شرارة .. سمك السردين – قصة : محمد بقوح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسلو كان بإمكان هؤلاء ،أن يبيعوا لنا الهواء الذي نستنشق .. مُعلّباً .. لفعلوا ..
المستعمِر أرحم من هؤلاء . ماذا تبقى لنا . إنهم استحوذوا على كل شيء ..الأخضر و اليابس . الأراضي و البحار و السماء أيضا . كنا نأكل السردين حتى نشبع .. بدرهمين فقط . أما الآن فالسردين شملته ترقيتهم ..و صار يوضع بنظام في صناديق خاصة ، إلى جوار صناديق الأسماك الغالية الثمن كالميرنا و الكروفيت ..و أنواع أخرى لا أعرف أسماءها . أكتفي فقط بالنظر إليها بعمق..، أتـأمل لونها الجميل ..، و شكلها الغريب ..ثم أنسى نفسي ، غارقا في بحر من التساؤلات ، كثيرا ما أعود من سوق السمك بخفي حنين ، دون أن أتمكن من شراء السمك ، الذي طلبته مني ابنتي . و حتى لا أدخل بلا شيء إلى البيت ، أجد جسدي منقادا ،في خضم زحام السوق ، إلى بائع الدجاج ..
لا مكان لنا في هذه الأرض . لست أدري إلى متى سيبقى الوضع هكذا . هم يأمرون و يقرّرون .. و  نحن نستجيب و ننفذ بتلقائية.. و أحيانا بمتعة . نتهافت على وضع المشانق حول أعناقنا ..نختار القهر بأيدينا لأنفسنا ..لكن ..سيكون للتاريخ رأي آخر ..حين ..
تابعتُ آخر مرحلة إعداد الدجاجة الهزيلة . بعد إزالة ما تبقى من الريش الخفيف على ظهرها .. و من تحت جناحيها القصيرين ، قام الشاب الطويل ، بمعاودة وضعها داخل إناء مملوء بماء عكر ، تساءلت عن لونه ذاك ، هل هي أوساخ .. أم لون الإناء يعكسه الماء ..؟؟
في وقت ما ، نظرت إلى ناحية اليسار ، حيث يوجد فضاء خاص بالدجاج الحي ، الذي ينتظر دوره .. و نهايته الدرامية ، ليتم اختياره من لدن المشتري ، مثلي ، فيوضع في إناء الماء الساخن ..، بعد ذبحه بجرة سكين حادة ..، من طرف الرجل القوي ، الذي يمسح الدماء العالقة بسكينه ..، مبتسما و غير مبال ، في ما يشبه جزءا من الوزرة المحيطة بوسطه الضخم ، لتبدأ مرحلة عملية تعرية الدجاجة من الريش الأبيض ، بتلك الآلة الصاخبة و الكبير ، في ركن الدكان الواسع.

كلما تركتُ ورائي سوق الدجاج ..،ألعن نفسي ، و كل من دخل هذه السوق ، لأنني قبلت العودة من جديد إلى هذه (المقصلة) ..، لهذا قررت هذه المرة ، أن أرحل ، في بداية الأسبوع القادم ، إلى الميناء ، الذي لا يبعد عن مكان سكني ،إلا بعشر دقائق،
لأتمكن من اقتناء ما يلزمني من الأسماك من البواخر ذاتها ..

لقد كنت مخطئا في توقعي . صحيح أننا نملك أجمل ميناء في البلد ، لكننا لا نملك أسماكه ، التي هي أسماكنا ..،  لأننا لسوء الحظ ..، لا نأكلها .. بل يتم تمريرها عبر جيوب مقنعة ..، هي في غنى عنها ..لماذا يستمرون في سلب الشعب أرزاقه ، بممارسة لعبتهم المملة و القديمة هذه .. لماذا لم يحاولوا حتى التفكير في تغيير أسلوب سرقة الصغار و المعوزين ..في هذا البلد . سيظلون  هكذا .. يكذبون .. و يخادعون أنفسهم إلى متى ؟؟.هم يعرفون جيدا أنّ لعبتهم انكشفت ..و رغم ذلك يتمسكون بنفس اللعبة .. لأنها ذلك الثدي الذي يرضعهم لامحالة ...هذه حقيقة باتت واضحة حتى لأغبى الناس ..لهذا يحاول الجميع ، البحث عن وسائل العيش ، مهما كانت طبيعتها ..

 هناك ميناء كبير للبواخر الكبيرة .. و للأشخاص الكبار ، و هناك ، في الجهة المعاكسة بالقرب من" البركصة " ، ميناء صغير تطفو على سطح مياهه مراكب صغيرة .. و هي بلا شك لبحارة صغار ..و على رصيف الميناء الممتد ، تُشحن الشاحنات الضخمة و الطويلة ، بكميات هائلة من الأسماك الكثيرة الأنواع ، و المختلفة الأشكال .
لهذا ..، انتهيت إلى استنتاج مفاده ، أن "الحيتان" ، سواء في البحر ..، أو في البر ..، دائما تعزف على أوتار صمت الأحجار ، لكنه صمت يشتعل نارا .. فهي – أي الحيتان -في حقيقتها ، مسكونة بجبن لا حدّ له ، و الدليل على ذلك أنها ، تفقد صوابها و تصبح تتصرف بعشوائية ،  لتكون أقرب إلى الكائنات المجنونة ، منها إلى العاقلة ..و ذلك عندما تشعر بخطر ما مفاجئ .. يداهمها ..
  صعدتُ درج العمارة ، و جريدتي المعهودة في يدي ، بعد أن حييتُ بحرارة حارس البوابة .
دخلت بيتي ..
 قالت ابنتي :
 – أ نسيتَ .. السمك يا أبي ..؟
 _ لا ..صغيرتي

محمد بقوح
أكادير ( المغرب )


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة