افتقر تاريخ الفلسفة لأصوات نسوية استطعن أن يخترقن القلاع الفكرية المشيّدة بإحكام من قبل الوعي الذكوري المتغطرس، بل تكاد تخلو القواميس المعرّفة بالفلاسفة من أسماء فيلسوفات سجّلن حضورهن على نحو متشظّي عبر محطات تاريخ الفلسفة. وقد تهاطلت العديد من الأسئلة اللاّسعة على هذا الإقصاء المتعمّد، إن لم نقل الممنهج للمرأة في أن تكون وجه آخر للمعرفة الممكنة حول قضايا أنطولوجية و أخلاقية و معرفية تمّس الإنسان، هذا الكائن ذو الطبيعة المزدوجة. ويمكن التقاط ضمن هذا التاريخ المنسي أسماء بعض الملقوبات بالفيلسوفات {كاسباسيا} صاحبة الصالون الذي كان يرتاده أفلاطون في أثينا، وهي المرأة التي كان لها دور بارز في السياسة، والتي يذكرها في محاوراته لبلاغتها صديقه بركليس. كما كان هناك {ديوتيما} معلمة سقراط التي أدار حولها حديث الحب السقراطي في المأدبة (1).
ومن الجدير بالذكر أن تاريخ الفلسفة لا يخلو من تواريخ وحجج دامغة في كون النساء قد لعبن دورا مهماً وكنّ فاعلات للغاية في المدرسة الفيثاغورية، بحيث كان لهنّ دور هام في تطور الفيثاغورية الأولى كفلسفة طال إشعاعها المجتمع الإثيني. ومن أبرز هؤلاء النسوة الفلاسفة في تلك المدرسة نجد {ثيانو} و{أريجنوت} و{مييا} . كما شهدت الفترة الفيثاغورية المتأخرة أعلام من النساء من قبيل {إيزارا اللوكانية} و{فينتس الإسبرطية} و{بركيتوني الأولى} و{إيزارا}، وهذه الأخيرة هي صاحبة الحكمة الشهيرة: «إذا قمنا بتحليل النفس فسوف نفهم القانون والعدالة على المستوى الفردي والأسري والاجتماعي»، وهي التي قدّمت فكرة القانون الطبيعي ليشمل الفرد والأسرة، ليتطارحها بعدها الفلاسفة. أما {فينتس} فألفت كتابا فلسفيا تحت عنوان »الاعتدال عند النساء « لكن ضلّ هذا المؤلف هو الآخر في طيّ الفقدان ككثير من الكتب التي ضاعت في ثنايا التاريخ المنحاز. أما {بركيتوني} فلها كتاب اسمه » هارمونيا النساء « . وفي الفترة ما بعد المسيحية نعتر على اسم {ماكرينا} القديسة الفيلسوفة التي عاشت في القرن الرابع الميلادي (2).
لقد تم تداول معلومات ضئيلة عن قائمة تضمّ نفرا من أسماء الفيلسوفات بما يشمل تاريخ الفلسفة الهيلينية والهلنستية، إلى جانب بعض التفاصيل عن حياتهن ونشاطاتهن الفلسفية. وضمت هذه القائمة أسماء فيلسوفات من أمثال : فيلسوفة اليونان الأولى {أرستوكلي}، وهي معلمة للفيلسوف والرياضي اليوناني فيثاغوراس (500 – 580 ق.م) . وكانت أرستوكلي كاهنة معبد دلفي الشهير في القرن السادس قبل الميلاد. كما عرفت بكونها أول فيلسوفة متفرّدة في بدايات بواكير الفلسفة اليونانية قبل سقراط إلى جانب طاليس. والفيلسوفة {إسبيشيا الملطية} (400 – 470 ق.م)، مستشهدين في هذا الصدد بإفادة للمؤرخ اليوناني بلوتارك (120 – 46 م)، الذي قارن بين إسبيشيا وثاركيلا (وهي نموذج نسائي متقدم على إسبيشيا وجاءت من أيونيا كذلك)، فقال : » إنّ إسبيشيا هي تجديد لصورة ثاركيلا في العصور القديمة « . والفيلسوفة القورينائية {أريتا}، التي عاشت وعملت في القرن الرابع ق.م، والفيلسوفة الكلبية {هبريشا الماروني} (280 – 350 ق.م)، وهي تنتمي إلى المدرسة الفلسفية الكلبية. والفيلسوفة الأبيقورية {لونتن}، وقد تتلمذت على يد الفيلسوف أبيقور وتشربت فلسفته. وأخيرا {هبيشا الإسكندرانية} (415 – 370 او 350 م) المنعوتة بشهيدة الفلسفة الأولى إسوة بسقراط. كانت هبيشا المغوارة رمزاً نسوياً متفرداً في قيادة الأفلاطونية المحدثة في عصرها. لكن يأسف على مصيرها التراجيدي، حيث قتلت بيد الرعاع الهمج الذين مزقوا جسدها إربا إربا، بعد سحلها في شوارع المدينة، وحرقها وهي حيّة ترزق إلى إن سلمت الروح لخلاقها (3).
تنبري الأنثى كجرح أنطولوجي غائر في ثنايا القول الفلسفي، ماضيه وحاضره. ويحضرنا في هذا المضمار اعتراف صريح للفيلسوف نيتشه، حين اعتبر الفلسفة وتاريخ الفلسفة قد فشل في فهم طبيعة المرأة. وقد استثمرت ثورة نيتشه المضادة على الفلسفة من قبل الحركة الفمنستية، التي عملت بكل جدّ على نقد تاريخ الفلسفة واتهامه بأنه تاريخ فيه تمييز في الجندر Gendre (أنا ذكر وأنت انثى) وانحيازه لصالح الذكور، مع تسفيل لعمل النساء في طرفيه الذهني واليدوي. وهو تاريخ شوفيني كتبه فلاسفة رجال، يضلّ منسوبا في تقويمه العام لتاريخ فلسفة ذكورية (4). وبمجرد إلقاء نظرة عائمة على مزبلة التاريخ بعد أن سائلنا وضع المرأة وتموقعها في رحاب الفلسفة، حتى نجد سيلا من التصورات المحنوطة في الذهنيات والعقائد والسلوكات، المفضية إلى تأبيد روائز الهيمنة البطريكية التي ترى في الأنثى آخر كائن فوق الأرض أوكلت لها السماء مهمة تدجينه. فاعتبار المرأة كائن ناقص كان مشتهرا في الغرب قبل شيوعه بين شعوب الشرق. فالغربيون كثيرا ما جنوا على المرأة بالطّعن فيها واعتبارها ناقصة ومعيبة، مبرّرين ادعائهم بكون قانون الخلقة قد خلق المرأة ناقصة عقلا ودينا لحكمة ما. إذ قالوا على لسان الكنيسة والدين: {أن المرأة يجب أن تخجل من كونها امرأة}. وقالوا: {المرأة هي الموجود ذو الشعر الطويل والعقل القصير} و {المرأة آخر موجود وحشي دجّنه الرجل} و {المرأة نقلة بين الحيوان والإنسان} وأمثال ذلك غزيرة ومستشرية على صعيد ثقافات وشعوب عديدة.
كثير من الحضارات كانت في شكّ وعماية في شأن الأنثى، وهل روحها شيطانية، أم آدمية إنسانية. بل حتى تاريخ الكنيسة المسيحية لم يسلم من تأثره بهذه العقيدة المعادية للمرأة، والتي تجد تشخيصها من زاوية نفسية فيما يعرف برهاب النساء أو الجينوفوبيا « gynophobie » ، وهو عرض نفسي وصفه علم النفس لاحقا: بأنه رهاب النساء. ويتّخذ شكل الهلع المفرط من تواجد النساء وكرههنّ واحتقارهنّ إلى درجة ميزوجينية قصوى. بحيث يحفل التاريخ البشري بمجموعة من الحضارات الأبيسيّة التي لازمها هذا المركب الإخصائي للمرأة.
وظلّ الشكّ يحوم حول طبيعة الأنثى الغامضة قرونا متواصلة حتى القرن السادس ميلادي، و بعد الخروج من عصر الظلمات عقدت مؤتمرات ليتدارسوا فيها هل المرأة لها روح أصلا أو هي كائن بدون روح. لأنّ الشائع أنها كانت بروح حيوانية، والبعض قال إن لا روح لها أصلا. وتراجع هؤلاء فيما بعد عن أحكامهم، وقالوا يبدوا أن لها روحا ولكن دون روح الرجل، وهي مخلوقة فقط لخدمته وإسعاده وإرضاءه. يقول الداعية القديس بولس الأول في رسالته: المرأة مجد الرجل، لأن الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل (5). أما القديس بونافنتيرا {1221- 1237} فقد ذهب أبعد من ذلك بقوله: إذا رأيتم المرأة فلا تحسبوا أنكم تشاهدون موجودا بشريا، بل ولا موجودا متوحشا، لأن ما ترونه هو الشيطان نفسه. وإذا ما تكلّمت فما تسعونه هو فحيح الأفعى ... ! ويمكن العودة في هذا الصدد إلى كتاب: الفيلسوف المسيحي.. والمرأة، الذي يتناول فيه الدكتور إمام عبد الفتاح إمام بتشريح مستفيض الحضور الأنثوي عند المسيح والقديس بولس مرورا بعصر الآباء الفلاسفة الذي عرف كلّ من كلمنت السكندري {150/223} ترتوليان {160/230} القديس جيروم {345/420} القديس يوحانا {345/407} القديس أوغسطين {354/430} القدسي توما الأكويني (6).
كما كان كبار المفكرين الغربيين من أبناء القرن الثامن عشر من مثال غوته وروسو ومونتسيكيو وأوغست كونت {...} الخ، أيضا من دعاة تقزيم المرأة والحطّ من شأنها وتفضيل سيادة وسيطرة الرجل عليها. بل حتى مواقف الفلاسفة من المرأة لم تكن بريئة كما ينبغي أن تكون عليه سريرة الفيلسوف، حيث بدت هي الأخرى مشحونة بنوع من الذاتية وبقايا الجروح العاطفية التي تعود إلى تخوم الطفولة و بقايا الحب الأمومي المشوش. ويكفي أن نسجّل في هذا الصدد الحكم الذاتي للفيلسوف عن المرأة. إذ غالبا ما تكون الظروف الشخصية للفيلسوف أو طبيعة علاقته بزوجته أو محبوبته أو أمه، هي التي تعكس في آخر المطاف مواقفه من المرأة، والأمثلة عديدة في هذا الباب (7).
فالصورة التي رسمها أرسطو مثلا - وقبله أفلاطون- للمرأة تعدّ بالغة الأهمية، إذ رسّبت في أعماق الثقافة الغربية، وأصبحت الهادي والمرشد عن النساء بصفة عامة (8). وعند مقارنة أرسطو بين الرجل والمرأة، تساءل، هل تعدّ المرأة من الجنس البشري، وتنتسب إلى الإنسانية ؟ يجيب نافيا، لكونه يعتبرها كائنا دونيا، وقد خلقت مسخا مشوها ناقصا، وهي مجرد كائن بهيمي أقرب ما يكون إلى القردة (9). فالمبدأ الأول في الفكر الأرسطو طاليسي كان مذكرا بامتياز نافيا في تمركزه للمؤنث. ارسطو الذي كانت أوليمبياس "Olympias" زوجة الملك فيليب المقدوني ووالدة الأسكندر الأكبر تنعته بالألثع الذي لا يملك أفكارا خلاقة، مضيفة أن شهرته أتت من كونه تلميذ أفلاطون المفضّل.
لا مندوحة أن ثنائية ذكوري/أنثوي قد نالت من الفكر ونواميسه. فالفلسفة بما هي نتاج عقلي، منطقي يقتضي التأمل وإعمال العقل، لا يمكن أن يكون هذا النمط من التفكير من نصيب المرأة لأنها منقوصة عقلا ودينا ولا حاجة لها للتفكير. إنّ احتقار المرأة من قبل هؤلاء الفلاسفة، يعود إلى طبيعة الفلسفة في حدّ ذاتها، باعتبارها ميدان مجرد عام لا يمكن للمرأة أن ترقى إليه، لما اختصّت به من نظرة جزئية حسية خالصة، يشوبها حس مرهف. هذه الأمور التي تشدّ ذهنها إلى الأسفل في الوقت الذي أن ترتفع فيه إلى الأعلى، عندما تناقش موضوعات الوجود والمعرفة (10).
حتى أننا قد لا نعتر على اسم فيلسوفة عبّرت عن مواقفها في أهمّ لحظات تشكل الفكر الإسلامي ذي المنطلقات الفلسفية. ذلك أن أصل نظرة كثير من العلماء والمفكرين المسلمين في المرأة إنما يعود إلى الفلاسفة اليونان. فالفكرة التي تقول إن الصورة السيئة عن المرأة الشائعة بيننا هي التي رسمها الفيلسوف في بلاد اليونان، ثم وجدت عندنا أرضا خصبة، حتى أنها ارتدت ثوبا دينيا، وأصبحت فكرتهم جزءا من الأفكار المأخوذ بها في العالمين المسيحي والاسلامي، فلقت ترحابا كبيرا، واستعدادا لترديدها ولدعمها من الناحية الدينية (11). هذا إلى جانب اعتبار المرأة ملكية خاصة من قبل الوعي المذكرن كما حثّ على ذلك التحليل الأنثروبولوجي. ولإن سلّمنا بأنه قد كانت هناك أسباب موضوعية تعود إلى الطابع العام للثقافة اليونانية التي أخذت كنبراس للشعوب الأخرى، فمن غير المقبول أن نجد صدى هذه التصورات مازالت حاضرة بقوة في الأزمنة المعاصرة، ومتجلّية فيما يمكن دعوته بالعنف الناعم.
ويتسجّل حضور هذا المنظور ذي الامتدادات التاريخية في تأطير التصورات الفكرية عبر العصور المظلمة والمستنيرة، وهو منظور إطاري منمذج، يمكن أن ندعوه ب » إطار الانتساب « تتموقع في نسقيّته المرأة كذيل أو ملحق تابع للرجل، لأنها مخلوقة من جزء منه، من ضلعه. وهذا النموذج الإستتباعي/ الإستنساخي له طابع تثبيتي للنّظرة التّحقيرية المتوجهة إلى نرجسية المرأة، إلى سلبيتها وإذعانها للهيمنة. إذ يأخذ على النساء إذا لاحظنا السهولة التي من خلالها تخلّيهن عن أسمائهن ويأخذن أسماء أزواجهن، إذ يستنتج: أن المرأة في الجوهر من دون اسم، وذلك لأنه ينقصها، بالطبيعة، الشخصية (12).
قد يستوجب منا الحديث عن ثنائية الداخل والخارج ضمن مساقاتها اللاهوتية والفلسفية، ضرورة تفكيك الثنائية ذكر/أنثى، وباقي المتلازمات التي تتفرّع عنها {أصل/ فرع، داخل/ خارج، مركز/هامش، حقيقة/ وهم، معنى/ اللامعنى ...} الخ ، مع تبيان الكيفية التي تتحرّك بها ومن خلالها، هذه المعاني ضمن كوسمولوجيا مجنّسة تطبعها علاقات الصراع والتّضاد بين الطّرفين. فثنائية ذكر / أنثى تدخل ضمن مساق الأزواج المفاهيمية المزدوجة التي يتمحور حولها اللاغوس الغربي، بحيث تحكمها علاقة التناقض من جهة {تناقض طبيعة الذكر مع طبيعة الأنثى} وعلاقة التراتبية من جهة أخرى {تفوق وهيمنة الذكر على الأنثى}، والتي تمّ الحطّ تاريخيا من دلالة الطرف الثاني، والإعلاء من قيمة ودلالة الطرف الأول (13). كما وقد صيغت على نسق هذا المنطق المتعارض « opposée » جميع التضادات التصورية. والجدير بنا في هذا المنوال التّنويه باستراتيجية التفكيك مع فيلسوف الهوامش جاك دريدا، التي أبرز من خلالها هشاشة هذه الثنائيات المخترقة لما هو ذكوري وما هو أنثوي.
فمن حيث هو ملاحظ لدى الفكر المنسوب إلى العقل الذكوري من ربطه لخاصيّة الحضور بالذكر المنتصب والمتجليّ، في حين يترك الغياب يمزّق كيان المرأة الهشوش، منذ أن انشقّت عن الجسد الذكوري كما يسود الاعتقاد، ليكون هو الأصل والحقيقة، وتكون هي رمز للوهم والزّيف، بما هي مجرّد انعكاس مشوه للجسد الذكوري في السّجل الواقعي. وهذا الحضور الواهم أو الأنا المزيّف الذي ترتجف خلفه سيكولوجية المرأة حسب التحليل النفسي الفرويدي هو ما يجعلها تخفي ما لا تملك {هوام القضيب المفقود} وتخون المعنى. فالترّاث الذكوري أراد عبر تقنيات تحكمّ وتوجيه متعدّدة تقعيد صورة مشوّهة للمرأة، بوصفها كائن شبقي، رامز للخصاء، ومجرّد جزء مستّل من الجسد الذكوري الذي انشقّت عنه في انشطار واغتراب وحالة من الألم، لتكون بذلك معجونة من طينة أو طبيعة مازوشية، تلد وهي مستيقظة، وترى الموت أمامها، لكنها تزداد عاطفة وحبّا، واجدة في عذابها لذّتها. بالمقابل يتم الحرص على التضخيم النرجسي لسادية الرجل، الذي يتقوّى من هذا الضعف الفطري الكامن في تكوين المرأة النفجنسي *.
استنادا على هذا الإطار الإنتسابي – انتساب المرأة للرجل من حيث النشأة التكوينية - تحشر الأنثى بين ثنائية الموجب والسالب، باعتبارها شيئا فرعيا وتابعا، يحيل مرجعيا على الدّال "الذكر"، لتنتظم مركزية المعنى بمجمل المركزية القضيبية في أنماط الوعي وقوالب اللغة، ممتدة إلى العلاقات الجندرية داخل المجتمع وباقي الميادين الحياتية الأخرى. فمركزية العقل « logocentrisme » هي الوجه الآخر لمركزية القضيب « phallocentrisme » من هنا مجيء الفلسفة التفكيكية بمقولة مركزية العقل والقضيب « phallogocentrisme » (14). إنّ واقع المرأة الخصيّ هذا ومهما اختلفت أسبابه، فهو يعود في منتهاه إلى طبيعة الفكر الذكوري المتعالي الذي شكّلت في هوامشه المرأة كجنس آخر أو كجنس ثاني، كما أحبت أن تنعتها سيمون دي بوفوار. فالمرأة لا تولد امرأة، وإنما تصير كذلك، وهذا أقصى اعتراف قد يخرج من فاه فيلسوفة وجودية حتى أخمص قدميها.
على مستوى الخطاب الفلسفي الحديث والمعاصر منه، نلحظ بروز أسماء فيلسوفات اجترحن لأنفسهم مكانة هامة ضمن متون فلسفية تعدّ بحورا فيّاضة في مقابل ما أنتجه العقل الأنثوي. ونخصّ بالذكر {روزا لوكسمبورج} المفكرة الثورية والفيلسوفة الماركسية التي قتلت سنة "1919" بعد أن قادت الاحتجاجات العمالية في ألمانيا. ليقول في حقها فلاديمير لينين: » لقد أخطأت روزا لكنها على الرغم من أخطائها فقد كانت وستظل بالنسبة لنا نسرًا محلقا، وستكون مؤلفاتها وسيرة حياتها دليلا لتدريب أجيال من الشيوعيين في كل أنحاء العالم « . نجد كذلك الفيلسوفة الفرنسية {سيمون دي بوفوار} عشيقة سارتر و{حنا أرندت} عشيقة مارتن هايدغر ومساهماتها الأصيلة في مجال الفلسفة السياسية. كما لا ننسى ذكر {جوليا كريستيفا} الأدبية والفيلسوفة والمحللة النفسية (...) الخ. يفطن القارئ أن هناك خيط رابط بينهن جميعا على مستوى التفكير، ألا وهو الانسلاخ من سلطة النصوص التي خطّتها أقلام ذكورية والمحافظة على المسافة النقدية اللازمة مع الوعي الذكوري المهيمن، لكن مع كلّ المجهودات التي قدّمن، يعاب على بعض منهن بقاءهن سجينات ظلّ الفيلسوف ومسكونات بلاوعيه المذكر.
أستاذ الفلسفة *
باحث في التحليل النفسي والفلسفة
الهوامش:
1. إمام عبد الفتاح إمام، أفلاطون والمرأة، مكتبة مدبولي، ط 2، 1997، ص 8.
2.http://www.freearabi.com
3. https://drmfarhan.wordpress.com
4. نفس المرجع
5. إنجيل مرقص 8- 9.
6. أفلاطون والمرأة، مرجع مذكور.
7. إمام عبد الفتاح إمام، الفيلسوف المسيحي والمرأة، مكتبة مدبولي، ط الأولى، 1996، ص 10.
8. إمام عبد الفتاح إمام، أرسطو والمرأة، مكتبة مدبولي، 1996 ، ط 1، ص 5.
9. د. توفيق فهد، نقلا عن محاضرة– المرأة اليونانية والرومانية في شواهد من الأدب الكلاسيكي ،جامعة ستراسبورغ، فرنسا – تر ، د. محمد أحراب فرزات، مجلة التراث العربي، دمشق، العدد 48، ص 44.
10. مقتطف من مداخلة الأستاذ بوراس يوسف، المرأة في كتابات الفلاسفة اليونان، جامعة المسيلة.
11. امام عبد الفتاح إمام، أفلاطون والمرأة، ص 5.
12. بيير بورديو، الهيمنة الذكورية، ترجمة د. سلمان قعفراني، مراجعة د. ماهر تريمش، المنظمة العربية للترجمة، ط1، 2009، ص 122.
13. فوزي بوخريص، خطاب المرأة في العلوم الاجتماعية، من متغير الجنس الى سؤال النوع، افريقيا الشرق، 2016، ص 50.
* راجع الاطروحات الفرويدية حول الحياة النفسية والجنسية للمرأة.
14. Françoise collin « différence des sexes » in dictionnaire critique du féminisme. Ed. Puf 2000 – p 33