ربع ساعة أخرى - مجدي السماك

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسانتظار وراء انتظار ، انتظار يعمي البصيرة ، كأن الزمن رماد ينثره الهرج بسخرية سوداء . لم يبق سوى ساعة واحدة على بدء عرض المسرحية ، فصولها مرة و حامضة .  تدور أحداثها حول التطبيع وإشاعته ، يكثر المخرج النظر إلى ساعة يده متأففا :" أوف " ممطوطة ممدودة و مؤرقة . يسرع الممثلون إلى التواجد و الاستعداد لبدء العرض و الدقائق تمر مرا دقيقة بعد دقيقة ، ها هم الممثلون وراء الكواليس يعدون أنفسهم وملابسهم للحظة البدء . بعض الممثلين بربطات عنق مزركشة مزوقة بألوان شتى ، مصنوعة في أمريكا ، و ربما في إسرائيل .. البعض منهم بأحذية  لها بوز رفيع و بالبوية السوداء مطلية ، و أخرى ببوز عريض لامعة و براقة.. هنالك من هم  بكوفية ربطت بإتقان و تؤدة مثبتتة بعقال مدّور فبدت رؤوسهم كالطبلة البلدية .. منهم من يرتدي جلابية طويلة تجر على الأرض لونها ابيض ناصع مثل البفتة . تمتد أمامهم كروش كبراميل النفط ، وأجساد ملظلظة مكتنزة باللحم والشحم ومترهلة .. مع قلة الهموم يزداد حجم البدن أحيانا ليمتلئ بالفجوات والتلال .
أما الممثلات فقد بقين أيضا وراء الكواليس بصدورهن النافرة والعامرة بأثدائهن المشدودة شدا بسنتيانات أصلية قريبة إلى قلوبهن قرب حكوماتهن و تتكئ عليها ظهورهن و تستند. هن في غاية الجمال و لا يوجد أحلى منهن ، بالرغم من أن وجوههن مدهونة وملغمطة بالمساحيق إلا أن أجسادهن منحوتة نحتا بالجوع الاختياري -  الرجيم - فظهرن كعرائس بلاستيكية .. ارتدين تنانير ميني جيب إلى ما فوق الركبة بمسافة شبر فبدت سيقانهن مدّورة مثل شموع أعياد الميلاد البرتستنتي .

لمّا جاء موعد عرض المسرحية لاحظ المخرج والممثلون عدم وجود حضور كافي في الصالة .. الكراسي فارغة سوى عدد قليل من الأشخاص قد لا يصل عدده عدد أصابع الكف في أحسن الأحوال .. فعانق الانتظار الصمت ، و اكتئب المكان ،و حل القلق في الأنفس .. كل دقيقة تحولت إلى قرون ساخنة حارقة للأعصاب و للنفوس ضاربة.
أجَّل المخرج موعد بدء عرض المسرحية إلى ربع ساعة .. لكن بلا جدوى .. بقيت الكراسي شاغرة تنتظر من يملأها .. اخذ الحضور على قلته يقزقز ما لديه من بزر بطيخ و فستق ، ويرمي القشور على الأرض . أطاح النعاس ببعضهم فراحوا يغطّون بالنوم ، فتعالى شخير سرى هديره في المكان كهزيم الرعد في ليلة مدلهمة . 
ما العمل إذن؟ ليس بالإمكان تأجيل العرض مرة أخرى خوفا على سمعة المسرح وهيبته ومصداقيته، وبالتالي ليس بالإمكان إعادة التذاكر إلى الحضور لنفس السبب ، أزمة مالية ستلم بالمسرح وقد تفلسه لا محالة .. المخرج و الممثلون ينظرون في وجوه بعضهم البعض في حيرة  و ضجر . التوتر يعلو ويعلو ، كأنهم هووا في جب سحيق ملؤه الغم والنكد ، و بالشؤم طاش . بدأت اقتراحات الممثلين تتالى .
-    نؤجل العرض ربع ساعة أخرى .
-    هيا نقدم العرض بمن حضر .
-    نعتذر من الحضور و نطلب منهم تفهم الموقف .
-    هيا نهرب من الباب الخلفي ونتركهم وحدهم حتى يزهقوا فينصرفوا .
-    نهرب ؟! يا عيب الشوم !
ها هو المخرج يقرر إلغاء عرض المسرحية وعدم إعادة أثمان التذاكر إلى الحاضرين .. فإذا بهمهمة وململة وجلبة صاخبة تتعالى من الحضور رافضين الخروج و مطالبين بأثمان التذاكر .
أعطى المخرج أوامره للممثلين أن يهجموا على الحضور و يشبعوهم ضربا ليخرجوهم بالقوة قائلا لهم : نحن أكثر منهم عددا ، نحن كالجيش العرمرم. وتم إلغاء العرض .. و قد يقفل المسرح إلى الأبد .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة