حوار مع الكاتبة والشاعرة العراقية نور ضياء الهاشمي حول التحول في المشهد الثقافي لعراق اليوم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

nourترتبط الاشكالات المشهدية لغالب صعد الاجتماع العربي اليوم السياسي منه والثقافي والاقتصادي ارتباطا وثيقا بوضع الحراك السلطوي الذي يشتغل في العادة بمعزل كامل عن موقعه الطبيعي كجزء من مكنون المجامع السياسي، ذلك لأن المنظومة المؤسسية للدولة الأمة العربية ظلت مذ تجلت للوجود عنوانا لحالة مضمرة من الشللية والعصبوية والطائفية والريعية المافياوية المنفعة بالخيرات العامة، لذا يندر جدا أن ترى مواكبة تغيرية ذات نسق مشروعي معرفي متواصل مع الذات يمتح من تراثها كلما تغير نظام عربي داخل نفسه وأتي على أنقاضه آخر مثله.
والعراق الذي شهد أعتى عنف تغييري على مستوى بناه المؤسسية والسلطوية كان جسد المثل الحي للحالة التغيرية الانتقامية الانتقائية غير المؤسسة على قاعدة التراكم في المنتج والتراث الثقافي الجمعي، فإلى أين صار مشهده الثقافي؟ وما هو المشروع البديل للمشروع القومي البعثي الذي انتهى بسقوط نظام صدام؟

ـ الأستاذة نور الهاشمي، صفي لنا في البدء حال حراك المجتمع المدني في العراق؟

ـ مدنية المجتمع العراقي هي اليوم في أسوء أوضاعها التاريخية هذا إن أسقطنا مفهوم المجتمع المدني بوصفه حالة حداثية في أنظومة الإطار التنظيمي السياسي للمجتمعات على وقعنا المؤسسي بالعراق، ولا أعتقد أن ثمة من يجسد في عالمنا العربي النموذج الصحيح لمكونات المجتمع المدني كما أنتجها رواد الحضارة في سياق تطورهم التاريخي، أعود إلى الواقع العراقي فأقول أن نوعية الفكر الانتقامي والغنائمي المتأتية عن مصيبة الاحتلال حالت دون انقشاع المفاهيم واتضاح الرؤية في مسألة التغيير الذي حصل بسقوط النظام.
ـ هذا يعي أننا بإزاء حالة من الغموض خطيرة في قصدية التغيير الذي حدثت بحدوث الاحتلال؟
ـ تماما، فالتغيير الذي حدث لم يستند على بعد معرفي في مشروع أهله البديل، بل جاء، وليد فكرة الإزاحة والإحلال محل الآخر وفق أجندة انتقامية تاريخية مؤسسة على معطى الديموغرافية ليس إلا..

 

ـ مع أن الوضع السابق شهد ملامح مفهومية وإيديولوجية للمشاريع الدولة خصوصا منه المشروع الثقافي الذي قام على فكرة البعث القومي؟
ـ من هنا يتضح أن فترة البعث بأحادية فكرها وواحدية المصير الذي طرحته، كانت على علاتها أوسع من الضيق الذي جاءت به سيطرة التعددية الطائفية التي نهضت على صوت المحاصصة الذي لا يكاد يسمع له اختلاف مع تشرذم وتصعلك ممثليه.
البعث آمن بالتنوع الطائفي و أجبر الجميع على الاستسلام له في حين ديكتاتورية الطائفية حرمت بتمترسها المرجعي المتطرف أي حق في التنوع وراحت تبيد من عارضها وبأثر رجعي أحيانا.

ـ إذن يمكن عنونة فترة ما بعد السقوط بفترة اللامشروع في حقل الثقافة بالعراق؟
ـ أجل يمكن تسميتها كذلك، فغاية ما هو حاصل في الأمر اليوم أن جل المكونات السياسية ذات المنزع الايديولوجي المتطرف والقادم  من سحيق التاريخ تسعى لأن تبني دولة على قامتها وحجمها وأهدافها وليس أن تبني فسها بحسب حجم وحاجة الوطن إليها. واختزال الوطن في الذات الحزبية والايديولوجية هو مظهر اللاتغيير الذي الحدث في العراق ذلك لأنه يكشف عن طبيعة النقلة التي حدثت والتي استقرت داخل دائرة هيمنة المشروع الواحد الأوحد.

ـ إلى ما يمكن إرجاع أسباب استدامة هذا اللاتغيير الذي يتولد عنه اللا مشروع ثقافي في فكرنا وسلوكنا العربيين اليوم.
ـ يرجع إلى عدم بروز الفاعل التاريخي في الحراك المجتمعي العربي وبقاء الهيمنة المطلقة لسياسي السلطة في رسم كل ملامح المجتمع عبر عبثية لامشروعه والتي تصفها الخطابات الإعلامية والسياسية المتزلفة بالمشروع.

ـ إذن فأنت تقرين بهزيمة المثقف بوصفه المرشح لحمل صفة الفاعل التاريخي أمام سياسي السلطة؟
ـ هذا واضح وأكيد ومتجل في كل الأقطار العربية وأحسبه أحد الأسباب الجوهرية في عدم ترسخ فكر وثقافة وسلوك الديمقراطية في وعيينا الفردي والجماعي الأمر الذي عسر من مهمة ظهور مجتمع مدني قوي يقيم التوازن الطبيعي بيم مختلف مكونات المجتمع الشرائحية والمؤسسية داخل نطاق التفاعل الاجتماعي العام.

ـ من خلال كلنا تقدم لا يمكن الحديث إذن بعد عن مشروع ثقافي وطني في عراق ما بعد صدام؟
ـ من دقائق العبارة التي ذكرت صفة الوطنية على المشروع الثقافي الجمعي، وهي الصفة التي تتناقض وسبيل المحاصصة السياسية التي تم اتباعها كخيار سياسي من قبل كل فرقاء السياسة عندنا فكيف يمكن والحال هذه الحديث عن مشروع ثقافي وطني؟

ـ كيف يتم صياغة الإنسان العراقي لما بعد البعث؟
ـ إعادة صياغة الإنسان العراقي تم إخراجها من دائرة البعث الايديولوجية والزج بها في دائرة التصارعية السياسية، وبهذا يحرم العراقي في مشروع النهوض بوعيه التاريخي من آلية المعرفة كمصدر ومحرك رئيس لذلكم المشروع.

ـ هل من مثال للتوضيح؟
ـ مقررات التاريخ المدرسية الجديدة مثلا، تم حذف كل ما يرمز لفلسفة النظام السابق البعثية واستبدالها بكل ما له صلة بفكر ومسار عمل المعارضة وتجيل ضحاياها ورمزها في مقابل تجريم رموز النظام السابق وهكذا تظل الموضوعية المعرفية بمعزل عن تام ودائم عن حركية بناء الإنسان والتاريخ في العراق.

ـ نموذج العراق في اللاتغيير داخل دائرة التغيير هاته يؤكد خلو المعارضة من المشروع البديل؟
ـ تماما، المعارضة العربية في عمومها هي صراخية نضالية أكثر منها مشروعاتية بنائية، أي أنها تتألم أكثر من أن تتأمل وتسعى لاستحضار ما غاب عن الاجهزة الحاكمة، وبعد تسلقها لمباني النظام عبر الانقلاب أو الغزو كما كان الحال مع العراق تراها سرعان ما تكشف عن ضعفها الهيكلي والتصوري حين تتلهى عما يستوجب أن تصدى له وتنقلب إلى الانتقامية من رموز الحكم السابق بأبشع الطرق.

حاورها: بشير عمري

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟