لن أهديك قبرا تعيش معه.. – بقلم : ندى يزوغ

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاس بدأت الأوتار الأخيرة تعزف بقوة تعلن قرب المغادرة ..فالنوبة الموسيقية أشرفت على النهاية.. لم يعد يحول بيني و بينها شيء و لا عائق ..لا عتبة انتظار و لا رمش أمل و لا غمضة عين.. بات كل شيء مرسوما واضحا ..كل دفاتري بها حبر فيه هزيمة و انكسار ..لكن مصباحا ..أو ضوءا خافتا يظهر من بعيد.. أهو سراب أعتقد فقط بوجوده و أنا الظمأى لوردة حب؟ ..وأنا التي تحتاج عناقا يجعل عضلاتي تصطك فرحا و رقصا ؟ أهو الحلم الجميل الذي طالما انتظرته و عبرت عنه أحلامي الجميلة و ألبسته أبهى الحلل و زينته بأغلى الأحجار .. ؟أهو سند جاء ليعتقني من نار حيرتي و ظلمي لنفسي؟ أجاء لكي يفك أغلالي و يحطم الخوف بداخلي ..؟أهو بالفعل يحمل لي كل تلك المشاعر الجميلة...ما الذي تعنيه إنسانة  متعثرة خالية الوفاض من السعادة  مثلي ؟حاولت أن تسعد مرات و مرات غيرها.. لكنها فشلت فرجمت.. و تعثرت فتبعثرت.. ألجمت فأغلقت عليها الأبواب ..ووقفت ضدها كل الأصوات تشتم و تلعن إيمانها بالنبض بالصدق بالوفاء ..
لم تعد مؤهلاتي تسعفني لأصل إلى فك رموز الإنسانية بداخلك.. ليس لأنها غير موجودة أو لأنك كاذب أو لأنك شيطان بثوب الطهارة ..ليس العيب فيك و لن أحملك أوزارا أنت برئ منها ..إنما الوشم محفور بداخلي أنا.. وشم الخوف ..وشم فقدان الثقة الذي جعلني أتراجع خطوات و خطوات خوفا من أن أجرحك و أجرح قلبي مرة أخرى .. خوفا من أن أهبه طعما ساما ليس لي القدرة و لا المناعة على ترميم خسائره و التي سيتكبدها  و ستكون نهايته موجعه ..لن أغامر بهذا القلب المرهف المجروح لن أجرحه مرة أخرى ..
كما أني لن أحملك مسؤولية مخاوفي و رعبي ..لن تستطيع تطهير جرح عفن من شدة الإرهاق و طول العويل ..ندوب تربصت به من كل جانب.. تعرض لانكسارات و لهزات ..لم يعد يقوى على أن يهب أو يعطي شيئا ..صار فارغا بارد.. بل جامدا لا حرارة فيه و لا دفئ ..يود فقط الانزواء و الانعزال.. عله يقتات على الهدوء التي منعت عنه لأيام طوال.. كان فيها يتأرجح على حبال الأمل و الغد الجميل...أتراك جاهلا بكوامني و بما يغترفه قلبي من شجن حتى تفتح ذراعيك و تدعوني لأن أركب معك مركب الحياة و أن أحس الأمان و الثقة بالحب و بالوفاء و الطهارة .؟.من أين لي بأقراص تمحو ما فات ..؟من أين لي ببنج يضع الأهوال التي عشتها بغيبوبة أبدية لا تستفيق منها و لا تحيى .؟.فأوجاعي تغدو جبارة عند كل كلمة حب ..عند كل وعد ..عند كل موقف أو محطة أكون قد تجرعت مراراتها ..كيف و الأيام تتشابه.. كيف و العبارات توائم ..كيف والوتر يعزف بنفس اللحن و نفس الكلمة ؟ كيف لي أن أستأصل كل هاته الخيوط من ذاكرتي و أبعث لك برسائل الولاء و البيعة و أهبك قلبي طواعية و على طبق رفيع لكي تكسره حتى و إن كان دون قصد..
 لو كنت بالفعل تعزني و تخاف علي كنت انتزعتني من خوفي و انتشلت قلبي من براثين العتمة التي  يقبع فيها ..كنت نظفت أدران ما فات علني أستنشق عبقا جديدا يردني لنفسي و لروحي لكن بوسيلة أخرى ..لا أريد شيئا سوى إعادة تكريم لذاتي..سوى رد اعتبار لقلب ما أذنب قط إلا عندما اعتمر طالبا حبا جميلا استنكرته عليه الظروف و المحن ..كيف له  أن يقوم من وأد الانهزام ؟
فلأني لا أريد أن أجرعك كأسا شربته أقول ابتعد عن شرارات حياتي ..لن تحمل لك سوى الشقاء ...أنت تستحق سعادة جميلة هادئة لم تعرف محنا و لا نضجا في الرؤيا و لا في رسم خرائط التجارب على جدران الحياة ..لأن الندوب بصمت لدغاتها بقوة.. توخزني بين الفينة و الأخرى .. توقظ نوباتي الحادة وتجعلني غير قادرة على كتم أوجاعي ..و أنت لا تستحق أن تعيش شقاء أراه سوف يكبلك و يلغي برنامج الانعتاق الذي تتوق إليه ..سوف تجد من تفجر رواسب الحزن بداخلك و ترميها بعيدا بعيدا ...لأنك تحتاج من تخفف عنك و تثق بك و تتحملك و تتفهمك  و تضعك تاجا على رأسها ..لن تكون إطلاقا هاته الأنثى أنا.. لأننا متشابهان..ثم إني لا أملك القدرة على إسعادك و لا أستحقك لأنني فقدت شهية الغزو ..لست متشائمة و لا أمر بحالة اكتئاب ..لست مقاومة من الطراز الرفيع و لا قاسية تعبث بالقلوب و لا جاحدة للنعم إنما لا تتصور ما الذي وئد بداخلي و كيف انطفأت شمعة قلبي ..و لأني لا أكرهك بل أعزك معزة عميقة و لأني أخاف عليك أكثر مما تتصور  لن أهديك قبرا تعيش معه و لن أجعلك لعبة خاسرة بحياتي ..أعزك إلى درجة أحميك فيها مني و أودك سعيدا و لو مع غيري ..الأنانية هي أن أجعل منك إنسانا معاقا ...لا أريد أن أرى علامات الندم على ملامح وجهك و على بحات صوتك ..لا أود أن أطعنك و تطعنني عندما تحتدم صراعات المستحيل بيننا ..أليس الوقوف و بيننا جدار عال أحسن لكلينا حتى لا نصطدم و نكره بعضنا البعض .؟.لماذا تريد أن تلفظني بسرعة ؟لما تستعجل النطق بالحكم على الإنسانية الجميلة التي بيننا ..لماذا تريد إفشاء سر طهارتها ..؟.
 
ندى يزوغ
المغرب..


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة