في غياب هندسة مناسبة، تكون التقنيّات الجديدة مروّعة، لذا ليس من الممكن أن تقتصر مهمة صنعها على المهندسين وحدهم. ولو أن جميع الأجهزة التي نملكها تتفاعل مع بعضها بعضاً بتعاون، لظهرت فرص جديدة فعليّاً. وعلى سبيل المثال، اشتهرت شركة «فروغ» بأنها ابتكرت الهندسة الصناعيّة لأولى كومبيوترات شركة «آبل» في مطلع ثمانينات القرن العشرين.
وحاضراً، تنكب «فروغ» على بناء نموذج لمصباح يستشعر وجود أشخاص في الغرفة، إلى جانب نماذج شاشات لمسية تُركّب على الجدران والطاولات. لنحاول وضع سيناريو عن تفاعل هذه الأجهزة مع بعضها بعضاً ومع ما نملكه من أجهزة إلكترونيّة كالخليوي الذكيّ. إذا استشعر المصباح وجودك في المطبخ، وتعرّف إلى التطبيقات التي يشملها هاتفك، فسيعمل على «نقل» صورة عن تطبيقات الطبخ فيه على سطح الثلاجة عندما تباشر إعداد العشاء.
وللتعاطي مع هذا النوع من التفاعل المعقّد، سيكون من الضروري أن تصبح الأجهزة التي نستعملها يوميّاً أكثر ذكاء. وفي هذا الصدد، أطلق ديف مورين، الرئيس التنفيذي لشركة «باث» للتواصل اجتماعي عبر الخليوي، حكمة تشرح طريقة التفكير في سياق عملية هندسة تجارب الجيل المقبل. «إن الذكاء الاصطناعي بمثابة واجهة جديدة للمستخدم» بحسب كلماته، بمعنى أن الجهد والاهتمام اللذين كرّسهما المهندسون في الماضي للمنصّات الرقميّة يجب أن يصلا إلى أشياء كصنع رمز لا يكتفي بالتفاعل مع النقر عليه، بل يتوقع أيضاً تصرّفات مستخدمه. ومثلاً، ستعطي «باث» تحديثاً لموقعك عند استشعارها بأنك استقررت في مكان جديد. ولا يهدف ذلك إلى مجرد إثبات نظرية معيّنة، إذ تلمّح الحكمة الصادرة عن مورين إلى الأحاديث الصامتة التي ستجري بين هواتفنا والأجهزة التي نحملها من جهة، وبين تلك الأدوات كلها وبيئتنا، وكذلك التفاعل بين بعضنا بعضاً. ومن المحتمل أن يعمد نظام التشغيل في خليوي المستقبل إلى استعمال نوع متطوّر من تقنية الـ «بلوتوث»، بطريقة تمكّنه من الوصول إلى البيانات والمعلومات التي تتضمّنها الأجهزة الأخرى القريبة منه، ما يعني تطوير الخدمات الذكيّة التي يقدّمها هذا الخليوي استناداً إلى المعلومات التي حصل عليها!
وتشكّل ابتكارات من هذا القبيل تحديّات كبيرة في نظر المهندسين، علماً أنّ أهمّ مهندسي التطبيقات والبرمجيات يفهمون اليوم بعمق طريقة تفاعل المستخدمين مع منتجاتهم. ويعرف المهندسون أيضاً تفاصيل فائقة الدقّة تتصل بمكان تركيب أزرار التشغيل، وسرعة تحرّك الشاشة، وكيفية تبسيط التطبيقات بطريقة لا تجعلها مفرطة في البساطة أيضاً!
أولويّة السلوك البشري
مع ابتعاد المهندسين الإلكترونيين عن الشاشات وتوجّههم نحو عالم أوسع نطاقاً، سيضطر هؤلاء إلى دراسة أدقّ تفاصيل نشاطنا اليومي وفهم السلوك البشري بحذافيره، كما يفعل الروائيون ومنتجو الأفلام. وحينها، سيشعرون بأنهم إن لم يفعلوا ذلك، فسوف يتسبّبون بردّ فعل عنيف مشابه لما حصل عند صدور نظّارات «غوغل غلاس» Google Glass الذكيّة. فعلى رغم أن تلك النظّارات قُصِد منها أن تكون ممتعة، إلا أنّها تسببّت في موجة من المخاوف المرتبطة بخصوصيّة الأفراد وحريّاتهم الشخصيّة والعامة.
وسيتطلّب ذلك الأمر أيضاً حدوث تبدّل في طريقة فهم مهندسي التقنيات للعالم. ويلفت مات ويب، الرئيس التنفيذي لشركة «بيرغ» اللندنية المتخصّصة في الهندسة الرقميّة، التي عملت مع شركات من وزن «بي بي سي» و «غوغل» و «نوكيا»، إلى أن الأمر يتطلّب التفكير بطريقة تتخطى المسار السائد حاضراً. ويرى مثلاً أنّ كون الاشتراك في خدمة يمنع آخرين عن استعمالها هو ضرب من الجنون الفعلي. «تصوّروا مثلاً أن تضطروا إلى الاشتراك بخدمة استعمال مصباح الإنارة قبل أن تضيئوه»، بحسب كلمات ويب.
وتحاول شركة «بيرغ» حلّ مشكلة كهذه عبر ابتكار نظام يخوّل مستخدمين متعدّدين التشارك في أجهزة ذكيّة وموصولة بالشبكة، مع إمكان تعديلها بحسب ذوق كلّ فرد وتفضيلاته الشخصيّة.