انتهزت فريدة فرصة غياب والدتها التي كانت تمنعها لقائي,فأرسلت الصغيرة ذات الشريط الأحمر الذي يخنق ضفيرتها الكثة " نلتقي "كلمة واحدة خطت على عجل بقلم رصاص غير مبري بعناية.
سبقتها كعادتي,حجزت نفس المكان ,تحت نفس شجرة الخروب العملاقة واليتيمة وسط غابة نخيل...تصفحت الجريدة التي لم تبخل عنى بمداد لطخ كل شئ,والتي تحولت الى عصا أهش بها حشرات تجرأت التحرش بي...
رفعت بصري, رأيتها آتية من الجهة الشرقية,تتقدم بخفة وسط ممر ظلله تعانق أشجار الاكلبتوس .خلفها حيث تنعكس أشعة الزوال, سور شامخ يحكي ذاكرة الذين مضوا مند مئات السنين ويحمل خربشات الذين مروا والذين لن يتذكرهم أحد بمجرد طلاء جيري خفيف.
كانت كأنها تخرج من عبق هذا السور الشامخ أو كأنها لوحة من حياة أندلسية...
سرى نسيم حرك أوراق الشجرة,ظننت انها فتحت مسامها لتسترق السمع,جلسنا وحلمنا ببيت... وقبل لا يخالطها الوجل... وبأبناء ...
كنت ارقب ساعتي بين الفينة والأخرى,لم تقو على إخفاء تضايقها " وراءك شغل؟" أجبت" نعم" وأردفت " اجتماع مهم" .
تعميم استفز خجلها" ما الذي يستطيع أن يلهيك عني ,غير امرأة ثانية؟"
لم تكن تعلم عن نشاطي شيئا,كان يضايقها التزامي بمواعيد تسرقني منها,لكنها كانت تردد دائما " سكنتكم أضغاث أحلام,سينفضوا من حولك ..."
نهضت, فنهضت كظلي ,اخفت ساعة معصمي بكفها الناعمة,ترجتني...رأيت دمعة تبلل رموشها,دنت مني أكثر,رفعت طرف شال يزين عنقي,مسحت دمعتها وارتمت تضمني كأنها لن تراني ثانية.همست في أذنها " لولا أهمية اللقاء ما تركتك..." وأضفت بصوت تخالطه مرارة " من أجل وطننا".
قبلت جيدها الناعم ,ملأني عطرها, وانطلقت دون ان التفت, قطعت نفس الممر, كان السور قبالتي , رأيتها منعكسة على لوحة اشهارية لامرأة تجر أهداب فستان وردي ,نافرة الصدر,يلامس باطن قدمها العارية الارض بكثير من الرقة...,لفظتني أسوار الحديقة وتخيلتها قد ركنت الى جدع العملاقة اليتيمة تشكو لها خوفها,كأي امرأة خاب رجاؤها...
كان باب المنزل مشرعا عن آخره,دلفت دون أن أطرق ـ هكذاتم الاتفاق ـ ولجت ردهة تتوسطها نافورة مهجورة ,تمددت في ما تبقى من رطوبة جوانبها قطة سوداء هامدة كالجثة.
على الباحة فتحت أبواب غرف كثيرة,جلها موارب,يبدو أنها دون نوافذ.
لمحت أقدام رفيقي,الذي يحمل نفس الحذاء الرياضي,ساعدتني نحافة جسمي كي انسل إلى الغرفة دون أن المس الباب الذي ظل مواربا." اجلس زياد" تناهى
الي صوت آمر.جلست ,كان الفراش لزجا ,تنبعث منه رائحة عفونة ورطوبة تثقل جو الغرفة المعتمة...
" مستجدات التنظيم...الخطة المرحلية...الهجمة الشرسة... التاكتيك والاستراتيجيا..."
هكذا بدأ خالد يشرح مهمات المرحلة.
كانت القهقهات والكلام البذيئ يصلني من الغرف المجاورة,فأرتعش كمن أصيب بصعقة كهربائية خفيفة." طارق الشاهد,الحاصل على دبلوم الدراسات المعمقة,ابن الفقيه العلامة,والدته الحاجة التي لاتتقدمها أي من نساء الحي في قراءة الفاتحة والدعاء لموتى المسلمين ...شق فريدة الثانى,و التى ماذا لو علمت بتواجدي هنا ؟ كنا نواة انفلقت نصفين.هي ايضا نحيفة,جل ملابسها فضفاضة كي لا تبرز انوثتها...الانوثة التى كانت ترفضها كأساس لارتباطنا....
شعرها ,حين تلامسة الاشعة يهجر سواده لزرقة طاووسية.سمرتها الخفيفة هي انتسابها الصريح لجنوب المتوسط.حين تنظر الى عينيها, يختلط في ذهنك سحرهما, حدتهما وبريق كالذي نسمع عنه في عيون المها أوعيون الهة الجمال...
الطريف فيها,كنت كلما انهيت كلامي بحرف ما,كانت تجيبنى ببيت اوشطر يشكل حرفي قافيته... وفي الغالب الاعم كانت تتعمد نبش رفات المتنبي...
نسيت شروحات خالد وسط صراخ علا, وجلبة عمت الردهة التى ملأتها اصص بها أعشاب برية... واقتدنا كالقطيع. نساء عاريات,سكارى,قاصرين...
عبر قضبان سميكة ومتسخة,كانت فريدة تنظر إلي بذهول,لم تتكلم ولا حتى أدمعت عيناها كعادتها. " ألهذا تركتني أحاور شجرة الخروب وحدي,أتحسس دفء قبلاتك,استرجع كلماتك ووعودك.."
تسللت يدها مرتعشة بين القضبان,أناملها رقيقة,تمنيت لو أمسكها ,اقبلها لكنها رمت بخفة ظرفا سميكا وانسحبت.فتحته بعد أن اختفت عن ناظري ..
ـ رسائلي التي امتزجت بأرق السهر وتمرد الكلمات.
ـ وردة حمراء كنا التقطناها معا ,شممناها معا,جففتها بعناية.
ـ مجسم معدني لامع لعلم فلسطين,كان يزين صدرها الناهد,هديتي لها يوم زرت معرضا لدعم الثورة الفلسطينية.
ـ ورقة خروب حفرت عليها اسمها, ونقشت هي اسمي.
ـ شريط يتغنى بالأم والخبز...
ـ ورسالة صغيرة,يبدو أنها كتبت بنفس قلم الرصاص الذي خط ذات يوم " نلتقي".
"23 مارس ,هل هو آخر أيام الربيع...
أنا لا اشك فيك إطلاقا.
لكنني اشك في طريق لن يوصلك إلي.
تذكر اننى لن أنساك.
فريدة"
على كرسي مهترئ وطاولة تحدث أزيزا كلما ضغطت على القلم, كتبت أطول رسالة في حياتي.مع كل جملة كنت اشعر اننى أغادر الأرض... إلى أن صرت اخف من ريشة طائر حين كتبت " بدوري لن أنساك ".
كومت كل الذي حملته الي فريدة ,إلا مجسم العلم الذي علقته جهة القلب ,وضعت رسالتي الطويلة على رأس الكومة و... أضرمت النار.
لكن هل أحرقت كل شئ؟
نهضت, فنهضت كظلي ,اخفت ساعة معصمي بكفها الناعمة,ترجتني...رأيت دمعة تبلل رموشها,دنت مني أكثر,رفعت طرف شال يزين عنقي,مسحت دمعتها وارتمت تضمني كأنها لن تراني ثانية.همست في أذنها " لولا أهمية اللقاء ما تركتك..." وأضفت بصوت تخالطه مرارة " من أجل وطننا".
قبلت جيدها الناعم ,ملأني عطرها, وانطلقت دون ان التفت, قطعت نفس الممر, كان السور قبالتي , رأيتها منعكسة على لوحة اشهارية لامرأة تجر أهداب فستان وردي ,نافرة الصدر,يلامس باطن قدمها العارية الارض بكثير من الرقة...,لفظتني أسوار الحديقة وتخيلتها قد ركنت الى جدع العملاقة اليتيمة تشكو لها خوفها,كأي امرأة خاب رجاؤها...
كان باب المنزل مشرعا عن آخره,دلفت دون أن أطرق ـ هكذاتم الاتفاق ـ ولجت ردهة تتوسطها نافورة مهجورة ,تمددت في ما تبقى من رطوبة جوانبها قطة سوداء هامدة كالجثة.
على الباحة فتحت أبواب غرف كثيرة,جلها موارب,يبدو أنها دون نوافذ.
لمحت أقدام رفيقي,الذي يحمل نفس الحذاء الرياضي,ساعدتني نحافة جسمي كي انسل إلى الغرفة دون أن المس الباب الذي ظل مواربا." اجلس زياد" تناهى
الي صوت آمر.جلست ,كان الفراش لزجا ,تنبعث منه رائحة عفونة ورطوبة تثقل جو الغرفة المعتمة...
" مستجدات التنظيم...الخطة المرحلية...الهجمة الشرسة... التاكتيك والاستراتيجيا..."
هكذا بدأ خالد يشرح مهمات المرحلة.
كانت القهقهات والكلام البذيئ يصلني من الغرف المجاورة,فأرتعش كمن أصيب بصعقة كهربائية خفيفة." طارق الشاهد,الحاصل على دبلوم الدراسات المعمقة,ابن الفقيه العلامة,والدته الحاجة التي لاتتقدمها أي من نساء الحي في قراءة الفاتحة والدعاء لموتى المسلمين ...شق فريدة الثانى,و التى ماذا لو علمت بتواجدي هنا ؟ كنا نواة انفلقت نصفين.هي ايضا نحيفة,جل ملابسها فضفاضة كي لا تبرز انوثتها...الانوثة التى كانت ترفضها كأساس لارتباطنا....
شعرها ,حين تلامسة الاشعة يهجر سواده لزرقة طاووسية.سمرتها الخفيفة هي انتسابها الصريح لجنوب المتوسط.حين تنظر الى عينيها, يختلط في ذهنك سحرهما, حدتهما وبريق كالذي نسمع عنه في عيون المها أوعيون الهة الجمال...
الطريف فيها,كنت كلما انهيت كلامي بحرف ما,كانت تجيبنى ببيت اوشطر يشكل حرفي قافيته... وفي الغالب الاعم كانت تتعمد نبش رفات المتنبي...
نسيت شروحات خالد وسط صراخ علا, وجلبة عمت الردهة التى ملأتها اصص بها أعشاب برية... واقتدنا كالقطيع. نساء عاريات,سكارى,قاصرين...
عبر قضبان سميكة ومتسخة,كانت فريدة تنظر إلي بذهول,لم تتكلم ولا حتى أدمعت عيناها كعادتها. " ألهذا تركتني أحاور شجرة الخروب وحدي,أتحسس دفء قبلاتك,استرجع كلماتك ووعودك.."
تسللت يدها مرتعشة بين القضبان,أناملها رقيقة,تمنيت لو أمسكها ,اقبلها لكنها رمت بخفة ظرفا سميكا وانسحبت.فتحته بعد أن اختفت عن ناظري ..
ـ رسائلي التي امتزجت بأرق السهر وتمرد الكلمات.
ـ وردة حمراء كنا التقطناها معا ,شممناها معا,جففتها بعناية.
ـ مجسم معدني لامع لعلم فلسطين,كان يزين صدرها الناهد,هديتي لها يوم زرت معرضا لدعم الثورة الفلسطينية.
ـ ورقة خروب حفرت عليها اسمها, ونقشت هي اسمي.
ـ شريط يتغنى بالأم والخبز...
ـ ورسالة صغيرة,يبدو أنها كتبت بنفس قلم الرصاص الذي خط ذات يوم " نلتقي".
"23 مارس ,هل هو آخر أيام الربيع...
أنا لا اشك فيك إطلاقا.
لكنني اشك في طريق لن يوصلك إلي.
تذكر اننى لن أنساك.
فريدة"
على كرسي مهترئ وطاولة تحدث أزيزا كلما ضغطت على القلم, كتبت أطول رسالة في حياتي.مع كل جملة كنت اشعر اننى أغادر الأرض... إلى أن صرت اخف من ريشة طائر حين كتبت " بدوري لن أنساك ".
كومت كل الذي حملته الي فريدة ,إلا مجسم العلم الذي علقته جهة القلب ,وضعت رسالتي الطويلة على رأس الكومة و... أضرمت النار.
لكن هل أحرقت كل شئ؟