- النشأة وتبلور فكر المقاومة:
الشريف محمد أمزيان هو محمد أمزيان بن حدو بن البشير بن أحمد بن عبد السلام بن صالح بن أحمد بن إبراهيم، تنتمي عائلته إلى مؤسسي دولة الأدارسة، وُلد الشريف بمنطقة أزغنغن ضواحي الناظور سنة1859م ، وفي رواية أخرى سنة 1860م. درس ككل أقرانه بالجامع، ثم انتقل لاستكمال مشواره بجامعة القرويين للتضلع في العلوم الفقهية، مما أهله فيما بعد لأن يصبح "قاضيا" لقبائل لمطالسة وبني بويفرور وبني بويحيى.[i]
تروي الكتابات التاريخية أنه في سن الخامسة والعشرين من عمره كلفه أبوه بمهمة مرافقة القوافل التجارية الرابطة بين قبائل قلعية والغرب الجزائري بمعية العمال والمسافرين والتجار، وقد استمر في ذلك ثلاث إلى أربعة سنوات، للقيام بدور الزاوية التي كان ينتمي إليها في الحفاظ على الأمن وسلامة القوافل نظرا لشهرة الزاوية ودرجة حرمتها، وبعد وفاة والده لم يثبت نوع نشاطه ، إلا أنه كان خادما للزاوية بحكم تكوينه الثقافي ونشاطه في مجال التوعية والسمعة الطيبة المستمدة من تقديم الخدمات، وهو ما ساعده فيما بعد بتعبئة أنصاره للقيام بثورة مضادة ل"بوحمارة"، وما تلا ذلك من التفكير في تأسيس حركة لمواجهة إسبانيا.
كما أهَلَه إنتماؤه الثقافي والديني خصوصاً ومظاهر الصلاح التي أبان عليها في وسطه القبلي، من كسب أساليب وأدبيات استقطاب الأتباع، كما أنه استطاع أيضا في تعبئته لقبائل قلعية الصمود في وجه الصعوبات الجغرافية والبشرية والسياسية وذلك مابين سنتي 1903 و 1909م، لذلك امتد صيته إلى قبائل الريف الشرقي والغربي بما فيها قبائل غمارة وجبالة والبرانس ووجهات أخرى.
- وطنية الشريف محمد أمزيان:
يعتبر هذا المجاهد بحق من أوائل زعماء الحركة الوطنية المغربية خلال القرن 20م، ورغم ذلك بقي إسما مغموراً ومجهولاً، وفي هذا الصدد يقول جرمان عياش"بقي إسما مغمورا على الرغم أن مثل هذه الشخصية يندر إيجاد نظير لها"[ii]
ففي ظل وضعية التفكك التي كانت تعانيها البلاد عامة والريف الشرقي خاصة، نتيجة الضغوطات الإستعمارية وظهور الحركة التمردية للدعي الجيلالي بن إدريس الزرهوني الملقب ب"بوحمارة" واشتداد وطأة الاستعمار الإسباني في المنطقة، أدرك الشريف محمد أمزيان وجماعته مسؤوليتهم المتمثلة في حماية أرضهم، وحماية باقي وطنهم من التوسع الاستعماري، بعدما تبلور لديهم حس وطني والذي كان استمرارية للوعي الذي كانت تعرف المنطقة، منذ احتلال مليلية في القرن 15م، ومعركة سيدي ورياش في عام 1893م، وهو مامكن الشريف أمزيان من تنظيم القبائل الدفاعية وحرك حماس المجاهدين، لذلك استطاع أن يترجم مجهوداته إلى انتصارات وطنية ضد الجيلالي الزرهوني أولا وضد إسبانيا فيما بعد [iii].
- مناهضة الشريف محمد أمزيان ل"بوحمارة":
رغم تمكن "بوحمارة" ولسنوات عديدة من الإدعاء بأنه المولى أمحمد وأنه الوريث الشرعي للمولى الحسن، وأنه قَدِمَ للريف الشرقي لمحاربة الاستعمار والتخفيف من كثرة الضرائب التي كانت تفرضها السلطة المركزية على السكان حينها، والذي ساعده على استقطاب أتباع كُثُر وتأسيس إمارة مؤقتة، إلا أن الشريف محمد أمزيان إستطاع أن يكشف حقيقة "بوحمارة" وتواطئه مع الإستعمارين الفرنسي والإسباني، خصوصا بعدما باع لهما مناجم الريف المعدنية خصوصا منجمي "ويكسان" و"أفرا" وضمان حمايتهما، لذلك عَمِدَ الشريف أمزيان إلى التشهير به، وفضح نواياه في وسط قبائل قلعية والقبائل المجاورة، وهو ماعرضه (الشريف أمزيان) للنفي إلى مليلية وتشريد عائلته من قِبل أنصار "بوحمارة" سنة 1906م.[iv]
وفي أكتوبر 1908م اجتمعت القبائل الريفية وأجمعت على اختيار الشريف محمد أمزيان قائدا لها[v]، وهو ما أدى إلى تكثيف الهجومات على "بوحمارة" الذي فر من قصبة سلوان في دجنبر من نفس السنة[vi]. وقد خلف فراره انتكاسة للإستعمار الإسباني بالمنطقة، إذ سيتعثربعدها بالعمل الأجنبي بمناجم الريف.
- النضال ضد إستغلال إسبانيا لمناجم الريف:
بعد طرد "بوحمارة" من سلوان أعلن الشريف محمد أمزيان الحرب على الإستعمار الإسباني، مابين 09 يوليوز 1909م و15ماي 1912م، وخاض خلالها مايناهز275 معركة[vii]، وشكلت مسألة الأرض والمناجم المتنازل عليها من طرف الروكي الزرهوني لصالح الإسبان أهم عناصر توتر العلاقات بين الطرفين، خاصة مع قبائل قلعية التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن الأراضي والمناجم، فعملت باستمرار على وقف أشغال استغلالها[viii] وكانت أولى هذه المعارك هي التي قادها أمزيان وبأدوات بسيطة ضد عمال السكك الحديدية، وهم بصدد إعادة إمداد الخط السككي الرابط بين مليلية وجبل "ويكسان" بعدما كان المقاومون قد أزالوه في مرحلة سابقة، وبعدها عَمِلَ مباشرة على مراسلة قبائل الريف الأوسط للإلتحاق بالحركة ودعمها، وهو ما استجابت له خصوصا قبائل بني توزين وتمسمان وبني ورياغل...
وبعد المعركة الأولى تبين للمُستعمِرالإسباني أن المقاومة تتوفر على هياكل قوية ومنظمة عكس ما كانوا يتصورون[ix]، لذلك شنت(إسبانيا) هجوما منظما في 23 يوليوز وكالمعتاد كان المقاومون الريفيون له بالمرصاد، إذ صدوا المُعتدين وطاردوهم إلى أبواب مليلية وكبدوهم خسائر فادحة، وتبقى هزيمة "وادي الذئاب" في 27 يوليوز من نفس السنة من أكبر الهزائم التي مُنيت بها إسبانيا ولا تضاهيها إلا هزيمة أنوال[x]، ليتوالى بعدها مسلسل الهزائم الإسبانية التي وصلت صداها إلى إسبانيا التي عرفت حينها تظاهرات عارمة داعية لوقف المغامرة الإسبانية بالمغرب.
وبعد هذه المعركة غَنِمَ المجاهدون ذخائر وأسلحة كثيرة، وهو ما أدى إلى تحميس المقاومين وازدياد عددهم وتوسيع قاعدة الحركة، مما جعلها تتصدى للمستعمر الإسباني وتخلف له خسائر في العدة والعتاد خاصة خلال حرب كارت مابين سنتي 1911م و 1912م، وقد وصلت خسائر إسبانيا في حرب كرط إلى 1538وبينهم 114قتيلا حسب ماريا روزا دي مادرياكا ، لتستمر المعارك حتى صبيحة استشهاد الشريف محمد أمزيان في 15ماي 1912م على يد قوات من الأهالي المتواطئين مع إسبانيا. لكن استشهاده حرك عواطف المقاومين الذين استمروا في حمل مِشعلَ المقاومة فيما بعد حتى ظهور حركة المقاومة في الريف الأوسط على يد عبد الكريم الخطابي الأب وبعده ابنه محمد بن عبد الكريم الخطابي.
وهكذا إذن شكلت مرحلة الشريف محمد أمزيان مرحلة انتقالية في مسار المقاومة، من الجهاد ذي الطابع السياسي الديني ضد الاحتلال العسكري الأجنبي، إلى مرحلة التصدي للإستعمار عن طريق مقاومة نهب خيرات البلاد من طرف الأوروبين، وإن استمر الحديث عن هذا النضال من منطلق الجهاد[xi].
في مثل هذا اليوم قبل قرن وخمس سنوات استشهد الشريف محمد أمزيان وبالضبط في 15ماي 1912م، وقد استطاع ولمدة ثلاث سنوات من توقيف المد الإستعماري الإسباني، وأستطاع أن يوقف أطماع الإستغلال الإقتصادي الإسباني المبكر لثروات الريف، وإفشال الإنزال الإسباني بخليج الحسيمة، كما كان لحركته وقع خاص على الوضع الداخلي الإسباني خصوصا على المستوى السياسي...
فمتى سيتم رد الإعتبار لتاريخنا المغربي الحافل بالبطولات حتى يسير نبراسا ينير درب الأجيال الحالية والقادمة في ظل هيمنة الثقافة الواحدة والإيديولوجية الواحدة؟ ومتى سيتم إعادة كتابة تاريخنا المغربي حتى يكون دعامة أساسية لفهم الحاضر واستشراف الغد وبناء رأسمال رمزي نحن بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.
[i] - رشيد يشوتي، إسبانيا والريف والشريف محمد أمزيان (1909-1912)، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس-السويسي،ص 104.
[ii] - جرمان عياش، ردود فعل المقاومة المغربية أمام الإحتلال الإسباني والفرنسي، ترجمة محمد الأمين البزاز وعبد العزيز التمسماني خلوق،مجلة دار النيابة،ع5،طنجة1985،ص25.
[iii] - أحمد لحميمي،دراسات في تاريخ المقاومة الوطنية بالريف المغربي المعاصر، منشورات أمل 2016،ص 38.
[iv] - حسن الفكيكي، الشريف محمد أمزيان شهيد الوعي الوطني(1908-1912)، الطبعة1،مطبعة ربانيت،الرباط 2008،ص 4.
[v] - مصطفى أربيب،" المجاهد الشريف محمد أمزيان" الحلقة 3،أورده حسن أعليلي، جريدة كواليس الريف، ع، 58، 1999، ص107.
[vi] Victor rwiz ALBENEZ. espana en EL RIF(1908-1921).la biblioteca de melilla 1994.100.
[vii] - محمد بن عزوز حكيم،معرك الثورة الريفية، مطبعة الساحل، الرباط،1983،ص.23.
[viii] - رشيد يشوتي، إسبانيا والريف والشريف محمد أمزيان (1909-1912)، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس-السويسي،ص 127.
[ix] - أحمد لحميمي،دراسات في تاريخ المقاومة الوطنية بالريف المغربي المعاصر، مرجع سابق،ص 41.
[x] - مكيل مارتن،الإستعمار الإسباني بالمغرب، تعريب محمد الشاوني، مجلة الجسور، العدد1، مطبعة الأندلس الدار البيضاء1981، ص 74.
[xi] -ماريا روسا ذي مادارياكا، محمد بن عبد الكريم الخطابي والكفاح من أجل الإستقلال، منشورات تفراز، العدد 10،ص 90.