رائحة الحزن العتيق – قصة : أزهار علي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسشتاء يتكتم اسراره ، مغمس برائحة المطر والطين ، ومزاريب توشوش للارض الموات مخلفة اخاديدها وحفرها للصيف المعضود بسواعد تشق التراب في محاولة لتحرير اللقمه ، من ذل استعباد يهددها . قطرات المطر تدغدغ زجاج النافذة المكسور ثم تنساب بهمس عازفة سمفونية الشتاء تدفئ ارتجاف ضحكاتنا تهددها الليالي بوحشة ، اصابع الليل تنساب في الاركان والزوايا ، بلا استئذان بينما تنساب اشعة الفانوس الشاحبة على وجوهنا العتيقه ، البالية الملامح ..
وجه امي بالذات ، يثير في سؤالا قد يبدو للوهلة الاولى غريبا او ابلها ، حين كنت انظرها تعارك زمنها ، تحسم امر الحياة معها ، لها ولصالحها ، بقوة  لعل ملامحها ، قوتها وتحديها ، كانت جميعا لامرأة اكديه ، او سومرية ، ورثتها والدتي عنها ، كما ورثت بؤسها ، ولعل ملامحي انا نفسي بكل نحسي كانت مثل ملامح امي ، ارثا بائسا عن سومري ، او اكدي ، متعثر ، ارتاد كل حانات الفقر كما ارتدها ..
لازالت ذاكرتي تحيي في وجود تلك الوجوه القرمزيه ، بشعورها الشقر المصففه ، وعطورهم العبقه بحده ممزوجة بقهر يترصدنا ، وهم يسندون تماثيل اخرجوها ، الى حائط المدينة القديمه ،  يدارونها بخرق قماشٍ وفرشٍ غريبه ، ينفضون عنها التراب ووجودها فيه ، بينما نحن نتمادى متحلقين حولهم ، بعفويتنا ، وازعاجاتنا .... لازال مرفق احدهم منطبع الاثر في جبهتي ، بينما انا احاول بعبث طفولتي مهتما ، ان اعرف ماهية هذه التي يدارونها ، وسر اهتمامهم بها….
احجار تعاين ترابها ، ولعلنا من اقترفنا جناية وجودنا بقربها ، ندرك لعنة الاقتراب ولا ندرك تماهينا وجوداً انسانياً قربها المغزل الاسمر يتراقص متفردا بمغازلة اعوامه الخمسة عشر ، صاعدا ونازلا ، ملتفاً راقصاً ، يدثر الصوف عوده النحيل ، بيد أمي مره ، وبيد أختي مره ، أرملة بتسعة عشر ربيعا ، خلفتها يد الدهر ويتيمين ، يلوذان برعبها كلما اجتاح مستبيحاً لون البرق زوايا الدار ، واطمئنان براءتها ، الرعد يحمل بشرى السماء ، او غضبها ، الريح تعارك باب شبه الدار المواجه للقبلة ، معلنة تأجج حقدها ، لعلها تتواطأ وحضارة تتنامى على أشلائنا ، لاكتساحه ، لعلها كرهت رؤيتها ، تلك الدار لخمسين عاما تواجه حقدها ، مترفعة عن رد قد يكون ، انتقاما لا متكافئا القوى ..
 ................. لا تخافا .. انها الريح فقط ..
ــ انها تناديكما لتريا جمال المطر.يفزع الطفلين بضربة ، تبتسم الارملة الشابة في وجهيهما
يتعلقان بثوبها المنقش بنتف الصوف ، بينما تقوم لتغلق النافذة المصدومة بلعنة المطر ، احتضنتهما ، عادت ترقص المغزل ، تترنم بلحن قديم تابعته اذناي بلذة ، كأني لم استمع من قبل لشدو روعته ، انتبهت أخيرا على سكون المطر وهجعة الطفلين ، وانحسار اللحن ، بينما داعبت الريح سعفات نخلتنا الوحيدة وسط الدار..................

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة