المـنفى – بقلم : الضيف حمراوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاسكانا مرهقين متعبين، خرجا إلى طرف المدينة التي كانت تضغط لتلفظهما إلى خارجها كجسمين غريبين، وحسنا فعلت ،  لأنها سمحت لهما بقسط من الراحة ،  وفسحت أمامهما المجال لمد البصر عبر الروابي والتلال التي كانت الريح تغازل حقولها العامرة ،  البديعة التلوين ، فتنثني خضرتها وألوانها متموجة  وتتكسر في دلال وغنج آ سر ،  تنفث أنفاسها الساحرة فتنتشي الريح أكثر وتزيد في صفيرها ، تعاند الأزهار في بث عبيرها ، وتسري هبة الله في جسديهما النحيلين فينتعشان، ويفتحان رئتيهما يريدان طرد  ما بداخلهما من أدران هذا الزمن الموبوء.
تنهد صابر وقال : صبا الشام جاء يقرؤني السلام ، فبلغ يا صبا المغرب سلامي لأهل الشام. وقل لهم وعدا مني لبلدي باني سأعود بعد سنة، بعد مائة ،سأعود ولو بعد ستين ألف عام.
وستجتمع- بعد شتاتها في المنافي- الأرحام بالأرحام.
نظر نحوه غريب : وقال ما أسعدك يا صابر ، وما أروع حلمك الذي حققته فقد عشت-فعلا- ستين ألف عام.
- عجيب أمرك  ، يا غريب ، أبث لواعج قلبي وحرقة منفاي إلى الريح  فتحسدني، متجاهلا ، مأساتي ، أنا يا غريب لا أدري بأي أرض أموت ،وأي تربة ستمتص جزيئاتي...

-  اعذرني يا صابر،فستين ألف عام ، عشتها أنا في الظلام ، سرتها في الظلام،بين جثث الأبناء و الآباء والأخوال والأعمام ، ستين ألف عام كلها آثام تلبسها آثام ، نسيت خلالها الفرق بين الغربان والبوم والحمام ،والفرق بين الشهيق ،والصهيل و النهيق ، والفرق بين البهائم والأنام.
 اعذرني يا صابر ،فأنا  أحسدك لأن في قلبك الذي يسقي وجدانك وطنا تحن إليه ؛ وتحلم بالعودة إلى مروجه و روابيه، أما أنا فاسمي غريب وبلدي عني مذ وعيت غريب،   بين مخالب تنين خرافي رهيب ، فهل تضمن لي أن  ينجو يوما  ويحن بالعودة إلي،  فأينا المنفي أيها المنفي ، المنفي الذي يعيش في منفى و بوجدانه وطن يحلم بالعودة إليه ،  أو المنفى في ذاته المطرود من جميع المنافي والمهاجر ؟!!

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة