هنا العُمْر – قصة : هناء العطّاف

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسأصابعها تلا مس ُ بعطف ٍ وشوق ٍ أضلع َالبوابة ِالخشبية ....خطوة ٌ واحدة ٌفقط....
دفعت ِ البوابة َالخشبية َوتسللت ْكطفلة ٍصغيرة ٍعلى رؤؤس ِأصابعها ....لم يكن ِ الخوف ُالذي جعلها تفعل ُ هذا بلْ هناك شيء ٌ أقوى وأمتع
كانت ْ تخشى أن تترك َ مهمتها للهواء ِ.... للغبارِ....للرمل ِ لتقرفص َوتقطف َ كالعادة بضع زهرات ٍ برية ٍملونة ٍنمت ْهنا بين قطع ِالبلاط ِ الموزعة بعناية ٍ ودقة ٍعلى طول ِمدخل ِ البيت ِ أو ربما ذهبت ْواستسلمت ْ لخريرِ تلك السّاقية الجميلة التي وقعت ْفيها مرات ٍعدة ْوهي تطارد ُضفدعا ً أخضر مشاكساً يراقبها بعينيه ِ الكبيرتين كملعب ِ القرية ....هكذا كانت تقول.... تبرر سقوطها لأمها الحزينة المغتاظة (هو اللي بدأ )
كان َكل ّشيء يوشوش ُ حواسها يقول لها:أهلاً بك ِ...تعالي إلينا
لم تضعف ْ أمام َتوسلات ِ كل ّ ذرة ٍ في جسدها وعقلها وقلبها لتترك َ مهمتها وتلاحق َ طفولتها
هي فرصة ٌ ربما لن تتكرر أبداً
في هذا المكان ِ بالذات تختلط ُالأولويات ويصعب ُ اتخاذ القرار المناسب
تحتاج إلى رؤيتها ولو نظرة فقط
مرة واحدة فقط...
صعدت ِالدرجات ِ الأربع الفاصلة ِ بينها وبين الباب ِ الخشبي  (الجنة)
تأملت ِالدرابزين الجميل الذي صممته بنفسها كانت تحب التزحلق عليه لدرجة ٍ كبيرة ٍوتشعرُ أن من حقها هذا حتى لو كبرت ْ وأصبحت ْأماً
أتملك ُبعض وقت ٍلتفعلها الآن؟
-بنتي ..كْبرت ِ  ولْساك ِ تتزحلقي عالدرابزون متل الأولاد الصغار عيب...مابيصير
تخيلي لو شافك حدا من الجيران شو بدو يقول كبيرة وهبيلة.
-ماما أنا طالبة جامعة شو نسيتِ.
-شكلك أنت نسيتِ والله لو حدا شافك ماحدا بيفتح هالبوابة ويقول بدنا هالبنت عروس لابننا.
طب ليش ماعملتو الدرابزين لما كنت صغيرة كنت شبعت زحلقة
-         أخ منك...بنتي كبري عقلك .
.وتنتظر أمها لتدخل المطبخ وتغيب هناك وراء سحابة البخار المليئة بالروائح الشهية لتتزحلق وتضحك ملء قلبها
.ياالله وين هديك الأيام؟لم يبق منها سوى درابزين وامرأة بقلب ٍ محطم...وذكريات عطرة وصدى ضحكة .
تحتاج الآن أن تراها ولو مرة واحدة..........
طرقت ِالباب بأصابع مرتعشة ٍ...أتبقى هنا تستمتع ُ بملامح ِ وجهها تملأُ روحها بتفاصيلَ حبيبة أم تهرب ُ إلى الواجهة ِ الزجاجية ِتسترق ُ النظر من هناك  وتلتقط صوراً تشبع ُ ذاكرة َالكاميرا ولكن ذاكرتها الحية َ لن تشبع َ أبداً
تذكرت ْ أنها تحتاج ُ إلى رؤيتها ولهذا جاءت ْ إلى هنا فاللوحة ُالمتعبة  والمستندة ُ إلى حائط غرفتها تعاتبها
تحتاج ُ إلى إكمال اللوحة التي بدأت ْ رسمها عندما كانت  طالبة  ًجامعية ً  فالمعرض ُ سيقام  ُالشهرَ المقبل
ستكون لوحتُها اللوحة َالرئيسة.َ..ستسمي المعرض َ باسم اللوحة (أمّ ترسم أم)..........
هل ستطردني تلك السيدة ُالتي أنتمي إليها؟هل ستسمح ُ لي بتقبيل ِ أصابع ِ قدميها إصبعا إصبعا؟
أريدها بملامح َعذبة.ٍ...قدسيةٍ..ملائكية ٍكما أعرفها وإلا فاللوحة ُ ستموت....لن أسمح للوحتك ِ أن تموت
ربما  لم تسمع  ْسيدة ُ المنزل ِ الباب َ سأرن ّ الجرس
رن....رن....رن غرّد العصفور ُ داخل المنزل وغرّد عصفورٌ آخرَ في قلبها..... أنشد :افتحي الباب أمي...أرجوكِ
أحبك ِ أمي سامحيني
هيا أيتها الجليلة ُ افتحي الباب  أشبع ُمن ملامحك ِ أرسمك ِ لوحة  ًفي قلبي...............
اعرف ُ أمي أنني أموت ُشوقا إليكِ..... ربما فعل َ  الشوق ُبك ِمافعله بي وربما أكثر ...فانا الآن أمّ
أم ّلطفلة ٍ صغيرة ٍ تشبهك ِجداً.....أمي
سميتها باسمك ِ...أمي
أعدك ِ أن أُحضرها  معي في المرة ِ القادمة ِ ستحبينها إنّها أنت...كأنك ِتعيشين بيننا.....
أمي ....العالم ُ ينهار ُمن حولي هذه اللحظة َ أرجوك ِ افتحي لي  لأولد َمن جديد ٍ....أمي أنت ِ ولدتني أرجوك ِلاتتخلي عني
أعلم أمي.... أنني تركتك ِ ولحقت ُ قلبي وأعلم أنك ِ تألمت ِ كثيراً
لكن ألمك ِ لايعادل ُ ألمي الآن  أصبحت ُ أماً يا أمي أرجوك  ِافتحي الباب
استمرت ْ أصابُعها تضغط ُعلى زر ِ العصفور ِ المسكين بشكل ٍهستيري
شارك  َصوتها اللوحة َ المثيرة َللشفقة ِ أمي ...أمي
كادت  ْتقسم ُ أنّ السّاقية َ بكت ْ تلك اللحظة... وكذا الزهور َ والأعشاب َ القصيرة المزنرة َ للمدخل
كادت ْ تقسم  ُ أن هذا الدرابزين  يشتمها وينعتها بالخائنة...نعم حتى هو خانته
ضربت ِ الباب َ بقدمها أصابتها  حالة ٌ من الضعف ِ القاهرِ....  تسلل  َيأس ٌ أسود ٌ إلى قلبها
-أريد ُ أن أراك ِ أمي لو شتمتِني ...لو ضربتِني...سأموت  ُإن لم تفتحي لي َ الباب
أمي... أمي....... أرجوكِ
 
 صرخت ْ بأسى ودمع ٍ اختلط َ بكحل ِ عينيها النادمتين:
أمي أتيتك ِ فقط ْ لأقبّل أصابع َ قدميك ِ أنت
 أتيتك  أمي لتسامحيني..... أتيتك أمي راكعة آه لو تفتحين لي الباب فقط....
أمي أعلم ُ أن المرأة َ يمكنها  أن ْ تحب ّ أكثر َ من رجل ٍ  لكن ليس لها سوى أم ٌ واحدة...
غبية ٌ أنا.... أصبحت ُ الآن  حكيمة ً ذكية  ًشهمة ًوفيلسوفة ً أيضاً
وأجيد رسم  َهزيمتي بشاعرية ٍ مثيرةٍ للشفقة
أين كانت ْحكمتك ِ أيتها الغبية ْ حين حملت  ِحقائبك  ِوقلت  ِلها: أمي أحبّه حتى لو لم تحبيه أنتِ...
لن تري ْ وجهي ثانية......
ياإلهي..... الآن فقط علمت ُ أن أمي ربما افترسها الألم  ُكوحش ٍ ضريرٍ وشوّه ملامحها الفاتنة َطعم الدمع ِ الحارق ِ الذي سال َعلى وجنتيها
لو أقبّل ُوجنتيها هذه اللحظة.َ..يالله ...يالله
وجنتيها اللتين خلقتا للقُبل ِفقط لا للدموعْ.
يالله...ارحم شقائي يالله....
قد يموت ُ الإنسان ُ من الألم ..أحياناً ربما أثبت ُ هذه اللحظة َ تلك النظرية ...
أمي أريد ُ أن أموت َ أمام بابك..... ودوني ودن الجنة ِ باب ٌ أحمق ٌ أخرق....
سقطت  ْ أرضاً وهبت ْ نفسها للدمع  ِوالألم والرجاء والنجوى تخيلت ْ لو تراها أمها من خلال ِ زجاج ِ النافذة ِ  لكانت ْ فتحت ِ الباب َ لها
لم تعي كم بقيت ْهناك راكعة  على الباب  ِلكنها قررت ِ العودة.
لامست ِ الدرابزين  بكل عشقها للأشياءِ ٍِالجميلة ِالحميمة ِ ...هبطت ِ الدرجات ِ الأربع  كأنها عائدة ٌ من رحلة ِ تعبد ٍ في محراب ِ التوبة ِ جعلها الألم فراشة ً دون أجنحة....
أغلقت  ِالبوابة َ الخشبية  َالمؤلفة َ من عدة ِ ألواح ٍ خشبية  ٍمتصالبة ٍ ودّعتها بمتعة ٍ ورفعت ْ وجهها صوب َ السياج ِ تودّعه أيضاً وتحفرُ ألواحه في روحها.....
وهناك.....قريباً من السياج ِ الخشبي المهترئ عُلقت ْ ورقة ٌ صغيرة ٌ صفراء  َ لكنها كافية  لتهز َ العالم كله .....
  
انتقلت ْ إلى رحمته ِ تعالى
...............................
 رفض عقلها ...وقلبها
لا........لا..........لا
أمي أمي.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة