رفض جاريد كوهين مدير التخطيط في شركة غوغل أن تحل التكنولوجيا محل الحكومات، في إشارة إلى تفاقم الظروف السيئة في بلدان الربيع العربي، بعدما ساعد محرك البحث العملاق على سقوط أنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا.
وقال كوهين في إجابة على أسئلة قراء صحيفة "الغارديان" البريطانية بعد صدور كتابه المشترك مع المدير التنفيذي لشركة غوغل "ان الثورات في المستقبل ستكون أسهل مما مضى بفضل التواصل التكنولوجي، هذا الدرس كان جليا بعد الربيع العربي، لكن عندما يسقط الدكتاتور وينقشع الغبار، لا يمكن أن تحل التكنولوجيا محل قادة البلاد في تسيير الأمور، بل تكون الدولة بحاجة إلى مؤسسات، وقد يستغرق الأمر لسنوات".
ويعرض كتاب "العصر الرقمي الجديد: إعادة تشكيل مستقبل الناس والأمم والأعمال" لأريك شميدت وجاريد كوهين للقلق من انحراف العصر الرقمي وخشية أن يدار بلا قيادة مسؤولة.
وسبق لجاريد كوهين الذي شارك شميدت في تأليف هذا الكتاب، ان عمل لسنوات كخبير رقمي في وزارة الخارجية الأميركية في عهد الوزيرتين كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون، وانتقل في أيلول/ سبتمبر 2010 إلى شركة غوغل كمدير للتخطيط.
وحذر المؤلفان من الفوضى التي ستعم العالم وتدمر العلاقات بين الدول والشركات، إن لم توجد قيادة مسؤولة وقوانين تلزم التعامل عبر العصر الرقمي.
وذكر أريك شميدت المدير التنفيذي لشركة غوغل وجاريد كوهين مدير التخطيط في الشركة نفسها، ان المخاطر المرافقة لشبكة الانترنت باعتبارها أكبر تجربة تنطوي على تغيير التاريخ، قد تودي بالعلاقات القائمة بين الدول والشعوب.
وحذرا في كتاب مشترك صدر هذا الأسبوع من دخول المتطرفين على تحديد صيغ وأنظمة الشبكة العالمية وبناء الشبكات غير المشروعة، وما قد يتسببان بحرب الكترونية عالمية في عصر يدار كليا بالأنظمة الرقمية.
وطالبا دول العالم بتوثيق علاقاتها مع محرك البحث "غوغل" من أجل مستقبلها ومصالحها الأمنية.
ويعرض المؤلفان في الكتاب الذي تناولته وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا باهتمام لافت بمجرد توزيعه، إلى القلق من انحراف العصر الرقمي وان يدار اليوم بلا قيادة.
ويشرح الكتاب كيفية قيام التقنيات الحديثة على تغيير الطريقة التي نعيش بها، وما محكوم علينا بالخضوع إليها في إدارة شؤون حياتنا وأعمالنا.
ويرا إن ثورة المعلومات ستجرد الناس من سيطرتهم على معلوماتهم الشخصية في الفضاء الافتراضي، والتي سيكون لها عواقب كبيرة في العالم المادي.
ويفسرا كيف ان التكنولوجيا محايدة، والإنسان هو من يستخدمها لأغراض جيدة أو سيئة، يمكن أن تكون لها عواقب مؤذية.
وركزا على الإجابة على تساؤلات كيف أصبح "غوغل" بمثابة دولة رقمية قائمة وبلا حدود، وهل يخضع محرك البحث العملاق للمسائلة من شعبه المكون من مليارات المستخدمين.
وأكدا على أهمية وجود اليد البشرية التوجيهية في إدارة الدولة الافتراضية الرقمية، في استعارة وصفت بالذكية مما قاله عالم الاقتصاد آدم سميث قبل قرون حول الأسواق الحرة والدور المناسب للدولة في تنظيم الاقتصاد.
وعبرا الكاتبان بصفتهما يشتركان في صنع قرار محرك البحث العملاق عن عدم خشيتهما من مساهمة "غوغل" في حل المشكلات الأمنية العالمية المستعصية على الدول والحكومات.
ويتوقع أن يثير الكتاب خلال الأسابيع المقبلة ردود فعل مختلفة، لاسيما وان المؤلفين يعرضان لدور "غوغل" في صنع مستقبل العالم الرقمي، بصفتهما من أقطاب الشركة، وليس كمحللين محايدين.
ويأتي كتاب شميدت وكوهين "العصر الرقمي الجديد: إعادة تشكيل مستقبل الناس والأمم والأعمال" بعد سنوات من إصدار رجلي قانون كتاب "من يحكم الأنترنت".
ولا يكتفي غولد سميث وتيم وو في كتاب "من يحكم الأنترنت" بعرض الجانب اللطيف للحكومة في المساهمة بأمن الانترنت، عندما يقولان أن الحكومة ليست ضامنا محبا وعطوفا كبيرا يعمل للصالح العام، وتقوم بالأمر الصحيح دائما.
ويرينا الكاتبان كيف يمكن للحكومة فرض سيطرتها على الانترنت، وإن أي حكومة تمارس القمع يمكنها السيطرة على الانترنت، بالطبع الأمور تكون أفضل في ظل نظام ديمقراطي يتمتع بحرية الصحافة والتعبير وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة.
لكن حتى الحكومات الديمقراطية تعاني من مشكلات خطيرة فيما يتعلق بالانترنت، فهناك خطر أن تتمادى الحكومة في السيطرة على الانترنت والحريات الشخصية، فيمكنها تغليف العقوبات على بعض السلوكيات مثلما يعتقد الكثيرون إنها فعلت في التعامل مع تعاطي المخدرات، وربما تقوم بالإفراط في حماية حقوق الملكية الفكرية، مما يؤثر سلباً في الإبداع.
وسبق أن وصف خبير متخصص في تقنيات الانترنت مصطلح "أمن الانترنت" بالأمر المثير للغثيان، مؤكداً ان خبراء الأمن يشعرون بالقهر لأنهم لا يستطيعون تحقيق الأمن.
وشكك ريتشارد ثيمي أثناء مؤتمر "أمن الإنترنت" الذي أقيم في لاس فيغاس، بقدرة الشركات المتخصصة في مجال أمن الإنترنت ومكافحة الفيروسات عن حماية الشركات والوكالات والمستخدمين العاديين.
واتفق غالبية المشاركين في المؤتمر على أنه "لا يوجد شيء اسمه أمن الإنترنت... فلا يوجد نظام آمن 100 في المائة، ولا يوجد شفرة لا يمكن اختراقها".
وأكد ثيمي على انه لم يتمكن أي برنامج لمكافحة الفيروسات من مكافحة كل الهجمات، وكل يوم تعلن شركة أو مؤسسة حكومية جديدة عن تعرضها للاختراق الأمني عبر الإنترنت.
وقال "صناعتنا برمتها قائمة على التواري والغموض... وما لدينا هو شيء محطم في أساسه... فكتابة الشفرات هو خيار الإنسان الساذج، لذلك كيف يمكننا استخدام كلمة 'أمن' عندما لا نعني ذلك؟".
وتدارك ثيمي بقوله إن هذا لا يعني أن كل شيء بات غير أمن بالمطلق، "فالعاملون في مجال أمن الإنترنت يكذبون على أنفسهم بشأن الكم والكيفية التي يوفرون بها الحماية... إنهم سيؤون فيما يتعلق بالتقليل من المخاطر ولكنهم جيدون للغاية فيما يخص إثارة المخاوف عن طريق التظاهر بأن كل شيء أمن".
وأشار إلى إن هذه الشركات وهؤلاء الخبراء يقومون بدعاية حول تلك "الخرافة" ويروجون لها أمام العامة عن طريق رفض مناقشة مدى "اختراقهم" بشكل علني.
وضرب مثلا على اعلان شركة "انتل" المالكة لشركة "مكافي لمكافحة الفيروسات" مؤخراً أن 72 منظمة تعرضت لهجمات إلكترونية، غير أن الشركة رفضت الكشف عن أسماء الضحايا، لأن أياً منها رفضت كشف هويتها للعامة.
وأضاف "أنه عندما تبدأ الشركات والمؤسسات تتحدث بصورة علنية وتنطق بالحقيقة، بشأن ما لديها من قصور داخلي وخارجي، فإنها تستطيع مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجهها".