محمد الفاضل بن عاشور: حياته، نشاطه العلمي و الدعوي و النقابي - جعفر حسين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

fadel.jpgسنحاول في هذه الورقة و بمناسبة مئوية العلامة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، باعتبارها أحد علماء تونس الأفذاذ الذي ساهم من موقعه في ترسيخ أصول العلم و الدين في البلاد التونسية، و استنادا إلى ذلك سنقدم في هذه المحاولة التحليلية تقديم لمحة على حياته و نشاطه الدعوي و العلمي و كذلك النقابي، فما هي ملامح ذلك؟
في بداية، يمكن القول أن الشيخ محمد الفاضل بن محمد الطاهر بن الصادق عاشور، ولد في مدينة تونس يوم 2 شوال سنة 1327ه (1-10-1909م) وتربى في بيت كريم من بيوتات الدين والعلم، وكان والده من كبار العلماء في تونس، فتتلمذ عليه وتعهده بالرعاية والتعليم وتحفيظه القرآن الكريم وهو في الثالثة من عمره، وما كاد يبلغ التاسعة، حتى أتمَّ حفظ بعض المتون القديمة كالأجرومية وألفية ابن مالك في النحو، ثم بدأ بتعلم الفرنسية على أيدي معلمين خصوصيين في المنزل، ولما بلغ الثالثة عشرة، بدأ يدرس القراءات والتوحيد والفقه والنحو، ثم التحق بجامع الزيتونة فحصل على الشهادة الثانوية سنة 1347ه (1928م).
ثم استكمل دراسته العليا في الشريعة واللغة وأصول الدين، ودرس على يد والده التفسير، وقرأ عليه الموطأ للإمام مالك، والمطوَّل للتفتازاني في البلاغة، وديوان الحماسة، كما درس علم الكلام على يد الشيخ أبي الحسن النجار، وأصول الفقه على الشيخ محمد بن القاضي، كما كان يقرأ على والده كل ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة التراويح قدراً من كتب الحديث والرجال واللغة مثل: صحيحي البخاري ومسلم، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، ولسان العرب لابن منظور.
و بعد تخرجه عمل مدرساً في جامع الزيتونة سنة 1351ه (1932م)، ثم انتسب إلى كلية الآداب في جامعة الجزائر لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية، وتخرج فيها سنة 1354ه (1935م) حاملاً أعلى درجاتها العلمية.
وقد أصبح عميداً لكلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الزيتونة بتونس سنة 1381ه (1961م) وهذه الجامعة هي التي تخرج فيها جهابذة العلماء أمثال: عبدالحميد بن باديس، و عبدالعزيز الثعالبي، ومحمد بيرم، وسالم أبوحطاب، والطاهر بن عاشور وغيرهم.

و كان الفاضل بن عاشور خطيباً مفوَّهاً، وأديباً بليغاً، وفقيهاً متمكناً في علوم الدين، ويعتبر من طلائع النهضة الإسلامية الحديثة بتونس، شارك في التصدي للاستعمار الفرنسي مع إخوانه التونسيين وغيرهم.
هذا في مستوى التعريف به أما من حيث نشاطه العلمي و الدعوي، فقد سافر في مهمات علمية ودعوية إلى خارج تونس، وألقى محاضرات عديدة في فرنسا بالسوربون، وفي تركيا بجامعة إستانبول، وفي الهند بجامعة عليكرة، وفي الكويت بجمعية الإصلاح الاجتماعي، وجامعة الكويت، وفي الموسم الثقافي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية.
كما شغل منصب القضاء، ثم منصب مفتي الجمهورية التونسية، وقاضي القضاة، ورئيساً للمحكمة الشرعية العليا، ثم رئيساً لمحكمة النقض والإبرام، وظل يتولى عمادة كلية الشريعة بالزيتونة حتى وفاته.
كما شارك في ندوات علمية كثيرة في أنحاء العالم، وفي بعض مؤتمرات المستشرقين بباريس، وهو عضو في المجمع اللغوي بالقاهرة، كما هو عضو برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مراسل بالمجمع العلمي العربي بدمشق، ومجمع البحوث الإسلامية بمصر، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
و كان لوالده الشيخ الطاهر بن عاشور مكتبة عامرة بنفائس التراث الإسلامي والعربي، واستفاد منها الفاضل كثيراً، وأضاف إليها ما استجدَّ من المؤلفات الإسلامية المعاصرة.
كما كان له نشاط في التأليف و كتابة المقالات و البحوث والدراسات1.
أما في مستوى ثالث سنحاول التعرض إلى نشاطه النقابي، و هنا نطرح سؤالا ابستيمولوجيا و عمليا يطرحه العديد من المشتغلين في الحقل العلمي و الفكري، و هو ما قد يبدو تناقضا بالنسبة للعديد من رواد الفكر و الثقافة و العلم، حيث هناك مفارقة افتراضية متمثلة في مزج عالم الدين مساره و نشاطه بعمل آخر قد يبدوا متناقضا معه في الوسط و المناخ العربي و الإسلامي و هو الحقل النقابي، حيث يعتبر العديد من رجال الفكر و العلم و الثقافة، أن الفكر الإسلامي يتعارض مع المبادئ و القيم النقابية، لكن الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، و غيره من علماء الدين و الإصلاحيين انزاحوا على هذه الأفكار و انخرطوا في النضال الوطني و استقلال البلاد و كذلك في المنظمة النقابية التونسية و ساهم فيها بشكل واضح
و جلي، فما هو مضمون هذه المساهمة؟
الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور( 16/10/1909- 20/04/1970) مسؤولية رئاسة الاتحاد العام التونسي للشغل منذ مؤتمره التأسيسي الذي انعقد في 20/01/1946 بقاعة الجمعية الخلدونية التي كان يترأسها آنذاك.
و قد كانت رئاسته للاتحاد مكونا آخر من بين مكونات مسار نضالي زاخر بالعطاء الفكري والاجتماعي والتربوي والنقابي. و امتد نضال الشيخ من موقع رئاسة الاتحاد ثلاثة وعشرين شهرا أي إلى حدود المؤتمر الثاني للاتحاد الذي انعقد يوم 19/12/1947 بصفا قس والذي ألغى منصب رئيس الاتحاد من هيكلته.
     وكانت بداية نضالات الشيخ في إطار الاتحاد ما أشرف عليه من خلال الجمعية الخلدونية لتيسير عقد المؤتمر التأسيسي ثم رئاسته لأشغاله ثم رئاسته للاتحاد نفسه. لقد كانت الجمعية الخلدونية بذلك تواصل ما دأبت عليه منذ تولي الشيخ العلامة رئاستها(1945-1949)،من تيسير عقد المؤتمرات النقابية والسياسية والفكرية لفائدة العديد من الجمعيات والشخصيات. ولم يكن ترأس الشيخ المناضل للاتحاد مهمة تشريفية أو «تكتيكا» بل كان في نطاق تكثيف قادة النضال الوطني التحرري عملهم القاعدي من أجل بناء أكبر عدد ممكن من المنظمات و الهيئات لمجابهة سياسات المستعمر. وقد كان ذلك على الرغم من سريان الدعاية لدى الأوساط اليسارية والاشتراكية المتحالفة مع الاستعمار الفرنسي أن الشيخ برجوازي لا يصح أن يكون على رأس اتحاد عمالي. وإذ كان الشيخ من بين منخرطي نقابة مدرسي الجامع الأعظم و مسئوليها فقد تمسكت قيادة الاتحاد بخيارها وثبتت على موقفها كما أن حضور ممثل عن جمعية «الشبان المسلمين» التونسية وإلقائه خطابا وتنظيمه حفل استقبال على شرف المؤتمرين كان يدل على أن ذلك كان خيارا واعيا ومقصودا لما يمكن أن يضيفه للمنظمة النقابية المستقلة الناشئة من عمق وطني وقومي و ديني يرسخها في وجدان الجماهير.
        وبعد مضي أقل من ثلاثة أشهر على تأسيس الاتحاد أي في مارس 1946 تحول الشيخ  إلى مدينة صفاقس حيث عاين التقدم الحاصل في استكمال بناء هياكل الاتحاد في تلك الجهة وألقى بالمناسبة خطابا تحريضيا وتعبويا هاما. وفي غرة ماي 1946 وكان أول عيد للعمال يحيه الشغالون التونسيون في إطار الاتحاد العام التونسي للشغل شارك الشيخ المناضل في المسيرة العمالية الضخمة التي انتظمت بالمناسبة بمدية تونس وكان في طليعتها إلى جانب قادة الاتحاد الآخرين وهو ما خلدته صور عديدة نشرت الصحف الصادرة في تلك الأيام البعض منها.
ونشطت الحركة الوطنية في اتجاه توحيد الجهود وتفعيل ما كانت بدأته من بناء الجبهة الوطنية المتحدة في ما بين فيفري
و ماي 1945، واندلعت حركة مقاومة مسلحة بمنطقة زرمدين  وامتدت من 1945 إلى أفريل 1948. وفي نفس الوقت الذي كان يتحمل فيه الشيخ مسؤولية رئاسة الاتحاد شارك في المؤتمر الوطني المعروف بمؤتمر ليلة القدر (23/08/1946) الذي جمع العديد من التيارات الوطنية والمنظمات والجمعيات والشخصيات التي تولت بناء الجبهة الوطنية التونسية للمطالبة بالاستقلال. وقد تولى الشيخ المناضل تحرير فصول العريضة التي أمضى عليها الحاضرون مطالبين بالاستقلال التام وانضمام تونس إلى الجامعة العربية وإلى منظمة الأمم المتحدة وذلك قبل أن تداهم الشرطة الاستعمارية المكان وتقبض على العديد من المؤتمرين ومن بينهم الشيخ بتهمة التآمر على أمن الدولة. ولم يفرج عن الشيخ مع بقية الموقوفين إلا يوم 31/08/1946 بعد الإضراب العام الذي شنه العمال و الصناعيون والتجار والموظفون وتخلي عموم المواطنين عن مظاهر الزينة يوم عيد الفطر المبارك وإلغاء الباي الموكب الرسمي التقليدي لتقبل التهاني بالعيد.
وخلال شهر ماي من سنة 1947 استقبل الشغالون والنقابيون بجهة قفصة الشيخ المناضل بصفته رئيسا للاتحاد في نادي الاتحاد الجهوي والكائن بمقر جمعية شباب ابن منظور القفصي وذلك بمناسبة احتفال الشغالين بمرور سنة على تأسيس الاتحاد الجهوي(05/05/1947). وقد كانت هذه الزيارة مثل تلك التي كان أداها الشيخ إلى صفاقس قبل أكثر من سنة من تاريخها، وأثبت من خلالهما أن طول المسافات ومشقة السفر لا تثنيه عن تحمل مسؤولياته كاملة في تفقد أحوال الاتحادات الجهوية وخاصة منها ما برز بنضالاته و تجذر أثره في الحياة السياسية العامة وعزم رجاله على مقارعة الاستعمار وأعوانه. وقد تم في الاجتماعات التي انعقدت أثناء تلك الزيارة تركيز العديد من النقابات وتكوين هيئاتها كما ألقى الشيخ المناضل كعادته خطابا تعبويا تحريضيا كانت له أصداؤه في منطقة بدأت تبرز فيها بوادر الالتحام النضالي بين إخوة الكفاح الوطني التحريري في كل من الجزائر وتونس وكانت فيها الروح القومية العربية والدعوة إلى وحدة النضال الوطني في المغرب العربي متقدة.
       و في مجالات أخرى كانت له نضالات كبيرة، ففي مارس 1947 نظم الشيخ المناضل في نطاق أنشطة الخلدونية وبالتعاون مع العديد من الإطارات النقابية والشخصيات السياسية مهرجان عيد العروبة الأول الذي انتظم بالملعب البلدي بالبلفيدير (الشاذلي زويتن) يوم 22/03/1947، إحياء لذكرى تأسيس الجامعة العربية في 22/03/1945.وحيكت أعلام الأقطار العربية وحفظت أناشيدها الوطنية للأطفال من الكشافة وانتظمت حركة المجموعات الممثلة للجمعيات الرياضية والفرق الكشفية و الطواقم الموسيقية في الاستعراض الذي تم في ذلك اليوم. وقد ألقى الشيخ المناضل في الجمهور الغفير من المواطنين والنقابيين والشخصيات السياسية الحاضرة خطابا حماسيا تداول على إثره على منبر الخطابة والشعر عديدون  من بينهم صالح بن يوسف وعلى البلهوان وأحمد توفيق المدني والطاهر القصار. وقد تحول عيد العروبة خلال السنوات اللاحقة إلى يوم تحتفل به المدن والقرى التونسية وتشارك فيه الشبيبة الدستورية والشبيبة العمالية وفرق الكشافة باستعراضات كبرى تجوب المدن حيث تقام الاجتماعات العامة يتداول فيها الشعراء والخطباء من القادة السياسيين والنقابيين والأئمة على الكلمة وتزدان فيها الساحات العامة  والمآذن والبنايات والأشجار بأعلام الأقطار العربية.
        ومنذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بتاريخ 29/11/1947 بادر المناضلون في مختلف المنظمات الوطنية التونسية بالتحرك من أجل مساندة النضالات العربية والفلسطينية للتصدي للخطر المحدق بفلسطين. و قد كان الاتجاه العام هو التركيز على معاضدة المجهود الحربي العربي الرسمي عامة والتطوعي بصفة خاصة وذلك بتنظيم إرسال المتطوعين وتيسير توجههم إلى جبهة القتال وتنظيم حملات التبرع. ومنذ شهر ديسمبر من سنة 1947، شارك الاتحاد العام التونسي للشغل وأعضاء من الحزب الحر الدستوري التونسي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد العام للفلاحين في تكوين لجنة لتنظيم عمليات المساندة للمقاومين العرب الفلسطينيين في تصديهم لقوات الغزو الصهيوني وهو ما أثمر تكوين العديد من اللجان الجهوية كان الاتحاد العام التونسي للشغل يحتضن أغلبها. فقد كون عدد من المناضلين «لجنة جهوية لمساعدة فلسطين» في قفصة مثلا خلال شهر جوان 1948 كان من بين مكونيها العديد من المسؤولين النقابيين ومنهم أحمد تليلي، وتولت طبع مقتطعات تبرع ونظمت جمع الأموال. وقد تبرع أحد المواطنين ويدعى عبد الرحمان تاج بخمسين ألف فرنك كانت ثمن  بيع منزل له قدمها كاملة لأمين مال اللجنة، كما أن العديد من النسوة كن يجمعن قطعا من الحلي في حملات جماعية منظمة فضلا عن توديع أبنائهن المتطوعين بالزغاريد لحثهم على الاستبسال في القتال على الجبهة ضد الصهاينة الغاصبين ودفاعا عن فلسطين.
         وعلى إثر تأسيسه لمعهد البحوث الإسلامية التابع للجمعية الخلدونية يوم 04/11/1947 افتتح الشيخ المناضل سلسلة الدروس فيه بسلسلة من المحاضرات وضعها تحت عنوان «فلسطين الوطن القومي للعرب « وكانت الأولى بتاريخ 19/11/1947، والثانية بتاريخ 03/12/1947، والثالثة بتاريخ 17/12/1947، والرابعة بتاريخ 29/12/1947،
و الخامسة بتاريخ 18/02/1948، والسادسة بتاريخ 07/04/1948.
و بذلك لم يكن الشيخ يفصل بين نضاله النقابي ونضاله السياسي ونضاله التربوي وهو ما وضعه تحت نفس الشعارات وقاده على نفس المبادئ.
كل ذلك كان على أسس فكرية، ذلك أن الشيخ كان مدرسا و باحثا ومفكرا وخطيبا وقائدا سياسيا ومحرضا ومنظما للطاقات والمناضلين مصمما على أن يكون نضاله في الآن نفسه فكريا وسياسيا ونقابيا واجتماعيا وتربويا.وقد ظهر توجهه الفكري السياسي منذ مشاركته المبكرة في مؤتمر منظمة طلبة شمال إفريقيا(1931) مؤكدا على ضرورة إصلاح مناهج تدريس اللغة العربية وتطويرها واقتحام تدريس العلوم العصرية والصحيحة بها. وفي دراساته الحضارية والتاريخية التي كان يعدها ويلقيها على شكل محاضرات في الجمعية الخلدونية كان يركز على التاريخ الحضاري العربي الإسلامي مؤرخا للأعلام وللحركات الثقافية العربية ناشرا نتائج بحوثه على أعمدة المجلة الزيتونية والعديد من الصحف  والدوريات الأخرى ومنها الثريا والمباحث وغيرها فضلا عن إلقائه أسمارا في نفس المواضيع بالإذاعة التونسية منذ تأسيسها سنة 1938.
 وقد تأكد هذا التوجه بجلاء لدى تسلمه المسؤولية الأولى بالجمعية الخلدونية سنة 1945 فكانت إطارا نضاليا ملائما فتح مجالا خصبا للدفاع عن العروبة وعن الإسلام.وبالفعل فقد ساهم ومن موقع المخطط والمنظم والدافع والمتابع في مختلف تظاهرات الحركة الأدبية والفكرية والنقابية والسياسية والخيرية والشبابية، فكان له السهم الأكبر في تأسيس معهد البحوث الإسلامية(1946) وبعث معهد الحقوق العربي(1946) وإحداث شهادة الباكالوريا العربية(1947) وتنظيم مهرجان عيد العروبة ( بداية من سنة 1947) وعقد مؤتمر الثقافة الإسلامية (1949) وغير ذلك من الإنجازات العظيمة.
     وفي الخطاب الذي ألقاه الشيخ بمناسبة المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل بين أن الشغالين في تونس عزموا على بعث الاتحاد العام «منظمة قومية تنضوي تحتها النقابات المستقلة التي بادر النقابي فرحات حشاد بتكوينها بصفا قس والجامعة العامة للموظفين التونسيين المنفصلة عن جامعة الموظفين التي كانت تجمع التونسيين وغيرهم على أصول اشتراكية غير قومية «. و قد أوضح الشيخ المناضل في مناسبة نقابية أخرى أن بعث الاتحاد كان يندرج في سياق
"سد الطريق أمام الدعوة الاشتراكية والشيوعية التي كانت تتسرب إلى العمال عن طريق الحركة النقابية".
و كان تأسيس الاتحاد مساعدا للعمال على « نفض أيديهم من تلك المبادئ وإيمانهم بأن لا سبيل إلى تدعيم كيانهم الاجتماعي إلا بمنظمات مستمدة أصولها من روحهم القومية ومبادئهم الملية.
وتوافقا مع هذا التمشي الذي كان ينطلق من ضرورة تأسيس النضال النقابي على قاعدة فكرية وسياسية عروبية إسلامية، ألقى الشيخ بصفته رئيسا للاتحاد في مارس 1946 بمدينة صفاقس خطابا بدأه بالتأكيد على أن ترأس شيخ زيتوني منظمة نقابية وممارسته للنضال النقابي ليس غريبا إلا بالنسبة إلى الذين كانوا يواصلون اعتماد المبادئ التي كانت تنشرها التيارات الفكرية والسياسية ذات الأصول غير القومية. وقد بين أن الأمر يبدو غير مألوف داخل الأوساط الزيتونية الرجعية أيضا لأنها كانت  تعزل الفكر العربي الإسلامي عن حركة المجتمع و نضالات فئات الشعب المختلفة.
و قد أكد في نفس الخطاب أن "الشريعة الإسلامية أزالت كل معنى من معاني التفريق… فالحروب والفتن التي تقوم بين الطبقات الاجتماعية إنما ناشئة من مبادئ غير إسلامية".
     أما في الخطاب الذي ألقاه في مهرجان عيد العروبة الأول بتاريخ 22/03/1947 فقد استعرض  أطوار تقدم أمة العرب نحو تحقيق وحدتها وحرض فيه الحاضرين على المساهمة في ذلك النضال لتأكيد انتماء تونس إلى الأمة العربية تاريخا وروحا وثقافة ومصيرا وهو ما لخصت معانيه النشرية الخاصة الصادرة بالمناسبة عن مطبعة الشريف بتونس بنفس تاريخ يوم المهرجان. أما بعث معهد البحوث الإسلامية فكان تحت شعار» للحق وللعروبة «، وكتب الشيخ المناضل في الافتتاحية التي صدر بها إصدارات المعهد وهي محاضراته عن فلسطين « لنجعل كل ذلك عملا محررا ورمزا موجها إلى تحية صفوف المجاهدين المرصوصة حول حرم الله الأقدس بفلسطين نستوهب لهم به عزما وحكمة  ونستمطر نصرا وعصمة ومددا من الله ...». ومما ورد في بداية أولى المحاضرات «... وهنا يحق لنا أن لا نصيخ إلا إلى دعوة واحدة هي تلك الصرخة المدوية الصادرة عن اللجنة العربية العليا فكان صداها حشد الجيوش والتمرين ... إن حد النزاع على الوطن القومي يدور حول صبغة الوطن القومي، فينبغي أن نقدم للكفاح كلمة فلسطين الوطن القومي للعرب... إن كلمتنا فلسطين الوطن القومي للعرب صالحة للرد على دعوى اليهود2.
في النهاية، إن الاحتفال بالشخصيات العلمية في بلادنا لا هي من السنن الطيبة التي تدل على أن بلادنا تعطي أهمية للعلماء و أصحاب الفكر و الأدب، و هذه الشخصيات تمثل منارة و مصباحا تستفيد به مختلف الأجيال، و لكن من جهة أخرى وجب أن لا تتحول هذا الاحتفاء إلى مقدس، تفقد به الشخصية قيمتها و اعتبارها، فعندما تتم قراءة هذه الشخصيات بحس نقدي و تأملي يمكن أن تفتح أفقا معرفيا و فكريا جديدا لا ينزعج منه أصحاب الفكر و الثقافة، فلا يمكن أن نفهم الماضي
و الحاضر و المستقبل إلا بأن بأخذ الفوائد و استخلاص المكتسبات و صياغة مسافة معرفية و فكرية مناسبة مع أي شخصية أو أثر لنبقى متجددين، نبحث على أن نشغل موقعا حسب تعبير عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو سواء في المنطقة العربية أو العالم على الصعيد الفكري و العلمي.    
 
المراجع و الهوامش:
1- مجلة المجتمع، عدد 1707، 24/06/2006
2- صحيفة الشعب التونسية، السبت 7 نوفمبر 2009

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟