اختفاء - حسن البقالي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسما حدث هو أن حجيبة المحمودي اختفت ..
فيما بعد سيأتي فريق للشرطة القضائية, مكون من ضابط وحارس أمن , وسيطرحان الأسئلة المعتادة في حالات الإختفاء , باللامبالاة نفسها التي يسقط بها المطر :
من تكون حجيبة المحمودي هذه؟
لماذا اختفت؟
وأين؟
يعدان باستكمال البحث فيا بعد, ويعودان الى المفوضية.
من:
امرأة متوسطة الجمال..لها خال على الخد الأيمن ونظرة ظل بريقها يخبو مع توالي السنين ..كلما حل شهر مارس, تسمع عن يوم عالمي للمرأة , ثم لا تسمع بعد ذلك سوى أفعال أمر ونهي : " صبني, فرشي, طيبي , آجي سيري , ما تمشيش, ما تعيقيش, اسكتي, كلي ماتاكليش.."
وفي يوم أحد..
أحد عادي جدا..طلعت فيه الشمس من مشرقها ونقلت نشرات الأخبار الصور المعتادة عن الحروب وبذاءات الساسة والإحتباس الحراري, نادى أحد الأولاد:

- أمي.
فرد أزيز طنجرة الضغط ورائحة طبيخ جف ماؤه ودخل مرحلة احتراق بدئي.
لم تكن في الحمام ولا في المطبخ أو السطح او أية غرفة من الغرف..
لم تقصد أي دكان أو سوق لبيع الخضار واللحوم ولم تزر بيتا للجيران.
لم تقصد مستشفى ولا هاتفها أحد.
بدا العالم فجأة كما لو أنه حمام صونا , أو رحم هائل لم يتخلق منه أحد بعد..زاغت أعين الأولاد فيما يشبه وجع الأميبيا, وغرق الزوج في مياه ضحلة من التساؤلات والردود التي ينكش بعضها البعض. وفي لحظة تطاولت فيها حموضة الروح, ومثل طفل لم يخبر من قبل لون الفطام, وجد نفسه يثغثغ:
"حجيبة, عرجون البلح الذي أنضجته شمس السنين , أية ريح عاتية طوحت بك بعيدا عن نخلة الدار؟"

لماذا:
كانت هناك قبل أن يخرج الزوج .
قبل أن يدخل الأولاد عوالمهم , لحظوا خطواتها المتنقلة بين الغرف لجبر الكسر الذي حل في نظام الأشياء.
هيأت الغذء: السلاطة "النيسواز", طبق اللحم بالفاصوليا , والرغيف الساخن, ثم..شقت لنفسها نافذة الى أفق ما وراحت.
- أمي ي ي
فقط أزيز الطنجرة وذكرى امتلاء وأسئلة مثل وخز الإبر.
فقط حسرة جارحة وبكاء.
سيتخبط الزوج ليالي طويلة يلونها السهاد, قبل أن يفتح بصيرته على حقيقة مروعة: طوال ربع قرن من الزواج, لم يحدث أن وجه لها كلمة شكرواحدة, أو أية كلمة رقيقة أخرى تفتح شهيتها للحياة وتسقي دمعة الحب الخبيئة تحت جذور القلب..كانت هناك بحكم قانون الأشياء , تقوم بواجب الأنثى , وهو كان هناك أيضا..ثم أتى الأولاد تباعا , وظلوا يكبرون ..
وفي خلال ذلك
حجيبة تعد الأكل
حجيبة تصبن
حجيبة تزرع اللذة في الفراش..ترتب المنزل..توقظ الأولاد وتشيعهم باسمة عند الباب..تستقبلهم عند الرجوع وتسهر على حماهم..
لا يساعدها أحد
لايهتم بأسباب فرحتها أحد..بالنسبة لهم, هي هناك بحكم قانون الأشياء , تقوم بواجب الأم, وهم هناك أيضا.
ولم يلحظ أحد تلك النظرة الكسيرة في العينين..
النظرة التي كان يقطر منها العسل المصفى يضمد الكروب, ما عادت كما كانت.
لكن من يهتم بأسباب تعاستها؟
من يذكي جذوة النار بداخلها؟
- أمي ي ي ي
مثل خيط ضوء غيبه الظلام..مثل سؤال لا ينتهي..

أين:
في بلد بعيد وشاسع , سيعثر شخص يتسم ببعض الجسارة على امرأة شبيهة بحجيبة لولا أنها متوهجة وملأى بالحياة
- عفوا, هل أنت حجيبة؟
فترد ضاحكة:
- حجيبة من؟ أنا "سافرة" تحت ضوء بهيج..ماذا تود أن تشرب؟
يغمغم الشخص باسم مشروب ما تحت تأثير دوخة مبلبلة, ذلك أن المرأة التي أمامه الآن, توزع البسمة والطلبات على زبائن المقهى, تشبه حجيبة بشكل لا يصدق.
سيأتي أشخاص آخرون ويدعون لقاءهم بحجيبة في أماكن متفرقة , تشتغل تارة في حانة أو تغزل الصوف, وطورا تتسول رغيفها من المارة.
الأكيد أن اختفاءها فتح الباب على مصراعيه أمام مصائر متشعبة.

04/06/2007

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة