رقصة الريشة – قصة : سعاد ميلـي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاستطلع للأفق بعينه الصغيرة، فتراءت له أنوار روحانية تتراقص على ضباب كثيف بملابسها الشفافة، لتتشكل  كحوريات تسبح في فضاء شاسع، يبعث على السكينة والإلهام الفني.
مد يده إلى الريشة الملطخة بألوان قزحية، و أدارها بشكل مسرحي، كأنما يعلن انطلاقة البدء، كمايسترو لموسيقى بيتهوفن الشهيرة في وسط هذه الأوبرا الضخمة،  القماش أعلن التمرد و العصيان فرقصة الريشة لم تعجبه هذه المرة….  ، هناك خطب أكيد.
تململ الأستاذ "جواد" في جلسته وأخذ يحك شعره الأبيض بتمهل، ربما قد تسببت أفكاره الأخيرة عنها بكل هذا الشتات.
-        تبّا.. ما بالها ريشتي تاهت عنها رقصتها المعتادة، آه..يا إلهي.. بماذا أفكر لقد كبرت على مثل هذه الأمور، صحيح أنني أحس بوحدة قاتلة، لكنني تعودت الهدوء و الروتين معا. فكر في نفسه بصوت عال وهو يتأفف من حالته هذه.
فعلا، لقد كانت حياته هادئة وروتينية، إلى غاية ظهورها في حياته، بالنسبة له كفنان تشكيلي، يعيش وحيدا في منطقة منعزلة عن ضوضاء المدينة، مع سيجارته و كرسيه المتحرك، وحده صوت نباح كلبه "روي" من يخترق صمت المكان، و الآن فكره المشتت جعله سابحا لمدى بعيد، لا يدري أين المستقر، وهذا الأمر سوف يشكل له موقفا خطيرا،  قد يزعزع مساحة السكينة النادرة في نفسيته و كل قناعاته الشخصية ضد اقترابه من المرأة،  لكن بينه وبين نفسه يعترف أنها ليست كأي امرأة فقد وصفها يوما لصديقه "عبد القادر" بأنها "أميرة الروح الدافئة" تتسلل إلى قلبه بخفة الفراشة الحالمة...،  مما ترك لصديقه مجالا ليمازحه ويقول له حينها ضاحكا:
-       ههههه ...هكذا إذن يا صديقي العزيز، لقد أصبحت شاعرا أيضا، لم أكن أعرف أنني أهديتك هدية خلقت البلبلة في حياتك وجعلتك تعود شابا من جديد.
رد عليه الأستاذ " جواد بصوت منخفض خجول، وهو مطرق الرأس:
-       هيا يا عبد القادر أرجوك دعني وشأني، لست في حالة تسمح للمزاح الآن، أخبرني فقط ماذا أفعل ؟
وعقب قائلا: - أنسيت أنك من عرفني عليها وطلبت مني أن أوجّهها في الفن التشكيلي، أنظر بماذا تسببّت لي، لم أعد أستطيع النوم أبدا، خصوصا عندما يقترب موعد الدرس، تجد قلبي يخفق  بشدة ودونما توقف، و إذا ما كلمتني بصوتها العذب أتوه وأرتبك.
-       هل من خطب؟؟؟ كان هذا الصوت المتسائل، الرقيق و الحنون، كفيلا لكي يقمعهما من مواصلة الحديث، فقد دخلت الآنسة سامية إلى المنزل بهدوء، والتحقت بهما في مكان جلوسهما المعتاد، فلم يشعرا بمقدمها، لأنهما تركا الباب مفتوحا، مما خلق لديهما ارتباكا عظيما، ونظر كل واحد منهما للآخر، وكانت نظرتهما تلك تنذر باقتراب عهد جديد.
امسك الأستاذ جواد بالريشة وابتسم ابتسامة شخص، وجد أخيرا المرسى الآمن الذي سيلجأ إليه، بعد رحلة ليست بالطويلة، عاش فيها مخاضا عسيرا وهيجانا قويا، داخل ثنايا عقله الغير المروض، ليرتاح في النهاية لقراره، و يتابع لوحته بحماس أكثر.

الرباط/ سلا

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة