إن دارس الأساطير سرعان ما يقع في هواها وهذا ما لاحظه إيفانز برتشارد وكذلك كلود ليفي ستراوس في تعليقهما على فرويد في تحليله لأسطورة أوديب، فقد ابتدع فرويد أسطورته الخاصة عن الأب البدئي الذي قتله الأبناء والتهموه ثم عبدوه في صورة طوطم. ومن وجهة نظر ستراوس أنه يمكن رصف أسطورة فرويد في عداد الأساطير الأوديبية العديدة.
في كتابه الموسوم بـ»المتن والهامش ، 1997 « يذهب حسن قبيسي إلى القول: إن أصحاب الفكر التاريخي الذين ما برحوا قياس البيضة على الباذنجانة يجدون أنفسهم نتيجة عجزهم عن فهم بنية المجتمع العربي التقليدية ومقوماته، في مواجهة مع هذا المجتمع الذي يظهر عصياً على التغيير، وذلك بهدف إدخاله إلى جنة الفكر التاريخي، مع العلم أن الناس لا تريد أن تدخل الجنة ولو بضربات الهراوة على حد تعبير لينين ذات مرة. لذلك ليس غريباً أن يظهر بين آن وآخر حجّاج جديد على حد تعبير قبيسي، يقوّم اعوجاج أهلنا الأسطوري بحد السيف ويدخلهم عنوة إلى جنة الفكر التاريخي. يقول قبيسي، إن المثقفين العرب من ذوي الفكر التاريخي ودعاته لا بد أن يكونوا أقرب إلى منهجية الفكر الغربي(التاريخي بامتياز) في تفكيرهم، ومن ثم أبعد من ذهنية جموع مجتمعاتهم التي هي لا تاريخية من حيث فكرها وتعاملها مع أحداث الزمان وتجاربه وعبره.. وأن النوايا السليمة لا تجد فتيلاً في هذا المجال. فمهما زعم هؤلاء المثقفون وصلاً بليلى جموعهم، فهم لا بد مصطدمون لأن بينهم وبين هذه الجموع صدعاً لا يرأب إلا بشق الأنفس وقمعها، واعوجاجاً لا يقوّم. هل أردف أحد: إلا بحد السيف«؟(1).
كانت الدعوة إلى تقويم اعوجاج أهلنا قد وجدت تعبيرها في الدعوة، إلى إحراق المجتمع التقليدي العربي، أو البجعة المحتضرة مهما كانت الآلام التي ترافقها، ثم بعثها من رمادها من جديد على أنغام الأوركسترا التي يعزفها حجّاج هذا الزمان، الذي يعزف لحناً مادوياً تاريخياً لا يطرب الآذان.
كان قياس البيضة على الباذنجانة، قد أخذ مداه، لكن العقد الأخير من قرننا المنصرم، شهد تحولاً مضاداً من داخل الإطار نفسه، أي إطار المادية التاريخية، في محاولة لاستدراك ما فات، والتأسيس لنهج جديد، يطال التراث عموما، وليس حصرا، التراث العربي الإسلامي. وقد دشن هذا الاتجاه الباحث المصري سيد القمني حفيد تحتمس الثالث كما يحلو له أن ينتسب(2).
مع كل الضجة التي أحدثها كتابه »رب الزمان« الصادر في النصف الثاني من عقد التسعينيات، إلا أن كتابه »الأسطورة والتراث، 1992« يظل بامتياز، هو الكتاب العمدة والأهم، الذي أراد له مؤلفه أن يكون تأسيساً لنهج من البحث ولرؤية جديدة تطال التراث، ومن هنا نفهم مساعي القمني إلى إحداث قطيعة معرفية مع النهج الذي يقيس البيضة على الباذنجانة، بصورة أدق، مع الفهم الكلاسيكي والتقليدي الشائع الذي يرى الأساطير على أنها أباطيل وخرافات، ولذلك نراه يختط خطاً موازيا ومقارباً للفهم الجديد الذي يطمح إلى إعادة الاعتبار للأسطوري والعجائبي. من هنا هذا الثناء من قبل حسن حنفي على جهده، الذي رآه خطوة مهمة وغير مسبوقة، تتسم بالجرأة والصرامة النقدية وتؤسس القاع إلى علم أديان مقارن لما يزل غائباً عن الجامعات المصرية. ومن قبل نصر حامد أبو زيد والذي جاء ثناؤه على شكل تحية إلى سيد القمني وإلى جهوده في انتاج وعي علمي بالتراث، وإلى دوره المنتظر في إضاءة التاريخ والتراث، وإضاءة الواقع بالفهم والوعي والتنوير(3).
في سعيه إلى إحداث قطيعة مع الفهم التقليدي السائد للأسطورة، راح القمني يؤكد على أن الأسطورة هي حفرية حية لها تاريخ حي يمكن قراءته في تفاصيلها التكوينية، وهي من جهة أخرى تسجيل للوعي واللاوعي في آن معا. ولكن القمني لم يستطع أن يندفع إلى الأمام بسبب من »كعب آخيل« وما أقصده هنا هو احتماؤه بالمادية التاريخية كمنهج علمي، باعتبارها أحد الأدوات الأساسية في هذا التعامل مع الأسطورة والتاريخ معا(4). من هنا جنوحه إلى تقييد نفسه ويظهر هذا في قوله »الأسطورة تشتمل أيضاً على حقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسرها بعد ربطها بشرطها التاريخي«(5) هكذا يعيدنا القمني إلى نقطة البدء، إذ لا يمكن فهم الأسطورة إلا بشرطها التاريخي، بذلك تكون الأسطورة تاريخاً مشوهاً تكمن مهمة الباحث في إزالة عوارض الزمن عن هذا التاريخ. وبذلك يعود التاريخ إلى نقائه وتذهب الأسطورة إلى مزبلة التاريخ بعد إلقاء القبض عليها. وهذا ما فعله القمني جيداً في دراسته لسير الملوك الأربعة(سليمان الحكيم، والاسكندر ذي القرنين والنمرود بن كنعان وبخت نصر) السير التي تشكل نموذجاً لذلك التداخل بين الأسطوري والتاريخي.
بسبب من »كعب آخيل« لا يتقدم القمني قليلاً باتجاه تحليل الأساطير، أضف إلى ذلك غيابه عن فهم الكيفية التي يتحول فيها الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري ولماذا ؟ من هنا نفسر ميله إلى القيام بنقد تاريخي كالذي دعا إليه محمد أركون في »تاريخية الفكر العربي الإسلامي(6). وذلك بهدف تحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات الميثولوجية العديدة والمتأخرة بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس. وعلى سبيل المثال. فالمعطيات الميثولوجية التي نعثر عليها في كتب وروايات وتفاسير تقدم لنا سليمان بن داوود على أنه ملك ملك الأرض وما عليها، من مشرقها إلى مغربها. يرأس مملكة من العجائب وما تحويه من مردة وعفاريت وجن وشياطين، تجري الرياح بأمره، وله جيش جرار قوامه عشرون ألف فارس، فيه عشرون فرساً من ذوات الأجنحة، يعيش في قصر مرصع بالدر والياقوت والمرمر والذهب ومملوء بالجواري الحسان، خاصة وأن الله قد وهبه قوة أربعين رجلاً في مباضعة النساء. أما معطيات التاريخ الواقعي المحسوس، فتظهر لنا، كما يقودنا القمني إلى أن مملكة سليمان ليست أكثر من محمية مصرية على حدود مصر الشرقية، وأنها كانت مملكة ضعيفة، وأن هيكل سليمان المرصع بالجواهر ليس أكثر من نسخة رديئة لهياكل الكنعانيين، وأن مملكة سليمان كانت تدفع الجزية لملك حيرام في صور وصيدا كما يقول العهد القديم(7).
عبر نفس المنهج الذي يرمي إلى فض الاشتباك بين الأسطورة والتاريخ، يقوم القمني بدراسة شخصية اسكندر ذي القرنين كما جاءت في القرآن الكريم وفي المرويات العديدة وكتب الأخبار والإسرائيليات، ليستنتج منها أن اسكندر ذي القرنين هو الاسكندر المقدوني، وإنه صياغة بدوية عاجزة عن إدراك الحقائق التاريخية الضخمة والإنجازات الإنسانية، فلجأت إلى الخيال لتعوض ذلك، يقول القمني: حيث لم يكن العرب بمعزل عن الحضارات الكبرى السالفة، أو الحضارات التي عاصروها، خاصة مع صفتهم كبدو مرتحلين دوماً على أطراف الوديان الخصيبة، ومع صفتهم كعمالة رخيصة في المناجم الحدودية لإمبراطوريات الأوان، ومع امتهانهم التجارة القومسيونية في قرون ما قبل الإسلام، فقد أدى ذلك بالعربي إلى الاطلاع على شؤون تلك الحضارات ومعتقداتها، لكن الفارق الثقافي الهائل، أفسح مساحة أخرى هائلة للخيال العربي، ليسد تلك الفجوة ويعيد الاتزان المفقود، مع الانبهار بشيء مثل حدائق بابل المعلقة، أو أمام أهرامات مصر، أو قصور فارس من جنس البشر بإقامة مثل تلك الإنجازات الضخمة، بالقدرات الإنسانية وحدها، لذلك، وحتى يتقبل الجاهليون ما شاهدوه أو سمعوه، قاموا يملأون الفجوة النفسية والهوة الثقافية بردم من المعجزات، ومن ثم لم تكن شخصية عظيمة كشخصية الاسكندر، بإنجازاته خلال عمر قصير وزمن قياسي، لتفلت من صياغة بدوية، فكان أن صاغوا حوله الكثير، حتى ذكر(الدميري) اعتقاد العرب أن رجلاً كالإسكندر لابد كان مؤيداً من قوة عليا، لذلك قالوا: إن أمه وإن كانت آدمية، فإن أباه كان أحد كبار الملائكة المكرمين ويبدو - فيما يزعم(الدميري) أن هذا الأثر قد استمر إلى ما بعد الإسلام«(8).
المقطع السابق بطابعه الإنشائي، يفصح عن نظرة متعالية مشوبة بالازدراء للثقافة التي تدرسها. ولا عجب في ذلك من حفيد تحوتمس الثالث، فالثقافة العربية في منظور القمني هي ثقافة بدوية عاجزة، لنقل معه ثقافة بدائية هابها الإنجازات الحضارية الضخمة لدى الشعوب المجاورة، فلجأت إلى التخيل والخيال، بهدف سد النقص. هكذا يعيدنا القمني إلى العقلية البدائية الأسطورية التي قال بها ليفي بر ويل وركض وراءها بعض المفكرين العرب المعاصرين. ولذلك ليس غريباً أن يدعونا القمني لاحقاً إلى إسقاط الثقافة العربية من التاريخ(٩).
أعود للقول إن كتاب القمني السالف الذكر، هو مجموعة من الفصول الجريئة، وعلى سبيل المثال، نجد أنه في قراءته لموضوع الملاك النقيض أي الشيطان، يقدم لنا مجموعة من التساؤلات المهمة التي سبق لصادق جلال العظم أن أثارها، والتي تحظى بإعجاب القمني الذي يحيل القارئ إليها طلباً للمزيد(10) ففي بحثه عن صورة الشيطان في الثقافات القديمة، يظهر الشيطان على أنه ملاك الفوضى والظلام والموت والشر في ملحمة الخليقة البابلية Enuma Elish وهو أصل الشر في الميثولوجيا الفارسية الذي سبق إله الخير(هرمز) إلى الوجود، وبالرغم من غياب صورة للشيطان في الموروث الديني اليهودي إلا أن التفسيرات المتأخرة جعلت من الحية الشيطان بعينه، والكاتب يعزو هذا الغياب إلى أن »يهوه« الإله اليهودي، قد جمع النقيضين بنفسه فهو إله الخير والشر معا. في المسيحية صورة مضخمة للشيطان فقد »تركت المسيحية باباً رحباً في عقائدها، فلا نكاد نجد سفراً إنجيلياً يخلو من ذكر إبليس، مصحوباً بكل أنواع اللعنات وأقذعها«(11).فهو سبب البلاء وأصل الخطيئة أما في الإسلام فالباحث يؤكد أن قصة إبليس كانت معروفة بين عرب الجاهلية قبل الإسلام(12). وما يرجح ذلك كون عرب الجاهلية قد عرفوا الملائكة. على أن الجديد الذي يضيفه القمني والذي يندرج في إطار إعادة اعتبار للشيطان كما فعل صادق جلال العظم، هو تزكيته للشيطان، فتحول إبليس من كبير الملائكة إلى ملاك مرتد، هو نتيجة لنـزوع العقل البشري إلى التوحيد كما يتجلى ذلك في قصة إبليس واستكباره عن السجود وكما جاء في القرآن الكريم. هكذا يقودنا القمني إلى النتيجة التالية: إن البحث في تاريخ الإله النقيض يظل شاهداً على نزوع عقلاني باتجاه الوحدانية الخالصة.
في معظم فصول الكتاب الأخرى، يظهر القمني محكوماً بهاجس البحث عن أسطورة مرجعية، يجدها في الأساطير البابلية والرافدية عموما، وفي أسطورة إيزيس وأوزيريس المصرية، ويظهر ذلك جلياً في تقويمه ل »نماذج من الأساطير التوراتية ومدخل إلى فهم دورها التاريخي« الذي يشكل الفصل الخامس من الكتاب((فقد نقل اليهود جل آلهتهم معهم إلى فلسطين«(13) و»قد صاغوا ملائكتهم من حشد الآلهة القديم«(14) ومن وجهة نظر القمني وفي إطار دراسته المقارنة أنه من السهل إثبات مرجعية الميثولوجيا والأساطير العبرية وإعادتها إلى الموروث الرافدي، لكن القمني يستدرك بقوله: أن العبرانيين قاموا بعد تعرفهم على الموروث الرافدي أثناء أسرهم في بابل بإعادة صياغة ما عرفوا ضمن رؤية خاصة ومؤدلجة تخدم تطلعاتهم الجديدة ونسبوها لأنفسهم إلى أن نفض الغبار عن الرقم الطينية بعد الاكتشافات الأثرية الحديثة »و الباحث القمني الذي يؤكد على سرقة كهنة اليهود للثقافات البابلية والرافدية العظيمة، لا يقدم لنا الدليل عن الكيفية التي حدت باليهود البدو إلى تمثل الثقافات القديمة وهضمها لصالحهم. أضف إلى ذلك أن تحليلات القمني وانطباعاته تجعل من الدين اليهودي لعبة كبار الكهنة، وهذا النهج سار عليه الكثير من المؤلفين العرب، لكنه لا يفسر لنا لماذا تستمر هذه اللعبة الأسطورية إن جاز التعبير في زماننا الحاضر ؟
كنت قد أشرت في دراسات سابقة في مجال الأسطورة، أن دارس الأساطير سرعان ما يقع في هواها حتى لو كان محصناً بآية الكرسي لدى الماديين الجدليين. وهذا ما لاحظه إ. إيفانز برتشارد وكذلك كلود ليفي ستراوس في تعليقهما على فرويد في تحليله لأسطورة أوديب، فقد ابتدع فرويد أسطورته الخاصة عن الأب البدئي الذي قتله الأبناء والتهموه ثم عبدوه في صورة طوطم. ومن وجهة نظر ستروس أنه يمكن رصف أسطورة فرويد في عداد الأساطير الأوديبية العديدة.
السيد القمني يرفض الفرضية الأوديبية حول الأصل الطوطمي للأضحية التي ترى أن الأبناء قد ضحوا بأبيهم الطاغية ثم جلّوه لاحقاً - بعد ندمهم - واحترموه في صيغة طوطم الذي يقدم كأضحية في كل عيد. ولذلك فهو يرى وبناءً على رؤية تأملية خاصة به لكلمة الأضحية والتضحية العربيتين، أن الأب الأول كان فاديا، ضحى بنفسه دفاعاً عن بنيه في وجه ضواري ذلك الزمان فاستحق بذلك الإجلال والتقدير، الذي وجد تعبيره في عبادة القمر، العبادة التي تميز المجتمعات الرعوية نظراً للتشابه بين الهلال وقرني الخروف أو الثور. فقد تصور الإنسان أن هذا الحيوان إن هو إلا سلفه المعبود، فقام بذبحه في احتفالات خاصة، ثم أكله ليحتويه في أحشائه وبطنه، تذكاراً بتلك الأيام الغابرة«(15). بهذا يثبت المحتكمون إلى المادية التاريخية، أنهم أيضاً يصابون بعدوى الأسطورة، فيهيمون في كل واد، وبالأخص في وادي الأسطورة، وراء كان يا ما كان في قديم الزمان على حد تعبير برتشارد في تعليقه على أسطورة فرويد عن الأب البدئي؟
ما بين الحدث التاريخي والحدث الأسطوري:
محاولــة لـفض الاشتبــاك:
عن طواعية وإصرار، وعن ميل جارف إلى البحث في اللامفكر فيه، الذي يشمل ما هو أسطورة وعجائبي.. إلخ، وعن قصد ونية مسبقة إلى الدخول في مفاهيم ما بعد الحداثة وإشكالياتها النظرية، والأهم من كل ذلك، استخدامها على صعيد المنهج والأداة لسبر التاريخ القديم، بكل تجلياته وبالأخص فيما يمكن أن يصطلح عليه بالتاريخ / الأسطورة، الذي تشكل الأسطورة متنه وهوامشه بآن. أقول عن طواعية يجازف فاضل الربيعي في بحثه عن »الشيطان والعرش: رحلة النبي سليمان إلى اليمن، 1996« في الدخول إلى عالم الميثولوجيا الإسلامية«، إلى الحقل المسيج بالألغام على حد تعبير محمد أركون والتي تظل عند الربيعي مضمرة بالتاريخ الحقيقي المغطى بركام هائل من الهرطقات الأسطورية.
أقول عن طواعية يقبل الربيعي التحدي، لذلك فهو يشرع بالسفر بحثاً عن الخلود، ويجازف في المرور في حقل الألغام والجبال السبعة كعادة أبطال الميثولوجيات القديمة. وبقبوله التحدي والمجازفة، يقودنا إلى الرحاب الواسعة لنص ممتع جدير بالقراءة. إنه يقرأ في الميثولوجيا ما لم يقرأ بعد، وذلك في إطار سعيه إلى رؤية الأصل الشامخ على حد تعبيره، الذي انبثقت منه الميثولوجيا الإسلامية التي تتحدث عن رحلة النبي سليمان إلى اليمن كما جاءت في سورتي سبأ والنمل.
إذا كانت »الجذور تهاجر في الاتجاه المعاكس« على حد تعبير أمل دنقل، فإن فاضل الربيعي يسير في الاتجاه المعاكس. إنه يعيد طرح التساؤل الهام عن الكيفية التي يتحول بها الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري ولكنه يذهب وكما أسلفت في الاتجاه المعاكس وذلك عندما يقوم باستخلاص التاريخي من الأسطوري والذي يتكشف عن نزعة مادوية في قراءة التاريخ والميثولوجيا، هي من وجهة نظرنا لوثة فكرية بقيت كراسب ماركسوي في ثقافتنا المعاصرة، وهذا لا يعني أن الربيعي قد وقع في براثنها لكننا نرصد آثارها في كتابات الراديكاليين العرب مثل صادق جلال العظم والطيب تيزيني وبصورة خاصة كتابات الدكتور السيد القمني وبخاصة في كتابه الموسوم بـ»الأسطورة والتراث« الذي قرأناه قبل قليل.
في سعيه لاستخلاص الواقعي والتاريخي من الأسطورة ينطلق الربيعي من القرآن الكريم، من سورة النمل وسبأ، ففي سورة النمل نقرأ الآية »فمكث غير بعيد - أي الهدهد - فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون« النمل 22-24 وتحدثنا الآيات من 42-44: التالي»فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين. وصدّها ما كانت تعبد من دون الله انها كانت من قوم كافرين. قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير. قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين«.
هذا هو الإطار الميثولوجي الذي ينطلق منه الربيعي ومن وجهة نظره أن ما هو ميثولوجي هو ناطق رسمي بالحقيقي يقول الربيعي: إن ما فهم طوال الوقت على أنه مجرد أساطير وخرافات إنما هو بالنسبة لي تاريخ حقيقي أندثر تحت عدة طبقات من الأخبار والقصص الشفاهية الميالة تلقائياً إلى إضفاء طابع غرائبي على الأشياء، وإن مهمتي هي على وجه الضبط القيام بمحاولة أولية لإزاحة جزء من الركام الذي يحجب التاريخ، ويمنعنا من رؤيته لا أكثر«(16).
الحقيقة أن الربيعي لا يقوم بمحاولة أولية بل يقوم بمحاولة كبرى، لنقل بمحاولة تأسيسية لدراسة الميثولوجيا الإسلامية وهو جهد ريادي إلى جانب جهود قليلة في هذا المجال كان محمد أركون قد دشن لها منذ سنوات قليلة.
الكتاب برمته مصمم من أجل الوصول إلى الهدف، يقول الربيعي: كان علي أن أسلك طرقاً أخرى قصد الوصول إلى الهدف الذي صممت بحثي من أجله، أي رسم صورة أدبية عن لقاء النبي سليمان وبلقيس، وهذه الطريق كانت تفضي في نهاية المطاف إلى الانغماس جدياً في البحث عن شيء ما من الحقيقة فيما رسمته الميثولوجيا الإسلامية لأولئك الملوك الأسطوريين«(17).
ما بين الصورة الميثولوجية والصورة الأدبية التي يرسم الربيعي ملامحها ميثولوجياً حيث ينجح بذلك يشفع له في هذا بعده الروائي، فمن وجهة نظرنا أنه من الممكن للروائي أن يرث المؤسطر، وشاهدي على ذلك هي رواية »أولاد حارتنا« لنجيب محفوظ والتي تشير مباشرة إلى ذلك الإرث المشترك الذي يجمع الروائي بالمؤسطر.
أعود للقول أنه ما بين الصورة الميثولوجية والصورة الأدبية يجتهد الربيعي وعبر بحث مضن عن مجموع الهرطقات الأسطورية المبثوثة في ثنايا الكتب التراثية ككتب الطبري والتيجاني والابشيهي وكتب اللاحقين وأهمها كتاب جواد علي »المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام« واجتهادات كمال الصليبي وكذلك الرقم الطينية للأساطير البابلية التي كشف عنها صموئيل نوح كريمر إلى عدد كبير آخر بالإضافة إلى توظيفات دقيقة لمفهوم المقدس والمدنس وبخاصة مفهوم العنف المؤسس. يقوم الربيعي في البحث وتجميع الخيوط التي تحكي قصة اللقاء التاريخي بين النبي سليمان والملكة بلقيس من مختلف المصادر الإخبارية المتداولة وبالاستعانة المباشرة بالنص القرآني حتى وإن بدا ذلك ضرباً شاقاً من ضروب العمل«(18) أضف إلى ذلك »تهذيب ما يمكن تهذيبه من هذه الميثولوجيا وردها إلى أصولها الأبعد، وذلك عبر إيجاد دلائل وبراهين قابلة لأن تحل محل ما هو خيالي«(20) والحقيقة أن الربيعي في بحثه المضني هذا ينجح في رسم الملامح الدقيقة لذلك التاريخ البعيد الذي يحكي صراعات ملوك حمير ويرسم لنا بدقة ظهور الملكة بلقيس على مسرح الأحداث والمسرح الديني الذي كانت تتحرك عليه وطقوس الخصب المقدس التي تجعل من بلقيس كاهنة غمدان حيث كانت تمارس طقوس الجنس المقدس في الهياكل الدينية والتي تعد استمراراً لطقوس الخصب البابلية والسومرية.
يتيه الربيعي بين حبائل التاريخ الظني ولكنها الرغبة في إعادة كتابة التاريخ والتي تكمن إحدى فضائلها في التأكيد على الوحدة الثقافية للمنطقة العربية على مسار تاريخي بعيد يحلو للربيعي التنقيب عنه بين النصوص المتفرقة وجمعه من شظاياه المتناثرة خاصة وأن الأبحاث الاركيولوجية لما تزل متعثرة ووجلة وتنتظر المزيد، خاصة وأن ما يحدو الربيعي هو: إعادة إنشاء الإطار التاريخي الذي تآكل واندثر »و في رأيي أن الكتاب هو مثال للجد والهمة التي تغذيهما روح الكشف والمغامرة وحدس الرؤية والإبداع الأدبي وهذا ما يجعل من الكتاب واحداً من أهم الكتب التي تبحث في العلاقة ما بين الأسطورة والتاريخ والتي تؤسس بحق لنزعة جديدة في قراءة وتحليل الأساطير لما تزل ملامحها غير واضحة خاصة وأننا بأمس الحاجة إلى جهود ريادية في أرض الأسطورة الإسلامية، هذه الأرض البكر، جهود من شأنها، على طريقة الربيعي، أن تحررنا من مبدأ القياس السائد، الذي يقيس البيضة على الباذنجانة لنقل الأسطورة على التاريخ.
بحثاً عن الجنة: إرم ذات العماد:
لم يركن فاضل الربيعي إلى نتاج عمله السابق، وقد بدا عليه القلق، القلق من الوقوع في مصيدة المادية التاريخية المبتذلة وأحكامها المبتسرة، التي تساهم في تقزيم الإنسان والمجتمعات القديمة بحجة بدائيتها، وتقزيم الأسطوري والمقدس بحجة فواتهما، من هنا بدا له أن أحكامنا عن الأسطورة لا تزال أسيرة عاهتنا الثقافية، فقرر الهجرة في الاتجاه الآخر.
على طول المسافة الممتدة من »الشيطان والعرش: رحلة النبي سليمان إلى اليمن، دار الريس،1996« وصولاً إلى »إرم ذات العماد، 2000« ومروراً بـ»كبش المحرقة، دار الريس، 1999« ظل فاضل الربيعي مسكوناً بهاجس البحث عن حدود العلاقة بين الأسطورة والتاريخ، تحدوه روح من المغامرة في البحث عن منهج جديد واكتناه تأويل جديد للأشياء يجعل منها إمكانا لقراءة جديدة ومنفتحة، صحيح أن هذه القراءة / التأويل من شأنها أن تصطدم بالحساسيات العربية الإسلامية التي لا تعترف إلا بتفسير وتأويل الأقدمين من المفسرين والحافظين والتي تتحفظ على التأويلات الجديدة، ذلك إن لم تتهم أصحابها بالخيانة، خيانة النص المقدس وبالتالي خيانة الأمة معا.
في كتابه »الشيطان والعرش« راح فاضل الربيعي يعمل بلا كلل، على اكتناه التاريخي من خلف الأسطوري، وذلك برسم لوحة تاريخية جميلة عن الخلفية الحضارية التي جاءت منها الملكة بلقيس . وكما لاحظنا، ولكنه في »إرم ذات العماد« راح يختط خطاً في الاتجاه المعاكس، مؤثراً البحث عن إمكانات القراءة والتأويل من داخل النص الأسطوري الموازي للنص القرآني، إذ أن هذا البحث يضمن له البحث عن آفاق تأويلية رحبة. يقول الربيعي: إن البحث عن إرم بالنسبة لنا يتطلب، وقبل كل شيء، إجراءً احترازيا، إخراج المسألة برمتها من إطارها الديني، القدسي كليا وإعادة إدراجها في إطار التاريخ المتحقق. آنئذ لن تتبقى أمامنا سوى خطوة واحدة مهمة لنكون على أعتاب إمكانات جديدة للتحقق من صحة مقاصد الإشارة القرآنية التي اختلف الفقهاء بشأنها، أعني إخراج المسألة مرة أخرى من حقل التاريخ كليا، وبصورة ناجزة، وإعادة رصفها في إطار الخطاب الأسطوري«(23).
في هذا السياق، يؤثر الربيعي »البحث عن إرم« كما جاءت في الحكاية / الأسطورة التي تذكرها معظم كتب التاريخ والتفاسير، بموازاة التفسيرات العديدة والتأويلات التي طالت الآيات الكريمة التي وردت في سورة الفجر »ألم ترى كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد« الفجر 6-8 تقول الحكاية/ الأسطورة كما رواها الثعلبي في »عرائس المجالس« أن عبد الله بن قلابة خرج يبحث عن إبله الضالة في الصحراء، فوجد في طريقه مدينة من الذهب الخالص والأحجار الكريمة »روى سفيان بن منصور عن أبي وائل، قال: إن رجلاً يقال له عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل قد ضلت: أي شردت. فبينما هو في بعض صحارى عدن في تلك الفلوات، إذ وقع على مدينة لها حصن. حول ذلك الحصن قصور عظيمة، وأعلام طوال، فلما دنا منها ظن أن فيها من يسأله عن إبله، فلم يرَ فيها أحدا، لا داخلا ولا خارجا، فنزل عن ناقته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب الحصن، فإذا هو ببابين عظيمين لم يرَ في الدنيا أعظم منها ولا أطول، وإذا خشبهما من أطيب عود وعليها نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر، ضوؤها قد ملأ الكون. فلما رأى ذلك أعجبه، ففتح أحد البابين، فإذا هو بمدينة لم يرَ الراؤون مثلها قط وإذا هو بقصور معلقة تحتها أعمدة من زبرجد وياقوت، وفوق كل قصر منها غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والزبرجد، على كل باب من أبواب تلك القصور مصراع باب تلك المدينة، وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران. فلما رأى ذلك، ولم ير هناك أحداً أخذه الفزع. ثم إنه نظر إلى الأزقة، فإذا في كل زقاق منها أشجار قد أثمرت، وتحتها أنهار تجري في قنوات من فضة أشد بياضاً من الثلج. فقال: هذه هي الجنة التي وصفها الله لعباده. والحمد لله الذي أدخلني الجنة« ثم إنه حمل من لؤلؤها وبنادق المسك والزعفران وخرج حتى ناقته فركبها، ثم إنه سار يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى اليمن، فأظهر ما كان معه وأعلم الناس بأمره، ففشا خبره حتى بلغ معاوية بن أبي سفيان.
ثم يرسل معاوية في طلبه، وعندما يأتي إليه، يختلي به ليقص عليه حكاية وواقعية تلك المدينة الأسطورية. فينتاب الشك الخليفة بالرغم من أن عبدالله بن قلابة يحمل شواهده من اللؤلؤ والزعفران وبنادق المسك، يرسل الخليفة في طلب كعب الأحبار، فيعلمه هذا أن المدينة هي ارم ذات العماد، وأن الذي بناها هو شداد بن عاد، وأن مكتشفها هو رجل أحمر أشقر قصير على حاجبه خال، يخرج في طلب إبل له في تلك الصحارى فيقع على ارم ذات العماد »و هنا يبدأ كعب الأحبار برواية أسطورة شداد وكيف بنى ارم بعد وفاة أخيه شديد.(22) على طريقة دارسي الأسطورة، يقف الربيعي عند معظم الهرطقات الأسطورية لأسطورة إرم، وذلك في معظم المصادر التاريخية، عند المسعودي وابن خلدون والثعلبي ومعظم الكتب التاريخية التي تناولتها وذلك بهدف فتح إمكانات قصوى للتأويل والحركة. ومن وجهة نظره أن أسطورة إرم ذات العماد، التي يدرجها البعض من المحدثين في باب »الإسرائيليات« إنما هي من »بقايا« معتقد عربي قديم عن الحنين إلى الجنة. ومن وجهة نظر الربيعي أن حكاية عبد الله بن قلابة مع الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، وكذلك أسطورة شداد بن عاد وكيف بنى إرم ذات العماد وكما يرويها كعب الأحبار للخليفة الأموي، تكشف عن سعي حثيث من قبل الخليفة الأموي لامتلاك سر المدينة الضائعة، لنقل المدينة الجنة والمدينة الكنز واللغز معا، يقول الربيعي »امتلاك« سر المدينة«، احتكاره، هو ما يبدو هدفاً حقيقيا، فما دامت المدينة تشكل لغزاً سراً عصياً على الفهم وبعيداً عن التناول، فإن الملك(الخليفة كذلك) سوف يسعى وراءه وإن تطلب الأمر »تظاهرة مسلحة« كما هو الحال مع شداد، الذي أرغم ملوك الأرض قاطبة على الإذعان لأمره بتسليم ما لديهم من المعادن الثمينة، وهو ما يبدو أنه المحرك غير المرئي وراء تسيير قافلة من الإبل المحملة بالرجال المسلحين بدلاً من البضائع. هاتان الأسطورتان تقولان شيئاً محدداً عن المكبوت في الخطاب الأسطوري، فالملك قد لا يجد مناصاً لأجل بلوغ المدينة، امتلاك سرها، من استعارة أدوات البدوي، التي تمكن بواسطتها من الاتصال بالماضي ومعرفة اللغز«.(23) من هنا يرى الربيعي ذلك التنافس المحموم بين الخليفة وذلك الأعرابي، فالخليفة يدحض مزاعم ابن قلابة، ولكنه في الوقت نفسه يريد منه أن يطلعه على اللغز، على السر، ولكن أحيمر عاد هذا، يأتي بشواهده من الزمن الميثولوجي، فلقد دخل هذا الزمن، تسرب إليه على غفلة من الناس وأصبح جزءاً منه، وقد يكون هذا هو هدف الخليفة وهدف الناس جميعا، العيش في الزمن الميثولوجي وفي رحاب الجنة بدلاً من التيه في صحراء الحاضر. وهذا ما يفعله ابن قلابة، إنه وهو البدوي الذي يطلب أثراً لإبله، يتجه بكل حنينه نحو »مدينة أسطورية«، يشعر حيالها بأنها مكانه الأول، وطفولته الأولى والبعيدة، أما بالنسبة للخليفة، فهو لا يريد أن يشاركه أحد في معرفة سر المدينة، فالسر تاريخاً حكر على السلطة حتى لو كان الآخر يملك كل الدلائل خاصة إذا كان سر المدينة، المدينة التي تفوح مسكا وزعفرانا، وحيث يطمح الملك باستمرار إلى بنائها على غرار النموذج الميثولوجي الكوني، وهذا هو سر جميع المدن القديمة في العالم والتي تقول عنها الميثولوجيات القديمة أنها بنيت وفق أنموذج كوني وجد في السماء قبل أن يوجد في الأرض. وتذهب إحدى الحكايات / الأساطير وعلى سبيل المثال إلى القول بأن إرم هي تدمر، وإنما هي من صنع قوى خارقة، نسبها العرب إلى الجن.
لا يكتفي الربيعي وكما أسلفت في الوقوف عند إرم، بل يتعداها إلى أسطورة مماثلة تقول: إن إعرابياً اسمه »الأكيدر« من بلدة قرب عين التمر في العراق تسمى »دومة« ذهب لزيارة أخواله من بني كلب في أطراف الشام، فبينما هو يسير في بعض الطريق إذ ظهرت له مدينة مهدمة مطمورة في الرمال، لم يبق إلا بعض جدرانها وكانت مبنية بأرض تسمى الجندل(حجارة الجبل) فقام الأكيدر بإعادة بناء المدينة وغرس فيها الأشجار وسمّاها(دومة الجندل). هنا يتساءل الربيعي: ما هو المغزى الذي ينطوي عليه هذا التكرار في إيقاع الأسطورة ذاته، إنشاء مدينة في قلب الصحراء أو العثور عليها مطمورة في الرمال، ودائماً ثمة أعرابي(وعلى العكس مما ظن ابن خلدون من أن الأعراب أهل عبث وانتهاب)، ولسبب عرضي تماما، يقوم ببعثها إلى الحياة.
ما يصل إليه الربيعي في خاتمة كتابه المميز، وفي مغامراته المستمرة لفك لغز المدينة في الأسطورة العربية هو أن البحث عن إرم قد يتجاوز، بالفعل، حدود النص المقدس، أو مغزى أسطورة من الأساطير العربية القديمة، وقد يتطلب تكراراً رمزياً للفعل ذاته: الخروج إلى »الصحراء« والسعي وراء إبل ضالة، أي تكرار للمغامرة نفسها، بوسائل أخرى(24)، ونزعم والقول للربيعي أن هذه المغامرة تحمل في طياتها وعد المتعة والمعرفة بآن واحد، ونقول وعد الحلم ببناء المدينة الفاضلة؟ والأهم إعادة الاعتبار للعجائبي والأسطوري، لتلك الذخيرة العجائبية الحية، ولذلك الابن الضال(أي الأسطوري والعجائبي) الذي يهدده أبوه المعمد بالمادوية التاريخية بالخصي وعدم الاعتراف به بحجة أنه ابن سفاح من شأن حضوره أن يلوث قناعاتنا العقلية الراسخة، ومرات أنه من عالم العقل المستقيل على حد تعبير الجابري.
الهوامش والمراجع:
1- حسن قبيسي، المتن والهامش،(بيروت، المركز الثقافي العربي، 1995) ص132 وكذلك ص139.
2- في مقال له في روز اليوسف، 18 كانون الثاني/ يناير 1999. دعا القمني إلى إعادة كتابة التاريخ الحقيقي لمصر(تاريخ مصر الفرعونية والقبطية) بعيداً عن تاريخ الغزاة أي العرب المسلمين، وإلى طرح التاريخ الإسلامي جانباً باعتباره »تاريخ جماعات متشظية من قبائل عربية بلا تاريخ« وإلى اعتبار هذا التاريخ »تاريخ احتلال« لمصر، وإلى القطيعة مع »عقلية العرب الغزاة« وإلى اعتبار الرئيس المصري حسني مبارك الممثل الشرعي لتحوتمس الثالث أكثر منه ممثلاً لعمر بن عبد العزيز ؟
3- هذا ما كتبه حسن حنفي في خاتمة الكتاب وما كتبه نصر حامد أبو زيد، ص279-296 ضمن كتاب »الأسطورة والتراث«.
4- هذا ما يؤكده القمني في مقابلته المنشورة في جريدة القدس 6/٩ أيلول /سبتمبر 1997، أجرى المقابلة مجدي حسين.
5- سيد القمني، الأسطورة والتراث(القاهرة، دار سينا للنشر، والصقر العربي للإبداع في ليماسول، 1992) ص 12.
6- محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ترجمة هاشم صالح(بيروت، مركز الإنماء القومي،1986).
7- سيد القمني، الأسطورة والتراث، ص 502.
8- المصدر نفسه، ص222.
٩- سيد القمني، مقاله المنشور في روز اليوسف 18/12/1999م.
10- سيد القمني، الأسطورة والتراث، ص 43.
11- المصدر نفسه ص39-40.
12- المصدر نفسه ص40.
13- المصدر نفسه ص43.
14- المصدر نفسه، ص113. في كتابه الموسوم بـ»ديانة البدائيين في نظريات الإناسيين، يعلق الأناسي البريطاني إيفانز برتشارد على أطروحة فرويد في الطوطم والتابو« بقوله: إن فرويد يروي لنا حكاية لا يسمح لنفسه بروايتها إلا أن نابغة من نوابغ الزمان، إذ ليس ثمة أي دليل يؤيدها. لكن بوسعنا أن نقول إنها حكاية نفسانية وصحيحة، بالمعنى الذي تكون فيه الأسطورة صحيحة، رغم أنها غير مقبولة حرفياً من الناحية التاريخية. كان ياما كان - فالحكاية تبدأ كقصص الجنيات - في الزمان الذي كان البشر يشبهون القردة إلى حد ما. كان هناك ذكر يمارس سطوته.. إلخ من الحكاية الفرويدية. الكتاب ترجمة حسن قبيسي وصدر عن دار الحداثة 1986.
15- سيد القمني، المصدر السابق،ص113.
16- فاضل الربيعي، الشيطان والعرش: رحلة النبي سليمان إلى اليمن(بيروت، رياض الريس للنشر والكتب، 1996)ص12.
17- المصدر نفسه، ص13.
18- المصدر نفسه، ص20.
19- المصدر نفسه، ص20.
20- المصدر نفسه، ص20.
21- فاضل الربيعي، إرم ذات العماد: من مكة إلى أورشليم، البحث عن الجنة(بيروت، رياض الريس للنشر والكتب، 2000) ص13.
22- المصدر نفسه، ص25-32.
23- المصدر نفسه، ص41.
24- المصدر نفسه، ص41.
تركي علي الربيعو (باحث من سوريا)