حكاية الدولة الفلسطينية المستقلة - جمال سلامة

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسإذا كانت الآثار الاجتماعية الناجمة عن هزيمة حرب عام 1948، قد تمثلت على ابرز ما تكون في صورة سيل متدفق من اللاجئين الفلسطينيين قدر عددهم آنذاك بنحو مليون نسمة، فأن أشد الآثار السياسية الناجمة عنها قد تمثل فورا في إلغاء الهوية الذاتية لفلسطين والشعب الفلسطيني. فالأرض الفلسطينية التي لم تصلها يد الحركة الصهيونية فقدت رايتها الوطنية وهويتها التاريخية، والشعب الفلسطيني تم اقتلاعه وتجزئته، وفرضت عليه قيود التنقل والإقامة والعمل ومنع من حرية التعبير والتنظيم، وقد كان لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (التقسيم) رقم 181 الصادر في نوفمبر 1947 الدور الرئيسي في التطورات والآثار السياسية  التي انتهى إليها الفلسطينيون فيما بعد.
فقد أوصى ذاك القرار الدولة المنتدبة "بريطانيا"، وجميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين بتبني وتنفيذ مشروع التقسيم، وارتأى هذا المشروع إلى جانب بنود أخرى، أن تقوم بعد انتهاء الانتداب دولة عربية مستقلة ودولة يهودية مستقلة، مع حدود منصوص عليها،  كما أوصى على ضم الدولتين معا إلى عضوية الأمم المتحدة. وفيما قرر الجانب  اليهودي قبول قرار التقسيم  المشار إليه، رفض الجانب العربي القرار جملة وتفصيلا وعارضته بشدة كافة الدول العربية، أما سلطات الاحتلال البريطاني فأنها لم تشأ تنفيذ القرار. بل عمدت في أول فرصة إلى الانسحاب من فلسطين تاركة البلاد لصراع غير متكافئ مفتوح،  فقد أهلت خلال ثلاثة عقود العصابات الصهيونية للانتصار بتسهيل الهجرة والتنظيم والتسليح.
انسحبت سلطات الانتداب والقوات المسلحة البريطانية من فلسطين يوم الخميس14 أيار1948، وانتهى الانتداب عند منتصف الليل، ومساء الجمعة 15 أيار، أعلن دافيد بن غور يون أمام المجلس الوطني الصهيوني المنعقد في تل أبيب عن قيام دولة إسرائيل، وقد جاء فيه –( انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في سنة 5657 عبرية 1897 ميلادية، بدعوة من تيودور هرتزل الأب الروحي للدولة اليهودية، وأعلن عن حق الشعب اليهودي في تحقيق بعثه القومي في بلاده الخاصة به، واعترف وعد بلفور الصادر في 2 نوفمبر 1917 بهذا الحق، وأكده  من جديد صك الانتداب المقرر في عصبة الأمم، وهي التي منحت بصورة خاصة موافقتها العالمية على الصلة  التاريخية بين الشعب اليهودي وارض إسرائيل، واعترافها بحق الشعب اليهودي في إعادة بناء وطنه القومي).
ويضيف: ...أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 مشروعا (التقسيم) يدعو إلي إقامة  دولة يهودية في ارض إسرائيل، والتي سوف تدعى دولة إسرائيل. وبذلك تكون الحركة الصهيونية وقادة العصابات اليهودية المسلحة في فلسطين آنذاك قد قلبت الحقيقة والتاريخ معا بما يخدم المشروع الصهيوني وهو إقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين , وتسميتها دولة إسرائيل .   وخلال عشر ساعات  كانت قوات من سبع دول عربية تعبر حدود فلسطين قدمت من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية والمغرب، قاتلت بدرجات متفاوتة وبقيادات مختلفة وبأهداف متباينة وكلها لم تخض الحرب بأداء مناسب، فتقررت نتائج الحرب بالهزيمة الشهيرة  المعروفة بكارثة 48.
وبعد سلسلة من قرارات وقف إطلاق النار التي أصدرها مجلس الأمن الدولي، انتهت الحرب عام 1949  بتوقيع سلسلة من اتفاقيات الهدنة الثنائية  بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان والأردن وسوريا على التوالي. وانسحبت الجيوش العربية بموجب تلك الاتفاقيات من فلسطين، باستثناء مصر والأردن، حيث كانت الأولى تسيطر على المنطقة التي عرفت فيما بعد باسم قطاع غزة، والثانية على المنطقة التي عرفت بعدئذ باسم الضفة الغربية.     
رفضت القيادة الفلسطينية آنذاك المعروفة بالهيئة العربية العليا قرار التقسيم، شأنها في ذلك شأن الموقف  المعلن لبقية الدول العربية، ومع ذلك لم تدر ظهرها كليا لقرار الأمم المتحدة، وحاولت الإمساك بمستقبل الأراضي الفلسطينية التي بقيت خارج الاحتلال الصهيوني، فطلبت بلسان رئيس وفدها إلى الأمم المتحدة عام     1948بضرورة إعلان دولة عربية فلسطينية على غرار ما فعله اليهود، إلا أن هذه المطالبة لم تجد آذنا صاغية خاصة من جانب الأردن التي أصبحت بحكم وجودها العسكري في أراضي فلسطينية صاحبة قرار في الشأن الفلسطيني. هذا الموقف لم  يحل دون إقدام الهيئة العليا الفلسطينية على مواصلة التمسك بفكرة بعث الكيان السياسي الفلسطيني ومحاولة تحقيقه، فدعت في الأول من أكتوبر 1948 إلى عقد مؤتمر في غزة أقر فيه تشكيل حكومة عموم فلسطين تتألف من رئيس وعدد من الوزراء، وتشكيل مجلس وطني فلسطيني يضم  150 عضوا من ممثلي الشعب الفلسطيني، وانتخب الحاج أمين الحسيني رئيسا للمجلس الوطني، واحمد حلمي عبد الباقي رئيسا للحكومة، ونالت الحكومة ثقة المؤتمر، وأعلن الاستقلال، وإقامة دولة  فلسطين الحرة الديمقراطية ذات السيادة.
وأعلن الحاج أمين الحسيني رئيس المؤتمر الوطني من على منصته إعلان الاستقلال، جاء فيه: (بناء على الحق  الطبيعي والتاريخي للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال.. فأننا نحن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة، نعلن هذا اليوم، الثامن والعشرين من ذي القعدة لسنة 1367 الموافق 1 تشرين الأول لسنة 1948 استقلال فلسطين كلها... استقلالا تاما، وإقامة دولة حرة ديمقراطية ذات سيادة، متآخية في بناء المجد العربي وخدمة الحضارة الإنسانية، مستلهمين في ذلك روح الأمة وتاريخها المجيد، ومصممين على صيانة استقلالنا والذود عنه، والله على ما نقول وكيل   . (
فيما عدا الأردن التي أخذت على عاتقها إفشال المشروع من أساسه، بادرت الدول العربية والجامعة العربية إلى الاعتراف بحكومة عموم فلسطين. ولكن في نفس اليوم الذي انعقد فيه مؤتمر فلسطين، عقد الأردن مؤتمرا فلسطينيا آخر في عمان خرج بقرارات مغايرة تماما، جاء فيها: "إن المؤتمر يفوض جلالته تفويضا تاما في أن  يتحدث باسم عرب فلسطين، يفاوض عنهم ويعالج مشكلتهم بالشكل الذي يراه، وهو الوكيل في جميع شؤون مستقبل فلسطين، ويعتبر المرجع الوحيد لعرب فلسطين الذين منحوه كل ثقتهم وإخلاصهم وأكيد ولائهم ووفائهم".
وتبع مؤتمر عمان هذا، مؤتمر آخر في أريحا في الأول من ديسمبر 1948 أي بعد شهرين على مؤتمر عمان، كان من أهم قراراته مبايعة الملك عبد الله ملكا على فلسطين كلها وضم الضفة الغربية إلى الشرقية وتجنيس الفلسطينيين. وقبل أن يمضي شهر واحد على قيام الدولة الفلسطينية، امتنعت الجامعة العربية عن دعوة هذه الحكومة لحضور اجتماعات مجلس الجامعة، كما امتنعت الحكومة المصرية عن السماح لهذه الحكومة بممارسة نشاطاتها في قطاع غزة الذي كان تحت سيطرة الجيش المصري.  
وهكذا أسدل الستار على أول محاولة سياسية فلسطينية لإعادة بعث الكيان الفلسطيني فوق ما تبقى من أراضيهم  خارج الاحتلال الصهيوني. وكانت الجماهير الفلسطينية في قلب الحركة القومية أينما وجدت، لم تكن بعيدة عنها ولا متفرجة عليها، بل مشاركة فيها وفي محورها. ساعدها على ذلك، فوق نكبتها المباشرة، تشردها في كل ارض عربية وتحلل مجتمعها التقليدي. بهذا التشرد، ونشوء قوى جماهيرية جديدة متطهرة مما يشدها إلى الوراء، متطلعة فقط إلى أمام، ناشدة تحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة والإنسان الفلسطيني، ولدت الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكان على الفلسطينيين أن يصبروا ويثابروا عقودا من الزمن بعد  إسقاط "بن غوريون" الشق الثاني من قرار التقسيم، وسقوط دولة الحاج أمين الحسيني عام 1948، ليعلنوا مرة أخرى عن قيام دولتهم الفلسطينية المستقلة عام 1988 على أراضيهم . وأعادوا فتح هذا الباب من جديد، واقتضى ذلك منهم تضحيات جسيمة وعذابات طويلة.
ففي الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة بالجزائر بتاريخ 15 نوفمبر 1988، أعلن ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية: باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف, ;وبعدها جرت مياه كثيرة تحت الجسور ولا تزال ,  ولم تر هذه الدولة النور بعد، ولكنها حق تاريخي مشروع وضرورة وطنية وشرط بقاء للشعب الفلسطيني مهما طال الزمن .  
كاتب فلسطيني

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟