Daniel Goleman حول الذكاء الانفعالي ترى:‹‹ تحدد انفعالاتنا حدود أهليتنا على استعمال قدراتنا الذهنية الفطرية وتبث إذن في مصيرنا، بالقدر الذي توسع أو تكبح هذه الانفعالات قدراتنا على التفكير والتخطيط والتعلم في أفق تحقيق هدف محتمل وحل مشكلة إلخ. كما تقودنا انفعالاتنا إلى النجاح، بالقدر الذي نكون محفزين بالحماسة والمتعة التي نحصل عليها مما نقوم به. وبهذا المعنى يعتبر الذكاء الانفعالي الكفاءة الرئيسية المؤثرة بعمق على باقي الكفاءات، وذلك بتنشيطها أو كبحها.›› (Goleman ; 1997 : 109 ).
وفي إطار دعم هذه الأطروحة ينبغي البرهنة على أن انفعالاتنا وحياتنا العاطفية هي بالفعل وراء وأساس ما نقوم به في الحياة. لذلك حاول "غولمان" أن يبين تأثيرات انفعالاتنا على حياتنا خاصة على أدائنا الجيد أو على فشلنا من خلال نتائج عدة تجارب ونتائج علمية استخلصها كثير من الباحثين.
في البداية أعتمد فوائد التحكم في الغرائز Pulsions التي أكدتها تجربة قام بها Walter Mischel ، وهي عبارة عن مباراة بسيطة تسمى "رائز الحلوى" أجراها على أطفال (4 سنوات) فحواها أن الطفل الذي يستطيع مقاومة رغبته في تناول الحلوى إلى آخر المباراة سيستفيد من قطعتين من الحلوى، أما من لم يستطع فسيتناول حلوى واحدة في حينه. لاحظ الباحث أن أغلبية الأطفال انقضوا على حلوى واحدة غير قادرين على الصبر. أما الفئة القليلة التي عرفت كيف تنتظر للحصول على قطعتين من الحلوى قامت بمجهود جبار لمقاومة شهوتهم وذلك من خلال أساليب مختلفة من قبيل إخفاء الرأس واللعب بالأيادي والأرجل.ما هي إذن القيمة التنبؤية لهذا الرائز؟
لقد تبين بعد سنوات من التتبع أن الأطفال الذين عرفوا كيف ينتظرون قد أصبحوا فعالين ولهم ثقة عالية في النفس وقادرين على تجاوز إكراهات الحياة. ويعرفون كيف يحافظون على برودة دمهم ووضوح تفكيرهم حينما يخضعون لضغوطات نفسية. كما لا ينتابهم الخوف والشك والخوف من الفشل ويقبلون المنافسة ويصرون على ربح الرهان عوض الاعتراف بالإخفاق، ويبدون واثقين وجديرين بالثقة. يأخذون المبادرات وينخرطون في المشاريع ويعبرون في كل مرحلة أنهم قادرون على تأجيل المكافأة. (Goleman ; 1997 : 110)
بين "غولمان" أيضا من خلال تجربة شخصية أنه في أحد الامتحانات التي لم يعد لها جيدا ، قد وقع تحث تأثير قلق شديد وخوف عطل تفكيره، حيث هيمن القلق على تفكيره ولم يعد قادرا على التوجه نحو التفكير في موضوع الاختبار، كما أكدت كثير من الأبحاث تأثير الضغط النفسي والقلق على النتائج الدراسية.
هكذا يرى غولمان أن انفعالاتنا تستطيع أن توسع أو تكبح قدراتنا على التفكير والتخطيط وتحقيق هدف أو حل مشكلة. إن مراقبة القلق والانفعالات هو أحسن طريقة للرفع من المردودية إلى أقصاها. مما يدل على أن حالتنا الانفعالية هي أساس وأصل أدائنا، حيث إذا كانت هذه الحالات إيجابية من قبيل التحكم في الغرائز والتفاؤل والأمل والبهجة، ستكون جودة الأداء مرتفعة وبالتالي ارتفاع احتمال النجاح والتفوق. وعلى عكس ذلك إذا كانت هذه الحالات سلبية مثل القلق وانشغال البال والتشاؤم سيكون الأداء أقل جودة ورفع من احتمال حدوث الفشل.
وقد انخرط العالم النفسي Yale Peter Salovey في مفهوم أوسع للذكاء الانفعالي واعتبره مركبا من عدة أبعاد تعتبر الركائز الأساسية للنجاح في الحياة:
الوعي بالذات
ويشمل الوعي بالذات قدرة الإنسان على فهم المشاعر والوعي بها من خلال الانتباه المستمر لحالتنا الداخلية. إن الوعي بالذات ضروري للحدس، وهي القدرة التي يسعى الطب النفساني إلى تقويتها لدى الزبناء. إن الوعي بالذات المثالي يحدث عندما يتم ملاحظة الذات من طرف "أنا" آخر محايد متنبه ويقظ. وقد اعتبر John Mayer أحد رواد نظرية الذكاء الانفعالي، أن ‹‹الوعي بالذات يمكن أن يأخذ شكل انتباه "موضوعي" لحالاتنا الداخلية››. إن الوعي بالذات يمارس تأثيرا على الأحاسيس العدوانية، حيث يشكل القدرة على التخلص بسرعة من من هذه الأحاسيس لذا اعتبر أساس الذكاء الانفعالي.
لقد قسم Mayer الأفراد إلى ثلاثة أنواع:
• الأفراد الذين لديهم وعي بذواتهم: إن معرفة انفعالاتنا يتأسس عليها استقلالية والتحكم في الانفعالات ومنظور إيجابي للحياة وصحة نفسية.
• الأفراد الذين استسلموا لانفعالاتهم واكتسحتهم:متقلبون كونهم لهم وعي ضعيف بانفعالاتهم التي أضحت تتحكم فيهم واستغرقوا فيها ولا يقومون بجهد كافي للتخلص من كآبتهم، لهم شعور بعدم مرلقبة حياتهم العاطفية.
• الأفراد الذين قبلوا حالتهم النفسية: رغم وعيهم بانفعالاتهم فإنهم يقبلون بها ولديهم ميل إلى ترك الأمور على حالها دون القيام بأي مجهود لتغييرها. يوجد هذا الميل لدى الناس ذوي مزاج جيد لكنهم لهم نزوع ضعيف لتغيير حالتهم.ويوجد لدى المكتئبين المستسلمين إلى يأسهم.
التحكم في الانفعالات وإدارة المشاعر
تلعب الأحاسيس دورا دائما في اختياراتنا وقراراتنا. إن عنف الأحاسيس والاستخفاف بها لها عواقب وخيمة على قراراتنا المصيرية. إن المنطق الصوري لا يمكن أن يكون السند الوحيد للقرارات.هناك مجالات يكون فيها المنطق أعمى لأنها تحتاج إلى الأحاسيس. عندما يكون الانفعالات( الغضب ، الكآبة، القلق...) مستمرة وغير متحكم فيها تصبح مرضية( الاكتئاب كرب، هيجان، هلوسة...) تحتاج إلى معالجة. وإن كانت غير حادة فإنها تحدث الغم والملل وعدم التحفيز والانكماش. إن التوازن بين الانفعالات الإيجابية والسلبية هو الذي يحدد السعادة والهناء. إن التدبير الحكيم للانفعالات مهمة نمارسها كل اللحظات، Winnicot يعتبرها أهم الأدوات النفسية لإقامة توازن نفسي.
إن الانفعالات تكبح أو تقوي قدراتنا على التعلم والتفكير والتخطيط وحل المشكلات.
لقد برهنت الدراسة التي قام بها عالم النفس Walter Mischel على الأطفال (4 سنوات) أن القدرة على مقاومة الإغراءات والتحريض والاندفاعات السيكولوجية هو موقف سيكولوجية جوهري. إن مصدر مواقف مثل حب الغير ومعرفته يعود إلى القدرة على التحكم في الذات. يبدو أن أهم المواقف الأخلاقية التي يتطلبها عصرنا هو الاعتدال والتآزر والعطف.
التحفيز الذاتي
قام عالم النفس C.R Synder بدراسة حول سلطة التفكير الإيجابي لطلبة لهم نفس الذكاء QI . وتبين أن الطالبة الواثقين في قدراتهم يحددون أهدافا عالية ويعرفون كيف يشتغلون بعناد لتحقيقها، ويميزهم ثقتهم في المستقبل. لهم سمات الشخصية مشتركة: يعرفون كيف يتحفزون من تلقائي ذاتهم، ولهم اعتقاد في قدرتهم على تحقيق أهدافهم ويمتلكون مرونة في التعامل مع الوضعية، حيث يمكن اكتشاف سبل مختلفة للوصول إلى هذه الأهداف، ويعرفون كيف يقسمون المهام إلى أجزاء قابلة التحقيق.إنهم غير مضطربين وأقل عرضة للارتباك والهموم اليومية.
إن الحالة النفسية السلبية تعطل التفكير، والموارد الذهنية المستعملة تصبح غير مستعدة لمعالجة معالجة أخرى. وبالمقابل فإن الاستعداد النفسي الإيجابي والبهجة ترفع من القدرة على التفكير بسلاسة، وتقوي الحس التدبيري المقاولاتي، وتسهل حل المشكلات سواء كانت نظرية أو علائقية.
هناك موقفان لهما انعكاسات على السلوك: التفاؤل وهو طاقة كبيرة للتحفيز مثله مثل الثقة في المستقبل شريطة أن يظل هذا التفاؤل واقعيا. يعتبر المتفائل أن الفشل نتيجة شيء قابل للتعديل والتجاوز وهو بالتالي محطة نحو النجاح. وهناك التشاؤم الذي يعزى إلى قصور شخصي (يصعب) يتعذر إصلاحه. ويتضمن الموقفان موقفا آخرا هو الفعالية الشخصية حيث أن الاعتقاد في التحكم في هذه الفعالية طيلة حياتنا والاعتقاد في ااأننا قادرين من خلال هذه الفعالية على رفع كل التحديات. إن مفتاح النجاح يكمن في مدى التوفيق بين ملكة وأهلية معقولة والتشبث والإصرار على النجاح.
توجد حالة بيولوجية وعصبية ونفسية، التي كتب عنها Mihaly Csikszentmihalyi تجعل الذكاء الانفعالي في ذروته، حيث تكون الانفعالات في خدمة التعلم والأداء بكل أشكاله الفكرية والرياضية والفنية. يتحدث الرياضيون والمبدعون عن حالة رضا قصوى يكون عليها لحظة الإبداع أو الإنجاز المتميز لا يعود إلى الجهد بل إلى السعادة البالغة لتلك اللحظة، حينها ينهمك الفرد كليا في الفعل ويخص له كل انتباهه ووعيه يمتزج بهذا الفعل. في هذه الحالة لا يمكر الفرد في ذاته بل يصبح بلا "أنا"، يتحكم كليا في الفعل ويكيفه مع حاجاته محفزا بالمتعة التي يجلبها من هذا الفعل ولا ينشغل بمسألة النجاح أو الفشل. إن أحد الطرق لخلق هذه اللحظات هو التركيز الهادئ والهادف الذي يتطلب شيء من الانضباط للحصول على قوة ذاتية تمكن من التجرد من زوبعة الانفعالات وإنجاز المهمة دون مجهود كبير ومع شيء من الغبطة والمرح. إن المتعة والرضا والفعالية تدفع القدرات الفردية إلى أقصاها.
حالة الرشاقة fluidité هي شعور مثالي:
حالة الرشاقة هي شعور بالتركيز وراحة الذهن واطمئنان البال والسعادة البالغة تجعل الذكاء الانفعالي يصل إلى ذروته، حيث تكون الانفعالات حاضنة ورافعة للفعل والتفكير.بالنسبة لغولمان فإن حالة الرشاقة هي شعور براحة كبيرة، حيث يكون الوعي حينئذ ممزوجا بالفعل، ويكون الفرد محفزا بشكل كامل بلذة لفعل الخالصة، وذلك من خلال تركيز كبير على العمل مصحوب بانشراح كامل، ومن خلال انتباه هادئ ومريح وفي نفس الوقت مركز. (Goleman ;1997 :123) . إن حالة الرشاقة هذه يتم اقتراحها كنموذج يقودنا إلى أفضل ما فينا في حالة سعادة مطلقة. ونتوصل إلى هذه الرشاقة بالممارسة الدقيقة المتواصلة لنشاط ممتع.
*نستخلص من كل ما سبق أن الذكاء الانفعالي هو الذي يحدد جودة الفعل والأداء والمردودية.
معرفة الغير
يشمل القدرة على فهم مشاعر الغير ويرتكز على الوعي بالذات . بقدر ما نكون مدركين لانفعالاتنا بالقدر الذي نستطيع كشف وقراءة مشاعر وانفعالات الآخرين. إن العيش دون فهم الغير وعدم القدرة على على الشعور بآلام الغير تقود إلى أفعال غير أخلاقية. إن الدوافع الداخلية هي إحساسات قابلة للتحويل إلى فعل ، غير أن كل من لا يعرف كيف يتحكم في انفعالاته قد يعاني إذن من قصور أخلاقي.
إن الرفق والعطف والأخذ بالحسنى في العلاقة الإنسانية منشأها(مصدرها) التناغم مع الآخر والقدرة على فهم الغير. إن القدرة على اكتشاف الأحاسيس انطلاقا من إشارات غير شفوية تمكننا من نكيف أكثر انفعالاتنا مع الوضعية المعاشة ونحب أكثر الآخرين ونكون منفتحين أكثر وحساسين. إن فهم الغير مسألة جوهرية في الحياة.
إن الكلمات هي وسيلة التعبير عن التفكير العقلاني فإن الإشارات غير الشفوية في الغالب هي وسيلة التعبير عن الانفعالات.
التدبير المتناغم للعلاقات الإنسانية
ويشمل القدرة على التعامل مع الأخرين في المواقف الاجتماعية المختلفة.إن درجة التنسيق الانفعالي بين شخصين ينفلت للوعي و ينعكس في السلوكات والتعابير. يبدو أن مهارة التوافق تسهل إيصال البهجة تشكل أساس العلاقة الإنسانية .فعالية العلاقة الشخصية تتعلق في جزء منها بالبراعة التي نقيم بها هذا الوئام والتوافق.إن الصعوبة التي نجد في إرسال أو استقبال المشاعر تخلق عادة مشاكل انفعالية .
يوجد التحكم الانفعالي في قلب التأثيرات العلائقية، أن تكون مؤثرا على مستوى الانفعالات معناها أن تكون قادرا علىالحكم على الحالة العاطفية للآخر بشكل عميق وقادر على اكتشاف أحاسيس الآخر والاعتراف بها والتناغم معها ومجاراتها بمهارة ومرونة كل ذلك يشكل أحد المهارات للذكاء الانفعالي.
ويمكن ملاحظة أن الأبعاد الثلاثة الأولى تتعلق بمعالجة الفرد لمشاعره على المستوى الفردي وتعامله معها. أما البعدان الأخيرين فيتعلقان بمهارات فهم مشاعر الآخرين والتعامل معها.
تتضمن كل واحدة من هذه المهارات مجموعة التصرفات وأفعال قابلة للتغيير والتحسن إذا ما اخترنا ذلك. إن عوامل عصبية هي مصدر الاختلافات بين الكائنات البشرية وقدراتهم المتميزة ، غير أن الدماغ يتميز بمرونة فائقة ويتعلم ويعتاد على مهارات متجددة باستمرار، مما يعني أنه من الممكن تعويض قصورنا وتحسين قدراتنا.
____________________________
*تهتم السيكولوجية المعرفية بدراسة الميكانيزمات التي يستطيع من خلالها الإنسان أن يلتقط المعلومات ويعالجها ويضعها في الذاكرة. إنها تدرس الأنشطة الذهنية التي تمنح الإنسان تمثلا داخليا عن المعطيات الخارجية بغرض اتخاذ القرارات، كون الأنشطة الذهنية تشكل بعدا جوهريا في وجودنا، حيث أن الإدراك والفهم والتذكر ينظم وينشط حياتنا اليومية.
ظهر مصطلح الذكاء الانفعالي لأول مرة في أوائل التسعينات على يد إثنين من علماء النفس هما بيتر سالوفي Peter Salovey من جامعة ييل وجون ماير John Mayer من جامعة نيوهاميشير في الولايات المتحدة، وذلك في بحثين نشراهما في العام 1990 1993. وقد استثار المفهوم اهتمام المتخصصين، إلا أنه لم يعرف انتشارا واسعا إلا على يد دانييل غولمان D.Goleman عندما نشر كتابه ‹‹الذكاء الانفعالي: لماذا قد يكون أكثر أهمية من نسبة الذكاء؟››. وقد ترتب عن إشاعة هذا المفهوم أن اختير كأفضل عبارة جديدة في اللغة الأنجليزية سنة 1995
ما هو الذكاء الانفعالي؟
يمثل مفهوم الذكاء الانفعالي مظلة تغطي مدى واسعا من المهارات والاستعدادات التي تقع خارج نطاق قدرات الذكاء التقليدية والتي تتضمن بشكل أساسي الوعي بالمشاعر وبتأثيرها في الجوانب المعرفية. فالذكاء الانفعالي إذن كما يعرفه سالوفي وزملاؤه يمثل ‹‹القدرة على إدراك وتقدير والتعبير عن الانفعالات بشكل دقيق وتوافقي، فهو القدرة على فهم مشاعر وعلى الوصول أو إنتاج المشاعر التي تسهل الأنشطة المعرفية، وهو يتضمن كذلك القدرة على تنظيم هذه الانفعالات لدى الفرد والآخرين››.ويمكن أن نرى من خلال هذا التعريف أن الذكاء الانفعالي ليس مكونا أحاديا ، بل مجموعة من القدرات والمهارات المتعلقة بالفرد وعلاقته بالآخرين والتي تلعب دورا مهما في نجاحه أو فشله في الحياة.
على مستوى الفرد يتضمن الذكاء الانفعالي قدرة الشخص على التعرف على مشاعره وانفعالاته، وعلى التمييز بينها، وعلى التعامل مع المشاعر السلبية كالشعور بالإحباط وتراكم ضغوط الحياة. وهذه القدرة تمكن الفرد من استخدام أو توظيف مشاعره للوصول إلى قرارات صائبة في الحياة. فالذكاء الانفعالي يتضمن إذن القدرة على التفرقة بين مصادر الإحباط والتعامل مع كل منها على حدة، وبالتالي يساعد على الحفاظ على واقعية وتفاؤل الفرد. فالعديد من المشاكل النفسية بل وحالات الاكتئاب تنشأ من عدم القدرة على تحديد مصادر الإحباط ومن الخلط بينها خلطا يؤدي إلى عجز الفرد عن التعامل مع هذه الإحباطات بكفاءة . كذلك يتضمن الذكاء الانفعالي على المستوى الفردي القدرة على ضبط المشاعر والتحكم فيها .
على المستوى الاجتماعي ، فإن الذكاء الانفعالي يتضمن قدرة الفرد على فهم مشاعر الآخرين وتوقع ردود أفعالهم ، وهو أيضا يتضمن المهارات الاجتماعية اللازمة لبناء علاقات جيدة بالآخرين والتعامل مع النواحي الانفعالية في العلاقات على المستوى الشخصي والمهني، كما يتضمن كذلك القدرة على إقناع وقيادة الآخرين.
إن التأكيد على الجوانب الانفعالية لا يعني بالضرورة تعارضا مع الجوانب العقلية المعرفية أو انفصالا بين الجوانب الانفعالية والمعرفية ، بل لقد أكد سالوفي وماير منذ بداية البحث في هذا المجال(26) على التداخل بين الذكاء الانفعالي والجوانب المعرفية، وعلى أن الذكاء الانفعالي يشير في جانب أساسي منه إلى القدرة على معالجة المعلومات المشحونة انفعاليا وعلى استخدام هذه المعلومات في توجيه الأنشطة المعرفية وفي حل المشكلات بشكل ملائم (توافقي) . فالتأكيد على الذكاء الانفعالي لا يعني إذن إلغاء أو انتقاصا من دور الجوانب المعرفية في التفكير بقدر ما يعني التفاتا إلى جانب مهمل من جوانب الذكاء، حيث يؤدي دراسته إلى إثراء فهمنا للذكاء الإنساني..
لقد تطور مفهوم الذكاء الانفعالي من اعتباره مكونا واحدا ذا طبيعة متجانسة إلى اعتباره مفهوما مركبا متعدد الأبعاد وكان غولمان هو أول من حدد خمسة أبعاد رئيسية في كتابه السالف الذكر.
** واعترفوا بسلطة وفضائل المشاعر والانفعالات وخطورتها، كونها تستطيع أن تغني وتوسع أدائنا العقلي كما تستطيع أن تكبح قدراته، كما يقع مثلا في الامتحانات حيث يمكن أن يكون الأداء جيدا إذا ما كان المزاج جيدا، ويمكن أن يتعطل التفكير تماما بشدة الارتباك.
على كونها تغني قدراتنا وتحسن جودة حياتنا واعترفوا أيضا بسلبيتها واعتبروا أن أي نموذج وتصور للذكاء يتجاهل المشاعر هو تصور ناقص وغير مكتمل.
* إن أول السيكولوجيين الذي تصدى لهيمنة المنظور التقليدي للذكاء واقترح فكرة الذكاءات المتعددة، هو عالم النفس Howard Garden من جامعة هارفارد Harvard بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث بين في 1983 أنه لا يوجد شكل واحد متراص من الذكاء، بل أسس لمنظور أوسع منفتح على عدة قدرات وقد حددها في ثمانية أشكال من الذكاء: الذكاء اللغوي والذكاء الرياضي ( وهما شكلين من الذكاء التقليدي)، ثم الذكاء الذي يساعد على التحكم في المكان والفضاء، والذكاء الحركي الجسمي والذكاء الموسيقي، إضافة إلى ذكاءات متعلقة بفهم الشخصية الإنسانية التي تعتبر مدخلا لظهور مفهوم الذكاء الانفعالي وهي:
*ذكاء فهم الذات: ويتجلى في الحدس وفي القدرة على التوافق الداخلي، أي القدرة على العيش في توافق مع الأحاسيس الذاتية العميقة. هذه القدرة المرتبطة والمتجهة إلى القضايا الداخلية تمكن من إدراك وتصور نموذج دقيق وحقيقي حول الذات، وتمكن من استعمال هذا الإدراك في قيادة حياة الإنسان والحصول على الإحساس وبالرضا والارتياح الداخلي.
*ذكاء علائقي : القدرة على تدبير ورعاية العلاقات بالآخرين أي القدرة على فهمهم والتعرف على محفزاتهم والكيفية التي يشتغلون بها، وكيفية التعاون والتعاضد معهم وحل النزاعات القائمة بالحوار، والقدرة على تحليل العلاقات الاجتماعية من قبيل القدرة على إدراك طبع ومزاج ومحفزات وأهواء الآخرين والتعامل معهم على إثر ذلك.
هكذا مكننا هذا المفهوم الجديد للذكاء المتعدد من تكوين فكرة أوسع عن إمكانيات النجاح للطفل مقارنة مع الإمكانيات المحصورة التي كان يتحدث عنها الذكاء التقليدي QI .
* إن ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات هو العقل، حيث يجعله يدرك ويتأمل هذا الكون ويفكر ويفعل فيه. غير أنه ظل إشكالا معقدا ولغزا محيرا استعصى فهمه من طرف العقل ذاته. ولمقاربة هذا الإشكال لجأ الإنسان بداية إلى فهم ما يصدر عن العقل أي الذكاء باعتباره سلوكا مرئيا قابلا للدراسة وللقياس. كما انشغل الإنسان بالبحث عن أصل الذكاء الإنساني، حيث تباينت الجهود النظرية حول دور الوراثة مقابل دور البيئة وأثر العوامل البيولوجية مقابل العوامل الثقافية، وتفسير الذكاء كقدرة عامة أو عامل أحادي مقابل الذكاء كمجموعة من القدرات أو العوامل المتعددة.
*نستخلص من كل ما سبق أن الذكاء الانفعالي هو الذي يحدد جودة الفعل والأداء والمردودية.
إن البراديكم الجديد يعتبر أن إيجاد تكامل وتناغم بين الذكاء الانفعالي والذكاء المعرفي هو أساس الرفع من جودة الحياة. فكما يقول غولمان أن الأشخاص الذين لم ينجحوا في مراقبة حياتهم العاطفية سوف يعانون من نزاع داخلي الذي يعرقل قدراتهم على التركيز وعلى التفكير بشكل واضح. كما يمكن القول أن المجتمعات والمؤسسات التربوية خصوصا التي لا تعيد النظر في وظيفتها ورؤيتها للأمور وقناعاتها بناء على البراديكمات الجديدة ستظل تائهة وتغرد خارج السرب.
وبناء على هذا البراديكم الجديد ينبغي أن تكف المدرسة عن الاعتقاد أن الذكاء المعرفي هو أساس النجاح في الحياة وتهتم بتربية شخصية المتعلم(ة) سواء على المستوى المعرفي أو على المستوى العاطفي، حيث أضحى التدبير الجيد للحياة العاطفية مطلبا جوهريا لتحسين جودة الحياة. هذا الأمر يفرض ترسيخ قيم وقدرات إنسانية أضحت ملحة لمواجهة التوتر والعنف والقلق السائد في العلاقات الإنسانية... في المجتمع وفي المدرسة وفي الأسرة. ومن أهم هذه المؤهلات القدرة على معرفة الذات والتحكم فيها، ومعرفة الآخر والانتباه إليه واعتبار مشاعره، وتربية الطفل على إدارة مشاعره والتعبير عنها وتوظيفها بشكل سليم عوض إهمالها أو خنقها، حيث أن الطفل لا يستطيع ترك مشاعره في البيت عندما يأتي إلى المدرسة.
* واعترفوا بسلطة وفضائل المشاعر والانفعالات وخطورتها، كونها تستطيع أن تغني وتوسع أدائنا العقلي كما تستطيع أن تكبح قدراته، كما يقع مثلا في الامتحانات حيث يمكن أن يكون الأداء جيدا إذا ما كان المزاج جيدا، ويمكن أن يتعطل التفكير تماما بشدة الارتباك.
على كونها تغني قدراتنا وتحسن جودة حياتنا واعترفوا أيضا بسلبيتها واعتبروا أن أي نموذج وتصور للذكاء يتجاهل المشاعر هو تصور ناقص وغير مكتمل.
* هكذا ابتدأ يتراجع المفهوم التقليدي الذي يجعل العقل في تعارض مع الأحاسيس، وطفا منظور جديد يعتقد في تكاملهما، حيث ابتدأ يتحقق الجيل الجديد من السيكولوجيين من الدور الأساسي للمشاعر في التفكير وأهمية القيم النابعة من القلب: الإيمان والوفاء والاعتقاد والثقة والإخلاص والأمل والحب... الغائبة عن المنظور المعرفي الخالص. هكذا اعتبر Garner (1983) وبعده Solvey Peter (1990)
إنها تحريض على الفعل. تمكن من تجاوز تحديات الحياة ووضعيات أهم من أن يدبره العقل بمفرده. فيما يتعلق باتخاذ القرارات والأفعال فإن للحدس دور يضاهي دور العقل إن لم يتجاوزه أحيانا..إن السوسيوبيولوجين يؤكدون على تفوق القلب على العقل في هذا الجانب.
ما هو مفهوم الذكاء الانفعالي من منظور سيكولوجي؟
ظهر الذكاء الانفعالي كمفهوم جديد في أوائل التسعينات، على يد عالم النفس بيتر سالوفي Peter Salovey من جامعة ييل، الذي عرفه ب‹‹القدرة على إدراك وتقدير والتعبير عن الانفعالات بشكل دقيق وتوافقي، فهو القدرة على فهم المشاعر وعلى الوصول أو إنتاج المشاعر التي تسهل الأنشطة المعرفية، وهو يتضمن كذلك القدرة على تنظيم هذه الانفعالات لدى الفرد والآخرين››. يشمل الذكاء الانفعالي إذن التحكم في الذات والاستعداد والتحفيز الذاتي على الفعل بحماسة ومثابرة وجدارة.