ليس التقارب والرغبة في الفهم من قبل الألمان للعالمين العربي والإسلامي وليدي اليوم ووليدي مستجدات الحياة الاقتصادية بزخمها بل إن ذلك عريق يعود إلى زمن ما قبل غوته صاحب" الديوان الشرقي للمؤلف الغربي" والذي أطلق فيه مقولته الكبيرة المفارقة للأطروحة الاستشراقية العدائية :( إذا كان الإسلام يعني القنوت فعلى الإسلام نحيا ونموت).
فالمثقفون الألمان الذين عنوا بمقاربة الثقافة العربية والإسلامية بغية فهمهما انصرفوا أولا إلى القرآن باعتباره دستور الثقافة العربية والإسلامية فأول ترجمة للقرآن إلى اللغة الألمانية تمت عام 1616 عن الإنجليزية، فالقرآن كما أسلفنا هو دستور هذه الثقافة من طنجة إلى جاكرتا ،غير أن الألمان لم يحبذوا الترجمة عن طريق لغة وسيطة أي عبر الإنجليزية أو الفرنسية بل النقل عن لغة القرآن الأولى العربية ، واحتفت هذه الأوساط بصدور أول ترجمة لمعاني القرآن إلى الألمانية عن العربية مباشرة بواسطة ديفيد فريدريش ميجيرلين ولو أنها ترجمة ناقصة ويعتورها سوء الفهم والمقصد كما يوحي العنوان المختار لها "التوراة التركية أو القرآن" مع صورة للنبي كتب تحتها "محمد النبي المدعي" هكذا عنون ميجيرلين ترجمته وهي ترجمة رديئة وصفها غوته بالإنتاج البائس وقد كان غوته نفسه يعتمد في دراسة القرآن على ترجمة تيودور آرنولد عن الإنجليزية، لكن أحسن ترجمة إلى الألمانية والتي توصف بالشعرية والجيدة هي ترجمة فريدريش روكرت عام 1843 فقد كانت شعرية حقا واقتربت كثيرا من روح القرآن.
غوته الذي اكتشف الثقافة الإسلامية عبر شعر محمد حافظ الشيرازي الذي نقل إلى الألمانية عن الفارسية ديوانه الشعري المستشرق النمساوي هامر برجشتال عام 1814وقد كان الديوان الشرقي للمؤلف الغربي الذي تعد نسخته الأولى جزء من التراث الوثائقي العالمي لليونسكو محاولة جريئة في طرح الأحكام المسبقة والرغبة الشديدة في الفهم والاعتراف بالآخر وثقافته وفهمها.بل أعلن غوته صراحة :(لا توجد لغة تتجسد فيها الكلمة والروح والكتابة بهذا الشكل الأزلي مثلما هي الحال في اللغة العربية ) وكأن الديوان برمته هو رد على فولتير في مسرحيته محمد التي وسمه فيها بالمحتال دون ضمير.
سبق الحضور الألماني في الشرق والرغبة في الاكتشاف والفهم – وإن كان لبعضهم الحكم المسبق والنظرة العجائبية والولع بالعالم الأسطوري تحت شمس الشرق الحارة ونسائه المثيرات للرغبة ، الحريم- وقد كانت الرحلة سيبل تعزيز هذه النظرة مثلما هي الحال مع برنهارد فون برايدن الذي زار فلسطين في رحلة الحج إذ انطلق يوم يوم 25 نيسان عام 1483وهي تدخل ضمن السياحة الدينية وهي تهدف إلى دعم المسيحية على حساب الإسلام فقد كان الرجل قسيسا مع تقديم صورة سيئة برصد اختلالات الواقع وإحالتها على النصوص المؤسسة للثقافة الإسلامية.
وكانت رحلة الحج المتنكرة والمشهورة لهاينريش فون مالتزان( 1826/1847) والتي بدأها بزيارة المغرب والجزائر والحجاز برغبة الاطلاع والاكتشاف تحدوه روح المغامرة مع الولاء للمسيحية والتعصب لها وهي كسابقتها محكومة بالفكر المسبق والرأي المشحون ضد ما هو مختلف بل وتقزيمه وربطه بالمتخلف والعجائبي والسحري وكتب تقريرا عن رحلة الحج هذه في 750 صفحة وقد كان مالتزان ضمن 12 رجلا أوروبيا الذين رأوا الكعبة إلى ذلك التاريخ 1860 ونصوصه يطبعها طابع السخرية وسطحية الفهم لكن أهميتها تكمن في أن معرفة الآخر لم تعد سبيله الأولى القراءة بل الرحلة إليه وهذا في حد ذاته إنجاز هام.
وجاءت زيارة الإمبراطور فيلهلم الثاني أوغليوم الثاني كما تسميه المصادر العربية (1859/1941) عام 1898 بدعوة من السلطان عبد الحميد الثاني إلى إسطنبول وبعض ولايات السلطنة كالشام وفلسطين ولبنان لتوكيد الرغبة في التقارب والفهم العميق والاحترام المتبادل وقال الإمبراطور عقب عودته :( إن استقبالي في دمشق كان باهرا ومدهشا وتمنيت لو أخذ عن دمشق كيف تستقبل الملوك) وقد زار قبر الناصر صلاح الدين الأيوبي وأدى عند الضريح آيات التجلة والاحترام بل نزع غطاء الرأس وانحنى إجلالا ووضع إكليلا من البرونز صنع في برلين وللأسف سرق لورنس العرب هذا الإكليل بدعوى أنه غنيمة حرب بل أثر عنه أنه قال :(لو لم يكن لي دين عند وصولي إلى القدس لكنت قد اعتنقت الإسلام حتما) وامتدحه أمير الشعراء شوقي في شهامته وحسه النبيل ومنزعه الحضاري الإنساني:
فهل من مبلغ غليوم عنـــي
مقالا مرضيا ذاك المقامــا
رعاك الله من ملك همــــام
تعهد في الثرى ملكا هماما
وقفت به تذكره ملوكـــــــا
تعود أن يلاقوه قيامـــــــــا
حوار وتقارب ثقافي وعلمي مع العالمين العربي والإسلامي تعمق وترسخ وغدا أكاديميا في طلائع الاستعراب وما قدمه مستعربون ألمان أمثال فلايشر وبروكلمان وشاخت وهونكه وصولا إلى آنا ماريا شمل وتوماس باور وأنجليكا نويفرت والحق أن هذه الدراسات الاستعرابية الألمانية قد أفادت الثقافة العربية الإسلامية بإخراج كنوزها الرابضة في المتاحف العالمية وفي تحقيق النصوص وصيانتها وقد اتسم منهجهم بالضبط والصرامة والدقة العلمية وإن كان لبعضهم من التحيز والاستعلاء والتعصب ما لا يخفى على الحصيف من القراء بتعمق وبروح نقدية صارمة.
هكذا يواصل موقع قنطرة رسالة المثقفين الألمان من لدن القرن السابع عشر إلى اليوم في الحوار والتفاهم والرغبة في الفهم العميق وطرح الأحكام المسبقة واحترام الآخر وثقافته وقد تأسست هذه البوابة بناء على مبادرة من وزارة الخارجية الألمانية من أجل فهم الآخر المختلف وبغرض الحوار البناء الذي يكرس ثقافة السلم والتبادل المعرفي والخبرة العلمية مع العالم العربي والإسلامي ومعرفة ثقافته معرفة صحيحة في تطورها وراهنيتها وامتدادها التاريخي ونبذ كافة الأحكام المسبقة وأشكال الإدانات ونرجسية الذات الغربية المتسلطة وتعاليها ومركزيتها في سبيل الفهم والتواصل ولا أدل على ذلك من العنوان "قنطرة" الذي يحيل على معنى التواصل ومد الجسور بين التاريخين والفكرين والوجدانين العربي الإسلامي والألماني من أجل العبور بسلاسة إلى قرن جديد قائم على الاعتراف المتبادل والتعددية والانفتاح على ثقافة الآخر بروح كونية إنسانية لا تقصي الآخر ولا تلغيه إيمانا بمبدأ التعددية والتناغم الحضاري وأن الآخر هو تكملة للأنا وتعزز هذا المنحى بعد هجمات 11 سبتمبر ويتم تشغيل الموقع من قبل الوكالة الفيدرالية الألمانية للتربية المدنية والإذاعة الألمانية دويتشه فيله والمعهد الألماني للعلاقات الثقافية الخارجية وشعار الموقع: مكافحة الجهل والتحامل من خلال المعرفة.
تأسس موقع قنطر عام 2003 عقب هجمات 11 سبتمبر وما خلفته تلك الهجمات من عدائية وتحامل من قبل الغرب على الثقافة العربية الإسلامية وكونها داعمة الإرهاب والأصولية وعدوا لدودا لقيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والفنون والحداثة ونأى الموقع عن هذه النظرة المتحاملة والمغرضة والمسبقة سالكا مسلك الاعتراف والموضوعية والاحترام والتقصي والفهم والتحليل محررا بلغات ثلاث الألمانية والعربية والإنجليزية وهو يعرف نفسه بأنه ( يعرض وجهات نظر متنوعة نقدية في الشرق والغرب وكل الثقافات والسلوكيات والسياسات التي ترفض الآخر وتنكر الحقوق الأساسية للإنسان وتناقض قيم الديمقراطية).
والحق أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 اتجه العالم الغربي بما فيه أمريكا - ضحية تلك الهجمات- إلى رغبة قوية في التعرف على العالم العربي والإسلامي فهناك من المقولات الاستشراقية ما يزعم أن الإرهاب من صميم الثقافة الإسلامية وهي مقولات روج لها بعض المستشرقين منذ القرن الثامن عشر قرن بداية الثورة الصناعية ونمو البورجوازية وبداية عهد الاستعمار ووجد أولئك المستشرقون مجالا للطعن في القرآن والزعم أن الإسلام إنما انتشر بالسيف كما أنه يهين المرأة ويرفض الآخر المختلف بل ويلغيه (كافر) ولا يمكن ابدأ التقارب بين الشرق والغرب فهما كما قال كبلنج :(الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا).
من منظور معرفة الآخر والتعمق في ثقافته ومحاولة التحلي بروح الموضوعية والتقصي وعمق التحليل والاعتراف بحق الآخر المختلف في الوجود وكذا بثقافته التي كانت الرائد ة في العصر الوسيط وقنطرة إلى الثقافة الإغريقية ذاتها اقترب موقع قنطرة بلغاته الثلاث من العالمين العربي والإسلامي نابذا كل مشاعر الكراهية والتعالي معليا من شأن الحوار داعيا إلى التناغم الحضاري وإلى ثقافة السلام ولا يعني هذا أبدا وجود ثقافة يمينية في ألمانيا ذاتها - شأن اليمين في كامل أوروبا- يتسم بالرفض والعنف أحيانا وإبداء مشاعر النبذ والكراهية ولكنها ثقافة تبقى مدانة من قبل الألمان أنفسهم أو على الأقل عند قطاع عريض من مثقفيهم وساستهم ومن عامة الناس فالتعايش السلمي والاحتكام إلى قيم المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للإنسان هي السقف الذي يظلل سماء الوطن وموقع قنطرة يكتب به أكثر من 500 من الكتاب من المختصين والمستعربين والأكاديميين وعلماء المستقبليات من الشرق والغرب بإشراف من أستاذ اللاهوت كارل يوسف كوشل، وعالمة الإسلام حليمة كروزن، وباحثة الصراع هاينر بيليفيلد وعالم الفيزياء إرنست أولريش فون فايتسكر وحوالي 100 من نخبة الكتاب العرب والمسلمين كما يقدم الموقع نفسه إلى المهتم ، وهكذا يتلاقى التحليل والرصد والتقصي من قبل الغرب والشرق معا من أجل الوصول إلى الحقيقة وتكريس التلاقي على قيم العلم .وقد كتب بالموقع أو تم تعريب ونشر مقالات كبار الكتاب والمفكرين والمستعربين الألمان أمثال يورغن هابرماس غونتر غراس ، آنا ماري شيمل، هارتموت فندريش ، مراد هوفمان، شتيفان فايدنر ،أنجليكا نويفرت ،توماس باور وغيرهم وحوارات ودراسات ومقالات من الشرق نفسه بأقلام إلياس خوري، برهان غليون، جورج طرابيشي، سلامة كيلة، صادق جلال العظم، نصر حامد ، علي حرب، محمد شحرور، وحورات حضارية وثقافية عن الثقافة الإسلامية، الحداثة الشعرية، حوار الحضارات ، الحقوق الإنسانية، أزمة المواطنة في الشرق ، التجارب الديمقراطية ، قضايا المرآة والمعاصرة الخ مع أدونيس،إدوارد سعيد، محمد بنيس، ناصيف نصار، محمد أركون، نوال السعداوي، أمين معلوف وغيرهم.
وهكذا قدم الموقع للمثقفين في العالمين العربي والإسلامي ملفات على جانب من الأهمية عن الثقافة العربية والإسلامية وحوارات مع مستعربين وعلماء مستقبليات ورحالة مازالوا يواصلون عطاءهم الحضاري والعلمي في حقل الدراسات العربية والإسلامية مثل زابينه شميتكه الباحثة في الدراسات الإسلامية مكتشفة العديد من المخطوطات العتيقة في القاهرة وإسطنبول وبرلين والتي تؤكد دائما على الأثر الإيجابي للتفكير المشترك بين الفلاسفة المسلمين والمسيحيين واليهود حيث كانت اللغة العربية قاسمهم المشترك وقد اهتدت إلى كثير من المخطوطات الضائعة وبعضها يكاد يتلف من أثر القرون والعوامل الجوية أو الإهمال الإنساني وهو يحتاج إلى إصلاح وهو ما تفعله في ألمانيا مع خليتها البحثية فالعقل الإسلامي عقل يحث على السلام مع نبذ فكرة أن ليس هناك عقلانية في الإسلام والإسلام دين متخلف وتقليدي بل إن العالم الإسلامي كافح من أجل التعددية وما هيمنة التيارات المتعصبة سوى طارئ له أسبابه السياسية والتاريخية والاجتماعية دون أن ننسى الصدمة الحضارية في التقاء الشرق بالغرب عبر الحروب الصليبية أولا ونشوء الإمبريالية والاستعمار وما خلف ذلك من ردة فعل عند الشرق بالانكفاء على الذات .وفي اليمن لوحده 50ألف مخطوطة جلبها الشيعة معهم إلى هناك بعد تراجع الاعتزال وهي تسلط الضوء على نشأة الفكر الفلسفي والصراعات الفكرية والمذهبية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي.
كما عرف القارئ العربي عبر موقع قنطرة المترجمة الألمانية دوريس كيلياس التي نقلت إلى الألمانية حوالي 40 رواية من روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ وقد رحلت عن دنيانا في 2008 وترجمت كذلك روايات محمد شكري وجمال الغيطاني وميرال طحاوي ، وتعرف الألمان والعرب على السوية بدور النشر التي تهتم بحقل الترجمة إلى الألمانية عن العربية كدار نشر أونيون في زوريخ التي دأبت كل عام منذ1986 على ترجمة ونشر رواية لنجيب محفوظ وهي للناشر لوسيان لايتس.
كما يقدم الموقع للعالمين العربي والإسلامي و للمتتبع في العالم برمته عبر اللغات الثلاث وفي محاور تطرح إشكالات المثاقفة والحوار بين الأديان والثقافات وأحوال المجتمع العربي المعاصر سياسيا وثقافيا واجتماعيا وعبر معرض الصور والملفات الكثيرة الموثقة بالمقالات المتخصصة لكتاب ألمان وعرب وغربيين مما يعطي المتتبع صورة بانورامية للعالم العربي والإسلامي في القرن الجديد بروح أقرب إلى الموضوعية وكشف الحقيقة كما يقدم صورة الجالية المسلمة في ألمانيا اليوم ومشاكلها في الاندماج والعمل واللغة وأزمة الهوية فلم تعد الجالية المسلمة اليوم في ألمانيا هي الجالية التركية فقط بل تشكلت من أفواج طالبي اللجوء من سوريا والعراق وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية والمغرب العربي وتسعى السياسة الألمانية إلى احتواء هذه الجاليات عبر تأهيلها مهنيا مع الاعتراف بخصوصيتها الدينية في إطار احترام الدستور الألماني وحقوق الإنسان والحريات وفي نفس الوقت شجب كل التصرفات اليمينية المعادية التي تستهدف هؤلاء المهاجرين وثقافتهم كتجربة اليوم المفتوح على المساجد ، وتجربة رفع الآذان يوم الجمعة منذ سنتين في مدينة كولونيا فمازالت الصعاب قائمة رغم محاولات التقارب والفهم كما يقول الإمام بنيامبن إدريس الذي امتدحته المستشارة ميركل:( فالمجتمع الألماني ليس مستعدا أن يعيش في بلد يمكن فيه سماع أجراس الكنائس في الأماكن العامة كرمز ديني ولكن لا يفهم فيه أيضا صوت الآذان على أنه يشكل تهديدا للقيم المشتركة بها كإثراء وأن يكون قدوة للدول الإسلامية بالظهور في الأماكن العامة.) ومثل هذه الإشكالات يطرحها الموقع بجسارة بقصد الحوار والتفاهم وإيجاد مساحة للعيش المشترك في جو السلام المنشود.
والمتتبع لما يطرحه الموقع من قضايا الساعة في العالم العربي خاصة سياسيا واجتماعيا وثقافيا لا يلمس روح الإدانة والأحكام المسبقة أو روح التحريض والإثارة بقدر ما يلمس روح التقصي ومقاربة الحقيقة مع احترام سيادة هذه الدول على أراضيها كقضايا الحريات والديمقراطية والتعددية السياسية والانتخابات والحراك الشعبي في البلدان العربية وما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ومشاكل الأصوليات والانغلاق الديني وقضايا يشكل طرحها جسارة كبيرة مثل: المثلية الجنسية والعلاقات بين الجنسين خارج الزواج والاغتصاب وزواج المسيار، الطفولة المشردة ، العمالة، الكحول، المخدرات، الحريات الدينية ، البغاء، سجناء الرأي، التعذيب وهي قضايا تحرم الأنظمة العربية طرحها وتتابع أصحابها فالعادة أن السياسات العربية تنأى عن مناقشة مثل هذه المواضيع كونها شاذة وخارجة عن منظومتنا الأخلاقية والدينية ومن آثار التغريب والتخريب وهو عذر أقبح من ذنب فالشمس لا تغطى بالغربال كما يقول المثل العامي فلا يمكن حجب آثار هذه المشاكل في الحياة الاجتماعية خاصة وهي ظاهرة للجميع مراقبين داخليين أو خارجيين ، هذا الطرح الذي يجنح إليه الموقع في مقاربة تستخدم العلوم كالإحصاء وعلم النفس والأنثربولوجيا والاقتصاد والتاريخ والدراسة الميدانية لمشاكل العالم العربي والإسلامي في صراعه من أجل الحداثة والمواكبة وجملة المشاكل المعترضة تاريخيا وثقافيا وسياسيا وصدمة المواجهة مع الغرب وما ترتب عنها من هزات آثارها مؤثرة إلى اليوم بعيدا عن الطرح المثالي والرومانسي الذي لا يقدم ولا يؤخر عبر ما يكتبه المختصون من الألمان والعرب ويسمح لكل ذي رأي عرض وجهة نظره في إطار احترام حق الرأي المختلف يعيدا عن الإدانة والتحقير والتعالي ومس الكرامة.خاصة فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان حيث عرض الموقع تجاوزات هذه الأنظمة مما حدا بمصر مثلا إلى حجب الموقع في 2017.
تجربة رائدة في الحوار والتواصل البناء برغبة الاكتشاف ومقاربة الحقيقة يقوم بها موقع قنطرة بين ألمانيا والعالمين العربي والإسلامي وهو نموذج للغرب نفسه في السلوك الديمقراطي والروح الموضوعية - ما أمكن- وثقافة الحوار والعيش المشترك والرغبة في الفهم وطرح الكليشيهات الجاهزة والأحكام القبلية الجائرة التي صنعتها قرون من الأحقاد والحروب والاستعمار والأطماع والنرجسية والتعالي والمركزية التي ترى غيرها هامشا وذيلا وتابعا في أحسن الأحوال ولا يعيب ألمانيا أنها تسعى إلى المكاسب الاقتصادية فهذا حقها في عالم يبحث عن التوسع والشراكة الاقتصادية فالوجه التجاري للعولمة لا يخفى على أحد ولكن من أجل عولمة أكثر إنسانية لا تلغي الآخر وثقافته ولا تتنكر للحقوق والحريات الإنسانية ليس في الغرب لوحده ولكن في العالم أجمع وهذا ما يسعى إليه المتنورون من مثقفي ألمانيا استكمالات لمساعي غوته في التقريب بين الشرق والغرب ورسالة غليوم الثاني وجهود الراحل مراد هوفمان.