بق بربطة عنق - محمد بقــوح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسماذا تنتظر..؟   مسكين أنت و بليد .لأنك ما زلت قادرا على ممارسة سلوك الانتظار، في محطة وهمية صنعتها لنفسك ،رغم كل ما وقع من أحداث ..هم ..سحبوا من تحت أقدامك الجريحة بساط الأمل و صدقتهم ..إنهم بارعون في الكذب عليك ، و يجب بدورك أن تكون بارعا أكثر في عدم تصديقهم .
زمن الزيارة اليوم مر مرور البرق ..، كل يوم تضيق علي رقعة زنزانتي ..مللت من قراءة جرائدهم التافهة مثلهم ،حكمهم علي كان ظلما و عدوانا .لهذا لا يمكن أن أتحمل العمر كله في علبة كهذه ..ومع كائنات كهؤلاء .لابد من إيجاد حل مناسب لهذه "التوريطة"..يجب أن أفكر جديا في مسألة هروبي من هذا الجحيم :ابتلاع أمواس كذبة قديمة مملة و مفروضة.
أحاول الآن أن أعيد الانسجام إلى جسدي . قرأت ذات يوم ، و أنا في السلك التعليمي الثانوي ، في إحدى الكتب الشائعة بيننا أنذاك نحن التلاميذ ، أن الفرد إذا أراد ، و بالإرادة فقط ..، يمكن أن يسترجع قٌوته الداخلية ،في لحظات ضعفه ، بل يمكن أن تتضاعف قوته هذه إلى قدرات  لا حدود لها ..، و ذلك  بالعمل على ترويض جسده،  و التحكم فيه بالكثير من التركيز الشديد،  و ذلك بالقيام بالحركات الرياضية ..،كما يفعل أصحاب اليوكا .
عدت ..و ألقيت بجسدي على الأريكة ، في الركن الأيسر للغرفة ..لآخذ قسطا من الراحة. الوجوه الحزينة المحيطة بي ، نبت في ملامحها فجأة شجر الأركان .



رأيت المطر ممتدة خيوله لتشبعه فاكهة .، تسلقته بسهولة فائقة ، حتى أسقط    بعض وريقاته الهرمة لجيوش البق ، المقيمة معنا جميعا منذ انتقالنا غير المفهوم ، من عالم الآدميين إلى عالم معاشرة البق و الحرب المستمرة مع مخلفاته .. في فضاء هذه الزنزانة ..غير الزنزانات ..،في خريطة وطن يقطر حزنا و غضبا ..و بقا جميلا ..  قلت من الأحسن أن تتغذى هذه الوحوش البليدة بورق الأركان ..، حتى  أجعلها أولا مدمنة على أكل الأعشاب ..و امتصاص نزعاتها العدائية ..،  بدل أن تمتص بهذه الشراهة  ما تبقى من دمي ..، دمنا الذي سنحتاج إليه حين خروجنا من قاع بئر السؤال الصعب ..، ،لمعانقة تفاصيل الشوارع .. و ثانيا .، عملا بفكرة زميلي المحترم المهدي ،صاحب الشهادة العليا – حسب قوله -  في مجال علم البيولوجيا . مفاد فكرته  أن البق يمكن مراوغة شغفه الجنوني بدمنا بطريقتين : أولاهما ، وهي مستبعدة في حالتنا .لأنهم ،هنا في السجن ، يصنعون الخيوط الرفيعة لشبكات البق كل يوم و ساعة و دقيقة .. وبوسائلهم الخاصة ، يقدمون له أجود الدروس عن كيفية الوصول إلى أجسادنا العارية .، إلا من بعض حروف الفضائل المدرسية ..المتوهجة في جباهنا الواقفة ..وعن كيف  يتناكح في أفرشتنا البالية مكشوف العورات ...و الثانية هي الأقرب إلى الواقعية ..، تتمثل في  العمل على جعل هذا البق ، الذي يعتبر نفسه أذكى من الإنسان ..،  منشغلا بفعل من الأفعال ..كأن نجعله ينشغل في زمنه اليومي ، و يتهافت على قطع المسافات الطويلة مطاردا وريقات شجر الأركان ..، هذا الشجر الذي قلت له كن فكان ...ففاض كالتلال في أزمنة الغسق الأول ..  بين تجاعيد وجوه السجناء معي ..و معكم أنتم المشدودون بحبل سري إلى صور مراياهم ، ..كثيرا ما فكرت : هل نحن فعلا نحن ..؟؟ فلم إذن ..لا نثور ضد بقنا هذا ..الذي هو منا و إلينا قادم و ربما بقوة ...لا حد لها .و الغريب في الأمر أننا نعرفه جيدا ، و هو يعرفنا جيدا كذلك .. و البقية ستأتي ..


عندما  فكرت جيدا في كلام المهدي وجدته صحيحا و منطقيا .لهذا ..، صعدت بسرعة صعود السنجاب إلى الشجرة الضخمة والكثيفة الوريقات الخضراء أمامي ..، كدت في وقت من الأوقات أن أسقط  ، و أنا بعيد.. و بعيد جدا ..على تجمع نقطة ، أو ظلال واسعة ، محشوة بطاقة غريبة متحركة . تساءلت عن مصدر و أهداف تلك الحركة ..، التي  بدت لي بسوادها .، على شكل جسد ضخم منشغل ،  ربما بإعداد مخطط لإفشال خطتي ، أنا و المهدي و باقي سجناء هذه الدائرة .، التي فرضت علينا. .دورة الكذب المفضوح ..الذي اختزلوه في زنزانة .، ضدنا لا لشيء سوى لإسكات صوتنا الصارخ ..و الممسوخ ..

تحولت الوريقات الخضراء في سماء الزنزانة .، إلى سرب كثيف من الأملاح الطائرة .، لتنغرس بسرعة البرق  داخل أفواه أوثان مدينة البق ..، التي أصبحت حكاية طريفة ..، تحكيها الجدات لأحفاد زمن أحفاد البق القديم ..

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة