أحلام وردية – قصة : أحمد السبكي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسبماذا تحس يا بني ؟
لم يجد الشاب العليل جوابا شافيا ، يوقف به سيل استفسارات الطبيب المنهمر.
-  ما يحدث في حالتي دكتور ، أنني لا أحس بأي ألم ، مشكلتي أنني أريد أن أعيش في الواقع مثل جميع البشر ، كلما هممت بفعل شيء ما إلا وكان لأحلامي فيه نصيب، وبقدر تعدد نشاطاتي تكثر أحلامي وتتنوع.
-  فهمت الآن ، أنت تريد أن تقنعني بأنك لا تعاني من مرض عضوي ، مشكلتك التي تقض مضجعك وتؤرق بالك ،  هي أحلامك التي لا تنتهي.
-  بالضبط ، دكتور.
-  طيب ..أيمكن أن تقص علي بعضا من أحلامك.. فربما أساعدك..؟
-  لا أعرف من أين أبدأ .
-  ليس مهما.... ابدأ من أي مرحلة تريد .
-  طيب ...سأحاول...في مرحلة الدراسة مثلا  ، كنت ألج المدرسة ، فأجد الفصل جميلا واسعا يعبق بأريج الزهور المبثوثة في كل ركن من أركانه ، وبالباب  يستقبلنا الأستاذ بوجه بشوش، وابتسامة لا تفارق محياه ، أما شغبنا الطفو لي فيتلقاه بأريحية ورحابة صدر لا حدود لها ، زملاء الدراسة كانوا قلة وكلهم نجباء ، لا يمل الرفيق من رفقتهم ولا الجليس من مسامرتهم ، أما الإدارة فحديثها ذو شجون ، المدير يشملنا- نحن التلاميذ- بعطف أبوي فياض ، فلا يكاد يمر أسبوع حتى تنظم المؤسسة رحلة ترفيهية مجانية نزور فيها أبهى الأماكن السياحية والأثرية ، و بعد الامتحان ، يحصل الجميع دون استثناء على جوائز تشجيعية قيمة ، يسهر المدير شخصيا على تسليمها لنا ، و بعد تخرجنا ،نجد أبواب الشركات والإدارات مشرعة أمامنا من أجل توظيفنا بأحسن المرتبات  ، وفي أفضل الظروف.
تصور دكتور ..أنني عوقبت كثيرا بسبب شرودي الدائم أثنا الدرس وأنا أحلم  في فصلنا الضيق ، بين زملائي الخمسين . كم حاولت العيش معهم في واقعهم ، إلا أنني أفشل دائما ، لقد أوشكت على الجنون.
لعلك تلاحظ يا دكتور أن أحلامي ترسم صورة مثالية أكثر من اللازم.
-  بالطبع يا بني هي أفضل من الواقع بجميع المقاييس ...أتمم
-  في مرحلة أخرى ، عندما ألج البيت ، أتصوره حافلا بأطفال صغار يملأون المكان بهجة وسرورا ، لا يمل الوالدان من حملهم واللعب معهم في فرح طفولي منقطع النظير  ، طلباتهم أوامر ، وخدودهم تتلقى أحلى القبلات وآذانهم تطرب لأحلى النغمات، فلا صفعات ولا تهديدات ، الأخ منهم يغار على أخيه ولا يغار منه ، يتقاسمون الألعاب فلا يسمع الجيران لهم حسا ولا صوتا ....لكن عندما أستفيق من غفوتي العابرة ، وأعود إلى عالمي ، لا أجد مكانا لهؤلاء الملائكة الصغار.
-  عجيب..ما ألذ أحلامك يا فتى ..أكمل
-  في دورة أحلامي عن الشارع ، أتذكر أنني أجد نفسي- كلما غادرت بيتي- في شارع فسيح لا أدران فيه ولا أزبال ، تمخر السيارات عبابه بانتظام ، لا تسمع منبها ولا صفيرا ، والسائقون باشون مستبشرون متسامحون ، أما المارة فهم أكثر تفهما وتسامحا ،و شرطي المرور قابع في الظل على كرسي وثير كأنه في يوم عطلة ، فلا شيء يستدعي التنبيه ولا الإشارة. هذه الصورة الوردية يا دكتور سرعان ما تسود في عيني عندما أستيقظ على صوت فرامل قوية ، متبوعة بسمفونية من السباب والكلام البذيء ،قد شنف بها أحد السائقين مسامعي ، وأنا أهم بقطع الطريق في مكان غير مخصص للراجلين..... هذه أمثلة بسيطة يا دكتور لمعاناتي مع الأحلام.
- في الواقع يا بني.... أنت  لا تعاني من الأحلام بقدر معاناتك من الواقع الذي خيب رجاءك وخذل انتظاراتك...أنت إنسان بسيط يطمح ويريد  حياة قريبة من الكمال ..من حقك أنت تحلم بل من الأجمل أن تحلم..نصيحتي إليك ..استمر في الحلم..لا تكف ولا تتهاون.. فربما يأتي يوم تتحقق فيه هذه الأحلام،  فنعيش جميعا حياة بمعنى الحياة.
  أحمد السبكي المغرب.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة