لا نكاد نجد تعريفا يناسب الاشتغال على الوضعية المشكلة في الفلسفة، بالنظر الى الصعوبات التي تعترض المشتغلين بديداكتيك الفلسفة فيما يتعلق بتوظيف بيداغوجيا الوضعية – المشكلة في درس الفلسفة. لذلك سنكتفي بالتعريف الاجرائي الذي جاء في مصوغات تكوين اساتذة الفلسفة سنة 2009 والصادر عن "الوحدة المركزية لتكوين الأطـر"، ونقرأ فيه: "تعتبر الوضعية-المشكل دعامة مشيدة لأغراض تعليمية بهدف تنمية كفاية معينة أو تقويمها. وتفترض بما هي وضعية، تفاعل ذات مع سياق ينخرط فيه المتعلم لأنه يعنيه بكيفية ما، كما تفترض بما هي مشكل، وجود عائق يخلق توترا معرفيا ويحث على التفكير والتأمل والوعي بالحاجة إلى تعلمات جديدة لمعالجة المشكل. لذلك فهي إطار للتفكير ومناسبة لبناء المفاهيم أو لاستثمارها في معالجة وضعيات جديدة"، وهو التعريف الذي يقترحه معظم المتخصصين في بيداغوجيا الوضعية المشكلة، وعلى الاخص فيليب ميريو Philippe Meirieu وجيرار دوفيتشي Gérard De Vecchi.
وفي محاولة لتعريف الوضعية المشكلة بما يخدم منطلقات واهداف درس الفلسفة نقرأ في مصوغات التكوين ما يلي: "تمثل الوضعية المشكلة لحظة بلوغ الفكر تناقضا أو تعارضا ينبغي حله حتى يمكن الاستمرار في التفكير على نحو يتجاوز ذلك التناقض. وهي وضعية نظرية تهم العلاقات بين الأفكار. والتناقض الذي يميز الوضعية المشكلة هو منطلق التفكير وليس نهاية له كما يبدو للوهلة الأولى. وهنا قد يكون المفهوم/التصور الأولي مجالا لبناء وضعية تتسم بالتناقض أو التعارض أو المفارقة، مما يحفز الفكر المتسائل ويفتح إمكانية صياغة أمثلة موجهة للتفكير ومشكلات تنخرط في سياق التفكير الفلسفي بمرجعياته وآلياته وضروراته المنهجية". وبناء عليه فبناء المفارقة في الفلسفة تمثل اللحظة الاساس في مسار انجاز الدرس، إلا أنه يتعين علينا ان نميز في هذا المستوى بين البناء الاشكالي والاشتغال على الوضعية المشكلة، ذلك أن هذه الاخيرة لا تحل محل البناء الاشكالي، وإنما هي وسيلة ووضعية انطلاق وتمهيد لبناء الاشكالية الفلسفية. وفي هذا الصدد نميز بين أنواع من الوضعيات المشكلة التي يمكن ان يوظفها المدرس في مختلف لحظات بناء الدرس. فإذا كانت مختلف المواد المدرسية الاخرى وعلى الأخص المواد العلمية تسعى الى بلوغ الحل كغاية خلال توظيف الوضعية المشكلة فإن درس الفلسفة لا يمكن ان يتمحور حول تلك الغاية بالنظر الى طابعه الاشكالي، وبالتالي سيكون المبتغى هو صياغة اشكالات جديدة وطرح وضعيات اشكالية جديدة تفتح افق تفكير التلميذ.
وعلى العموم تشترط الوضعية المشكلة في السياق المدرسي:
• وضوح الدعامة أو الموضوع: نص مكتوب، صورة، شريط...؛
• انسجام العناصر المكونة للدعامة؛
• وجود معلومات كمعارف مساعدة؛
• معطيات قابلة للايثار؛
• وضوح الهدف؛
• وضوح التعلمات consignes,
سنحاول في هذه الورقة بيان دور الوضعية المشكلة في بناء الدرس الفلسفي، من خلال التفكير في خصائص الوضعية المشكلة كما قاربها رواد بيداغوجيا الوضعية المشكلة من جهة، ومن خلال بيان خصائص مادة الفلسفة بالمقارنة مع المواد الاخرى من جهة أخرى. كما سنحاول وضع تصور اولي كمشروع لتحديد معايير انجاز الوضعية المشكلة في درس الفلسفة مصحوبة بمعايير تقويم ذلك الانجاز. ونتمنى ان يحضى هذا العمل بملاحظاتكم وانتقاداتكم التي بدونها لا يمكن لهذا النموذج ان يتقدم.
يقترح فيليب ميريو Philippe Meirieu لصياغة الوضعية المشكلة، الإجابة على الاسئلة التالية:
1. ما هو الهدف المراد بلوغه؟ ماذا سأكسب التلميذ بحيث يمثل ذلك خطوة هامة في تدرج تعلمه؟
2. ما هي المهمة اللازم اقتراحها والتي تتطلب بلوغ الهدف المسطر اذا ما انجزت بشكل جيد (تبليغ واتصال، إعادة صياغة، لغز، تصليح، حل...؟
3. ما هي الوسائل التي يجب توفيرها حتى تسمح للنشاط العقلي، أثناء انجاز المهمة، بلوغ الهدف؟ ما هي الأدوات التي تستجمع والتعليمات التي تقدم لاستعمالها في تنفيذ المهمة؟ ما هي الصعوبات التي تدرج لمنع المتعلمين من التهرب من التعلم؟
4. ما هي الأنشطة التي ستقترح بحيث تسمح باستخدام الوسائل والادوات وفق مختلف الاستراتيجيات؟ كيف يتم تنويع الوسائل والطرائق ودرجة التوجيه وأشكال التفويج؟
Philippe MEIRIEU : Situation problème , « Cahiers pédagogiques n° 263 » Avril 1988.
خصائص الوضعية المشكلة حسب استولفي Astolfi:
1- ينبغي ان تحدد الوضعية المشكلة عائقا ينبغي حله؛
2- ان تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة فرضيات وتخمينات؛
3- تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله ومواجهته بالقدرات المكتسبة؛
4- تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية؛
5- توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ؛
6- تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات تساهم في تكوين الكفاية في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية؛
7- تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن ان تواجه الافراد خارج المدرسة، ضمن الحياة المهنية او الحياة الخاصة؛
8- يعد للتلميذ مشكلا حقيقيا لا يكون فيه الحل بديهيا؛
9- تشكل الوضعية فرصة يغني فيها التلميذ خبراته؛
10- تتحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ.
Astolfi, J, P : placer les élèves en situation problème, Probio revue, vol 16, n° 4, 1993.
خصائص الوضعية (المعايير) حسب جيرار دو فيتشي Gérard De Vecchi ونيكول كارمونا Nicole Carmona:
- ارتباطها بعائق محدد يمكن تجاوزه والوعي به من طرف التلميذ من خلال تصوراته (التمثلات الذهنية)؛
- توالد التساؤلات لدى التلميذ ولا يجيب فقط على اسئلة المدرس وحدها؛
- خلق قطيعة أو أكثر تعمل على تحطيم أو النماذج التفسيرية الاولية؛
- تناسبها مع وضعية مشكلة معقدة مرتبطة بالواقع ما أمكن ذلك، منفتحة على مختلف الاجابات المقبولة ومختلف الاستراتيجيات المستعملة؛
- الانفتاح على معرفة عامة (الفكرة، المفهوم، القانون، القاعدة، الكفاية، حسن التواجد، حسن المآل...)؛
- تشكل موضوع أو لحظات كثيرة للميتا – معرفي (التحليل البعدي للطريقة أو الطرق التي عيشت أثناء مباشرة النشاط والمعارف المدمجة.
Gérard De Vecchi et Nicole Carmona – Magnaldi : « fiare vivre de véritables situations – problèmes », Hachette, 2002, P 47.
خطوات بناء الوضعية حسب ف، جوناير Ph, Jonnaert
يقترح جوناير سبع خطوات:
a. ضبط المعارف المقررة؛
b. ضبط المهارات؛
c. تحديد السياق الذي في اطاره يستخدم التعلم تلك المهارات؛
d. وصف وضعية في ذات السياق بحيث تكون شاملة وذات معنى بالنسبة الى التلميذ؛
e. تشخيص المهام (القدرات) والموارد؛
f. انتقاء الموارد؛
g. صياغة الوضعية.
لقراءة تتمة المقال يرجى التحميل من الرابط أسفله