تعد إفريقيا من اكبر القارات احتضانا لأقدم الحضارات الإنسانية ، الأمر الذي رجحها أن تكون ذو أهمية بمكان في الدراسة العلمية الأكاديمية. وعلى أثر هذه القيمة صدر كتاب "موجز تاريخ إفريقيا " عن مؤلفين : ى.سافلييف و ج.فاسلييف، وتمت ترجمته من طرف أمين الشريف، ونشر تحث لواء دار النشر مؤسسة العصر الحديث. في حدود 156 صفحة من الحجم المتوسط. إذ يرسم لنا هذا العمل معالم تاريخ القارة السمراء وصيرورتها وفق خمس فصول أساسية: أولها الحضارات القديمة في إفريقيا، حيث يحاول فيه تسليط الضوء على أهم الحضارات في هذه القارة التي لها ضرب في التاريخ، في حين ذهب الفصل الثاني الموسوم بإفريقيا في العصور الوسطي إلى التأكيد على الخصائص التي تتميز بها هذه القرة في المرحلة. أما الفصل الثالث المعنون بالإمبريالية و تقسيم الأراضي فيركز على تدخلات الدول المستعمرة في هذه القارة و تقسيمها لها، الأمر الذي سينعكس عنها في الفترة مابين الحرب العالمية الأولى و الثانية، وهذا ما جاء في مضمون الفصل الرابع الذي عنون بإفريقيا من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية. ليختم الكتاب بالفصل الخامس تحث عنوان كفاح الشعوب الإفريقية في سبيل التحرير ونشأة الدول الإفريقية، موضحا من خلاله وعي الدول الإفريقية بوجوب تحررها و بناء سيادة وطنية، بالإضافة إلى تقديم المؤلفين جداول توضيحية تكشف عن تواريخ استقلال الدول الإفريقية وبعض المعطيات عنها.
خصص المؤلفان الفصل الأول من الكتاب لإبراز أهم الحضارات القديمة التي ولدت واحتضنتها القارة الافريقية ،كمصر القديمة التي عرفت بالنظام التيوقراطي المطلق ،الذي يترأسه الفرعون ، و بموجب هذه السلطة يتم السيطرة على الشعب . يقسم المؤرخون تاريخ الحضارة المصرية إلى ثلاث مراحل أساسية ؛ المرحلة القديمة التي كانت تعرف بمصر العليا ومصر السفلى ،وهي المرحلة التي بنيت فيها الأهرام ،ثم تليها مرحلة العصور الوسطى التي تميزت بازدياد الاستغلال الطبيعي ،الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة فلاحية على النظام القائم( فرعون ،الأمراء )لكن هذا الحراك سيحكم عليه بالفشل لكونه يفتقد الى متغير التنظيم ،مما أدى كنتيجة عنه عودة النظام التيوقراطي. أما بالنسبة للمرحلة الحديثة التي يمكن تلخيصها في القول بأن حضارة مصر صارت قوة عسكرية تنهج سياسة " الحرب والغنائم " ،لكن استيلاء الطبقة الحاكمة على هذه العائدات جعلها تعيش ضعفا داخليا وصارت بذلك محطة أطماع الدول الأخرى مثل الإسكندر الأكبر .الى جانب هذه الحضارة ؛نجد حضارات شمال شرق افريقيا وشمال افريقيا ( نباتا ، القرطاجية ...) ودولتين كبيرتين للبربر في شمال افريقيا همن ؛نوميديا وموريتانيا .أما فيما يخص دول جنوب الصحراء فالتاريخ القديم للأقاليم الواقعة بجنوب الصحراء؛ ما هو إلا تاريخ مبهم في عقل المؤرخين ، لكن ما يمكن قوله في هذا المقام هو؛ ان الأقاليم المجاورة لبحيرة تشاد كانت مراكز لحضارة عريقة لها اهتمام زراعي و معدنى و كذا بالفخار و كذا في ا لأقاليم الواقعة بين نهرين السنغال و النيجر و في بداية التاريخ الميلادي قامت في هذه الأقاليم مملكة تدعى أوكو و غانا . بالإضافة الى جملة من الحضارات التي لا نعلم عليها بعض الارهاصات الأمر الذي يطلب منا المزيد من البحث العلمي الدقيق و التوثيق المتين.
في الفصل الثاني من الكتاب ، يحاول المؤلفان التركيز على تاريخ افريقيا ،لكن هذه المرة مع فترة تاريخية أخرى ، ألا وهو العصر الوسيط ، ويبدأ هذا العصر في القارة الافريقية ببروز النظام الإقطاعي ،الأمر الذي سيكون له تأثير جوهري في التكوين الجنسي والتطور الحضاري لشعوب شمال افريقيا [1] .في شمال افريقيا و شمال شرق افريقيا تعتبر القبائل العربية من أهم الحضارات تجدرا في الأصول الإفريقية ، و هذا راجع إلى فتحها لمصر في شمال افريقيا القرن الثامن ميلادي، هذا ما ادى إلى انتشار هذه اللغة مقابل اللغات المحلية ، بالاستناد إلى معطى الدين الاسلامي و كذا اعتمادها في المراسلات التجارية. كما قامت عليها جملة من الحضارات كالعباسية و الفاطمية و كذا العثمانية. هذه الأخير عرف انتشارا واسعا في كل من مصر و تونس و الجزائر بإستثناء مراكش. الى جانب ذلك أبرز المؤلفين أهمية بلدان غرب افريقيا دولة مالي ودولة سنغاي ؛ فقد عاشت دول غرب افريقيا تحولات و ديناميات كبيرة في الماضي، و اصبحت مسرحا للأحداث التاريخية في مرحلة العصور الوسطى ، بحيث على إثرها شهدت ممالك و امبراطويات قوية كنموذج تكرو وغانا، و امارة مالي في غرب السودان. وغلب على هذه الحضارات الطابع القبلي في العلاقات الاجتماعية و في نظام الدولة، بالإضافة الى خضوعهم لمبدأ الأمومة في نظام الميراث . أما ساحل غينيا وإفريقيا الوسطى فتعتبر هذه البلدان فتعتبر ا من اعرق الممالك القائمة منذ بداية نشأتها على الرواج التجاري مع كافة القبائل الشمالية في افريقيا ، و كذا في تجارة الرقيق مع الأروبين. و وتعبر مملكة أشانتي المتواجدة على ساحل غينيا من اقوى الدول في هذه المطقة.
تعد قبائل شرق افريقيا وجنوبها بناءا على المادة التاريخية من اقدم القبائل في افريقيا، و هذا ما يؤكده التطور الذي وصلت اليه هذه المنطقة على المستوى الاقتصادي والتجاري ، حيث كانت تنافس كل من الحضارة الصينية و الهندية و الاغريقية و مصر القديمية. هذا ما جعلها تكون محطة اطماع البرتغال، حيث جعلوها بين اختيارين؛ إما الولاء للقوة و السلطة البرتغالية أو الاخضاع بقوة السلاح، و هذا الاخير هو الذي كان مآلهم، و في هذا الصدد قال حاكم منسبة في خطاب موجه إلى حاكم مالندى "لم يبق في المدينة ديارا و لا نافخ نار، فقد قتلو كل الأهالي نساء و رجالا، شيبا و شبابا و أطفالا إلا من نجا بنفسه "[2] . وفي أوائل القرن 18 تم طرد المستعمر البرتغالي ، اكن مازالت اطماع دول اخرى ترصد هذه المنطقة من قبيل المانيا و بريطانيا من انتصار الثانية على الأولى في ضمها. يحتم المؤلفان هذا الفصل بفكرة أساسية وهي أن الكشوفات الجغرافية هي من اكبر العوامل المساهمة في سياسة النصب والغزو و الاستغلال الأروبي الرأسمالي للثروات الافريقية .
وخصص الفصل الثالث من هذا العمل للكيفية التي عملت بها القوة الامبريالية المتمثلة في الدول الاستعمارية( بريطانيا، فرنسا، ألمانية). بجهد جهيد لتحقيق أطماعها الاستعمارية في القارة الإفريقية، و تقسيمها فيما بينها على أساس التراضي و التفاوض. فالأراضي التي كانت تحث مظلة الاستعمار البريطاني من مصر و السودان و أملا في غرب إفريقيا و خاصة مصب نهر غامبيا و في سراليون و ساحل الذهب و نيجيريا. كانت تنهج بريطانيا في تدخلها للدول الأفريقية على سياسة تسخير النخبة المحلية و عقد اتفاقيات معها " و احتفظ واحتفظ السلاطين المحليون بامتيازاتهم ولكنهم أصبحوا موظفين تابعين لوزارة المستعمرات البريطانية، و فد قام ما يسمي بالحكم غير المباشر على معاهدات من هذا القبيل"[3] . بالإضافة إلى عقد جملة من الاتفاقيات مع الدول الأخرى، كنموذج اتفاقية " هيلجوند" سنة 1890 من اجل فضل النزاع على الدول المستعمرة. أما فيما يخص القوات الاستعمارية الفرنسية، استندت إلى سلطة البندقية و إراقة الدماء، بداية بالجزائر وصراعها مع القائد الأمير عبد القادر الذي لم ينهزم إلا بعد سلسلة من الصراعات ثم بعد ذلك تونس و مراكش، هذه الأخيرة التي بدورها كانت جد صامدة في مواجهة القوى الاستعمارية. كما كانت كل من السودان و النيجر و السنغال و جملة من القبائل و الممالك ضمن الخطة الاستعمارية لفرنسا، التي كانت ترسم إمبراطورية استعمارية تمتد من المحيط الاطلنتي في الغرب إلى البحر الأحمر في الشرق . هذا ما جعلها تصطدم في بعض الحالات - وادي النيل سوداني- مع القوات البريطانية. بالإضافة إلى كون فرنسا نهجت الأسلوب الدموي وعقد المبايعات و شراء الحكام المحليين من اجل السيطرة، كما وجدت مواجهة حد صعبة في جملة من الدول أو القبائل على سبيل المثال مقاومة داهومي. في حين عملت القوات الألمانية بحكم تأخرها في التدخل إلى إفريقيا سلطة العنف و الصراع، و إنشاء السجون و المعسكرات والاعتقالات، و كذا سياسية نزع الأراضي و السخرة و فرض الضرائب.
تعد سياسة تقسيم إفريقيا على البلدان الأوروبية (بريطانيا- فرنسا- ألمانيا) مثال واضح على تكالب القوة الامبريالية على ثروات القرة السمراء بغية إخضاعها و جعلها تابعة لها. كما اجتهدت هذه القوة في خلق صراعات قبلية من اجل عدم تكتل الجسم الإفريقي و خلق تعاون قاري يؤدي إلى محوها.
وفي الفصل الرابع ركز المؤلفان بشكل خاص على الحديث عن افريقيا من الحرب العالمية الأولى الى الحرب العالمية الثانية ، وكيف أن الإستعمار الاجنبي للقارة أدى بها لكي تعيش جميع الأزمات المترتبة عن هذه الحرين إذ تم تجنيد العديد من الأفارقة للمشاركة في الحرب . لقد كان للثورة الروسية دور أساسي في تصاعد الشعور القومي الافريقي الأمر الذي سيؤدي الى مطالبة أغلب الحركات بالإصلاح لا الاستقلال [4]. ويختم المؤلفان هذا الفصل لإبراز الاستراتيجية المتبعة من قبل كل من فرنسا وبريطانيا في استعمار افريقيا ؛ ففرنسا اتبعت ما يسمى بنظام الحكم المباشر في غرب افريقيا في حين اتبعت بريطانيا نظام الحكم غير المباشر أي أنها أبقت على نظم الادارة والحكم القبليين [5].
ركز الباحثان في الفصل الخامس على توضيح كيف تكبدت الدول الإفريقية هزائم الدول المستعمرة المتواجدة في الحرب، بحيث اعتبرت إفريقيا، ذلك المزود الرئيسي لكل من الموارد الحربية و الغذائية للدول المستعمرة. و كان هذا يمارس بشكل مفروض عليها، الأمر الذي أنتج عنه بزوغ هلال الصراع الطبقي و الرغبة في اكتساب الحقوق السياسية. و هذا أدى إلى إرادة لا تؤمن بالإصلاح النصفي و إنما خلق ثورة للتحرير الوطني، و على هذا الأساس قامت الدول المضطهدة في خلق تحالفات كتجسيد لهذه الإرادة الشعبية التي تطمح إلى الحرية. كما حاول المستعمر من موقعه إن يمارس مبدأ القوة و القهرة تارة و التساهل و الوعود و الإصلاحات الاجتماعية تارة أخرى. كما حاول منع إنشاء الأحزاب السياسية الوطنية و الهيئات الحقوقية، و سعي في الحقل الاقتصادي إلى خلق أسس التنمية اللبرالية بغية جعل هذه الدول تابعة للدول المستعمرة.لكن كل هذا لم يؤجل فكرة الترافع على مطلب الاستقلال. هذا الذي أدى إلى الانخراط في جملة من التعديلات و الإصلاحات السياسية التي يمكن تلخيصها في إدخال أسلوب أو نظام الانتخابات كمرحلة إجرائية من اجل الوصول إلى الديمقراطية مع تجسيد نقابات تدافع حق العمال بالإضافة إلى نبد التفرقة و الإرهاب.
كما تم مد جسور هذا الكفاح ضد المستعمر خارج إفريقيا وبالأخص أسيا، وهذا ما سمي بحركة التضامن وعقدت جملة من المؤتمرات والهيئات العليا، أسفرت بجهدها الى تحرير مجموعة من الدول واضعة في صلب أعينها مرحلتين مهمتين، أولهما مرحلة الاستقلال السياسي، تم ثانيها مرحلة تعزيز السيادة الوطنية وخلق قاعدة الاقتصاد وطني مع إحياء ثقافة قومية. و ترجمت مجهودات هذا التخطيط في كل من الزراعة ( إعادة الأراضي من المستعمر) و الصناعة و التجارة ( تنمية الصناعة الخفيفة بغية الوصول إلى صناعة ثقيلة) و تطوير أجهزة الدولة ( تعزيز النظام الديمقراطي وآلياته).
بعد تغلب الدول الإفريقية على وحش الاستعمار و استقلالها سياسيا و استرجاعها للسيادة الوطنية، انغمست في تجربة النضال من اجل تحقيق الذات و المطالب الشعبية ( الصحة- التعليم- السكن)، و أفصح مثال عن هذه التجربة نموذج دولة مالي التي عملت علة تنفيد خطة اقتصادية تفيد دعم الاستقلال السياسي و الإصلاح الزراعي و تنمية الصناعة الوطنية و خلق سياسة خارجية نقوم على التعاون الاشتراكي مع السنغال. أما تجربة كينيا تعتبر كذلك نموذج رائد في حقل الزراعة كما عمدت على تطبق سياسة فيه و إنشاء جمعيات و تعاونيات من اجل تعزيز فكرة الاقتصاد الوطني الحكومي و القضاء عل المرض و الجهل و الفقر.
وبناء على هذا التاريخ الافريقي المرير و الذي كان من أشد المراحل مأساوية في الذاكرة الإفريقية، جعل من صوت أفريقيا الحديثة – ما بعد الاستقلال – يعلوا في المحافل الدولية و المؤتمرات العالمية بكونها مناصرة لفكرة السلام و مدافعة عنها و ناهجة سياسة نزع السلاح، و بغية تجسيد هذا الكلام عقدت القارة جملة من الاتفاقيات التي تتماشى وطبيعة المبادئ التي تعد قوام الديمقراطية .
[1] موجز تاريخ افريقيا، تأليف ى.سافلييف و ج.فاسلييف، ترجمة أمين الشريف، دار النشر مؤسسة العصر الحديث، ص 17.
[2] نفس المرجع، ص 31.
[3] نفس المرجع، 49-50.
[4] نس المرجع ،ص85
[5] نفس المرجع ، ص ص 96-97.