التنمية الضائعة: أين نحن من الحداثة 2 - أحمد أبو وصال الرموتي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasseالمقالة الثانية :في السياسة
سبق في المقالة الأولى أن طرحنا دور الحركة الإنسية وفكر الأنوار في ترسيخ الحداثة الفكرية الأوربية . وهي حداثة لم يعرف عالمنا العربي للأسف مثيلا لها. إذ ظل الفكر العربي جامدا ،وإستمرت بنيته مقيدة على المستوى الفردي ومحجورا عليها على المستوى الجماعي وبالتالي كان الجمود مركبا.
وسنخصص هذه المقالة للحداثة السياسية ،من خلال طرح سؤال بسيط :  كيف حققت أوربا حداثتها السياسية بينما عجز عالمنا العربي عن ذلك . 
 
لقد سعت الدول الأوربية إلى وضع أسس الميثاق السياسي والدولة الأمة بهدف خلق حداثة سياسية تواكب الحداثة الفكرية والإقتصادية والإجتماعية التي كانت تشهدها خلال 15 و16 .وعملت هذه الدول على إدماج الشعور القومي للفرد في إطار محكم ،وضمان المجتمع المتماسك الذي حاولت هذه الدول فيما بعد ترسيخه في إطار سياسة جهوية تراعي الإختلاف. لقد بدأت الدولة الفيودالية تحتضر وفي مقابل ذلك كانت الدولة الأمة تخطو خطواتها الأولى،فقد رسمت لنفسها حدودا أكثر مثانة قامت على التأطير السياسي والتنظيمين العسكري والجبائي.
وساهم فكر الأنوار في هذا التطور ،إذ إنتقذ فلاسفة الأنوار الأنظمة الإستبدادية ووضعوا تصورا جديدا لمفهوم الشعب وحاولوا ضبط طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم.ولعب فكرهم دورا كبيرا في إندلاع الثورة الفرنسية التي شكلت إحدى مظاهر ترسيخ الحداثة السياسية ،وإمتد تأثيرها باقي الدول الأوربية رغم معارضة القوى المحافظة لمبادئها.
وشكل القرن 19 بدوره مرحلة جديدة في التطور السياسي نحو ترسيخ الديموقراطية كسلوك يحافظ على وحدة الدولة وكيانها ،ورغم التأخر في المجال كالإعتراف الكامل بحقوق الفرد السياسية وإقرار نظام الإقتراع العام المباشر،فإن التطور السياسي كان متواصلا وثابتا في طريق بناء الدولة الحديثة التي ركزت على التوفيق بين الدولة كنظام سياسي والأفراد كمجموعة تشترك في خصائص ثقافية مكتسبة .
تمكنت أوربا تدريجيا من وضع حد لعصر كانت فيه السلطة في يد النبلاء والأقليات الأتوقراطية ،وبناء أسس المجتمعات السياسية العصرية القائمة على الديموقراطية كنظام ضامن لحقوق الأفراد.وكان لابد أن تطرح بعض المشاكل أمام تطور الدولة الأمة ووحدتها ،ومن أهم هذه المشاكل قضية الأقليات ( كألمان سويسرا وبلونيا وشرق فرنسا...) .هذه الأقليات أصبحت اليوم تدين بالولاء السياسي لدولهم بحكم الدولة الموحدة الضامنة لحقوقهم وبالولاء الثقافي لدولهم الأصلية ،لقد حاولت الدول الأوربية من خلال التأكيد على مبادىء الديموقراطية ( خاصة الحرية ) التوفيق بين الشعور السياسي والشعور الثقافي ،وبالتالي ضمان الوحدة والإستقرار.
إن سعي أوربا إلى بناء المجتمعات السياسية الحديثة كان لابد أن يفرز بدوره تطورات جديدة ( الدولة الأمة الحديثة خرجت من رحم الدولة الفيودالية ) هذه التطورات سيتم إستغلالها لتحقيق المزيد من قوة الدولة .في هذا الإطار جاءت الوحدة الأوربية التي حررت الفرد من ضغط الشعور بالولاء للدولة الواحدة وفتحت أمامه مجالا أوسع للولاء المزدوج ،وهو ولاء لايشكل تناقضا بل تكاملا بين الشعور الوطني الخاص نحو الدولة الأمة وشعور عام نحو الإتحاد الذي هو عضو فيه. إن تطور أوربا في إطار الوحدة قد يتجه بدوره تدريجيا نحو عصر ما بعد الدولة الأمة ،عصر الإندماج السياسي الكامل في إطار دولة سياسية واحدة ذات حدود موحدةو جهاز سياسي واحد ،لكن ذات تنوع ثقافي وبشري ،عندها يمكن الحديث عن أفول الدولة الأمة.
وكما في المقالة السابقة نطرح سؤالا مهما:  هل مجتمعاتنا العربية تمكنت من بناء الدولة السياسية الحديثة؟
إن عالمنا العربي لم يدخل بعد مرحلة الدولة الحديثة ،شأنه شأن العديد من الدول الأخرى.فإلى غاية القرن 19 و 20 حيث خضع العالم العربي للحركة الإستعمارية ،كانت أنظمة الحكم أقرب إلى نظام الدولة القبيلة.وظلت السلطة المطلقة في يد الأمير أو السلطان أوالشيخ ،وشكل الصراع حول الحكم قاعدة ،وناذرا ما كان إنتقال الحكم يتم بسلاسة .وكان الصراع في الغالب يستند على الدعم القبلي ،وشكلت القوة الوسيلة الوحيدة لشرعية الحكم .إن مجتمعاتنا العربية لم تعرف ثورة فكرية أوصناعية كما حدث في أوربا ،وبالتالي فالوضع السياسي ظل راكدا.وكانت "الدول" تسير كما تسير الإقطاعات ،والحاكم ظل الله في الأرض يعطي بأمره ويمنع بأمره ،وقنعت الشعوب بذلك وأعتبرته قدرا مفروضا.ورغم بعض المحاولات التي ظهرت في عالمنا العربي للخروج من هذا الواقع السياسي الجامد ،كما حصل في مصر مع محمد  علي فإن السيطرة الإستعمارية أجهضت هذه المحاولة.
لقد ظل المجتمع العربي يعيش دائما تخلفا سياسيا في كل مراحله ،والحاكم لا يستند إلى الشرعية بل إلى القوة وتوظيف الدين .وحتى عندما حصلت الدول العربية على إستقلالها بدأت الطبقة الحاكمة في بناء جهاز سلطوي للتحكم في المجتمع عوض بناء جهاز سياسي حديث، يستند مبادىء الديموقراطية كأساس ومنطلق ويهدف إلى تحقيق المجتمع السياسي الحديث .
إن المجتمعات العربية لا زالت خارج الدولة الحديثة وأن كل مظاهر الديموقراطية ليست سوى مساحيق كاذبة تخفي الحقيقة المؤلمة ،حقيقة الدولة القبلية التي تدبر أمورنا وحقيقة الدولة الحديثة التي نفتقدها،والتي نتوهم وجودها. إن هذا الواقع لن يؤدي إلا إلى تغييرعن طريق العنف وإغتصاب السلطة ،ويعاد إنتاج نفس شكل السلطة في مظهر مغاير. إن تحقيق الدولة الأمة الموحدة ليس حتمية تاريخية بل إرادة شعبية
 تنموبشكل طبيعي وتختمر،وبالتالي أصبح تحقيق الدولة الأمة مطلبا ضروريا في عالمنا العربي الذي يعاني من هشاشة مكوناته البشرية ،هذه المكونات التي تتوزع ما بين ما هو إثني ،طائفي وقبلي .
ونتساءل في الأخيرعن الواقع الذي نعيشه اليوم : هل أشكال السلط في العالم العربي شرعية ؟ هل مؤسساتنا المنتخبة لها القدرة على المراقبة والمحاسبة ؟ هذه المؤسسات كيف تم إنتخابها ؟والشعوب هل
هي قادرة  على مراقبة ممثليها ؟ كيف يمكن أن نضع أسس الدولة الأمة الموحدة : هل على الإسلام كمرجعية ضرورية أم نقل النموذج الغربي؟
 
 
أحمد أبو وصال 
الصويرة ـ المغرب
 
المقالة الثالثة : في المجتمع

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟