مدينة .. يحرسها قمر من قصب - محمد بقوح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس عدت من العمل متعبا . انتبهت إلى ما يشبه الجرس ، يرن في داخل رأسي . قلت أنا في حاجة إلى حمام ساخن . لم أتردد في النهوض و غسل أطرافي الجسدية . رأسي لا يزال كما هو .. فكرت في كتابة  قصيدة من أجل النشر ."المتكلبون في مدينة القمر". قلت العنوان جميل ، غير أنه غير قوي كما أريده .ما أكثر الذين غيروا أفكارهم و سلوكياتهم و قيمهم من أجل أحلام ...أحلام اللحظة لأشخاص فرادى ، يقودون سفينة المجتمع بأكمله إلى الهاوية ..حتى و إن ظلوا محافظين على وجوههم و جلودهم الآدمية . فهم تكلبوا لكن بطريقتهم الخاصة ..أي بأسلوب عصري جذاب ..جلست إلى مكتبي .بعد تحضير فنجان قهوة سوداء.شرعت في كتابة القصيدة قبل أن تطير من ذهني ...
كتبت : تشربني الحروف سائلا أحمرا
و لن  تسرقني
رياح مدينة القمر ،
التراب وطني
و الوطن كلمة يسكنها الغراب ..
و الوهن غذاب ..إن لم يركب موج البحر
و يدفئ الكوخ بشعلة صرخة
من جوف طفل
تسقط أقنعة القمر...

بدا لي المعنى غير جرئ..أي عام و يجانب إلى حد ما الفكرة التي أريد تبليغها للقارئ الكريم .وضعت القلم على الأوراق البيضاء المبعثرة على مكتبي .شربت من الكأس السوداء .و قبل أن أضع الكأس على طاولة المكتب ، رن جرس باب بيتي .تذكرت موعدي مع إسماعيل ،صديقي  الفنان التشكيلي ، الذي وجد نفسه مرغما لبيع لوحاته في سوق "الخردة" .وقفت بهدوء ثم توجهت لفتح الباب .
فاجأتني إمرأة أنيقة تحمل حقيبة جلدية ، تفوح منها رائحة عطر راق ..
قالت بنوع من الأدب العفوي :
أسأل عن شاعر البلاط...؟؟
عفوا ..سيدتي ، لم يسبق لي أن سمعت بهذا الاسم ..ربما تكونين قد أخطأت في العنوان..
إنهم أشاروا لي إلى عنوان هذا البيت ..بالذات ، ها هو العنوان ( أخرجت ورقة من جيب قميصها الجلدي ، و ابتسامة عريضة تعلو محياها ...أخذت منها الورقة المكتوبة بخط عربي جيد و عليه خاتم ..و تعرفت بسرعة عن أن العنوان المكتوب فيها هو عنواني ..).
بالفعل هو عنوان بيتي ..(فكرت في أشياء كثيرة ، قبل أن أتلفظ بهذه الكلمات ..من تكون هذه السيدة .؟.و لماذا تسأل عني ..؟و من هو هذا الشاعر الذي سمته بشاعر البلاط ..؟ توجد مسافة بعيدة و بعيدة جدا ، بيني و بين شعراء البلاط ..ثم ما الداعي إلى استخدام هذا التعبير ، في هذا الوقت بالضبط ..و استخدامه ضدي شخصيا ..أنا الذي يعرف جميع القراء و متتبعي شعري و كتاباتي النقدية و الفكرية ، أنني لا أثق بتاتا في الكتابة ، مهما كان نوعها إبداعا أدبيا أو ثقافيا و فكريا ،تلك التي تنمق و تلمع الواجهات ، و تنبطح من أجل تحقيق درجة عليا من درجات سلم الذل و الرداءة و الفساد الإنسانيين ...).
العفو ..نسيت أن أدعوك أولا للدخول..(اعتذرت..ثم أعادت طرح نفس السؤال..).
هل أنت هو شاعر البلاط ..؟؟(شعرت بسؤالها هذا الأخير ، و كأنها كانت تتصنت على حديثي الداخلي ..فأرادت استفزازي ..).
لا ..و لن أكونه أبدا ..سيدتي ..يمكنك القفز إلى العصر العباسي ..و ستجدين هناك  شاعرك ...معذرة مجددا ..

دخلت و أقفلت الباب ورائي .اتجهت مباشرة إلى الثلاجة ، عساني  أجد فيها سائلا ملائما لحالتي في  وضعية شاذة كهذه .
نظرت من النافذة إلى الحديقة . بعد قليل سمعت أذناي هدير آلة قوي ، قادم من الناحية الموالية لبيتي .لم أستسغ ما وقع .و ما الذي سيقع .تجمع بعض أطفال الحي ، حول مكان تواجد الآلة الضخمة .كانوا يتابعون حدث سيرها البطيء تجاه ناحية الحديقة .هرع بقية السكان إلى الساحة الصغرى المجاورة للحديقة . خرجت من بيتي لأعرف ما الأمر .سائق هذه الآلة المدمرة شاب وسيم .كان يتحدث في هاتفه النقال .بينما استغليت الفرصة ، و استدرجت ساكنة المنطقة نحوي ، و شددت على عدم قبول تخريب حديقتنا ، و تحويلها إلى مكان إقامة عمارة..  بعد قلبل بدت لي من بعيد سيدة تنزل من سيارة سوداء فخمة .و كان برفقتها رجلان و عسكري ...إنها السيدة التي كانت تسأل عن شاعر البلاط قبل نصف ساعة من الآن ..

محمد بقوح
الدشيرة


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة