المرأة ضد نفسها - أمينة شرادي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاس..صفعها أمام الناس بكل قوة  الرجل  الذكر و ظلت هي مستسلمة أمامه محاولة الدفاع عن نفسها ببعض الكلمات الضعيفة:ماذا تفعل؟رد عليها بكل ثقة :أعرف ماذا أفعل.و عادت تبتسم من جديد كأن شيئا لم يحصل.و لم تحدث تلك الصفعة خللا في الشارع و أكملت الحياة مشوارها الطبيعي .فهي من مؤسسات الشارع  العربي المبني على الفحولة التي تكمم أفواه النساء بأقفال حديدية.لم أستطع الهروب من تلك الصورة التي آلمتني كثيرا و  عكست الحادث في خيالي و قلت:ماذا يا ترى كان سيحدث لو أن المرأة هي التي صفعت الرجل أمام الملأ؟
تخيلت رد فعل الرجل الذي سيكون عنيفا و تعاطف الناس من كل أجناسهم معه و استنكارهم على ما فعلته المرأة.لأنه من العار أن تمس كرامة الرجل خاصة من طرف امرأة.ومن العادي جدا أن تصفع المرأة أو الأنثى منذ ولادتها إلى أن توارى التراب.فقط لأن مجتمعنا المؤسس على الخرافات و العادات و الأعراف التي أنتجها الرجل،يعتبر المرأة شكلا خارجيا بدون فكر و لا روح و لا جسد مثل العبيد الذين كانوا في ملك أسيادهم يتصرفون بهم كيفما يشاءون.خلال تلك اللحظة، كرهت تلك  المرأة و استسلامها و قلت: لماذا لا تنتفض و ترفض تلك الاهانة القاسية من هذا الرجل  الذي سيستمر في  استعبادها كما استعبد أجدادنا جداتنا؟فهذا الرجل يحمل بتلك الصفعة حمولة ثقافية لها جذور في خلايانا الاجتماعية.تشرف الرجل الذي يضرب زوجته أو صديقته أو أخته..و تنعته بالفحل الذي يمسك بزمام الأمور و يتفاخر بذلك وسط التجمعات الذكرية.و من ينحو منحى آخر،فهو ضعيف و مغلوب على أمره.لماذا تفضل المرأة أن تعيش لغير ذاتها حتى تقبل في المنظومة الاجتماعية؟هذه المؤسسة الاجتماعية التي لا تعترف لها بحقها الإنساني رغم أنها من يصون الأسرة و يحمي حمى البيت.
صفعت، كأنني أنا التي  صفعت و أهنت وظلت حجرة عثرة في حلقي.أسئلة كثيرة تزاحمت في رأسي و قالت:لماذا لا تزال المرأة تعتبر نفسها ضلعا أعوج كما حكت لنا الأساطير و حكايات الجدات؟تنتج في البيت و خارج البيت ،ترعى أسرتها و تنسى نفسها.تعمل بعضلاتها و فكرها و تحصل على ثمن بخس أقل من الرجل.و مع كل هذا،تصفع؟هل لأن سكوت المرأة يدخل ضمن  الأخلاق الحميدة و المحمودة المعترف بها من طرف المجتمع؟  هل فعلا أن المرأة تحب الرجل الذي يكبل يديها و رجليها حتى تنساق وراءه؟كنت أسمع و مازلت أسمع أن كثيرا ما تصفع المرأة ..و تخنق الدمعة في جفونها و تكبت الصرخة في حلقها و تمسح آثار أصابع الفحولة على خدها و تبتسم و تستمر الحياة،حتى تكبر في عيون زوجها أو خطيبها أو صديقها ...و تصير رمزا للمرأة المطيعة، الصامتة، الصبورة..و تحكي هي بدورها حكايتها مع الألم و الصمت و مع ابتسامة الرضا.هناك إذن حكايتين:
-حكاية الحاكم الخشن الذي يصفع  و يزهو بذلك أمام قبيلته.و حكاية المحكوم عليها التي تستجيب للصفع المتكرر كأنه قدر لابد منه و تعطي به دروسا لمن قررت أن تقول لا.من المسئول إذن؟المجتمع؟التربية؟الرجل؟المرأة؟

المرأة، صفعت اليوم و صفعت بالأمس،متى ستثور هذه المرأة و تقول كفى من الصفع.المرأة بالأمس كانت محرومة من نعمة العلم و المعرفة،لا تعرف الصواب من الخطأ.أما اليوم،  انتزعت حقا من الحقوق المهضومة و صارت تنهل من عالم المعرفة الواسع كيفما تشاء و مع ذلك ما تزال ضد نفسها؟هل استحالت إلى نعامة تخفي رأسها في الرمال كلما مرت زوبعة عاصفة و تقوم بعدها و تتبع القافلة كأن شيئا لم يحصل.؟هل ترفض الخروج من جلباب أبيها خوفا من شيء ما؟
كم مرة سمعت نساء متعلمات يعاتبن "قاسم أمين" على دعوته لتحرير المرأة من الجهل و السجن...قالت إحداهن:مالنا ووجع الرأس،ياليت تركنا كما كنا؟؟.و قلن كما قيل في عهد "قاسم أمين ":ماشأنه و تحرير المرأة؟ و التحرير من ماذا؟بعد كل هذا المخاض العسير،كم أتمنى أن نعود للوراء،ليس العودة لعقلية عصر الحريم،بل العودة لعالم النور الذي ولد على يد كبار المفكرين و المتنورين الذين سبقوا عصرهم ، الذين نادوا بالاهتمام بالفرد كمؤسس فعلي لمجتمع يصبو نحو التطور.و هذا الفرد هو أيضا المرأة التي تكون نصف المجتمع إن لم أقل المجتمع كله.نظرا لثقل المهام الملقاة  على عاتقها في البيت و خارجه.العودة للوراء من جديد خاصة بالنسبة للمرأة التي تجهل قيمة نفسها،حتى تفهم حقيقة و جوهر  ما نادى  به "قسم أمين و الإمام محمد عبده."...و غيرهم لنكمل المشوار لا لندفنه. 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟