اختفاء قلب - المصطفى سكم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاس دق الباب، هرعت أناي من ذاتي كأن انفجارا قذف بها لتكتشف من الطارق. منذ مدة وهي تحيى قبليا هذه اللحظة، ذوات الزقاق الضيق تسأل أناي عن ذاتي؛ غاب الجد، انتزع من عالمنا الممكن. كيف ينزوي في هامش علينا أن نكتشفه في أسفارنا الطويلة القادمة في اتجاه النسيان كلما مررنا من حيث كان يجلس في خلوته يستعيد عبر ذوات الزقاق ذاكرة وطن هو بسعة الحلم..هو الآن يتأمل دواتنا -من هامش ما -يرأف لحسرتنا ،يتألم لدموع ذات الصغير على سطح المنزل،يحرك فينا كل التفاصيل اليومية التي لم نأبه بها يوما ؛هاهي اليوم في عمق تفكيرنا تنزع عنها كل الحجب لتنكشف إشراقا توحدنا بجوهرنا ؛ تصدح بحضوره فينا، في كل ألأمكنة التي مارسنا فيها شغبنا الطفو لي ، في كل ألم ارتكاسي من جراء قسوة أب يتوهم تنشئة صغاره وفق خارطة طريق تتنكر لحكايات الجد المسائية؛ فيها من عوالم الجدة أنين نساء كل الوطن ...لكنه الآن هنا بدون ملامح فيزيقية هو الجد الذي يسكننا، يحدثنا، يفتح باب غرفنا كل مساء، يتحول عصب عالمنا الممكن.
 دخل خلسة ألبوم صوري ، يحملني بين ذراعيه، نظراته للعلياء وشفتاه بالآذان تكبر لله في أذني  يملأ وجداني بفيض الله وبعشقه. لم يكن يعلم حينها أنه كان يبذر في حب الميتافيزيقا وقلق السؤال وعطش ارتقاء السماوات واقتحام القلوب والحفر عن أصل الأشياء .كنت بخجل أتبع خطواته المتثاقلة وهو يشق أزقة المدينة القديمة في اتجاه زاويته ..هاهي منتصبة في هذه الصورة شاهدة عن ورعه. هي عالمه حيث كان على موعد يومي بممكنه ،كنت اجلس خلسة وراء مريديه، أسمعه دائما يردد أنه عالم يسع كل المدينة  الثاوية في قلبه بل وأرض الله الواسعة .
كنت أندهش كيف يكذب عليهم وهو يحكي عن سفره المتكرر يروي مشاهداته وما كانت تنطق به له الأشجار والمياه والنبات والحيوان والرياح...كيف تتحدث الأشياء وتبوح له بسرها... وحدها أصوات كورالية في تموجاتها تدخلني في غيبوبة وهي تنشد بأسماء الله وبحبها لحبيب تفتقده وتسعى التماهي معه ؛ كنت عاجزا عن تمثل دواتهم أو أن ألحق بعالمهم أو أكتشف سر حيرتهم...كانت ذاتي منتشية بسماع يصدح في كل أرجاء الزاوية الضيقة  تشعرني بفراغ ذاتي  تحسسني بأني الجسد المتمدد في حيز ذرة في الكون ..كنت أشعر بهم وهم يتناوبون في إنشادهم الفردي والثنائي والجماعي أنهم يسافرون عبر الزمن للأقاصي؛ وجسدي السقيم الفارغ المملوك للرغبة سجين الحيز، مقشعر يرتجف من صدى الأسماع والأذكار، يزداد خفقان قلبي المهرول خارج صدري، أمسك به يلتفت إلي:
--" اتركني أهيم في عشق اللاتناهي، سأعود إليك ، لا تخف" ...
أقلب ألبوم صوري هي ذي صورتي مع جدي أنتحب بين يديه مذعورا:
" حفيدك بدون قلب، أريد قلبي، رد لي قلبي، ".
 تطل علي جدتي من الصورة المقابلة في ألبوم صوري:
" أتتركه بدون حب إلى أن يموت؟ رأفة بالصغير أرشده لفؤاده ينتشي بخفقاته".
 يبتسم جدي فتنطق أخر صوره:
"بل إلى أن يفنى عن ذاته ويتواصل مع حبيبه.“
خرج فجأة من ألبوم صوري كما دخلها خلسة .ما زلت أشعر بفراغ جسدي كلما أطلت علي شمس من شرفتها ، تخونني نظراتي ، أين قلبي ؟ قلت ربما  هي مرآة الحبيب يملآ كينونتي . جاء الرد سريعا : " يا هذا الذي يطأني لاتقسو علي بفيض الوجدان وسحر الوصال وفناء التوحد والانصهار، ما لي وانجذابك لعالم القدس والإشراق والذوبان في المطلق ونزوعك للاتناهي. ألا ترى أثار القحط في عريي وانكشافي ونضوب ينابيعي فلا تندب زمنا ضائعا ولى وغاب في أعماق النسيان ولا تجهد ذاتك في شق الصخر ونحث الريح وركوب الموج أو السحاب فما عاد فيض عين الجود ببذل المجهود ولا في سياحة الألوان ارتقاء بالأحوال، أفق من غفوتك وذهولك وقل ذاك كان زمانه وزمان اليوم زمان غيرك وإن ارتعشت يدك وانقلب عليك الفنجان، فعذوبة القهوة في ارتشاف سواد عصارتها وإن تعب الفؤاد ودوت آهاته حتى رقت الحيطان."


المصطفى سكم

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة