امرأة تدخل سن اليأس - قصة : طارق عليان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسكان قرارها الانفصال عنه مؤلما أشد الألم, كطعم الموت في حلق ذلك الواقف أمام مشنقة الإعدام, والحبل يلتف حول رقبته, ولكنه كان الخيار الوحيد, فلا بد من الرحيل, إلى أين كانت قد قررت سلفا وجهتها إلى القادمة.
عندما قابلته أول مرة قفز قلبها بين ضلوعها وارتجف جسدها كله, لم يكن الحب الأول في حياتها, ولكنها امرأة تدخل سن اليأس ب"كامل مشمشها" لن تخطيء في تجربة الحب من جديد, غرقا في بحر الحياة, ونهلا منه الحب والسعادة, عاشا كقصص الحب الجميلة في تراث البشرية الزاخر.
ولكن هي كانت تدرك حقيقة أخرى, قد لا يتحدث بها الأصدقاء أمامها, لكنها كانت الحقيقة, كانت الغصة التي ما فتئت تقف في حلقها منذ أن عرفته في ذلك اليوم وقررا الارتباط سويا, الأطفال, نعم تلك هي الحكاية, كل رجل يريد طفلا من صلبه يكمل به مشوار الإنسانية, كل رجل يرغب في وريث يرث اسمه ويورثه للأجيال القادمة, كيف لا؟! وهي التي حلمت دوما بطفل تحمله بين يديها, طفل لها وحدها, ليس أطفال العالم, بل مثلها هي فقط, هي حرمت من هذا الطفل بدون إرادتها, ولكنها تحرمه منه بإرادتها وهي التي تعلم أن عمرها ما عاد يؤهلها للحمل بتاتا.
إذن هذه هي الحكاية, قرأتها في عينيه كلما رأى أو لمس طفل لصديق من أصدقائهما, كما قرأتها في عيون الآخرين, وأحست بالذنب, ذنبها هي وحدها, فهو لازال قادرا على إنجاب الأطفال أما هي فلا, فقررت الرحيل....
صارحته بالفكرة فرفض بشدة, أقسم أغلظ الأيمان أن سعادتهما مكتملة, وأن الطفل لن يغير في مسار هذه السعادة, ولكنها كانت تعرف الحقيقة, فهي تقرأها في عينيه, أقنعته بأنهما يمكنهما التجربة, سينفصلان لفترة, فإذا لم يتمكنا من ذلك سيعودان للاقتران, فوافق, أو اضطر للموافقة, فهو الذي أحبها إلى حدود المستحيل, وعدته أن تكتب له أخبارها حتى تلطف بينهما جو الانفصال, وكان الفراق.
بعد يوم استلم مها رسالة قالت فيها أنها لم تشعر بشيء, وكأنها تأخرت في زيارة ما وعادت للبيت وهو نائم, فلم تشعر بشيء غير عادي.
بعد أسبوع وصلته رسالة جديدة, قالت أنها تشعر أنها بعيدة عنه قليلا ولكنها لازالت تملك قرار العودة.
بعد شهر قالت أنها أحست بطعم الفراق ولم تكف عن البكاء حزنا على فراقهما.
بعد عام قالت أن الحياة بلا طعم فهي تبكيه ليلا نهارا, فلا طعم لحياتها بدونه, ولكن الأقدار تصنع يهما ما تشاء.
بعد خمس أعوام وصلته رسالة جديدة قالت فيها إنها تعودت على حياتها الجديدة بدونه, فهي أصبحت تخرج وتقابل الأصدقاء, تبتسم وتضحك أحيانا, ولكنها ما انفكت تذكره كل لحظة من حياتها.
بعد عشر أعوام وصلته رسالة جديدة تقول فيها أنه لا بد وقد أدرك أن قرارهما كان صائبا بالانفصال, فلو سارت جنبه الآن لبدت بعمر أمه, ولقال الناس ها هي الأم تسير مع ولدها.
بعد عشرين عاما قرأ رسالتها الجديدة التي قالت فيها, الآن من حقك أن تعرف الحقيقة كاملة, كل تلك الرسائل كتبتها في يوم واحد ووضعت عليها أوقات وتواريخ, وطلبت من إحدى صديقاتي أن ترسلها لك في الأوقات والتواريخ المحددة, أما أنا فلم أكن احتمل الحياة بدونك, فلا طاقة لي بها وحدي, فقررت وضع حدا لحياتي  والرحيل إلى الأبد, منذ ذلك اليوم الذي انفصلت فيه عنك.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة