على عكس ما يحدث في جل الأنشطة الإنسانية، يبقى من الصعب العثور على تعريف حقيقي، جامع مانع للأدب، بيد أن لانعكاس الأدب على المجتمع والوجود عامة، كبير أثر على الإنسان، الأدب فلسفة عميقة تتغير وتغير سيرورة التاريخ، في هذا الحوار يؤكد المفكر العالمي رولان بارث أن للأدب قوة كبيرة جدا، وأنه ليس من الترف بمكان بقدر ما يحمل بين تضاعيفه عوالم تلخص وجود الإنسان سواء في علاقاته المباشرة من الذات، أو في علاقاته غير المباشرة مع المواضيع، في المقابل وإن تم إجراء هذا الحوار بعد عشرات السنين من اليوم وتحديدا سنة 1975 إلا أن راهنيته لازالت تلقي بظلالها لحد الساعة على الفضاء الأدبي...
في ماذا يختلف الأدب عن باقي أجناس التعبير الكتابي؟
بداية توجب اعتبار أن سؤال: "ما الأدب؟" لم تتم صياغته إلا ابتداءً من مرحلة قريبة نسبيا، والحال أنه في ثقافتنا الغربية أنشئ الأدب منذ مدة ليست بالقصيرة دون أن يقدم لنا في الحقيقة نظرية في الأدب، أي نظرية في الأدب ككينونة، وهو ما كان حدوثه بالخصوص في فرنسا، من ثمة فقد كان القرن التاسع عشر قرنا كبيرا بخصوص التقدم العلمي، أي فيما يتعلق بعلوم الإنسان والعلوم الاجتماعية، لكن وللأسف نتباين فيما بيننا إذا أمكنني الحديث عن قصورنا النظري حول مشكلة الأدب، وتأكيدا فقد كانت هناك حركة تحليل الأعمال الأدبية، لكن لا أحد طرح بحق هذا الأمر كمشكلة لفلسفة الأدب، وبشكل أقل وطأة مقارنة بسؤال النقد العلمي، ففي فرنسا لم يكن لدينا ما يعادل التركيب الكبير الذي عرفته الفلسفة والتاريخ، أي ذاك الذي تم تكونه مع هيجل في ألمانيا، بخصوص اختلافات أجناس الفن. والحق أن مثيل هذا السؤال يعتبر قريبا بشكل نسبي، لقد طُرح هذا الأمر اليوم بشكل نظري وبحدة كبيرة، وخصوصا في الأعمال والنصوص الطليعية، إن الأمر يتعلق بوضع الفعل الأدبي في علاقة مع كبريات الأنظمة المعرفية الجديدة للعلوم الإنسانية، ومن بينها على سبيل المثال النقد السياسي أو التحليل النفسي، على العموم ومنذ أن وجدت هاته البيئة العلمية شرعنا في طرح سؤال: "ما الأدب؟"
ما هي العلاقة التي تربط بين الأدب وباقي أشكال التعبير؟ بل هل يمكن اعتبار الأدب نفسه شكلا فنيا؟
إذا قبلنا تقديم ولو بشكل مؤقت إجابة تقليدية، يمكن القول قطعا أن الإبداع الأدبي هو بمثابة احتجاج بشكل فني، على غرار باقي الأشكال الأخرى كالرسم والنحث والموسيقى ثم السينما حاليا، مع ذلك فالأدب شكل تعبيري فني يأخذ مساره عن طريق علامات بشكل دقيق جدا: والتي ليست إلا الكتابة، هنا توجد نقطة مهمة مفادها أن الأدب ظاهرة مكتوبة بالضرورة، وإن كانت عديد البلدان تملك أدبا شفهيا، أما بالنسبة عندنا كغربيين فالأدب وقبل كل شيء يمكن اعتباره موضوعا مكتوبا.
في الأدب يبدو أن هناك غموضا بين العمق والشكل، وهي الحالة التي لا نعثر عليها في الموسيقى على سبيل المثال؟
هذا الغموض يوجد على المقاس حيث أن الأدب أسس على مجموع رسائل معروضة بشكل خاص، إن الرسالة تنقل أفكارا، ومشاعر وأشياء خلابة كما قلنا في مرة سابقة، ولكن في نفس الآن فإن للأدب شكلا محددا ألا وهو النظام الإستطيقي...\
بدون شكل لن يكون هناك أدب! وحق المؤلف لن يحمي إلا الشكل ؟
الشكل هو بحق العلامة الإديولكتالية، إنه الأثر الفردي للكاتب على المؤلَّف
"الأسلوب هو الرجل" اليوم هل نحن نتواجد في مقياس إعطاء تعريف دقيق جدا حول ما هو الأسلوب؟
منذ خمسين سنة، كانت هناك محاولات من أجل التأسيس لعلم يعنى بالأسلوب، أي الأسلوبية، وهي طريقة تدرس بشكل علمي أسلوب الكُّتاب، يجب الاعتراف أنه لحد الساعة عرفت هاته المحاولات فشلا، والحال أنه توجد العديد من الأسلوبيات، لكن لا واحدة منها مقنعة، وعليه فإن هذا العلم لا زال يبحث عن نفسه، الأسلوب فعل لا يمكن إنكاره، بيد أن الطريقة لتعريف هاته الظاهرة بشكل موضوعي وفق معايير علمية تبدو صعبة بشكل كبير.
والواقع أن واحدة من هاته المحاولات الأخيرة للأسلوبية اعتبرت جدية وذكية ومهمة، وهي التي تمت تنميتها عن طريق عالمة أمريكيي ذات أصول فرنسية، والتي ليس إلا ريفاتير riffaterre إنها عالمة أسلوب تسلم بوجود صنف للسان ما ـ مثال اللسان الفرنسي ـ عادي، مألوف، في خدمة نموذج من معيار ما، فالأمر إذن يتعلق بتقييم إلتواءات الفم الموضوعة من قبل كل كاتب حول هذا النموذج، من ثمة فإن الأسلوبية تعرف بعلم التباعدات، وهو ما جعلها اليوم أمرا متنازعا عليه بشكل كبير، وذلك لأسباب فلسفية أكثر مما هي علمية، إن أمر إعطاء وظيفة متفوقة إلى طريقة كون أن أكثر عدد من الناس يستعملون اللغة، ليس معيارا علميا كافيا.
كيف حدث تطور الأجناس الأدبية التي رمزت من طرف الشعراء التسعة في الميثولوجيا الإغريقية؟
يمكن أن أقول لك بدون الركون إلى جواب واحد بعينه، أنه منذ 2500 سنة أي منذ اليونان القديمة، مرت الأجناس الأدبية المختلفة من مراحل النمط، أو التدهور، أ والنهضة... بيد أن الفعل الأدبي بقي ثابتا، لقد كانت دوما الأجناس أدبية حاضرة، وهو ما يدل وإلى يومنا هذا كون أن الأدب لم ينقطع أبدا عن أن ينقسم وفق إطار محدد بدقة، والحال أن هذا الأمر يتعارض فيما بينه، وهو ما يمكن أن نجده على سبيل المثال في الشعر الغنائي والشعر الرعوي، والشعر الدرامي، والشعر الملحمي، من ثمة فالأدب يتعارض فيه الشعر بالنثر، والرواية بالكتاب، والقصة القصيرة بالسرد... من ثمة فإنه وعلى مدة طويلة، خضع الأدب إلى شيفرة عامة محددة جدا، وملزمة جدا، وإن بدلت من محتواها وفق خصوصية كل عصر على حدة، أما اليوم ــ لهذا فإن لسؤالك حمولة آنية ــ وبخصوص عمل ما مكتمل من طرف الكتاب الطلائعيين، فإن هناك محاولة حية وملحاحة وأيضا لها من القوة ما ليس لغيرها وذلك بغية تخريب الفكرة نفسها للجنس الأدبي، على العموم إننا نعتبر اليوم أنه لا يوجد في العمق حواجز تسمح بتسرب الأنواع المختلفة لكل إنتاج كتابي فيما بينها، بيد أنه يمكن اليوم أن نتخيل إنتاج شيء ما والذي سنسميه بكل بساطة "نصا"، والحال أن هاته الكلمة هي التي سنبدأ باستعمالها تعويضا للعمل الأدبي، من ثمة فالنص سيتم اعتباره كرواية أو كمقال.
إن الجدران التي نصبت نفسها بين تنوعات الأجناس الأدبية، لهي سائرة نحو السقوط لا محالة، وهي الحالة التي عرفتها بعض الأعمال الناذرة في الماضي، لكنها باتت ابتداءً من اليوم حركة عامة للبحث.
هل يمكن القول إن الأدب لغة اجتماعية، وهل من علاقة بين الأدب والمجتمع؟
الأدب مخترَقٌ في السلوك الاجتماعي، والحال أن أدواته تأتي بالضرورة من المجتمع، من تاريخ المجتمع، إنه لمن غير المتخيل كتابة أي نص بدون شيء ما، حيث ليس يمكن للتاريخ أن يمر من هذا النص، وإن كان للمجتمع انقساماته وصراعاته ومشاكله، لكن ومع ذلك فإنه لديكم دوما هاته الوساطة حول الشكل، والذي من خلاله لن يكون أبدا للعمل الأدبي أي انعكاس خالص وبسيط للمجتمع، إن هناك ظواهر مدوية تسعى إلى تعديل المسارات، والحق أنه لمن الصعب تحليل عمل أدبي بمفاهيمه الخالصة المنعكسة، مادام هذا الأمر غير قابل للالتحام، بيد أنه في نفس الوقت يبقى التاريخ حاضرا، إنه دراسة هذا النوع من الغموض، أي للحضور الغائب للمجتمع في الأدب، والذي يبني حقلا امتيازيا لكل نشاط أدبي.
لقد أصبح الأدب عالميا والحق أن هاته العالمية بدأت تثير مشكل الترجمة...
الصعوبة تأتي من مسألة أن اللسان مندمج بعمق في التطبيق الأدبي، لكن ما هو مندمج في التطبيق الأدبي هو اللغة الأم، توجد هناك علاقة بين الكاتب ولغته الأم، حيث تعدو الترجمات هنا ضرورية بشكل مطلق، ولكنها في نهاية الأمر تبقى غير كافية.
إذا كان نص ما أدبيا بوجه حق، فإنه يدمج علاقة بين جسد الكاتب واللغة الأم التي ليس يمكنها المرور من الترجمة، عندما نقرأ أعمالا أدبية مترجمة فإننا نتواصل مع كون ما، لكنه ليس الكون الضروري لهذا العمل، أي اللسان.