التدرج الاجتماعي في التراث العربي الإسلامي ـــ د.عبد العزيز بن علي الغريب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسملخص الدراسة :
تناولت الدراسة ظاهرة التدرج الاجتماعي في المجتمعات وفق التراث النظري لها، والاتجاهات المعاصرة لها، وسعى الباحث لإبراز الجهود العلمية التي بذلها المفكرون والفلاسفة في المجتمعات العربية والإسلامية في مجال التدرج الاجتماعي، من خلال مقارنة ذلك بما كتب في التراث العربي الإسلامي في هذا المجال، للوصول إلى تحديد دقيق لمدى الاختلاف والاتفاق بين تلك الاتجاهات الفكرية، كما هدفت الدراسة إلى تسليط الضوء على آراء المفكرين في التراث العربي والإسلامي وأطروحاتهم في ظاهرة التمايز والتفاضل بين الناس، وهو ما يعرف اليوم بالتدرج الاجتماعي، ولطبيعة موضوع البحث اعتمدت هذه الدراسة على منهجين هما: المنهج المقارن والمنهج التاريخي، باستخدام أداة تحليل المضمون. وقد توصلت الدراسة من خلال استعراضها لجهود المفكرين في التراث العربي الإسلامي إلى أسبقيتهم على علماء الاجتماع في العصور الحديثة، الذين تناولوا ظاهرة التدرج الاجتماعي، وأن محددات ومعايير التدرج الاجتماعي التي تعرضها الاتجاهات النظرية لعلم الاجتماع، كانت قد حددها مفكرو التراث العربي الإسلامي، باعتبار أن ظاهرة التدرج الاجتماعي حظيت باهتمام كبير في المجتمعات العربية الإسلامية، وأن لها جذورها التاريخية والاجتماعية، وإدراكاً رئيساً لأهميتها ودورها في تقدم ونمو المجتمع المبنية على وحدته، مع إتاحة الفرصة للناس لكي يتفوّقوا دون أذى بغيرهم، ووفق ضوابط معينة. كما توصلت الدراسة إلى أن غالبية الدراسات الاجتماعية العربية المعاصرة،الخاصة بالتدرج الاجتماعي، تأثرت في تفسيرها لظاهرة التدرج الاجتماعي، بالاتجاهات النظرية الغربية، ولم تكن هناك إشارة لأي من مفكري التراث العربي الإسلامي، وكان هناك شبه تغييب لجهود هؤلاء المفكرين، عند تفسير نتائج تلك الدراسات، مما قد يكون حرم المجتمعات العربية من الإفادة من نتائج تلك الدراسات.‏
موضوع الدراسة:‏
يعد التدرج الاجتماعي من الظواهر الاجتماعية المعقدة، التي تعتمد على العديد من العوامل التي تختلف من مجتمع لآخر، كما تعد هذه الظاهرة في معظم المجتمعات بمثابة عملية دينامية تسمح بمزيد من التغيرات في تكوينها وكذلك في الخصائص العامة للمستويات والدرجات المتباينة، كما أن التدرج الاجتماعي من العمليات الاجتماعية المهمة التي تعمل داخل البناء الاجتماعي للمجتمع ويلقي الضوء على ما يحدث في البناء الاجتماعي ويساهم في تحديد طبيعة هذا البناء ومدى استقراره وديناميته والمرحلة التطويرية والتنموية التي يمر بها(1).‏
وينظر العلماء لموضوع التمايز والترتيب بين أفراد المجتمع على أنه من أكثر المواضيع إثارة للجدل، التي اختلف أسلوب معالجتها بين العلماء في الماضي والحاضر، ففكرة التمايز والتدرج قديمة قدم الفكر الإنساني، إذ نجدها في كتابات فلاسفة الإغريق، وفي كتابات مفكري الصين والهند، إذ رد القدماء أي تمايز في المجتمع، إلى أسباب وراثية في غالب الأمر، بينما الآن أصبح التركيز على العوامل الملموسة في حياة الناس والمحددة للتمايز، إذ يقول أفلاطون: "إن الإنسان مهيأ بالوراثة ليقوم بعمل معين يتناسب مع استعداده، ويؤهله في نهاية الأمر لشغل مرتبة معينة في المجتمع الذي ينتمي إليه". كما أشار أفلاطون: إلى أن أفراد المجتمع يمكن تصنيفهم كما تصنف المعادن إلى ذهب وفضة وبرونز، وأن توارث الطبقة والمكانة أمر متوقع، وأن دمار الدولة يكون على أيدي الأفراد ذوي معدن البرونز، وقد كان أفلاطون مثالياً في نظرته تلك، وقسم المجتمع إلى أقسام في ظل استعداداتهم الوراثية، وفي هذا فائدة للفرد والمجتمع. وناقش (أرسطو) منطق النظام الطبقي وأهميته وحتميته، وخاصة الطبقة الوسطى، التي كان يراها أداة ووسيلة لتحقيق التوازن بين الطبقتين العليا والدنيا في المجتمع. كما قسم (ميكافيلي) المجتمع وراثياً إلى نوعين: حكام ومحكومين فقط، بناء على عوامل وراثية. وأشار (جون ميلار John Millar) عام 1793م إلى أن تحديد الترتيب الاجتماعي للفرد؛ يعتمد على دراسة البيئة الخارجية، واقتصاد البلاد، ونوع العمل الذي يقوم به الناس، والمجتمعات المحلية التي يعيشون فيها، والعلاقات الاجتماعية التي يشاركون فيها(2).‏
وقد ظهر مفهوم التدرج الاجتماعي في مجال العلوم الاجتماعية في النصف الأول من القرن العشرين، وتحديداً في عام 1940م، فقد استعير في علم الجيولوجيا (علم الأرض)، رغم اختلاف ما يشير لـه المفهوم في المجالين. فهو يستخدم في الجيولوجيا عند الحديث عن طبقات الأرض وتكويناتها، بينما يستخدم في علم الاجتماع ليشير إلى طبقات المجتمع الإنساني المختلفة، التي يتم تحديدها من خلال معايير تقويمية محددة. فيصنف الأفراد والجماعات بموجبها إلى فئات طبقية يرتبط بكل منها مكانات وأدوار وامتيازات معينة حسب وضع كل فئة على سلم التدرج(3).‏
حيث يشير بوتو مور (1978) إلى أن التدرج الاجتماعي من الظواهر المهمة التي لفتت أنظار الفلاسفة وعلماء النظرية الاجتماعية عبر التاريخ؛ إلا أنها لم تخضع للدراسة النقدية والتحليل إلا بنمو العلوم الاجتماعية الحديثة(4). وهنا يقول الكاتب البريطاني (جورج أرويل George Orwe 1954) إنه توجد في كل المجتمعات ثلاثة أنواع من المصادر الاجتماعية ذات القيمة هي: 1 ـ السلطة. 2 ـ الهيبة. 3 ـ الملكية. ولا تتوزع هذه المصادر توزيعاً متساوياً بين الأفراد أو بين الجماعات، أو في أي مجتمع من المجتمعات، وينشأ التدرج الاجتماعي عندما يكون التمييز بين الأفراد والجماعات هو الأساس في توزيع هذه المصادر القليلة(5).‏
كما عد أيلكس إنكلر (1977) أن علم الاجتماع لم يشهد خلال منتصف القرن العشرين مشكلة لفتت الأنظار وأثارت كثيراً من الخلط كمشكلة التدرج الاجتماعي. كما أشار إلى أن ترتيب الأفراد في المجتمع يعتمد على اتجاهين أساسيين طبقاً للمستويات الاجتماعية، يقوم الاتجاه الأول على عدد من المعايير الموضوعية، كالدخل والممتلكات، والتعليم، والقوة التي يمتلكها الفرد. أما الاتجاه الثاني فيقوم على عدد من المعايير الذاتية أو النفسية، كالمشاعر التي يحملها الفرد للوضع الذي ينتمي إليه، أو الآراء التي لدى الآخرين نحو الموقع الذي يحتله شخص معين(6).‏
غير أنه على الرغم من عمومية ظاهرة التدرج الاجتماعي، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر في تفسير وتبرير هذه العموميات، إلا أنه كما يشير السيد وجابر (1997) من الحقائق المؤكدة أن لكل مجتمع لغته الخاصة في التدرج الذي يرتبط ارتباطاً وظيفياً بغيره من الأنساق التي تكون في مجموعها البناء الاجتماعي. لذلك من الطبيعي أن يختلف هذا النسق شكلاً ومضموناً من مجتمع لآخر، وذلك لاختلاف طبيعة البناء الاجتماعي ومقوماته من ناحية، ولاختلاف ما يسود في كل مجتمع من ترتيب هرمي للقيم التي يتخذها المجتمع دعامة يقيم عليها هذا النسق(7).‏
ويلخص غيث (1985)(8) الاتجاهات الرئيسية في دراسة الترتيب الاجتماعي في اتجاهين هما:‏
1 ـ اتجاه التسلسل والتمايز الدائم: الذي يهتم بالنواحي الدائمة والثابتة في المجتمع، التي على أساسها يوضع الفرد في سلسلة المراكز في المجتمع الذي ينتمي إليه، ومن المقاييس في هذا الاتجاه النفوذ والامتياز والجاه.‏
2 ـ الاتجاه الجمعي المغير: الذي يركز على دراسة السلوك الجمعي في تأثره بالتنظيم الاقتصادي للمجتمع، ومن أجل ذلك يرتب الأفراد في ضوء مقاييس خارجية مثل المهنة والدخل ونمط الاستهلاك والملكية وغيرها، أي أن التركيز هنا على المسائل المتعلقة بالتغير الاجتماعي، تأكيداً على أن سلوك الجماعة يكون استجابة مباشرة للبيئة الخارجية.‏
وقد خلص بعض العلماء إلى تحديد أربعة عوامل هي المسؤولة عن تشكل الأوضاع الاجتماعية في المجتمع بصورة عامة، هي:‏
1 ـ الأساس البيولوجي: إذ يولد الفرد بخصائص بيولوجية تحدد وضعه الاجتماعي.‏
2 ـ الأساس الاقتصادي: الذي قد يرفع من الوضع أو يدنيه.‏
3 ـ الأساس المهني: الذي قد يصعد بالفرد إلى أعلى درجات الهرم الاجتماعي أو العكس.‏
4 ـ الأساس السياسي: إذْ أن من يملك القوة ستكون منزلته الاجتماعية مختلفة عمّن لا يملكها(9).‏
كما لخص الخشاب (1965) عوامل التدرج الاجتماعي في المجتمعات الحضرية التي تتعدد فيها درجات الأفراد وتتفاوت مراكزهم الاجتماعية، ومن ثم يتعين على كل فرد أن يحدد علاقاته بالآخرين في ضوء هذا الاعتبار، إن وضع أو مركز هذا الفرد حقيقة اجتماعية وتحديدات اجتماعية ليس للعوامل الفردية والذاتية دور كبير في تقييمها، وفي ضوء ذلك عرض للعوامل التي تحدد الأوضاع الاجتماعية، وهي:‏
1 ـ عوامل سلبية لا دخل للفرد فيها وأهمها: السن، الجنس، الأصل، الحوادث الطبيعية: ومنها اليتم والترمل والشيخوخة والعجز والإعاقة وغيرها.‏
2 ـ عوامل إيجابية: من عمل المجتمع وتدخل الفرد، ومن أهمها: القدرات الخاصة للأفراد، الثقافة والتعليم، الثراء، الحسب والنسب، التخصص المهني(10).‏
وفي ضوء ما سبق فإن الباحث تناول ظاهرة التدرج الاجتماعي في المجتمعات وفق التراث النظري لها، مع التركيز على إبراز الجهود العلمية التي بذلها المفكرون والفلاسفة في المجتمعات العربية والإسلامية في مجال التدرج الاجتماعي، من خلال مقارنة ذلك بما كتب في التراث العربي الإسلامي في هذا المجال، للوصول إلى تحديد دقيق لمدى الاختلاف والاتفاق بين تلك الاتجاهات الفكرية، ولعل ما يميز هذه الدراسة، ويزيد من أهميتها أنها أول دراسة في حدود علم الباحث، تتناول موضوع التدرج الاجتماعي في المجتمع العربي بشكل مقارن، من خلال رصد آراء واتجاهات المفكرين القدماء والمعاصرين. حيث لا يوجد حتى الآن في حدود علم الباحث، بحث أو كتاب تناول موضوع التدرج الاجتماعي؛ وتعرض لما توصل إليه المفكرون والفلاسفة المسلمون لموضوع التدرج الاجتماعي، ولعل هذا ما يميز هذه الدراسة. وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على الجذور الاجتماعية لظاهرة التدرج الاجتماعي عند مفكري التراث العربي والإسلامي، وعلى معايير التدرج الاجتماعي، والفئات التي يرونها لتوزيع الناس في حياتهم الاجتماعية، ومدى إمكانية الإفادة من ذلك في ضوء نتائج الدراسات الاجتماعية العربية المعاصرة التي تناولت ظاهرة التدرج الاجتماعي.‏
ـ منهج الدراسة:‏
تم الاعتماد على منهجين أولهما: المنهج المقارن لمناسبته للدراسة. واستخدم هذا المنهج لفائدته في التعرف على الاختلافات والتشابه للتدرج الاجتماعي عبر المراحل التاريخية للمجتمعات، كما أن الباحث استخدم هذا المنهج للمقارنة بين ما توصل إليه علماء التراث العربي والإسلامي، من تحديد لماهية التدرج الاجتماعي في المجتمعات ومقارنة ذلك بما توصل إليه علماء الاجتماع من مداخل نظرية معاصرة. كما استخدم الباحث المنهج الوصفي التاريخي لفائدته للدراسة باعتباره يهتم بتتبع ورصد ما كتب عن التدرج الاجتماعي في التراث العربي الإسلامي وتطوره عبر المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها الثقافة العربية بعصورها المختلفة.‏
وكانت أداة الدراسة المستخدمة تحليل المضمون، ووحدة التحليل هي ما كتب في هذا الموضوع، ونتائج النظريات والاتجاهات النظرية التي أمكن الباحث الاطلاع عليها، والتي أجريت في مجال التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية والإسلامية وفي المجتمعات المعاصرة، من خلال تحليل ما توصلت إليه من فرضيات ونتائج. حيث قام الباحث في إعداد هذه الدراسة بالرجوع إلى ما كتبه المفكرون في التراث العربي الإسلامي، وتم القيام بما يلي:‏
ـ الرجوع للمصدرين الرئيسين للدين الإسلامي الكتاب والسنة النبوية المطهرة، لاستخلاص رؤية الإسلام لظاهرة التدرج والتمايز الاجتماعي بين الناس، وأهمية ذلك في الحياة الاجتماعية.‏
ـ الرجوع لبعض الكتب التاريخية(11)، لتسليط الضوء على بعض الأحداث التاريخية ذات المدلول الاجتماعي المرتبطة بظاهرة التدرج الاجتماعي، وما قد تكون أفرزته في حياة المجتمع العربي الإسلامي.‏
ـ الاطلاع على آراء أهم المفكرين والفلاسفة في التراث العربي الإسلامي، وهم (ابن خلدون، ابن طفيل، البيروني، الريحاني، ابن سينا، إخوان الصفا)، حول التدرج الاجتماعي ومعاييره.‏
ـ الاطلاع على بعض الدراسات الاجتماعية العربية المعاصرة، لتحليل النظريات التي اعتمدت عليها في تفسيرها لظاهرة التدرج الاجتماعي ومعاييره.‏
ـ الاطلاع على المراجع المعاصرة في مجال نظريات التدرج الاجتماعي، لمقارنة نتائجها مع ما تم التوصل إليه من آراء وأفكار للمفكرين في التراث العربي الإسلامي.‏
ـ أهمية الدراسة:‏
تبرز أهمية الدراسة من أهمية موضوع التدرج الاجتماعي ذاته، باعتباره ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، قديمها وحديثها، مما يحتم ضرورة دراستها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وفق تفسيرات مرتبطة بتراثنا، حتى يكون علم الاجتماع فاعلاً في تفسيره لهذه الظاهرة. كما أن التدرج الاجتماعي لا يمكن إغفاله عند سعي المجتمع لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة، حيث يعد كما أشار الدقس (1996) أحد العوائق الاجتماعية التي تواجه عملية التغير الاجتماعي المقصود، وخاصة إذا ما كان نظاماً صارماً يحد من عملية التنقل الاجتماعي(12).‏
كما أشار الجندي (1983) إلى أهمية التركيبة الاجتماعية ودروها في عملية الإنتاج، وتحقيق التطور المنشود(13). وكذلك دراسة حيدر علي (1987) التي أشارت إلى أن موضوع التدرج الاجتماعي له علاقة رئيسة بالتنمية الاجتماعية في المجتمعات العربية، وفق ما أشار إليه عدد من الندوات التي تناولت هذا الموضوع(14)، ومنها ندوة (الإطار الفكري للعمل الاجتماعي) (1981)، وندوة (التركيب الاجتماعي والتنمية) (1981)، وندوة (مشروع المستقبلات العربية البديلة)‏
(1982)، وأكّدت جميعها أهمية دراسة التدرج الاجتماعي في المجتمع العربي للإسهام في تحديد الفوارق بين أفراد المجتمع، وتأثير ظهور تحالفات جديدة، وتأثير ذلك على الفئات المتدنية في سلم التدرج الاجتماعي. ومن الناحية العملية، فإن التعرف على ظاهرة التدرج الاجتماعي في التراث العربي الإسلامي يساعد في فهم الظاهرة في المجتمعات العربية المعاصرة، إذ إن تلك الآراء والأفكار تعد بمثابة أساس علمي لتفسير هذه الظاهرة، بدلاً من الاعتماد على فرضيات نظريات قد لا تكون جذورها مرتبطة بواقعنا العربي والإسلامي، الذي امتاز بخصوصية ثقافية ونفسية معينة، حددت معايير التدرج الاجتماعي لديه.‏
كما تأتي هذه الدراسة لتتفق مع عدد من الدراسات التي قام بها المتخصصون في علم الاجتماع الرامية إلى بناء إطار معرفي يمكن أن يسهم في بلورة اتجاهات نظرية لمفكري التراث العربي الإسلامي لقضايا أو ظواهر اجتماعية، وتسليط الضوء على جهود المفكرين والفلاسفة في معظم قضايا علم الاجتماع المعاصرة(15)، التي ست إلى تجزئة القضايا الاجتماعية، والتركيز عليها، ومثل هذه الجهود وما يليها بتوفيق الله، يمكن بلورتها جميعاً في سياق علمي متسق، لتكوين نظريات اجتماعية تنطلق من تراثنا العربي والإسلامي الزاخر بالكثير من المفكرين والفلاسفة، الذين تركوا تراثاً ناضجاً يمكن الإفادة منه في تحليل مختلف قضايانا الاجتماعية التي تواجها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إلا أن هذه الدراسة تختلف عن تلك الدراسات في موضوع الدراسة ذاته الذي لم يتناوله تلك الدراسات، وكذلك في شمولها لعدد من المفكرين في التراث العربي الإسلامي، وليس مفكراً واحداً كما كانت لدى أغلب الدراسات السابقة.‏
أولاً: مفهوم التدرج الاجتماعي واتجاهاته النظرية في التراث العملي لعلم الاجتماع المعاصر:‏
يشير التدرج الاجتماعي إلى ترتيب أفراد وجماعات المجتمع في طبقات مختلفة يتساوى فيها الأفراد المنتمون إلى كل طبقة بعضهم مع بعض، بينما توجد فروق واختلافات بين كل طبقة وأخرى، وذلك حسب وضع كل منها في التسلسل الترتيبي الذي يفرضه نظام التدرج.‏
أما القاموس الحديث لعلم الاجتماع فيعرف التدرج الاجتماعي بأنه: ترتيب مستديم نسبياً للمكانات والأدوار داخل النظام من خلال بعض الامتيازات مثل الهيبة والنفوذ والقوة، وينطوي التدرج على لامساواة، مصدرها الوظائف العقلية للأفراد الذين يشملهم التدرج، أو السلطة العليا والتحكم لدى بعض الأفراد أو الجماعات، أو من كليهما معاً.‏
ويعرف تالكوت بارسونز التدرج الاجتماعي: بأنه الترتيب المتباين للأفراد والبشر الذين يكونون نسقاً اجتماعياً معيناً واعتبار كل فرد اسمياً أو أدنى من أي فرد آخر من ناحية بعض الجوانب الهامة اجتماعياً(16).‏
كما يشير معجم علم الاجتماع لدينكن ميشيل (1986)، إلى أن التدرج يعني وجود بعض من الفوارق الاجتماعية تكون على شكل مراكز متدرجة يمكن أن تكون صفات أو جماعات صعبة لها مزايا وظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية معينة، وأفراد الطبقة الواحدة متساوون في أسلوب الحياة والظروف المادية والثقافية والإيديولوجية إلا أنهم يختلفون عن أعضاء الطبقات الأخرى في هذه المعايير(17).‏
ومن المعروف أن مفهوم التدرج الاجتماعي في علم الاجتماع الغربي قد تم تعريفه بطرائق مختلفة، قد لا تتفق بالضرورة مع بعضها. ولعل التعريف الذي يحظى بالحد الأدنى من القبول، هو الذي يقول: (إن الجماعات الاجتماعية مرتبة على نحو غير متساو في نظام من التدرج أو التدرجات الهرمية، يشمل مناصب أو مراكز وفقاً لسمات وصفات معينة)(18).‏
إذن التدرج الاجتماعي هو ترتيب الناس في المجتمع في درجات متتابعة، وبعبارة أخرى هو العملية التي يقسم الناس بها بعضهم إلى شرائح وصفات من حيث الدخل أو الثقافة أو أهمية العائلة أو النفوذ في الجماعة وما يتبع ذلك من تقدير واحترام أو عطف أو افتقار الناس بعضهم لبعض.‏
ـ أشكال التدرج الاجتماعي ومعاييره:‏
يذهب بوتومور (1978) إلى أن تقسيم المجتمع إلى شرائح ـ مرتبة في تدرج معين وفقاً للثروة والهيبة والقوة ـ يكاد يكون إحدى السمات العامة المميزة للبناء الاجتماعي. كما يذهب إلى أن التدرج ظاهرة عامة، وقد حدد بوتومور السمات الرئيسة للتدرج الاجتماعي والتي منها:‏
1. أن نسق المراتب لا يمثل جزءاً من نظام طبيعي لأشياء لا تتغير وإنما هو نتاج بشر، يخضع للتغيرات التاريخية.‏
2. أن الصفات الاجتماعية على خلاف الطوائف أو الطبقات الإقطاعية ـ جماعات أكثر تميزاً بالطابع الاقتصادي، فهي لا تقوم ولا تتدعم بفعل أي قواعد قانونية أو زمنية خاصة مما يجعل الحراك الاجتماعي يتم في ظل الطبقات الاجتماعية بشكل أيسر نسبياً وعلى نطاق واسع، عكس أشكال التدرج الاجتماعي الأخرى(19). كما ذهب (دافيز ومور) إلى أن اختلافات الترتيب الاجتماعي تتأثر بخمسة اعتبارات وهي:‏
1 ـ درجة التخصص، وتقسيم العمل.‏
2 ـ طبيعة التأكيد الوظيفي.‏
3 ـ ضخامة الفروق الفردية.‏
4 ـ مدى الفرص المتاحة.‏
5 ـ درجة تضامن المستوى الاجتماعي.‏
وقد وضع بيار لاروك (1980)(20) ثلاثة معايير أساسية للتمايز بين أفراد المجتمع الواحد وهي:‏
1 ـ الدور الذي يلعبه في المجتمع: المرتبط بالدور العام للفرد، والمركز الذي يشغله في الحياة العامة، وكذلك الدور الاقتصادي له وما يملكه من ثروات في مجتمعه.‏
2 ـ طراز المعيشة المرتبطة بمجموع دخول الفرد الفردية والعائلية، والوظائف التي يشغلها الفرد، والتي تؤثر في نوع السكن والتغذية والترفيه والتربية.‏
3 ـ السلوك النفسي والشعور الجماعي: والمرتبط بطرق التفكير، والاستجابة للمشكلات، والعادات والتقاليد.‏
ـ التدرج الاجتماعي ما بين ماركس وفيبر:‏
حدد (كارل ماركس) التمايز الاجتماعي والمكانات الاجتماعية؛ على أساس الاقتصاد والإنتاج فقط، والذي ظهر واضحاً في نظريته تقسيم العمل، لكون العمل هو السبيل الوحيد الذي يحقق به الإنسان ذاته، وأن الصراع على الإنتاج هو الذي يغير من درجات الناس ومراتبها. ويلفت نظرنا الرأي المشهور عن كارل ماركس، والذي لا يمكن إغفاله عند الحديث عن المكانات والطبقات؛ لأنه هو الذي عمم استعمال هذا اللفظ هو وتلميذه (انجلز Engels) عام 1848م بقولهما: إن تاريخ المجتمعات البشرية إن هو إلا تاريخ الصراع الاقتصادي بين الطبقات. حيث كانت تلك الطبقات في القديم متعددة وذات نظم معقدة، فمثلاً في روما القديمة نجد الأشراف والفرسان والعامة والموالي، وفي العصور الوسطى نجد أمراء الإقطاع والأتباع ورؤساء الحرف والعبيد، واتخذ الصراع بين تلك الطبقات ألواناً شتى من الأشكال، وكان في مجموعه يتجه نحو التحرر واكتساب بعض الحقوق الطبيعية للإنسان. فلما حلت الطبقة البرجوازية في العصر الحديث محل عدة من الطبقات القديمة البائدة حل معها الظلم والعدوان في صورة مبتكرة، كما بسط وجودها الصراع بين الطبقات؛ بأن حصره بينها وبين طبقات العمال، وهما الطبقتان اللتان تتوزعان مجتمعاتنا الحاضرة(21).‏
كما توصل (كارل ماركس) إلى أن الوضع الذي يحتله الفرد في الإنتاج هو الذي يحدد فئته الاجتماعية، أما العوامل الأخرى كالدخل وطرق الاستهلاك والمهنة والتعليم؛ فما هي إلا رموز لتوزيع السلع المادية، وأن وضع الإنسان في علمية الإنتاج هو الذي يحدد خبراته التي تؤثر في آرائه وأعماله، فالخبرة تأتيه عن طريق جهوده في الحصول على معيشته، وخاصة خبراته التي تأتيه عن طريق الصراع الاقتصادي الذي يعمل على توحيد الآراء والأفعال، وهكذا يرى (ماركس) أن علاقة الفرد بوسائل الإنتاج هي العامل الرئيس في تحديد وضعه الاجتماعي، وأما بقية العوامل الاجتماعية كالدخل والمهنة والسياسة والأخلاق والفكر، فتعد انعكاساً لهذه العلاقة(22).‏
وقد انتقد كل من (جورج لابساد ورينيه لورو) تحليل مفهوم الوضع الاجتماعي عند (ماركس)، الذي لم يتجاوز ـ كما يشيران ـ صفحتين في كتابه (رأس المال)، فقد توصلا إلى أن ملكية الإنتاج لا يمكن أن تطبق على تحديد الأوضاع الاجتماعية، بل هي معيار يمكن اعتماده على تحديد الأوضاع المهنية، لنفرق من خلاله بين مجموعة مهنية وأخرى، كما أنه من الصعب الاعتماد على (الأجر) كأفضل مقياس؛ لأنه سيصنف الطبقة الواحدة إلى فئات فرعية، كما أن نشأة الطبقة المتوسطة أتاح الفرصة لمنتقدي (ماركس) للرفض الكلي لمفهوم الطبقة الاجتماعية لديه(23).‏
أما إيان كريب (Ian Craib) (1999)، فمن خلال تحليله للنظرية البنيوية، التي تقوم فكرتها الأساسية على أن الطبقات الاجتماعية لا تتحدد فقط بالبيئة الاقتصادية، بل بالبيئة السياسية والأيديولوجية أيضاً، نجد أنّ ذلك يعني انتقاداً لأعمال (ماركس) في هذا المجال، إذ ترى النظرية البنيوية أنه بالإمكان أن يتعايش أكثر من نمط إنتاجي في الوضع الاجتماعي الواحد، وهذا يعني أنه يمكن أن توجد في المجتمع الواحد طبقات اجتماعية مختلفة تنتمي إلى أنماط إنتاجية متباينة، وأنه بالإمكان التعرف على أجزاء طبقية يحدد شكلها معايير اقتصادية ثانوية، ومثال ذلك أن نميز بين غير العاملين مالكي الأراضي، وأصحاب رأس المال الصناعي، وأصحاب رأس المال المتخصصين بالتمويل، وقد يحصل بين هؤلاء تعارض في المصالح السياسية والأيديولوجية، مثلما يكون بينها صراع على المصالح الاقتصادية(24).‏
ويعد (ماكس فيبر Max Weber) (1864 ـ 1920) أول من استخدم مفهوم المكانة الاجتماعية؛ ليفرق بين الشرائح الاجتماعية على أساس الهيبة الاجتماعية، والاحترام، والتقدير. فقد أشار إلى أن بناء المكانات يعتمد على مجموعة أحكام شخصية، وتقديرات ذاتية من جانب الآخرين، تستخدم فيها جملة معايير خارجية كأساليب الحياة، وأنماط الاستهلاك، فضلاً عن معايير أخرى موضوعية، مثل مستوى التعليم، والمهنة، والدخل(25).‏
ويؤيد (فيبر) الأهمية الكبرى للأدوار الاجتماعية في تحديد مكانة الفرد بقوله: "إن قيام الفرد بأداء أدواره الاجتماعية يحفز المجتمع على منحه مجموعة من الحقوق، تتجسد في المنزلة والسمعة والقوة الاجتماعية التي غالباً ما تحدد فئته الاجتماعية أو شريحته الفئوية". إلا أن الأعمال والنشاطات التي يقدمها الأفراد للمجتمع عن طريق أدوارهم الاجتماعية تعتمد على ثلاثة متغيرات أساسية هي:‏
1 ـ الكفاية والموهبة الموروثة والمكتسبة التي يتمتع بها الفرد؛ هما اللتان تساعدانه على التخصص بعمل معين دون العمل الآخر.‏
2 ـ الرغبة والاندفاع عند الفرد لمزاولة العمل.‏
3 ـ الدراسة والتدريب المهني للقيام بعمل معين، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة به.‏
لذا تقوم هذه العوامل بدور كبير في ظهور التقسيم الاجتماعي للعمل الذي يُعد من أهم الظواهر الحضارية للترتيب والتمايز الاجتماعي في المجتمع(26).‏
وقد استخدم (ماكس فيبر)، أربعة معايير في تحديد التدرج الاجتماعي هي:‏
1 ـ الموقع الاقتصادي الذي يتضمن الثروات والممتلكات والمهنة وظروف العيش.‏
2 ـ فرصة الحياة، أو العيش لمدة زمنية طويلة؛ والتي تتضمن مكافآت الحياة والتحصيل الدراسي والخبرات السارة.‏
3 ـ المكانة الاجتماعية، التي تشير إلى الاعتبار الاجتماعي والمفاضلة والتمايز الاجتماعي.‏
4 ـ الحزب السياسي الذي يشير إلى القدرة الاعتبارية لأعضاء الحزب في ممارستهم للنفوذ وسيلة للتأثير، أو ممارسة الضغوط السياسية والاجتماعية(27).‏
ـ الاتجاهات النظرية الرئيسة للتدرج الاجتماعي في علم الاجتماع المعاصر:‏
1 : التدرج الاجتماعي في الاتجاه الوظيفي:‏
يرتبط الاتجاه الوظيفي في دراسة التدرج الاجتماعي بكل من كنجزلي دافيز، وولبرت مور. والقضية الأساسية التي يركز عليها هذا الاتجاه هو أنه ليس هناك مجتمع بلا طبقات، ولا يمكن أن يستمر المجتمع في وجوده بدون تدرج اجتماعي، يقوم على عدم المساواة في توزيع المكافآت والامتيازات، ولهذا يمكن تصور التدرج الاجتماعي من خلال الترتيب الهرمي للمرتبة، الذي يختلف في كل مجتمع على أساس ظروف داخلية وخارجية. فهناك عوامل تحدد ذلك مثل: الدين، والحكومة، وإنتاج الثروة، وإدارة الملكية، والعمل، والإنتاج، والمعرفة التقنية.‏
كما تشير النظرية الوظيفية من خلال (كنجزلي دافيز وولبرت مور) سنة 1945م، أن الناس يتباينون فيما بينهم وفيما لديهم من قدرات ومهارات، والمجتمع في كل العصور يحتاج إلى أفراد لديهم مهارات وقدرات لا تتوفر لغيرهم، وهؤلاء يعطون مكافآت متميزة عن غيرهم. مما يعطي لهذه المكافآت قيمتها، كما يعتقد الوظيفيون بوجود تدرج وتمايز داخل أنظمة المجتمع(28). كما توصل (دافيز ومور) إلى أن التدرج الاجتماعي ظاهرة عامة في المجتمع، ويؤدي وظائف إيجابية يحتاج إليها المجتمع، وأن المجتمع يحتاج لهذه الأوضاع المتدرجة، وأن الأدوار المرتبطة تحتاج إلى أفراد لديهم الدافعية اللازمة لأداء متطلبات الدور، وأن هناك مجموعة جزاءات تفرض على أداء كل دور، وأكدا على أن التدرج الاجتماعي يكمن في حاجات المجتمع التي تحفز الأفراد لأداء مهام أدوارهم، تلك التي تحددها المتطلبات الوظيفية للمجتمع، بل إن نسق التدرج مرتبط ببقاء النسق الاجتماعي واستمراره. كما أشارا إلى أن عدم المساواة في الأوضاع الاجتماعية والمكانات وظيفية بالنسبة للمجتمع، وعلى ذلك تصبح عدم المساواة الاجتماعية إجراءً لا شعورياً من خلاله تضمن المجتمعات أن يشغل الأوضاع الاجتماعية أشخاص على درجة من الكفاية والتأهيل(29).‏
وقد أشار بارسونز (Parsons) إلى أنه رغم اختلاف المظاهر والأشكال التي يبدو عليها الترتيب الاجتماعي بين المجتمعات؛ إلا أنها تخضع لتفسير واحد، فجميع أنساق الترتيب الاجتماعي كلها تنوعات مادية تخضع لتحليل وتفسير نظرية واحدة هي النظرية الوظيفية، التي تشير إلى أن الترتيب الاجتماعي القائم على أي معيار يتوقف على القيم المدعمة للمجتمع، والتي بدونها لا يمكن أن يقوم للكيان الاجتماعي قائمة(30).‏
كما وضع (ماريون ليفي M. Levi) تباين الأدوار الاجتماعية ووضوح المكانات، أحد المتطلبات الوظيفية الرئيسة لقيام مجتمع ما واستمراره. وإذا أخذنا معالجة (ليفي) لقضية تباين الأدوار، وتوزيع الأوضاع الاجتماعية في المجتمع؛ فسنجد نموذجاً واضحاً للتحليل الوظيفي في مواجهة المتطلبات الوظيفية. إذ أن الأدوار الاجتماعية تتباين وتتوزع في المجتمع وفقاً للمعدلات التالية: العمر، الجيل، الجنس، الموارد الاقتصادية، القوة السياسية، الدين، المعرفة وأنماط التفكير، البيئة غير الإنسانية، التضامن. ويمنح (ليفي) لكل فئة من هذه الفئات مسوغاً نظرياً بالرجوع إلى المتطلبات الوظيفية، إن كل عامل من عوامل التباين يشبع إحدى المتطلبات، وهنا يمكن تفسير أساليب تباين الأدوار في ضوء الحاجات التي ينطوي عليها النسق.‏
وهكذا نجد أن مفهوم الترتيب الاجتماعي عند الوظيفيين يقوم على: 1 ـ تحديد الطبقة عن طريق أبعاد متعددة مثل: الاقتصاد والمكانة والقوة والبعد النفسي. 2 ـ عدم التأكيد على الصراع الطبقي.‏
ويمكن القول إن اتجاه النظرية الوظيفية نحو الترتيب الاجتماعي تركز في ثلاث قضايا رئيسة هي:‏
1 ـ يشكل الترتيب الاجتماعي وهو عبارة عن توزيع غير متساوٍ للهيبة والمكافآت المادية ضرورة وظيفية، وهو لذلك يعد خاصية عامة ودائمة في كل مجتمع.‏
2 ـ تتمثل الضرورة الوظيفية لنسق الترتيب الاجتماعي في حاجة المجتمع إلى من يدفع الأفراد لأن يشغلوا مراكز على درجة من الأهمية الاجتماعية، وتتطلب قدراً من الخبرة والتدريب، وهنا تكون المكافآت المادية والهيبة بمثابة الدافع لشغل هذه الأوضاع والمراكز.‏
3 ـ أن أكثر المراكز والأوضاع أهمية تُشغل بوعي وقصد عن طريق أكثر الأفراد جدارة وكفاية، أو لأقدرهم وأكثرهم تدريباً ومراناً.‏
2 : التدرج الاجتماعي في نظرية الصراع:‏
تقر نظرية الصراع بالتمايز بين الأفراد والجماعات الذين يناضلون لتحقيق مكانة عالية، وما إن يحصلوا عليها حتى يحاربوا من أجل الاحتفاظ بها في النظام الاجتماعي الهرمي، كما أن هؤلاء يورثون المكانات المرموقة لأبنائهم، ويسعون لتسويغ مكانتهم العالية عن طريق العديد من الوسائل لتدعيم استمرارهم واستحقاقهم لمثل هذه المكانة(31).‏
وقد انتقد أعضاء نظرية الصراع مفهوم النظرية الوظيفية للتدرج الاجتماعي؛ بصفتها تركز على النماذج الثابتة، وتهمل ديناميات التغير الاجتماعي. كما إن هذه النظرية فضلت في التعرف على أسباب التوزيع غير المتكافئ للقوى في المجتمع، ذلك أن ما يكون وظيفياً في مجتمع ما؛ ربما لا يكون وظيفياً في مجتمع آخر، لذلك ترى نظرية الصراع أن الدخل والمنزلة وأسلوب الحياة وملكية وسائل الإنتاج، هي العوامل المحددة للتدرج الاجتماعي والتنافس بين الفئات والقوى(32). وهذا المفهوم يركز على فكرة الاستغلال الطبقي، والمصلحة الطبقية التي تؤدي من وجهة نظر الصراعيين إلى الصراع بين الفئات والطبقات. ويذهب (بوتو مور) إلى أن التدرج الاجتماعي على أساس المكانة أو الهيبة يؤثر على النظام الطبقي ـ كما حدده ماركس ـ من ناحيتين:‏
1 ـ أنه يقحم بين الطبقتين الرئيستين ـ البرجوازية والبروليتاريا ـ مجموعة من جماعات المكانة التي من شأنها أن تملأ الهوة بين الطرفين المتباعدين في البناء الطبقي.‏
2 ـ أنه يقدم تصوراً جديداً للتدرج الاجتماعي ككل، وبمقتضاه يبدو هذا التدرج كمتصل ترتب فيه المكانات وفقاً لمجموعة من العوامل، وليس على أساس العامل الاقتصادي وحده، ووفقاً لهذا تحل علاقات المكانة محل علاقة الصراع التي أكد عليها ماركس(33).‏
ويشير كول G.Cole (1988) إلى الأهمية الحيوية للعامل الاقتصادي وتأثيره في تشكيل الأوضاع الاجتماعية، وأنه المقرر الوحيد في المجتمع، إلا إنه لا يمكن أن يكون وحيداً في تشكل أفراد المجتمع، وأن هذا السبب لن يكون له فائدة تذكر في قيام الطبقات عندما تتحقق المساواة الاقتصادية في المجتمع، ومن ثم ينتهي الصراع المادي بين أفراده(34).‏
ويمكن القول إن مفهوم الترتيب الاجتماعي من منطلق نظرية الصراع يعني:‏
ـ وجود جماعة من الناس تتشابه في المكان الذي تشغله في نسق الإنتاج الاجتماعي والاقتصادي.‏
ـ وتتشابه في الدخل والمنزلة وأسلوب الحياة.‏
ـ كما تتشابه في نصيبها في ملكية وسائل الإنتاج.‏
ثانياً: التدرج الاجتماعي في التراث العربي والإسلامي:‏
قبل أن نتناول ظاهرة التدرج الاجتماعي في التراث العربي الإسلامي نشير إلى أن الدين الإسلامي يقوم على مبدأ المساواة بين الناس، إذ يقرر الإسلام وحدة الأصل الذي صدر عنه الناس جميعاً ويردهم إلى نفس واحدة، يحملون جميعاً خصائصها، وينتمون إليها على سواء، لقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء( (النساء: 1). وقال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير( (الحجرات: 13). وبذلك فلا فرق ولا تمايز فيما بينهم ولا فضل لبعضهم على بعض أمام الله عز وجل، وذلك بالنسبة إلى أصلهم الأول في أنهم أولو أرحام. ويؤكد ذلك الرسول (، فيقول في خطبة الوداع: يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب. (متفق عليه). وقوله (: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. (رواه أحمد في مسنده). من هنا فإن الإسلام لا يقر التفاوت والتمايز بين البشر بسبب المولد أو الأصل أو اللون، أو الوراثة، وليس هنا تمايز إلا في الدين والتقوى(35). وجعل الإسلام المساواة من العقائد الرئيسة التي يجب أن يدين بها كل مسلم، وأن التفاضل يجري على أسس خارجة عن الإنسانية نفسها، على أساس كفاياتهم وأعمالهم وما يقدمه كل منهم لربه ونفسه ومجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء(36).‏
من هنا نقول إن الإسلام كدين ساوى بين البشر جميعاً باعتباره ديناً للبشرية جمعاء، فكلهم أمام الله سواء كبشر، ولا تفاضل بينهم في هذه الصفة، إلا أن الإسلام كذلك يقر أن البشر لهم الحق في دنياهم وفي أعمالهم، بل إنه حثهم على الأخذ بالدنيا واستخلفهم فيها، وأمرهم بإعمارها وكل سيأخذ جزاءه بقدر ما يقدمه في هذه الدنيا من أعمال. لذلك فديننا الإسلامي ينبذ الطبقية ذاتها، إلا أنه في الوقت نفسه أمر الناس بالعمل والتفوق ليحقق كل إنسان ما يريد، لذلك لا يعني هذا أن الإسلام ضد التدرج الاجتماعي، بل على العكس من ذلك تماماً فالإسلام يقر بالتفاوت بين الناس، ولكنه لا يقر مبدأ التفاوت على أساس أصل البشر، فربهم واحد وأصلهم واحد، وعملهم هو الذي يمايز بينهم، وفي هذا المجال قول الخليفة العباسي المأمون: الناس بين أربع طبقات: إمارة، وتجارة، وصناعة، وزراعة. فمن لم يكن من هؤلاء كان كلاً علينا(37)، أي عالة على المجتمع.‏
ـ التدرج الاجتماعي في الإسلام:‏
ورد التدرج الاجتماعي في القرآن الكريم تحت اسم الدرجات واختلافها بين الناس، ووضع الناس في درجات مختلفة. قال تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم( (الأنعام: 165). وقال تعالى: (أهم يقسمون رحمة ربك؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون( (الزخرف: 32). وقال تعالى: (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق، فما الذين فضلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء، أفبنعمة الله يجحدون( (النحل: 71). وهذه الآيات تدل دلالة صريحة كما يقول المفسرون على أن من سنن الله في الكون تفاوتهم في حياتهم الدنيوية، في معاشهم ورزقهم، فمنهم الأغنياء والفقراء، والعالمون والجاهلون، والأقوياء والضعفاء... وهكذا في مختلف مناحي الحياة. كما قال (: [ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء]. وكان هذا القول حينما شكا الفقراء لرسول الله ( سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات والحج والجهاد عنهم. كما بعث الفقراء أنس بن مالك إلى رسول الله (: فقال إني رسول الفقراء إليك، فقال: مرحباً بك وبمن جئت من عندهم، قوم أحبهم. قال: قالوا يا رسول الله: إن الأغنياء ذهبوا بالخير يحجون ولا نقدر عليه، ويعتمرون ولا نقدر عليه، وإذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخيرة لهم، فقال النبي (: بلغ عني الفقراء أن لمن صبر واحتسب منكم ثلاث خصال ليست للأغنياء(38). ومن مثل هذه الأحاديث نجد المفاضلة بين الناس في رزقهم، وفي أجرهم، فالصبر والاحتساب على الفقر، يعادل الأجر الذي يحصل عليه الأغنياء في إنفاقهم في وجه الخير.‏
كما ينظر علماء الشريعة إلى أن التفاوت بين الناس هو سنة من سنن الله في الكون، وحكمة من الله عز وجل للناس، ليبتليهم فيما آتاهم من جاه أو غنى أو علم، ويختبر صبر من حرموا منه. كما أن رؤية الإسلام للحياة في أنها حياة عمل واستخلاف قسم الله عز وجل الأرزاق والمعايش بين الناس، فهناك إيمان عميق لدى المسلمين ـ أو هكذا ينبغي ـ بأن كل إنسان خلق لما كتب له، ولله عز وجل حكمته، التي نقف نحن البشر عاجزين عن استيعابها أو تحليلها، فمعنى الاختلاف والدرجات لا يعني وجود فروق بين المؤمنين في إيمانهم، فالمؤمنون سواسية في عباداتهم وممارسة شعائرهم الدينية، وإن التفاوت له إيجابياته، فالمؤمن القوي بالعلم والمال والجاه، خير عند الله عز وجل من غيره.‏
ـ بعض الجذور الاجتماعية في التراث العربي والإسلامي:‏
من خلال استعراض التاريخ الاجتماعي للمجتمعات العربية، نجد الكثير من المواقف والصور التي تؤكد قدم التدرج الاجتماعي عند العرب، وفي مثل هذه الدراسة قد لا نستطيع أن نحصرها، ولكن قد يكون فيما استطعنا الإلمام به من تلك المواقف، ما يؤكد القبول الاجتماعي لهذه الظاهرة، واعتبارها جزءاً رئيساً من الحياة الاجتماعية، قد لا يقوم التفاعل الاجتماعي إلا بها، سواء ما أقره الإسلام كدين، أو ما ارتبط بالعرب كأمة لها خصوصيتها، رغم تعارضها مع دينهم، إلا أنهم لم يستطيعوا التخلي عنها. فالمتتبع لكتب التاريخ يجد الكثير من الألفاظ والمصطلحات الدارجة في حياة المجتمعات العربية والإسلامية، التي تدل على شيء من المفاضلة بين الناس، ومن تلك الألفاظ والمصطلحات، أن يقال. أجلهم بيتاً، أكثرهم فضلاً، أجزلهم رأياً، علية القوم، عامة القوم، خاصة القوم، الوجهاء، الأحرار، الملأ، الأشراف، ذوو الرأي، رعاع الناس، غوغاء الناس، وغيرها. كما حفلت كتابات المؤرخين والمفكرين في التراث العربي والإسلامي، بالعديد من المعايير لفئات التدرج الاجتماعي، التي أكدت انقسام المجتمع العربي عبر عصوره المختلفة، إلى فئات اجتماعية متمايزة، في ضوء عدة معايير اختلفت تراتيبها من عصر إلى آخر.‏
ومن المواقف التاريخية ذات الأبعاد الاجتماعية تلك، أن العصبية كانت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ العرب، رغم أن الإسلام قد نبذها إلا أننا لا يمكن إغفالها عند دراسة ظاهرة التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية، ولم تقتصر العصبية على النسب فقط، بل تعدى ذلك إلى الحلف والولاء. ومؤدى العصبية ميل ومحاباة لفريق دون مراعاة لمصلحة المجموع. وقد أفرد لها ابن خلدون جزءاً كبيراً في مقدمته وجعلها جزءاً رئيساً من التكوين السياسي للمجتمع العربي ذاته. وقد عرفها الرسول (ن في حديث أخرجه أبو داود، عن وائلة بنت الأسقع، أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول الله، ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم. وكانت العصبية قبل الإسلام من أهم أسباب عدم اجتماع العرب في أمة واحدة، ولم يكن هناك تقدير للشعور الجماعي للامة، بل كانت القبيلة الواحدة تنقسم إلى عدة عشائر أو أفخاذ يجمعها نسب معين. وقد نبذ الإسلام هذه العصبية وهذا التفاخر الجاهلي، وقد قال النبي ( في حديث رواه أبو داود: [ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية] . أي لا تكون مضمرة في قلبه، ومرغوبة عنده، وإن لم يدع أحداً، ولم يقاتل في ذلك أحداً(39). وإن كان ابن خلدون، يرى أن العصبية موجودة في الطبائع البشرية وبها يكون التعاضد والتناصر وتعظم رهبة العدو لهم، واستدل بذلك من القرآن الكريم، في قوله تعالى: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون( (يوسف: 14). وبدونها لا يقع الافتراق المؤدي إلى الاختلاف والتنازع، لقوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض( (البقرة: 251). كما أن في العصبية فوائد محمودة وخاصة إذا ما ارتبطت بالعقيدة، ولا تكون على الباطل كما كانت في الجاهلية، بل تكون عصبية في الحق وإقامة أمر الله، وفسر بذلك عصبة العرب حينما أكرمهم الله بالنبي محمد (، وما تحقق لهم من عزة وتمكين على أمم كانت أقوى منهم في الأرض كالفرس والروم(40).‏
وقد اعتبر النسب سبباً رئيساً لامتناع أهل قريش عن الدخول في دين الإسلام، والتاريخ الاجتماعي لمرحلة بدء النبوة مليء بالقصص ، التي جعلت أكابر قريش وبعض القبائل العربية الأخرى يمتنعون عن الإسلام الذي سيضمهم جنباً إلى جنب مع مواليهم وعبيدهم، كبلال بن رباح وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وعمار بن ياسر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. ومن الشواهد على ذلك أنه حينما فتحت مكة، أمر الرسول ( بلالاً (() حتى أذن على ظهر الكعبة، فغضب الحارث بن هشام، وعتاب بن أسيد وقالا: (أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة.). كما كان الرسول ( حينما يستقبل وفود العرب يجل أسيادهم ويقدرهم، ويتقرب منهم، لتحبيبهم بالإسلام، وكانت هذه الطريقة تجد تساؤلاً من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان الرسول ( يحدثهم عن أهمية استمالتهم للإسلام لما فيها من قوة للإسلام، على أساس أن إسلامهم يقوي الإسلام، ويذود عنه تهمة أنه دين الضعفاء والمساكين، رغم يقينه ( بنصر الله عز وجل له(41). كما أبان الماوردي في الأحكام السلطانية أهمية النسب دون عصبية، حيث أشار إلى أن العرب ترجع إلى عدنان وقحطان، وكانت عدنان مقدمة على قحطان لأن النبوة فيهم، وعدنان يجمع ربيعة ومضر، فتقدمت ربيعة لأن النبوة منهم، وربيعة تجمع قريشاً وغيرهم، فتقدمت قريش لأن النبوة فيهم، وقريش تجمع بني هشام وغيرهم، فتقدم بنو هشام لأن النبوة منهم(42). وإن هذا اعتراف ضمني بأهمية النسب، وإن كان سببه وجيهاً وهو ارتباطه بالنبي محمد (. كما أن الماوردي ـ أيضاً ـ عد النسب شرطاً من شروط تولي الإمامة، بل جعلها في قريش فقط، واستند في ذلك لقوله (: [قدموا قريشاً ولا تقدموها]. كما استثنى العبيد من القضاء، وجعل الحرية شرطاً رئيساً لمن يتولاه(43).‏
كما كان استمرار بعض الصحابة في حياتهم على مراعاة بعض معايير التدرج الاجتماعي والتفاوت والتمايز، دليلاً على شيوع ذلك عندهم، فقد سمع الرسول ( أبا ذر الغفاري (وهو عربي من بني غفار) يحتد على بلال (() (وهو مولى حبشي) وهو يحاوره ويقول له: يا بن السوداء، فغضب عليه السلام غضباً شديداً، ونهر أبا ذر، وقال: [طف الصاع طف الصاع] أي أنكم تتساوون كما تتساوى الصيعان وهي مملوءة. وكذلك القصة المشهورة لابن عمرو بن العاص، حينما صفع مصرياً وقال له: أنا ابن الأكرمين، فعندما شكا المصري لعمر بن الخطاب (() غضب وأحضر عمرو بن العاص وابنه، وقال القول المشهور: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.‏
كما اختلف الخلفاء الراشدون في وضع العطايا من بيت مال المسلمين للصحابة، حيث نجد أن أبا بكر (()، أخذ بالنسب المتصل برسول الله ( وكذلك علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، بينما عمر بن الخطاب (() أخذ بمعيار السابقة بالإسلام، ولم يفضل عمر أحداً على من شهد بدراً إلا زوجات النبي (، واستثنى عائشة رضي الله عنها فصرف لها أكثر من غيرها، كما استثنى أسامة بن زيد (() لحب رسول الله ( له، وكذلك الصحابي عمر بن أبي سلمة المخزومي، لأنه ابن أم سلمة زوج النبي (، وكان توزيع العطايا في ضوء هذا المعيار كما يلي:‏
ـ من شهد بدراً خمسة آلاف درهم.‏
ـ من هاجر قبل فتح مكة ثلاثة آلاف درهم.‏
ـ من أسلم بعد الفتح ألفا درهم.‏
ـ زوجات النبي ( عشرة آلاف درهم.‏
ـ عائشة رضي الله عنها اثنا عشر ألف درهم.‏
كما كان المسلمون يخافون من أن يوصموا بالبداوة، ويرونها حالة لا ترتبط بالإيمان الكامل، لذلك ورد عن الصحابة وخاصة أهل مكة والمدينة، أنهم كانوا يستعيذون من التعرب بعد الهجرة، أي الارتداد إلى الحالة الأعرابية، وأنهم كانوا يتعوذون ممّن رجع إليها دون عذر بمثابة المرتد أو المرتكب لإحدى الكبائر، وقد وردت الأحاديث الدالة على تخوف الصحابة من السكنى في البادية بعد الإسلام. وكانوا يستندون في ذلك لقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم(. (الحجرات: 14). وكذلك ورد ذكر الأعراب في القرآن الكريم عشر مرات، وكان معظم تلك الآيات ترتبط بالتنديد أو اللوم أو التنبيه أو التأديب الشديد. وكانت كذلك تفضل أهل الحضر عليهم وبخاصة في إيمانهم وممارساتهم الاجتماعية، إذ كان له صفات تعارض منهج الإسلام ذاته من قساوة القلب والجفاء والغلظة وجهل يبعدهم عن إدراك سنن الله عز وجل، كما كانت تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية، كما كان الرسول ( يحث أهل بيته والصحابة عل عدم قبول هدايا الأعراب، باعتبارهم يطلبون أضعافها. ومن خلال ذلك كان مستوى التحضر معياراً لحسن الإسلام(44).‏
ونضيف معياراً آخر حيث رفع الإسلام من شأن معيار العلم، فقد ذكر ابن القيم في كتابه العلم فضله وشرفه، الكثير من وجوه فضل العلم وتفضيله صاحب العلم على غيره، وعده تفاضلاً مرغوباً ومحموداً بين الناس، لقوله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون( (الزمر: 9)، ورفع الإسلام درجة أهل العلم، أي من يمتلك معيار العلم، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعلمون خبير(. (المجادلة: 11). لذلك كان بعض السلف إذا مر بمثل لا يفهمه، يبكي ويقول: لست من أهل العلم. وروى الترمذي قول الرسول (: [فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم]. كما وردت الكثير من الآيات التي تدل على أن من نال شيئاً من شرف الدنيا والآخرة إنما ناله بالعلم(45). قال القرطبي في تفسيره إنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء، فقال تعالى لنبيه (: (وقل رب زدني علماً( (طه: 14)، فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه ( أن يسأله المزيد منه، كما أمر أن يستزيده من العلم. وقال (: [إن العلماء ورثة الأنبياء]. وقال: [العلماء أمناء الله على خلقه]. وهذا شرف عظيم لمن ملك معيار العلم(46).‏
وكذلك نجد أن اختيار الزوجة من المنبت الأصيل، والعرق الصحيح، كان له دوره في التدرج الاجتماعي، ولعل من أشهر ذلك حديث الرسول (: [تخيروا لنطفكم ولا تضعوها إلا في الأكفاء]. وحديثه (: [تخيروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن]. وقال (: [إياكم وخضراء الدمن. قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله، قال المرأة الحسناء في المنبت السوء].. وهي أحاديث تدل على أهمية العرق الأصيل في الزواج، ولا تعارض في ذلك في المساواة بين البشر، فكل يأخذ ما يليق به، فالإسلام بشموله يؤكد أهمية التوافق في معايير التدرج الاجتماعي بين الناس، لكي لا يحدث ما لا تحمد عقباه، إذ قد يكون ذلك مدعاة للتنافر والندم والخلاف بين الزوجين، وهذا أيضاً ما يؤكده علماء الاجتماع اليوم، من أهمية التوافق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للزواج الموفَّق. وقد أورد الأبشيهي في كتابه المستطرف في كل فن مستظرف قصة جعفر بن سليمان بن علي الذي عاب يوماً على أولاده أنهم ليسوا كما يجب، فقال له ولده أحمد بن جعفر: إنك عمدت إلى فاسقات مكة والمدينة وإماء الحجاز، فأوعيت فيهن نطفك، ثم تريد أن ينجبن، وإنما نحن كصاحبات الحجاز، فهلا فعلت في ولدك ما فعل أبوك فيك حين اختار لك عقيلة قومها فزوجها منك(47).‏
كما كان التدرج الاجتماعي واضحاً في قضيتين رئيستين مرت بهما الأمة الإسلامية بعد وفاة النبي ( وغيرت مجرى تاريخ الأمة بعدها، أوردهما ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ). وابن مظهر في كتابه (البدء والتاريخ). الأولى ما حدث في سقيفة بني ساعدة بين الصحابة، واختلافهم على مَن يلي أمر المسلمين، والثانية موقعة كربلاء بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، والخليفة معاوية بن أبي سفيان (() ، والتي تأتي امتداداً لمقتل الخليفة عثمان بن عفان((). فقد اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في يوم وفاة النبي ( وارتأوا أنهم أحق بالخلافة من المهاجرين؛ لأفضليتهم وحقهم ولدورهم في نصرة النبي (، وأرادوا مبايعة سعد بن عبادة (() . فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقال: ما هذا، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. ورفض جمع من الصحابة ذلك، وتمت مبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين، وابتدأ ذلك عمر بن الخطاب. وقيل إن أشراف قريش لم ترض بغير علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لنسبه وقربه من النبي (، إلا أن علياً كرم الله وجهه رفض ذلك وزجر من طلب منه ذلك، وقيل: إنه أبو سفيان، وهو سيد من سادة قريش قبل الإسلام وبعده. والحادثة الثانية موقعة كربلاء بين أنصار علي كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان كاتب الوحي (() وكان حاكماً على الشام حينها، وأول خلفاء بني أمية، وكان سببه مقتل عثمان ابن عفان (() ، الذي قال البعض: إنه ولى بني أمية على الأمصار: في مصر والشام والعراق، فكان مقتله (() ، وكان بنو أمية يريدون الانتقام لمقتله، فحدثت الفتنة التي بها انتقلت الخلافة إلى الشام، وأصبح بداية للدولة الأموية، كما أنها كانت بداية المذهبية الدينية والفرق بين المسلمين، التي أنشأت معياراً جديداً للتفاوت بين العرب والمسلمين تجني الأمة تأثيره حتى اليوم(48). وهذه الأحداث التاريخية- وبتحليلها اجتماعياً- نجد أن أسباب فتنتها التي غيرت مجرى تاريخ الأمة الإسلامية، كانت تدرجاً اجتماعياً، وهي ما كان الإسلام قد نهى عنها، باعتبارها لم تقم على التفاضل المقصود، والتمايز المحمود، بل على أساس النسب والعرق.‏
ومن هنا يمكن القول إن التدرج الاجتماعي كان سلوكاً ممارساً في حياة المجتمعات العربية الإسلامية، بل كان مرغوباً في كثير من جوانبه، وعلى الرغم من أن الإسلام نهى عن العصبية للعرق والحسب، إلا أن العرب، وفي ضوء تركيبتهم ذاتها، لم يتمكنوا من التخلص منها، وكان جزءاً من حياتهم، وإن لم يؤثر على حياتهم في بناء نهضة الأمة الإسلامية في عصورها القديمة، إلا أنه كان كما يشير هيشور (1996) كان سبباً رئيساً لسقوط حضارتهم، عندما تغلبت فئات على أخرى، دون مرتكزات شرعية، فشاع الترف والفقر جنباً إلى جنب، وانتشر الظلم والفساد، وتغيرت تركيبات التدرج الاجتماعي ذاتها(49).‏
ـ أراء المفكرين والفلاسفة في التراث العربي الإسلامي:‏
تناول المفكرون والفلاسفة قديماً وحديثاً الكثير من قضايا التدرج الاجتماعي في مؤلفاتهم، وفي وصفهم للكثير من صور الحياة الاجتماعية، فهل كانت الحضارة الإسلامية بعصورها المختلفة غائبة عن قضايا التدرج الاجتماعي؟ بل على العكس تماماً، فقد عرض الفلاسفة المسلمون الكثير من قضايا الاختلاف والتمايز بين أفراد المجتمع، وعلى العكس قد يكونون أدق في تحديدهم لمنازل الناس ورتبهم على أسس أكثر علمية ممن سبقهم، وكان ذلك ليس فقط دراسة لواقعهم، بل كان فيه الكثير من الاستقراء للمستقبل وهو ما عاشته العصور من بعدهم وحتى اليوم، بل إننا نجد كذلك توافقاً كبيراً بين محددات الاختلاف والتشابه بين الناس مع أكثر تلك المعايير دقة في علم التدرج الاجتماعي في الفكر المعاصر فلو استعرضنا آراء المفكرين المسلمين في هذا المجال، فسنعرف كيف عالج فلاسفتنا المسلمون قضية كانت في عصورهم تعد من أحرج القضايا وأدقها، بل تكون أكثرها نفوراً لدى عامة الناس.‏
فقد أبرز (الفارابي) (259ه‍ـ 339ه‍) في مدينته الفاضلة تحديداً للمكانات والرتب لأفراد المجتمع، ففي تحديده لترتيب أفراد المجتمع يقول: فأهل رتبة واحدة كل منهم الذين يتوالون في الأزمنة واحداً بعد آخر في مدينة واحدة؛ يكونون كنفس واحد وكشخص واحد بقي الزمان كله، فذلك لاتفاقهم في الصفات التي جعلتهم أهلاً لهذه الرتبة، وأهل كل رتبة واحدة في عدة مدن فاضلة يكونون كذلك كنفس واحدة، وشخص واحد، في الفترة التي يضطلعون فيها بأعباء هذه الرتبة للسبب نفسه السابق، وكذلك إن توزعت أعباء الرتبة الواحدة في مدينة واحدة على عدة أشخاص؛ فإنهم بضم صفاتهم بعضها إلى بعض يكمل بعضهم بعضاً، فيصبحون كنفس واحدة وشخص واحد، ولا فرق في هذه الرتب بين أن تكون رتباً لها رياسة على رتب أدنى منها بجانب خدمتها لرتب أرقى منها، أو أن تكون رتباً خادمة لرتب أرقى منها وليس لها رياسة على رتبة ما.‏
كما يشير (الفارابي) بقوله: "وأهل المدينة الفاضلة لهم أشياء مشتركة يعلمونها ويفعلونها، وأشياء أخر من علم وعمل تخص كل رتبة وكل واحد منهم، وأفراد المدينة الفاضلة تجمعهم صفات مشتركة فيما زودوا به من معارف وما هيئوا له من أفعال؛ ويختص أهل كل رتبة منهم بمعارف وأعمال يتميزون بها عن أهل الرتب الأخرى؛ ويختص كل فرد منهم كذلك بمعارف وأعمال يختلف فيها عن غيره. والأفعال المشتركة والخاصة لأهل المدينة الفاضلة كلها أعمال فضال تنال بها السعادة، فتتحقق سعادة كل فرد منهم بمزاولته للأفعال المشتركة بينه وبين غيره وللأعمال الخاصة بأهل مرتبته. ومزاولة كل واحد منهم لهذه الأفعال تؤثر في حالته النفسية، فتوجد في نفسه استعداداً نفسياً جيداً وهيئة نفسية فاضلة، وكلما كثرت مزاولته لهذه الأعمال ومداومته على أدائها زاد هذا الاستعداد النفسي قوة، وزادت الهيئة النفسية فضلاً، وينجم عن هذا الاستعداد لذة في مزاولة العمل وحب لأدائه. وبكثرة تكرار العمل وزيادة الاستعداد النفسي قوة تبعاً لذلك؛ يتزايد مقدار اللذة في مزاولة العمل ومقدار اغتباط الإنسان به ومحبته له(50). هنا نجد أن (الفارابي) أكد حقيقة التمايز والاختلاف بين أفراد المجتمع، وهو ما أطلق عليه اليوم التدرج الاجتماعي، حيث حدد مراتب المجتمع، وأن من شروط ذلك أن كل فئة تختلف عن الأخرى في أفعالها وأعمالها، وصفات وقدرات أفرادها، وهو بهذا التحليل يكون سبق علماء الاجتماع كلهم في تحديد مفهوم الوضع الاجتماعي أو الرتبة كما أسماها في مدينته الفاضلة.‏
كما يقول الشيخ ابن سينا (370ه‍ـ 428ه‍): (إن تفاوت الناس فيما بينهم من حيث الأموال والآراء والرتب والمكانات منة أنعم بها الله عليهم؛ وذلك لحفظ بقائهم واستمرار حياتهم، حيث لو كانوا متساويين في أموالهم وأقدارهم، كما أدعى ذلك لفنائهم وانقراضهم، فهم في مثل هذه الحالة يعيشون متنافسين ومتجانسين، فلو أن الناس جميعهم كانوا ملوكاً لما استطاعوا أن يتعاونوا فيما بينهم، ولا يتفاهموا مع بعضهم. فكل واحد منهم يريد أن تكون له السلطة وحده، وأن يستبد بها عن الآخرين، وأن يحتكر الجاه لنفسه، وأن تكون المنفعة والخير له وحده، وطبيعي حين يحدث ذلك تدب الفرقة بينهم، وتنشأ العداوة بين ظهرانيهم، وتدور المعارك بين فئاتهم، فيؤدي ذلك إلى هلاكهم، وكذلك إذا كانوا جميعاً سوقة فقراء، وقعت بينهم الواقعة وماتوا ضراً وهلكوا بؤساً.‏
وعن أهمية الاختلاف بين الناس، يرى (ابن سينا) أنه إذا كان الناس مختلفين في أقدارهم، متعاونين في أحوالهم، أدى هذا وذاك إلى استمرار بقائهم وإقناع كل منهم بحظه، ومن يتأمل ذلك يجد أن الغني المحروم من التفكير والأدب، المدرك من الدنيا حظه بأهون سعي، وأدنى سبيل، قانع بحاله، مسرور بماله. كذلك يجد ذا الأدب والتفكير قانعاً بأمره، معتداً بعقله، إن كل من هذا وذاك يوازن بين صاحبه وبين نفسه، فيرى أنه يفضله بما يمتلكه ويعتقد أنه خير منه، إن المال عند أحدهما خير من الأدب والتفكير، والأدب والتفكير عند الآخر خير من المال والمتاع، وما قلناه بالإضافة إلى الأغنياء وذوي الأدب؛ يمكننا أن نقول مثله بالإضافة إلى صاحب الصناعة، وصاحب السلطان، ويمكننا أن نفعل ذلك، حتى نأتي على جميع فئات الناس، فنجد أن كل فئة منهم قانعة بما قسم لها، راضية بمآلها، وكل ذلك من دلائل الحكمة، وشواهد لطف التدبير، وأمارات الرحمة والرأفة(51).‏
وهكذا عالج (ابن سينا) الأوضاع الاجتماعية وأحوال نظم المجتمع، واختلاف الناس في أصول حياتهم، وهو يعلل هذا الاختلاف والتشابه. وعند (ابن سينا) أن التشابه بين جميع الناس معناه ليس هناك حياة تقوم، وليس هناك سعادة ولا شقاء. كما أن الاختلاف بين الناس هو الأساس في دراسة الحياة الإنسانية واستمرار بقائها. ونلحظ من هنا أن ابن سينا قد سبق سوروكين (1927) عندما أكد أن التدرج بصفة واقعية في كل المجتمعات الإنسانية من أن المجتمع اللامتدرج مجتمع أسطوري ولا وجود له، فالتدرج خاصية ثابتة لأي مجتمع منظم بغض النظر عن شكل هذا المجتمع أو درجة تحضره.‏
كما ندد أبو الريحان البيروني (362ه‍ـ 442ه‍) من خلال دراسته للسنن الاجتماعية في الهند يرى أن الملوك القدماء المعنيين بصناعتهم يصرفون معظم اهتمامهم إلى تصنيف الناس لطبقات ومراتب يحفظونها عن التمازج، ويحظرون عليهم من الاختلاط، ويلزمون كل طبقة ما إليها من عمل أو صناعة وحرفة، ولا يرخصون لأحد في تجاوز رتبته ويعاقبون من لم يكتف بفئته". تحدث في هذا الفصل عن البناء القائم في الهند، فقال عنه: إنه مجتمع يسود فيه النظام الطبقي المغلق، فذكر لنا عدد الطبقات، وخصائص كل طبقة منها وبين وظائفها، وهذه الطبقات في الهند أربع هي: البراهمة، وكشتر، وبيش، وشودر، ولكل طبقة آداب خاصة يجب أن تتحلى به، ويقول البيروني: "وكل هؤلاء إذا ثبت على رسمه وعادته نال الخير في إدارته إذا كان غير مقصر في عبادة الله، غير ناس ذكره في جل أعماله، وإذا انتقل عما إليه إلى طبقة أخرى، وإن شرفت عليه كان آثماً بالتعدي في الأمر"(52).‏
وبالتالي فإن الفارابي وابن سينا وأبو الريحان قد سبقوا النظرية في قولها بحتمية التدرج الاجتماعي وضرورته للبناء الاجتماعي للمجتمع، وأن الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تيسر بدونه. كما أن تلك الآراء تنفي ما قاله بوتو مور (1978) من أن التدرج الاجتماعي من الظواهر المهمة التي لفتت أنظار الفلاسفة وعلماء النظرية الاجتماعية عبر التاريخ؛ إلا أنها لم تخضع للدراسة النقدية والتحليل إلا بنمو العلوم الاجتماعية الحديثة(53).‏
كما قسم ابن طفيل (500هـ ـ 581هـ) المجتمع الإنساني إلى فريقين غير متساويين من الناس في روايته الفلسفية المشهورة (حي بن يقظان): من العامة وهم الكثرة المطلقة في المجتمع، ومن الخاصة وهم قلة في المجتمع، يتميزون بالفطرة الفائقة، كما أن العامة بدورها تنقسم إلى فريقين غير متساويين: جمهور غالب وهم أكثرية في المجتمع، ثم نخبة أقرب إلى الفهم والذكاء من جميع الناس، وهم بطبيعة الحال أقلية في المجتمع، ومن خصائص العامة الجبن عن التفكير المستقل، ثم التعلق بما يدين به المجموع، لما هم عليه من البلادة والنقص وسوء الرأي وضعف العزم. والعامة يتمسكون ـ غالباً ـ بظواهر الأمور، ويقيدون أنفسهم بالألفاظ، وهم شديدو الإيمان بالأشخاص لا بالمبادئ، فإذا اعتقدوا بشخص ما تبعوه خطأً أم صواباً؛ لأنهم قلما يستطيعون فهم المبادئ، أما جماعة الخاصة من ذوي الفطرة الفائقة فهم أهل التفكير، ولذلك كانوا فيما يتعلق بالدين خاصة أشد غوصاً على الباطن وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية، وأطمع في التأويل، وأكثر ميلاً إلى العزلة والانفراد عن العامة. والخاصة أكثر ميلاً إلى التفكير والعبادة العقلية منهم إلى الشرع والعبادات العقلية(54). أي أن ابن طفيل قسم المجتمع بشكل عام إلى ثلاث مراتب هي:‏
1ـ الفئة الأولى: الحكام وحاشيتهم.‏
2ـ الفئة الثانية: النخب، التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:‏
1. النخب التابعة التي لا حول لها ولا قوة.‏
2. النخب الفلسفية.‏
3. النخب الدينية.‏
3ـ الفئة الثالثة هم العامة(55).‏
كما ذكر (ابن خلدون) الذي عاش في القرن الرابع عشر، بعض المتغيرات المؤثرة في ترتيب أفراد المجتمع وهما الجاه، والمال: ((ثم إن الجاه متوزع بين الناس ومترتب بينهم طبقة بعد طبقة ينتهي في العلوم إلى الملوك الذين ليس فوقهم يد عالية، وفي السفل إلى من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً بين أبناء جنسه، وبين ذلك طبقات متعددة، حكمة الله في خلقه بما ينتظم معاشهم وتتيسر مصالحهم ويتم بقاؤهم، لأن النوع الإنساني ـ لما كان ـ لا يتم وجوده وبقاؤه إلا بتعاون أبنائه على مصالحه، فقد تبين أن الجاه هو القدرة الحاملة للبشر على التصرف فيمن تحت أيديهم من أبناء جنسهم، بالإذن والمنع والتسلط بالقهر والغلبة، ثم إن كل طبقة من طباق أهل العمران، من مدينة أو إقليم لها قدرة على دونها من الطباق، وكل واحد من الطبقة السفلى يستمد من هذا الجاه من أهل الطبقة التي فوقه، ويزداد كسبه تصرفاً فيمن تحت يده على قدر ما يستفيد منه. والجاه على ذلك داخل على الناس في جميع أبواب المعاش، ويتسع ويضيق بحسب الطبقة والطور الذي فيه صاحبه، فإن كان متسعاً كان الكسب الناشئ عنه كذلك، وإن كان ضيقاً وقليلاً فمثله، وفاقد الجاه وإن كان له مال فلا يكون يساره إلا بمقدار عمله أو ماله وعلى نسبة سعيه ذاهباً وآيباً في تنميته كأكثر التجار، وأهل الفلاحة في الغالب، وأهل الصنائع كذلك، إذا فقدوا الجاه واقتصروا على فوائد صنائعهم، فإنهم يصيرون إلى الفقر والخصاصة في الأكثر(56).‏
ونلحظ هنا أن ابن خلدون أعطى للجاه دوراً كبيراً في تحديد مراتب الناس، وعُد الحصول عليه هو السبيل الوحيد لرفعة مكانة الفرد في مجتمعه، وأن المال والمهنة لا تكفيان لاستمرار الشخص، بل قد تتهاوى مرتبته؛ ليصل إلى أقل مرتبة في المجتمع. وقد لخص أبو العينين (1990) معايير التمايز الاجتماعي عند ابن خلدون بأنها الحسب والشرف، والخلال الحميدة، والثروة، والجاه. وعن فئات التدرج الاجتماعي في العمران الحضري عند ابن خلدون، فقد صنفها على النحو التالي:‏
1ـ أهل السلطان.‏
2ـ كبار التجار.‏
3ـ المتمولون: أي كبار الملاك، وهم المستثمرون لها.‏
4ـ كبار الموظفين.‏
5ـ صغار التجار.‏
6ـ الحرفيون.‏
7ـ فئات أخرى وتضم المهن الهامشية كالحمالين والسقايين والشحاذين، والرقيق والخدم(57).‏
كما قسم إخوان الصفا (القرن العاشر) البشر على النحو التالي:‏
1ـ حرفيون يعملون بعضلاتهم وأدواتهم.‏
2ـ التجار الذين يشترون ويبيعون، وهدفهم تكوين فائض بين ما يأخذون وما يعطون.‏
3ـ الأثرياء الذين يملكون المواد الخام، ويشترون البضائع الجاهزة.‏
ونلحظ هنا اعتماد إخوان الصفا، على المعيار الاقتصادي لتوزيع الناس في فئات غير متماثلة.‏
ولعل وصف (المقريزي) للطبقات الاجتماعية، يعد من أوضح النماذج، فخلال شرحه للأزمة الاقتصادية في مصر عام1395م، تم تصنيف السكان في مصر إلى سبع طبقات وهي:‏
1ـ أهل الدولة من حكام ووزراء وقضاة ومديري مناطق، أو بمعنى آخر جميع المرتبطين بالدولة.‏
2ـ أهل الثراء والجاه، الذين يعيشون برفاهية، وأيضاً التجار وأصحاب الامتيازات.‏
3ـ الباعة والتجار ذوو الإمكانات المتوسطة، والأشخاص الذين يعملون لحسابهم.‏
4ـ الفلاحون، سواء من يفلحون الأرض، أو من يقيمون في المناطق الريفية.‏
5ـ أهل العلم، كالفقهاء وطلاب العلم والموظفين العموميين.‏
6ـ الصناع والحرفيون، ومن يعمل في خدمتهم من أجراء وحمالين.‏
7ـ المعدمون الذين يكسبون عيشهم عن طريق التسول، أو الذين يعيشون على الصدقة(58).‏
كما ورد عن الجاحظ قوله في حكمة التفاوت: إنما خالف الله تعالى بين طبائع الناس، ليوفق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك، والسياسة، والتجارة، والفلاحة، وفي ذلك بطلان المصالح، وذهاب المعايش، فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه. وهنا يقول الجاحظ: ألا ترى البدوي في بيت من قطعة خيش، كلبه معه في بيته، لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بعر الإبل، وطيبه القطران، وبعر الظباء، وحلي زوجته الودع، وصيده اليربوع، وهو في مفازة لا يسمع فيها إلا صوت بومة وعواء ذئب، وهو قانع بذلك، مفتخر به(59). وهنا يؤكد الجاحظ على حكمة التفاوت والتدرج الاجتماعي، شأنه في ذلك شأن أبي الريحان والفارابي وابن سينا، حيث عده الجاحظ موفقاً بين مصالح الناس ومعايشهم، أي استمرار حياتهم الاجتماعية.‏
ـ الدراسات الاجتماعية العربية الخاصة بالتدرج الاجتماعي وعلاقتها بالدراسات التراثية:‏
قليلة هي الدراسات التي تناولت التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة، نعرض هنا لأبرز تلك الدراسات، التي تم الاطلاع عليها:‏
فقد توصلت دراسة الحسن (1985) عن التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية المعاصرة، إلى أن المجتمع العربي ينقسم إلى الفئات التالية:‏
1ـ الفئة الأولى: الفئة العليا: وهي التي تشمل الأقلية في المجتمع العربي، تمتلك أسباب القوة والنفوذ، وتحتل مقاليد الحكم، وتضم الوزراء والمدربين وكبار ضباط الجيش والشرطة، وكبار موظفي الدولة، والكوادر التنظيمية للأحزاب، وكبار الإقطاعيين، وملاك الأراضي والتجار، ويمثلون ما نسبته 3% من مجموع السكان.‏
2ـ الفئة الثانية: الفئة المتوسطة، وتشمل المهنيين، والمثقفين، والفنيين، والمدرسين، والمهندسين، والأطباء، والمحاسبين، والصيادلة، ومالكي المصانع والمزارع الصغيرة، والفئة الوسطى من ضباط الجيش والشرطة، وتتفرع هذه الفئة إلى الفئة المتوسطة العليا، والفئة المتوسطة الوسطى، والفئة المتوسطة المنخفضة، وتمثل هذه الفئة 30% من أبناء المجتمع العربي.‏
3ـ الفئة الثالثة: الفئة العمالية: وهم أوسع الفئات الاجتماعية في المجتمع العربي، إذ لا تقل نسبتهم عن 60% من مجموع السكان. وتتفرع هذه الفئة إلى ثلاث فئات هي: الفئة العمالية العليا، والفئة العمالية الوسطى، والفئة العمالية المنخفضة، وتشمل العمال والفلاحين والكادحين والباعة وغيرهم(60).‏
وتوصلت دراسة أبو علية (1998) عن التدرج الاجتماعي في الجزيرة العربية في بداية القرن التاسع عشر، حيث أشار إلى السلم الاجتماعي في منطقة نجد، وأشار إلى أن كل ما يهمهم هو الأسرة والقبيلة والأسلاف اهتماماً منهم بالنسب، وتمثل نجد أنقى نسب في مجموعة الثقافة السامية وأكثرها صفاء في الدم، ويعود هذا لأن الإقليم ظل في شبه عزلة لمدة طويلة. ويختلف التدرج الاجتماعي للمجتمع في نجد في كل من البادية والحضرية. ففي البادية لا تعد ا لمعايير الاقتصادية أو التعليمية أساسية، بعكس الحضرية. فالبدو يرون أنفسهم أرفع من الحضر ويأتون في الفئة الأولى لنقاوة أنسابهم، لأن النسب هو المعيار الحقيقي للتنظيمات الاجتماعية عندهم. ويتشكل التدرج الاجتماعي في المجتمع البدوي النجدي من الفئات التالية: الفئة الأولى شيخ القبيلة ومجلس شورى القبيلة ورؤساء العائلات، ويليهم أفراد القبيلة، ويليهم الجماعات التي ليست من أصل نقي أو الأفراد والجماعات من المشكوك في أنساب قبائلهم. وفي المرتبة الأخيرة جماعات الرقيق والخدم. أما في الحضرية النجدية نجد أن المعيار التعليمي والثقافي له أثره في التدرج الاجتماعي، حيث يأتي العلماء في نجد من المشايخ والوعاظ والمدرسين في مرتبة مستقلة. أما في المعيار الاقتصادي فقد جاء ترتيب التدرج الاجتماعي كما يلي: الفئة الأولى: الأمراء، الفئة الثانية: حاشية الأمراء وذوي السلطة التنفيذية، الفئة الثالثة: التجار والعائلات الثرية. أما في المجتمع الريفي في منطقة نجد فقد جاء التدرج الاجتماعي فكانت الفئة الأولى: ملاك الأراضي الزراعية وأصحاب أشجار النخيل، الفئة الثانية: عامة السكان، الفئة الثالثة: الحرفيون عدا فئة عمال البناء، الفئة الأخيرة الرقيق والخدم والأسرى.‏
وفي مجتمع الإحساء يكاد المجتمع ينقسم بنفس تقسيم مجتمع نجد، حيث نجد أن المجتمع الإحسائي البدوي يتكون من الفئات التالية: الفئة الأولى: شيخ القبيلة ومجلس شورى القبيلة وكبار السن في العائلات التي تتشكل منها القبيلة، وأغنياء هذه العائلات، الفئة الثانية: باقي أفراد القبيلة، الفئة الثالثة: الرقيق والخدم. أما في المجتمع الزراعي في الإحساء فقد جاء التقسيم في الفئة الأولى: ملاك الأراضي الزراعية وأصحاب أشجار النخيل، الفئة الثانية: العاملون بالزراعة، الفئة الثالثة: جماعة الرقيق والخدم(61).‏
كما توصلت دراسة الغامدي (1990) عن التدرج الاجتماعي في المجتمعات البدوية في جنوب الجزيرة العربية تطبيقاً على مجتمع المنطقة الجنوبية وبخاصة قرى بني كبير، فلقد كانت القبيلة وحدة الحياة الاجتماعية والسياسية، وكانت كل قبيلة تؤمن بوجود رابطة تجمع بين أفرادها على أساس وحدة الدم، ووحدة الجماعة. وفي ظل هذه الرابطة، وفي ظل القانون العرفي، الذي ينشأ على أساسها انقسم المجتمع القبلي في مناطق جنوب الجزيرة العربية إلى ثلاث فئات اجتماعية وهي:‏
الفئة الأولى: فئة الأحرار: وهم أبناء القبيلة الصرحاء، وهم الذين يجمع بينهم الدم الواحد والنسب المشترك، وأبناء هذه الفئة هم الذين يشكلون البناء القبلي، ولم يلحق بأنسابهم أي دخيل، ويتمتعون بحقوق مدنية كبيرة.‏
الفئة الثانية: الموالي، وهم أولئك الذين طلبوا حق الجوار لسبب ما إلى قبيلة أخرى، وتم قبولهم من فئة الأحرار في القبيلة، ويسمون بالجار أو الحليف.‏
الفئة الثالثة: الأرقاء، وهم الذين تم إدخالهم إلى القبيلة عن طريق الشراء، أو تم أسرهم في الحروب، وكل قبيلة لا تخلو من هؤلاء سواء الرجال منهم أو النساء، ويعملون في الرعي، وحلب المواشي، وأعمال المنزل، وفي الزراعة(62).‏
وتوصلت دراسة بركات (1984) حول تصنيف الفئات الاجتماعية في المجتمع العربي المعاصر، حيث اعتمد على معيار النسب والقوة الاقتصادية، والولاء القبلي والملكية، وتوصل إلى أن المجتمع العربي المعاصر يتكون من الفئات التالية:‏
1ـ الأرستقراطية التقليدية: وهم كبار ملاكي الأراضي، وكبار الرأسماليين، وشيوخ القبائل، والسادة، والأغنياء الجدد.‏
2ـ البرجوازية أو الطبقات الوسطى.‏
3ـ الكادحون، والفلاحون، والعمال(63).‏
كما توصلت دراسة عودة (1982) عن التدرج الاجتماعي في الريف المصري في القرن التاسع عشر، حيث كانت فئة كبار الملاك في القرن التاسع عشر تضم مجموعة من الفئات الاجتماعية المتنوعة، منها ما لم يكن مرتبطاً بالمجتمع الريفي أو غير مقيم فيه، أو أنهم يديرون أراضيهم عن طريق آخرين أو تؤجر لهم. وكان تقسيم التدرج الاجتماعي في ضوء ملكية الأراضي، يضم الفئات التالية: الفئة العليا: وتضم أسرة البشوات، وكبار الموظفين، والعلماء، والأقباط، والأجانب وشركات الأراضي، ومشايخ البدو، وأعيان الريف. أما الفئة الوسطى فتضم فئات ملاك الأراضي الجدد، الذين أفادوا من تفتيت الملكيات الكبرى، التي شكلت ما نسبته 35% من المجموع الكلي للسكان، حيث امتلكت الأراضي بمساحات صغيرة مناسبة سواء من أراضي كبار الملاك من الحكام أو من أراضي كبار الموظفين ورجال السياسة وحاشية الحكم. والفئة الدنيا وهم الفلاحون الذين ضاعت حقوقهم ما بين الفئتين العليا والوسطى(64).‏
كما أشارت دراسة عبد الفضيل (1987) حول تضاريس الخريطة الطبقية في الوطن العربي، حيث صنف الفئات في الوطن العربي في ثلاث فئات:‏
1ـ البرجوازية الكبيرة: وتشمل الفئة الحاكمة أو المهيمنة.‏
2ـ البرجوازية المتوسطة: وتضم ضباط الجيش والشرطة، والموظفين الحكوميين، وأرباب المهن الحرة، والتجار، وملاك الأراضي.‏
الفئة العاملة: وتشمل الفلاحين وهم الأغلبية(65).‏
كما توصلت دراسة الجوهري (1990) عن التدرج الاجتماعي في المجتمع المصري حسب الملكية، حيث جاء تصنيف التدرج الاجتماعي في الريف المصري، حسب الفئات التالية:‏
1ـ الفئة الأولى: كبار الملاك الزراعيين ومن في حكمهم الذين يملكون ما بين 20 إلى 50 فدان.‏
2ـ الفئة الثانية: كبار الملاك الزراعيين ومن في حكمهم الذين يملكون ما بين 10 إلى 20 فدان، وأصحاب الورش الكبيرة.‏
3ـ الفئة الثالثة: كبار الملاك الزراعيين ومن في حكمهم، الذين يملكون ما بين 5 إلى 10 أفدنة، وأصحاب الورش الصغيرة.‏
4ـ الفئة الرابعة: العمال الزراعيون، ومن في حكمهم، الذين يملكون ما بين 1 إلى 5 أفدنة، وصغار الحائزين، والعمال الحكوميون، وعمال الورش الحرفيون، والعمال الأجراء.‏
أما تصنيف التدرج الاجتماعي في المدينة المصرية، فقد جاء كما يلي:‏
1ـ الفئة الأولى: وتضم كبار الملاك العقاريين، وأصحاب الشركات، وفئات المديرين ومن في حكمهم.‏
2ـ الفئة الثانية: وتضم أصحاب الورش الحرفية، والمتاجر، متوسطي الموظفين.‏
3ـ الفئة الثالثة: وتضم أصحاب الورش الحرفية والمتاجر التي تتكون من 5 عمال فأقل، وصغار موظفي الدولة.‏
4ـ الفئة الرابعة: الفئة العاملة، وتشمل العمال الصناعيين المهرة، وعمال الحكومة، والقطاع العام، والعمال الحرفيين المهرة، والباعة الجائلين، ومن في حكمهم(66).‏
كما توصلت دراسة النقيب (1997) عن قضايا التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لأقطار الشرق الأدنى العربية، عبر مراحلها التاريخية المختلفة، والتطور التاريخي الذي أنجب نظام التدرج الاجتماعي المعاصر، ونظام الحراك البنيوي للشرائح الاجتماعية في تلك الأقطار، والتي استعرض فيها عدداً من الدراسات التي تناولت التاريخ الاجتماعي في العصور الإسلامية. وقد صنف (النقيب) التركيبة المتغيرة للمجتمع في المراحل التاريخية، كما يلي:‏
1ـ المرحلة الكلاسيكية، والتي امتدت إلى سنة 1000 ميلادية، وتشمل فئات التدرج الاجتماعي الفئات التالية مرتبة حسب أولويتها: السلطة الشرعية الحاكمة، التجار (رجال المال والتجارة والصناعة) وكبار الملاك الحضريين، الفئة المتعلمة من موظفي الدولة، والعلماء، والقضاة، صغار التجار، الفلاحون الأغنياء، الحرفيون المهرة، غير المصنفين.‏
2ـ المرحلة المتوسطة: والتي امتدت إلى سنة 1700 ميلادية، وتشمل الفئات التالية: الشريحة العسكرية الحاكمة، العلماء والأعيان، التجار (رجال المال والتجارة والصناعة)، والموظفون من مرتبة أقل، الرعية، وهم الفلاحون والحرفيون وشريحة العمال، فقراء المدن والعبيد، وغير المصنفين.‏
3ـ المرحلة الحديثة: والتي امتدت حتى سنة 1950 ميلادية، وتشمل الفئات التالية: التجار (رجال المال والتجارة والصناعة)، والملاك، والشريحة الحاكمة، المهنيون الذين يعلمون لحسابهم، والذين يتقاضون رواتب، الذين يعملون لحسابهم من أصحاب الملاك وفي الخدمات وصغار المزارعين، أشباه المهنيين، والذين يعملون بأجر، والكتبة، والعمال المهرة وغير المهرة، غير المصنفين بما فيهم رجال الشرطة والجيش.‏
وقد توصل (النقيب) إلى أن النظام الحاكم أو السلالة الحاكمة هي أشبه بفئة الأرستقراطيين كما حددها علماء الاجتماع. وأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين النظام الحاكم والعسكريين، حيث بينهما التحام كبير طوال المراحل التاريخية، وبخاصة المرحلة الكلاسيكية، والمرحلة المتوسطة(67).‏
كما توصلت دراسة الكادي (2002) عن التدرج الاجتماعي في اليمن، وفي حضرموت على وجه الخصوص، في الفترة من (1900 وحتى 1967م)، حيث توصل إلى أن المجتمع الحضرمي يتكون من الفئات التالية، مرتبة حسب أفضليتها: شيوخ القبائل، السادة والقضاة والفقهاء والأعيان، جمهور القبائل والبدو، أصحاب الحرف والمهن، والضعفاء، الأخدام والعبيد والصبيان والحجور(68).‏
وفي ضوء العرض السابق للدراسات الاجتماعية المعاصرة، ومقارنة تفسيراتها للفئات التي تتشكل منها مجتمعاتنا العربية، ومدى اعتمادها على آراء مفكري التراث العربي الإسلامي، اتضح أن غالبية تلك الدراسات لم تشر لأي من آراء مفكري التراث العربي الإسلامي، بل على العكس تماماً نجد تأثر بعضها بالاتجاهات النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، وبخاصة دراسة عبد الفضيل، ودراسة بركات، ودراسة عودة، ودراسة الجوهري، التي تأثرت بنظرية ماركس في تفسيره لظاهرة التدرج الاجتماعي، على الرغم من أن هاتين الدراستين اعتمدتا على المعيار الاقتصادي، وهو ما اعتمد عليه ابن خلدون.‏
اتضحت أهمية المعيار المهني في تقسيم المجتمع، في دراسة الغامدي، ودراسة الحسن، وقد اعتمدتا على آراء ماكس فيبر والنظرية الوظيفية في تفسيرها لأهمية الدور المهني في التدرج الاجتماعي، وتحقيق المكانة الاجتماعية، برغم أن ابن خلدون، والمقريزي، وإخوان الصفا، قد سبقوا النظرية الوظيفية، ووضعوا تصنيفاً منطقياً للمهن، وفق أهميتها المجتمعية، لذلك كان حامل كل مهنة، يجد له فئة تراتبية ينتمي إليها، تتوافق مع أهمية المهنة في المجتمع. وكذلك دراسة النقيب التي تعد من الدراسات النادرة التي تناولت ظاهرة التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية والإسلامية عبر عصور مختلفة، إلا أن مرجعيته النظرية كانت تنطلق من آراء ماكس فيبر والنظرية الوظيفية، ولم يشر لأي مرجعية نظرية من مفكري التراث العربي الإسلامي.‏
كانت فئة الحكام والحاشية، تأتي في فئة متقدمة في سلم التدرج الاجتماعي في معظم الدراسات السابقة، وهي مشابهة تماماً لما قاله أبو الريحان، عندما جعل الفئة الحاكمة هي الأولى، وتحرص ألا يقرب منها أي فئة أخرى للحفاظ على درجتها بصورة مستمرة.‏
كما كانت فئة العلماء والقضاة فئة عالية في معظم الدراسات ومنها دراسة أبو علية، ودراسة الكادي، وهي كذلك كانت عند ابن طفيل عندما تحدث عن النخب ودورها في إصلاح المجتمع.‏
كما كان للحسب والنسب، دوره الرئيس في ارتفاع درجة فئة القبائل والمشايخ، في سلم التدرج الاجتماعي، وذلك في دراسة أبو عليه، والغامدي، والكادي، وهو ما ذكره ابن خلدون وأسماه معيار الجاه، الذي يرفع من يحمله لفئة أعلى من الذين ليسوا لهم جاه يرفع من درجتهم.‏
اعتمدت غالبية الدراسات على النظرية الصراعية في تفسير حتمية ظاهرة التدرج، وأنها عبارة عن صراعات بين جماعتين الأولى غالبة، والأخرى مغلوبة. بينما نجد أن تفسير الفارابي وابن سينا كان أكثر وضوحاً، يمكن الاعتماد عليه باعتبار التدرج الاجتماعي ظاهرة طبيعية وحتمية وضرورية للمجتمع.‏
ـ الخاتمة:‏
في ضوء العرض السابق لأهم ما جاء في التراث العربي الإسلامي، من إشارات وأحداث وآراء لظاهرة التدرج الاجتماعي، يمكن استخلاص النتائج الرئيسة التالية:‏
ـ من خلال استعراض الدراسة لجهود المفكرين في التراث العربي الإسلامي في تناول التدرج الاجتماعي، اتضح أسبقيتهم على علماء الاجتماع في العصور الحديثة، الذين تناولوا ظاهرة التدرج الاجتماعي.‏
ـ أكد مفكرو التراث العربي الإسلامي وبخاصة الفارابي والبيروني وابن سينا وابن خلدون حتمية التدرج الاجتماعي، ودوره الرئيس في تنظيم الحياة الاجتماعية للمجتمع، وهم بذلك قد سبقوا النظرية الوظيفية وعلماءها ومنهم ليفي، وكنجزلي دافيز، وولبرت مور.‏
ـ أن محددات ومعايير التدرج الاجتماعي التي تعرضها الاتجاهات النظرية لعلم الاجتماع، كانت قد حددها مفكرو التراث العربي الإسلامي وبخاصة ابن خلدون وابن طفيل، باعتبار أن ظاهرة التدرج الاجتماعي، حظيت باهتمام كبير في المجتمعات العربية الإسلامية.‏
ـ صنف مفكرو التراث العربي الإسلامي فئات المجتمع وفق معايير محددة، وبطريقة ترتيبية تحدد الفئات الأعلى والأدنى، بطريقة علمية، تعتمد على محكات معينة، وبخاصة ابن خلدون، وإخوان الصفا، والمقريزي.‏
ـ أن لظاهرة التدرج الاجتماعي جذورها التاريخية والاجتماعية منذ وقت مبكر، وإدراكاً رئيساً لأهميتها ودورها في تقدم ونمو المجتمع المبنية على وحدته.‏
ـ أن الإسلام قد أتاح الفرصة للناس كي يتفوّق بعضهم على بعض دون أذى بغيرهم، ووفق ضوابط معينة، واعتبار ذلك جزءاً رئيساً لاستمرار الحياة الإنسانية، وسنة إلهية في الكون.‏
ـ أن غالبية الدراسات العربية المعاصرة، قد تأثرت في تفسيرها لظاهرة التدرج الاجتماعي في المجتمعات العربية، بالاتجاهات النظرية الغربية، ولم تكن هناك إشارة لأي من مفكري التراث العربي الإسلامي، وكان هناك شبه تغييب لجهود هؤلاء المفكرين، عند تفسير نتائج تلك الدراسات، مما قد يكون حرم المجتمعات العربية من الإفادة من نتائج تلك الدراسات.‏
وبالتالي فهي دعوة للباحثين في علم الاجتماع في مختلف الظواهر الاجتماعية، للرجوع للتراث العربي الإسلامي، لربط القضايا والظواهر الاجتماعية المعاصرة، بما سطر في كتب التراث العربي الإسلامي، من أجل الوصول إلى تفسير أكثر دقة، وأقرب إلى المصداقية، لنسهم جميعاً في النهوض بمجتمعاتنا العربية والإسلامية في سعيها للنهوض والتقدم.‏

المراجع:‏
1ـ الأحكام السلطانية. أبو الحسن الماوردي، تحقيق أحمد مبارك، الكويت: دار ابن قتيبة، 1989.‏
2ـ أسس علم الاجتماع. محمود عودة، بيروت: دار النهضة العربية، د ت.‏
3ـ أسس علم الاجتماع. السيد عبد المعطي، وسامية جابر القاهرة: دار المعرفة الجامعية، 1997.‏
4ـ الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز. عبد الفتاح أبو علية، الرياض: دار المريخ، 1998.‏
5ـ الإعاقة في التراث العربي الإسلامي. مختار عجوبة وآخرون، الرياض: مطابع جامعة الملك سعود (1999).‏
6ـ البدء والتاريخ. ابن المظهر، غير مبين مكان وسنة النشر.‏
7ـ البعد الإصلاحي في فلسفة ابن طفيل الاجتماعية. إدريس العزام، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد (11)، جامعة الكويت، الكويت، 1983، ص 195ـ 220.‏
8ـ البناء الاجتماعي. معن خليل عمر، عمان: دار الشروق، 1992.‏
9ـ البناء الاجتماعي والطبقة. إحسان محمد الحسن، بيروت: دار الطليعة، 1985.‏
10ـ البناء القبلي والتحضر في المملكة العربية السعودية. سعيد فالح الغامدي، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 1990.‏
11ـ التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام. محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999.‏
12ـ تحليل لبعض نظريات ابن خلدون الاجتماعية. صلاح الدين خليفة الحسن، مجلة شؤون اجتماعية، العدد (74)، جمعية الاجتماعيين والجامعة الأمريكية، الشارقة، 2002، ص 139ـ 150.‏
13ـ التدرج الاجتماعي والحراك عبر الأجيال. يسري عبد الحميد. مجلة الآداب والعلوم الإنسانية. المنيا: جامعة المنيا، كلية الآداب، العدد 28، 1999.‏
14ـ تضاريس الخريطة الطبقية في الوطن العربي، محمود عبد الفضيل، مجلة المستقبل العربي، العدد (95)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987.‏
15ـ تطور علم اجتماع التنمية في الوطن العربي. حيدر إبراهيم علي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (1)، جامعة الكويت، الكويت، 1987.‏
16ـ التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق. محمد الدقس، عمان: دار مجدلاوي، 1996.‏
17ـ التغير الاجتماعي في فكر مالك بن نبي. نورة السعد، رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1995.‏
18ـ التمايز الاجتماعي في العمران البشري. فتحي أبو العينين، مجلة مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، العدد (2)، جامعة قطر، قطر، 1990، 299ـ 326.‏
19ـ تمهيد في علم الاجتماع. بوتو مور، ترجمة: محمد الجوهري وآخرين، القاهرة: دار المعارف، 1978.‏
20ـ التنظيم القبلي والاجتماعي التقليدي في حضرموت. عادل أحمد الكادي، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد (100)، جامعة الكويت، الكويت، 2001.‏
21ـ حول الإنتاج والوعي والتركيب الاجتماعي. محمد الجندي، القاهرة: دار الحكمة، 1983.‏
22ـ دراسات في علم الاجتماع. محمد عاطف غيث، بيروت: دار النهضة العربية، 1985.‏
23ـ دكانة الكتب. يوسف، محمد، بيروت: دار ابن حزم، 1999.‏
24ـ الديموجرافية الاجتماعية وأصولها المنهجية عند ابن خلدون. موسى أبو حوسة، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات الإنسانية، العدد (3)، جامعة مؤتة، الأردن، 2001، ص 61ـ 96.‏
25ـ سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها. محمد هيشور، رسالة دكتوراه منشورة، واشنطن: المعهد العلمي للفكر الإسلامي، 1996.‏
26ـ الشيخوخة في التراث العربي والعصر الحاضر. فاطمة عصام صبري، مجلة التراث العربي، العدد (19)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1985، ص 164ـ 192.‏
27ـ صيد الكتب. محمد يوسف، بيروت: دار ابن حزم، 2001.‏
28ـ الطبقات الاجتماعية. بيار لاوك بيروت: دار عويدات للنشر، 1983.‏
29ـ الطبقات الاجتماعية. محمد الفندي، القاهرة: دار الفكر العربي، د ت.‏
30ـ الطبقات في المجتمع الحديث. بوتو مور، القاهرة: دار الكتاب للتوزيع، 1979.‏
31ـ علم الاجتماع. بيث هيس وآخرون، ترجمة: محمد مصطفى الشعبني. الرياض: دار المريخ، 1989.‏
32ـ علم الاجتماع. عبد الحميد لطفي القاهرة: دار المعرفة، 1977.‏
33ـ علم الاجتماع. عبد الباسط حسن، القاهرة: مكتبة غريب، 1982.‏
34ـ علم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث. محمد الجوهري، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1990.‏
35ـ علم الاجتماع ومدارسه. مصطفى الخشاب، القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1965.‏
36ـ العلم فضله وشرفه. ابن القيم، تحقيق علي بن حسن الحلبي الأثري. الرياض: مجموعة النفائس الدولية للنشر والتوزيع، 1996.‏
37ـ الفكر الاجتماعي وتطوره عند العرب والمسلمين. عبد الله بن حسن العبادي، الرياض: مطابع سمحة، 1992.‏
38ـ في البدء كان الصراع جدل الدين والأثنية، الأمة والطبقة عند العرب. خلدون النقيب، لندن: دار الساقي، 1997.‏
39ـ الكامل في التاريخ. ابن الأثير، القاهرة: دار الفضيلة، 1982.‏
40ـ مبادئ علم الاجتماع. سناء الخولي، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1980.‏
41ـ المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي. حليم بركات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1980.‏
42ـ المجتمع والثقافة والشخصية. علي عبد الرزاق جلبي. بيروت: دار النهضة العربية، 1987.‏
43ـ مختصر السيرة النبوية لابن هشام. محمد عفيف الزعبي، جدة: دار المطبوعات الحديثة، 1982.‏
44ـ المدينة الفاضلة للفارابي. علي عبد الواحد وافي، جدة: شركة عكاظ للنشر والتوزيع، 1984.‏
45ـ المساواة في الإسلام. علي عبد الواحد وافي، جدة: دار المعارف، 1987.‏
46ـ المستطرف في كل فن مستظرف. الأبشيهي، جدة: دار المعارف، 1987.‏
47ـ معجم علم الاجتماع. دينكن ميشيل، ترجمة إحسان الحسن، بيروت: دار الطليعة، 1986.‏
48ـ معجم علم الاجتماع. عبد الهادي الجوهري، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، د ت.‏
49ـ مقدمات في علم الاجتماع. جورج لابساد ولورو رينيه، ترجمة: هادي ربيع، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1986.‏
50ـ مقدمة ابن خلدون. عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، بيروت: المكتبة العصرية، 1990.‏
51ـ مقدمة في علم الاجتماع. إنكلر، إليكس، ترجمة: محمد الجوهري وآخرين، القاهرة: دار المعارف، 1977.‏
52ـ نحو علم اجتماع إسلامي. موسى أبو حوسة، عمان: دار القدس للنشر والتوزيع، 1988.‏
53ـ النظرية الاجتماعية. كول، ترجمة: عبد الوهاب الكيالي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1988.‏
54ـ النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس. إيان كريب ترجمة: محمد حسين غلوم. سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1999.‏

الهوامش :
 (1) المجتمع والثقافي والشخصية. علي عبد الرزاق جلبي، بيروت: دار النهضة العربية، 1987، ص21.‏
(2) التدرج الاجتماعي والحراك عبر الأجيال. يسري رسلان مجلة الآداب والعلوم الإنسانية. المنيا: جامعة المنيا، كلية الآداب، العدد 28، 1999، ص20.‏
(3) التدرج الاجتماعي والحراك عبر الأجيال، مرجع سابق، 1999، ص9.‏
(4) تحدث عن ذلك بتوسع في كتابه: تمهيد في علم الاجتماع. بوتو مور ترجمة: محمد الجوهري وآخرين، القاهرة: دار المعارف 1987، ص227.‏
(5) علم الاجتماع. بيث هيس وآخرون، ترجمة: محمد مصطفى الشعبني. الرياض: دار المريخ، 1989، ص266.‏
(6) للتوسع انظر في ذلك: مقدمة في علم الاجتماع. اليكس انكلر ترجمة: محمد الجوهري وآخرين، القاهرة: دار المعارف، 1977، ص160.‏
(7) أسس علم الاجتماع. السيد عبد المعطي وسامية الساعاتي، القاهرة: دار المعرفة الجامعية 1997، ص83.‏
(8) دراسات في علم الاجتماع. محمد عاطف غيث، بيروت: دار النهضة العربية، 1985، ص152.‏
(9) علم الاجتماع. عبد الحميد لطفي، القاهرة: دار المعرفة 1977، ص173.‏
(10) علم الاجتماع ومدارسه. مصطفى الخشاب، القاهرة: الدار القومية للطباعة والنشر، 1965، ص279.‏
(11) ومن تلك الكتب: 1 ـ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، القاهرة: دار الفضيلة، 1982.‏
2 ـ البدء والتاريخ. ابن المظهر، لم يذكر مكان وسنة النشر.‏
3 ـ المستطرف في كل فن مستظرف، الابشيهي، جدة: دار المعارف، 1987.‏
4 ـ مختصر السيرة النبوية لابن هشام. محمد عفيف الزعبي، جده: دار المطبوعات الحديثة، 1982.‏
(12) التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق. محمد الدقس، عمان: دار مجدلاوي، 1996، ص11.‏
(13) حول الإنتاج والوعي والتركيب الاجتماعي. محمد الجندي، القاهرة: دار الحكمة، 1983، ص145.‏
(14) تطور علم اجتماع التنمية في الوطن العربي. حيدر إبراهيم علي، مجلة العلوم الاجتماعية، العدد (1)، جامعة الكويت، الكويت، 1987، ص145 ـ 177.‏
(15) ومن تلك الدراسات التي تناولت قضايا محددة في التراث العربي الإسلامي:‏
* الديموجرافية الاجتماعية وأصولها المنهجية عند ابن خلدون. موسى أبو حوسه، مجلة مؤتة، العدد(3)، جامعة مؤتة، الأردن، 2001، ص61 ـ 96.‏
* التمايز الاجتماعي في العمران البشري. فتحي أبو العينين، مجلة مركز الوثائق والدراسات الإنسانية، العدد (2)، جامعة قطر، قطر، 1990 ص299 ـ 326.‏
* تحليل لبعض نظريات ابن خلدون الاجتماعية. صلاح الدين خليفة، مجلة شؤون اجتماعية، العدد (74)، جمعية الاجتماعيين، الشارقة، 2002، ص193 ـ 150.‏
* التغير الاجتماعي في فكر ملك بن نبي. نورة السعد، رسالة دكتوراه غير منشورة، قسم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1995.‏
* الشيخوخة في التراث العربي والعصر الحاضر. مفاطمة عصام صبري، مجلة التراث العربي، العدد (19)، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1985، 164 ـ 192.‏
* الإعاقة في التراث العربي الإسلامي. مختار عجوبة وآخرون، الرياض: مطابع جامعة الملك سعود، 1999.‏
* البعد الإصلاحي في فلسفة ابن طفيل الاجتماعية. إدريس العزام، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد (11)، جامعة الكويت، الكويت 1983، ص195 ـ 220.‏
(16) معجم علم الاجتماع. عبد الهادي الجوهري، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، د ت، ص49.‏
(17) معجم علم الاجتماع. ميشيل دنكن، ترجمة إحسان الحسن، بيروت: دار الطليعة، 1986، ص211.‏
(18) في البدء كان الصراع جدل الدين والأثنية، الأمة والطبقة عند العرب. خلدون حسن النقيب، لندن: دار الساقي، 1997،‏
ص73.‏
(19) تمهيد في علم الاجتماع، 1978، مرجع سابق، ص227..‏
(20) الطبقات الاجتماعية. بيار لاروك، بيروت: دار عويدات للنشر، 1983، ص11.‏
(21) الطبقات الاجتماعية. محمد ثابت الفندي، القاهرة: دار الفكر العربي، ب د، ص30.‏
(22) علم الاجتماع. عبد الباسيط حسن، القاهرة: مكتبة غريب، 1982، ص345.‏
(23) مقدمات في علم الاجتماع. جورد لابساد ورينيه لورو، ترجمة: هادي ربيع، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1986، ص106.‏
(24) النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس. إيان كريب، ترجمة: محمد حسين غلوم. سلسلة عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1999، ص204.‏
(25) علم الاجتماع. 1982، مرجع سابق، ص137.‏
(26) البناء الاجتماعي والطبقة. إحسان محمد الحسن، بيروت: دار الطليعة، 1985، ص62.‏
(27) البناء الاجتماعي. معن خليل عمر، عمان: دار الشرق، 1992، ص278.‏
(28) علم الاجتماع. 1989، مرجع سابق، ص268.‏
(29) تمهيد في علم الاجتماع. 1978، مرجع سابق، ص248.‏
(30) أسس علم الاجتماع. 1997، مرجع سابق، ص99.‏
(31) علم الاجتماع. 1989، مرجع سابق، ص268.‏
(32) مبادئ علم الاجتماع. سناء الخولي الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية 1980، ص176.‏
(33) الطبقات في المجتمع الحديث. بوتو مور، القاهرة: دار الكتاب للتوزيع، 1979، ص106.‏
(34) النظرية الاجتماعية. كول، ترجمة: عبد الوهاب الكيالي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1988، ص39.‏
(35) نحو علم اجتماع إسلامي. موسى أبو حوسه، عمان: دار القدس للنشر والتوزيع، 1988، ص20.‏
(36) المساواة في الإسلام. علي عبد الواحد وافي، جدة: شركة عكاظ للنشر والتوزيع، 1983، ص9.‏
(37) صيد الكتب. محمد خير يوسف، بيروت: دار ابن حزم، 2001، ص59.‏
(38) انظر في ذلك: العصبية الجاهلية في ميزان الكتاب والسنة. فريد مصطفى سلمان، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، العدد (1)، جامعة مؤتة، الأردن، 2001، ص314 ـ 341.‏
(39) تحليل لبعض نظريات ابن خلدون الاجتماعية. 2002، مرجع سابق، ص139.‏
(40) مختصر السيرة النبوية. 1983، مرجع سابق، ص50.‏
(41) مختصر السيرة النبوية. 1983، مرجع سابق، ص51.‏
(42) الأحكام السلطانية. أبو الحسن الماوردي، تحقيق أحمد مبارك، الكويت: دار ابن قتيبة، 1989، ص182.‏
(43) الأحكام السلطانية. 1989، مرجع سابق، ص101.‏
(44) التأزم السياسي عند العرب وسوسيولوجيا الإسلام. محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999، ص109.‏
(45) للتوسع أنظر: العلم فضله وشرفه. ابن القيم، تحقيق علي بن حسن الحلبي الأثري. الرياض: مجموعة النفائس الدولية للنشر والتوزيع، 1996، ص95.‏
(46) العلم فضله وشرفه. 1996، مرجع سابق، ص96.‏
(47) الأبشيهي، مرجع سابق، ص740.‏
(48) ابن الأثير، مرجع سابق، ص606.‏
(49) سنن القرآن في قيام الحضارات وسقوطها. محمد هيشور، رسالة دكتوراه منشورة، واشنطن: المعهد العلمي للفكر الإسلامي، 1996، ص217.‏
(50) المدينة الفاضلة للفارابي. علي عبد الواحد وافي، جدة: شركة عكاظ للنشر والتوزيع، 1984، ص102.‏
(51) الفكر الاجتماعي وتطوره عند العرب والمسلمين. عبد الله حسن العبادي، الرياض: مطابع سمحة، 1992، ص138.‏
(52) الفكر الاجتماعي وتطوره عند العرب والمسلمين، 1992، مرجع سابق، ص136.‏
(53) تمهيد في علم الاجتماع 1978، مرجع سابق، ص 227.‏
(54) الفكر الاجتماعي وتطوره عند العرب والمسلمين، 1992. مرجع سابق، ص 208.‏
(55) البعد الإصلاحي في فلسفة ابن طفيل الاجتماعية. إدريس العزام، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد (11)، جامعة الكويت، الكويت، 1983 ص196.‏
(56) مقدمة ابن خلدون. ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، بيروت: المكتبة العصرية، 1995، ص 362.‏
(57) التمايز الاجتماعي في العمران البشري. فتحي أبو العينين، مجلة مركز الوثائق و الدراسات الإنسانية، العدد (2)، جامعة قطر، قطر، 1990 ص321.‏
(58) في البدء كان الصراع جدل الدين والأثنية، الأمة والطبقة عند العرب 1997. مرجع سابق، ص 86.‏
(59) دكانة المكتب. يوسف محمد، بيروت. دار ابن حزم، 1999، ص31.‏
(60) البناء الاجتماعي والطبقة. إحسان محمد الحسن، بيروت، دار الطليعة، 1985، ص 120.‏
(61) الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز. عبد الفتاح أبو عليه، الرياض: دار المريخ، 1998، ص.‏
(62) البناء القبلي والتحضر في المملكة العربية السعودية. سعيد فالح الغامدي، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث، 1990، ص 92.‏
(63) المجتمع العربي المعاصر: بحث استطلاعي اجتماعي، حليم بركات، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1984، ص 148.‏
(64) أسس علم الاجتماع. محمود عودة، بيروت: دار النهضة العربية، د. ت، ص 177.‏
(65) تضاريس الخريطة الطبقية في الوطن العربي. عبد الفضيل محمود، مجلة المستقبل العربي، العدد (95)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987، ص 88.‏
(66) علم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث. محمد الجوهري، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1990، ص 301.‏
(67) في البدء كان الصراع جدل الدين والأثنية، الأمة والطبقة عند العرب. خلدون النقيب، لندن: دار الساقي، 1997، ص.‏
(68) التنظيم القبلي والاجتماعي التقليدي في حضرموت. عادل أحمد الكادي، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، العدد (100)، جامعة الكويت، الكويت، 2001، ص 51ـ 150.‏

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟