الحلم ساحة عراك طبقي ـ رضوان أيار

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse22103في أن أحلامنا ليست لنا ..
يقول "جي ديبور" في مؤلفه الشهير "مجتمع الفرجة "، بأن هدف الاقتصاد هو تطوير ذاته، غاية التصنيع مزيد من التصنيع، هدف الرأسمال مراكمة الرأسمال ، و دفع الناس في اتجاه أن يكونوا مجرد متفرجين سلبيين،حشودا  من الخاضعين الضائعين، الهادئين، المتواطئين مع الأقلية المالكة للرأسمال و لوسائل الإنتاج ضد بعضهم و ضد أنفسهم أيضا،،،الفرجة عند "جي ديبور"  تبدو عندما يتحلق الناس حول رغبات مشتركة، يعتقدونها رغباتهم ، فإذا هي معدة سلفا من قبل الماسكين بخيوط اللعبة، بمعنى أن "النماذج "و "المثل"، سواء كانت أشخاصا أو أنماط عيش أو أفكارا و مواقف و قيم ، يتم تسييدها، تقحم في صميم الحياة اليومية للناس، في صميم "متخيلهم "، تفرض عليهم فرضا..يتخيل الناس بعد إغراقهم في بحر الصور ما يراد لهم أن يتخيلوه ، و يحلمون بما يسمح لهم بأن يحلموا به، تذوب الذوات الفردية في قوالب فتصير شبيهة ببعضها..تعيش الوهم و تعتقده واقعا، و لا تحدد بدقة الفيصل بين الواقع الفعلي و ما يصور أنه الواقع، تتعطل إمكانية بناء وعي طبقي أو وطني،فتهزم الأحزاب و الإطارات المناضلة ، و تستريح الرأسمالية إذ يقدس الناس ما تروجه من وهم و تعيش هي الواقع الفعلي، تهاجم قوت الناس و رؤيتهم للعالم و للوجود ، تضخم إحساسهم بالانتماء إلى ما لا ينتمون إليه فعليا، و تقزم شعورهم بالانتماء إلى بعضهم، تخلط في عمق إحساسهم بين الصديق و العدو، تخلق ضبابية الوجود ، الفوضى العارمة ،الاستيلاب ، لذلك فالمجتمع الصناعي حسب "جي ديبور" يشتغل بالأساس على الصور و تكرار الصور ، يشتغل على بناء متخيل الناس و أحلامهم ، و على إبعاد الناس عن الواقع و عن أحلامهم و متخيلهم الخاص ، الذي يشكلونه بأنفسهم و لا يقترحه عليهم أحد .


الأحلام تفرض و لا نختارها حسب "ديبور "، نكون فيها متفرجين على تفاهتنا. في هذا السياق يستحوذ على الذهن سؤال كبير ، كيف نحول الحلم و التخيل إلى فعل فردي إرادي يخدم واقعنا الفعلي، و نصمد من خلاله أمام إرادة تحويلنا إلى حشود تعيش خارج التاريخ؟
   
يرى جاستون باشلار _فيما يرى_ عند بحثه في "شاعرية أحلام اليقظة" أن الأحلام ليست من طبيعة واحدة ، الأحلام أشكال و ألوان .
أحلام النوم و أحلام اليقظة حدثين بتفاصيل مختلفة. أحلام النوم ليست لنا. إنها خاطفة. تنسى كأنها لم تكن. أحلام الليل من دون حالم و لا سارد، شخوصها بملامح غريبة و من أزمنة متفرقة و غريبة، إنها لاواعية ، مرعبة أحيانا و مفرحة أحيانا ، نجتهد لنستعيدها و لا نستعيدها كما هي و لو اجتهدنا ، أحلام الليل هي سطوة الخوف الذي يسكننا نحو الواقع الفعلي أو هي تحقق واهم و زائف لرغبات تسكننا نحو الواقع الفعلي...أحلام النوم تحتاج لتفسير، لذلك فالآخر يعطيها دلالة و معنى، إنها ليست لنا اذن ، هي لمن يعطيها دلالة و معنى...لنا الأحلام التي ننسجها و أعيننا شاخصة ، لنا أحلام نهارية نبدعها و نختار شخوصها و تفاصيل الأحداث، لنا أحلام  ننتقي الكلام و نلبس الراوي ما نشتهي ، نختار العقدة و الحل و نختار الأزمنة و الأمكنة و الديكور و الاكسسوارات الدقيقة المعنى . أحلام اليقظة واعية لأن الحالم واع ، الحالم هو أنا و أنت و نحن ،الحالم يترك نفسه للحلم فينفتح على الوجود كما يشتهيه، و ينفتح عليه العالم كما يشتهيه، يحلم لا ليهرب من واقع معطى كما قد يعتقد بل لكي يعيش الواقع المعطى، لنا أحلام ننسجها عندما نختلي بأنفسنا، عندما نمنح لأنفسنا فسحة للشرود و لا يصفر علينا أحد .. لا رقابة في الحلم النهاري ، إننا نحلم لنغير وجه العالم أو على الأقل لنجمله كي يصير محتملا..حيث لا يمكن تغيير واقع دون فهمه و رسم الاستراتيجيات المنطقية .
إن الحلم بهذا المعنى هو شرط إمكان الوجود ، و هو نقيض الحنين فهو شرط تدميره ، الحلم مفتاح سعينا نحو تملك العالم و نحو التعايش معه، لذلك يتدخل الرأسمال لإفساده أو لرسمه على مقاسه، و الحنين انغماس في الماضي و رغبة في استعادة زمن لا يعود ، الحنين دليل عدم اقتناع الشخص بحياته الواقعية و صعوبة الاندماج في الراهن ، هو إيمان بأن العالم كما تصورناه في الطفولة و المراهقة خال من اللصوص و المنافقين و الفقر و الحاجة مستحيل جدا ، في الحنين نكتشف عزلتنا فندخل عوالم سوداوية و قاتمة ، الحنين ارتكان للماضي ، الحلم النهاري اندفاع نحو تحقيق الذات ، نحو تحقيق طفولتنا المشتهاة ، الحلم سعي نحو التحقق و الحنين استعادة و بكاء و ندم ...و هنا يشتغل الرأسمال ، انه يخلق الإحباط و يزكي الحنين ، إحباط رجل أو سيدة لا تستطيع تحقيق حلم ابنتها بفستان سهرة و لا أن تحقق حلمها في تقاعد مريح ، فيصير الأبدع على الإطلاق هو ما كان .
إن ما ميز الإنسان عن باقي الموجودات بالمعنى الباشلاري أنه حالم ، انه لا يقنع بوجوده في العالم كمجرد معطى طبيعي بل توقه إلى ذاته التي يرسم ملامحها و يسعى خلفها باعتبارها مشروعه و باعتبار قابليتها للتحقق الفعلي. يبدو الإنسان في الواقع تائها هائما متعجلا مرتبكا يفتش في تفاصيل حياته عن" النموذج المثالي" الذي يريد أن يكونه _كما يقول فيبر _ فيرسمه، يرسم صورة المرأة التي يشتهي،متأنقة و متألقة، و ترسم الرجل كما تشتهيه ،ذكيا و حنونا و عذب الكلمات ، يرسم الدين كما يشتهيه ، يرسم بيته فسيحا و أطفاله كالملائكة بصحة جيدة و عافية فكرية، يرسم السياسة كفن و علم و السياسيين يقتحمون الواقع و لا يخشون التماسيح، يرسم الحب يحيطه ، يرسم المدينة بعلاقاتها و بتفاصيلها ، ينزوي بعيدا يفكر في كل شيء و في لا شيء ، يتكتك حياته و يدرس الاستراتيجيات . يتدخل الحلم لانتشالنا من قهرنا لأنفسنا في كل مرة إن نحن استدعيناه ، و إن نحن منحنا أنفسنا لحظة لنا نناجي الطفل الساكن فينا. يقول باشلار بأن أهمية الحلم النهاري تبدو عندما نكتشف في أعماق الحياة و غالبا متأخرين ، عزلاتنا الطفولية، عزلات الطفل الذي كنا، و عزلاتنا المراهقة ، نفهم متأخرين أنا كنا نوجد على شاكلة و نحلم بوجود مختلف، نفهم أنا في زمن الطفولة الأولى كنا نحلم بطفولة أخرى، بالانسيابية و العفوية و العذوبة التي طمرت و انتزعت منا، " في عزلة الربع الأخير من الحياة نفهم عزلات الربع الأول ." ، نفهم متأخرين كل ما نفهمه ، نفهم متأخرين كل شئ ، نفهم متأخرين أنا اغتصبنا و حرمنا الحياة و نعرف هذا النقيض الذي حرمنا الحياة ،الحلم النهاري يجعل وعينا الطبقي يطبخ عل نار هادئة ، نكتشف أننا بدل أن نحيا حياتنا ، متنا قبل أن نحيا حياتنا أو أنا عشنا حياتا بإيقاع لم نختره ، نفهم أن التوفيق غاب عنا  فحاصرتنا انكساراتنا من كل صوب، ارتسمت صورة العالم أمام أعيننا قاتمة و حالكة . تضاعفت إمكانيات ضياع الذات و إمكانيات تثبيت القائم و تخليده فابتدأت الرتابة و الاكتئاب و ما رافقها من جلد للذات و تحقير لها...كبرت الرغبة في الانتحار و الطلاق و التنلص من كل شئ ، فانتعش الرأسمال و هو لا ينتعش _على كل حال _ إلا عندما يضيع الجمع الغفير ذاته فيبني له ذاتا مستعارة إلى حين ...بالحلم النهاري نتصدى لارادة تبضيعنا و تضييعنا و تسليعنا إذ نرسم لأنفسنا هوية و مسار حياة .
                                       احلموا تصحوا هو شعار المرحلة

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟