من أول السطر.. – قصة : السعيد مرابطي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgأنظر.. كيف جرت الأمور  على نحو غير متوقع! تراها بوادر كسادك الأولى منذرة   في الأفق ؟ أم  دب سوس عارض يمتص الرحيق.
فما عادت رغباتك الخالصة محضرة لديك ؟ ها أنت ترى بأم عينك ما يحدق بك . انقضى نصف ساعة شطبت خلاله خمسة أسطر على ورقة عريضة.  لم ينج من سن قلمك سوى نصف سطر!..
- نصف سطر بنصف ساعة !؟..لا..لا!..أنا كاتب فاشل بكل المقاييس.!  قلت ذلك بعصبية فيها حنق. لو لا حرص شديد بدا عليك، وقد حسمت أمرا تعلق بنشر ما ستكتب بمجلة أنوثة.*
لاسترداد مزاج ، تنظر إلى المنحوتة الساكنة  على يسار مكتبك . بين الفينة والأخرى ، تمرر أناملك على تعرجات شكلها الأنثوي ووجهها الوضاء . ثم  تسيح...أليس  لكل هذه الفتنة من طيبة ترجى  ووفاء يذكر ؟
 لولا تواطؤ حصل بين أزميل وفنان، لما تم هذا ولا مكن للفتنة أن تنفث سحرها إلى أغوار الناظر إليها. وإلا ما سر هذا الحجر الذي سكنت به أنثى تضع الذكر في متناول ألف رغبة للعثور عليها ؟...
تتدارك غرضك ، تضغط من جديد على القلم .تدير شريطا قديما في الجهاز .تنسكب أغنية عاشرتك أعوام..تسعفك كلما انتهت بك حال إلى فشل.
تفرغ شحنة مفتوحة...جملة مرتبة السياق.. تهلل! تطاوعك فقرة جديدة ، تتماسك .تحدق في الحروف فتبدو  متزحلقة لا تستقر فوق السطور.. خشخشة محسوسة في الورقة . بطل الأحجية ينطح البياض. يصر على النفاذ خارج الجمود..يرغب في حق وجود ، وقد يجد حيلة يفتك بها خلاصه. من يدري لعله يكفر عن ذنب ما ؟..
يتحرر من نعوتك، يتسلق نزوة من نزواته . ينط  خارج الورقة هازئا منك ومن عدميته الأولى وحياد غير مبرر. كالريح يصعق دفة الباب  خلفه ! يدلف زحمة شارع  حاشد كزكام.     
              إيقاع المدينة يضبطه بندول ساعة الساحة، المتأخر عن الوقت بربع ساعة. هو ذا يشم صباحا رائحة البحر ، الباعة والخضروات. ينفلت من صخب إلى زقاق لا يعلم عنه شيئا. مسميات وأحلام قديمة استفاقت تشحذ طوافه بالمدينة. ذاكرته تبرم تحالفاتها ..تعرضه على جغرافيا فضاءات جابها من قبل . خبر أحداثها حتى. به رغبة في استنطاق فحولته، وإقحامها في المعترك وهو يعقد على شيء ما. بعد أن جابه فكرة سقوط حر وخيبات فعلن ما فعلن فيه.. تلكم خصومه القدامى!...
              بدوائر ماضيه تنفخ ريح فتعلق شوكة بحلقه. يشتد به غيظ، يحفز كل نقطة من كيانه على ما يرسم. يمضي وعينه على المارة ترصد ملامحها عبر وجوه النسوة عساه يعثر عليها بينهن .وصلته بشأنها أخبار فتحت بصدره فوهة تفور. رسكلت لديه استعدادات لا تقاوم  ومشاعر لا توصف. حاجة لترميم أضرار شطبت دفئا محسودا..نسفت أماني وتركت أيامه قفرا يعوي.
              الزحمة ،الضجيج ،تعرجات السير وأشياء أخرى مكنت للإعياء من أن يربكه . انزاح قليلا عن شارع مزدحم, حتى يرتب نفسا عاقه تشويش أحاط برأسه، انزوى إلى مقعد بحديقة صوفيا*. جلس يفتش عن نفسه، علق من حيث لم يشعر بهالة مشعة من حول زوجين برفقة طفلهما، يوزعان السعادة بمقدار!.. جذبه مغناطيس الحبور.. تاه في شوارع أيامه وأبوابها الخلفية... تدحرج...
              ... انفتحت له باب أوصد تها رياح..راح يسترق السمع ... نحنحة أب حنون وخيال أم  تونون بأغنية لحفيد يغالبه النعاس. السقف الذي يأوهيهم  لا يخفي  بعض مخاوف. لولا طموح يقف في وجه وساوس. حرص الوالدين، ووحيدهما صاحب الطموح الكبير-  جعل   إيقاع البيت لا يخلو من نغمة تفاءل لئلا يتسلل للزوجة نشاز- لا قدر الله- فتنقطع عن استقبال أغنيات ظل يغزلها لها دون سواها. لكن قوسها ظلت تنحو خارج مدار أمانيه. تمد وترا  لريح صماء. فانفرطت حبات العقد!..
             المدينة تمور.. ابتلعته ككل الأشياء . تعرج في الأزقة . التوى. خفض في الإيقاع .  صعد شارع ديدوش* . حدث نفسه بعقل مثقف : حافظ على توازنك بمحيط  ما عادت به توازنات ، واثبت  أيها  ال ...؟
             السير على رصيف هذا الشارع له ضوابط  مستوردة. الراجلون ينسلون لا يدري من أين ! الأيادي مثقلة بأكياس وحاويات ذات طراز رفيع الألوان الصاخبة تزرع ألف فضول.  المحلات، بواجهاتها المغرية تبطل حسن السير. المعروضات فخمة والأثمان باهظة. زبائن هذا الشارع ملهمون ..لا يفقدون توازنات.أناقة النسوة والرجال ملفوفة في الأكياس،لا يقبلون تنازلا عنها .
             ديدوش*..اليوم يلهج بلغة مستهجنة ويتقمقم*  بلباس لا يشبه تاريخ هذا البلد في شيء.
             وهو في سكرته بين المتناقضات، تغشاه أصناف من العطر والصندل الموقظ للفتنة، تسمر ليس يدري لماذا ؟ ينظر إلى الرصيف المقابل وقشعريرة  تسري في بدنه . قاعة الشاي المزركشة بروادها تعيش طقوسها . أمام باحتها المبلطة،  وقفت هي بلا حركة . زائغا ينظر إليها ..مشدوهة تحملق في وجهه... تطايرت الأوراق ...
             هو: 
من سيصدق بأنني أفرغت يدي من كل شيء ؟   ومحتمل أيضا بأنني خسرت ما تبقى من فضول أدى بي إلى ما أنا عليه الآن. رأيتك حينما صادفتك بشارع الحياة، شفيفة ندية مغرية.  غرقت في ينابيعك سرا وعلانية. بدا لي العالم أجمل مما كان. رفعت رأسي لقبة السماء كأنما أبحث عن توصية حتى لا أخسر شعوري الظامئ للهوى والجمال. ولربما حرصت على اختزال الطريق الشاق ودفعت بقدمي في كل الجهات . كنت عرقا يتفصد. رأسا تتسلق الآمال.قلبا يستبق خضر المنى الدافئة. ونشرت خطوي أزرع الحلم بعزمي والآمال تكبر أكثر!.حتى بتَ أعلقك ألماسة على صدري  مثلما يفعل الجندي الإغريقي بألماسته تبركا بنصر مأمول في معركة .
بنيت العش، أمرتك على أقطارا لقلب.وقلت لولا تبرين  بوالدي .وهويت من عليائك لأن السفح ظل  غوايتك ومرتع نزقك!..
واكتويت وحيدا بوجع هذا الألم .. كبعض شمس في الماء البارد!
 فهل ما زال هناك شبه وهم يبيح انصياعي لكذا التزامات أخرى كائنا ما    كانت.
..........................
         هي:
ذا أنا أعترف بعد فوات الأوان، بأنني امرأة استهوتها مغامرة خسيسة شنيعة العواقب، على إثرها ضيعت رجل قدرها الجميل.  فهل ادعي اليوم بأنني لست محظوظة ؟ أم  تراني جانبت الحظ  بمحض إرادتي  وأنا أعلم أنك أول وآخر رجل أحبني وخذلته ؟! ليتك تسامحني  عن كل تشويه أصابك بسببي! أو على الأحرى ليت بمقدوري  أتسلل إلى دواخلك حتى أرمم ما انكسر وأنسحب بلا ضجيج !..
لست في حاجة لإخبار . لقد امتص رحيقي ذلك المقاول ودفع بي إلى الشارع ليلا وبلا شفقة. يحق لمثلك أن لا يهتم لأمري. بعد أن
تخليت على الجنة التي قدمت إلي، لأ ستعر بجحيمه هو  
وغطرسته.
 في كل الأحوال، إن وضعي ا لآن مفتوحا التلاشي و المتاهة. 
        - لم أعهد  لك عادة شرب الشاي بكل هذا التلذذ!
        - لا تستقر الدنيا كما ترين على حال .
بينما كان يتفرسها منذ أن جلسا إلى طاولة أنيقة يرشها انسياب موسيقى حالم  تموضعت بإحدى زوايا القاعة السانحة لرؤية الباحة الخارجية.
تساءل بغرابة :- كم تغيرت ملامحها وكم تلونت بتلون هندامها!..
         - ما هذه المصادفة التي رمت بك حد ديدوش ؟
         - مهما تحايل الناس فالعالم صغير.
وهو يجيبها عن سؤالها، لم تحتمل  عدم اكتراثها أكثر من ذلك،اندفعت في لهفة تستفسر عن صبيها الذي تركته بمحض إرادتها له وخرجت من الجنة طوعا.
         - كيف هو حال ابننا مراد ؟ وقد غالبتها غصة ابتلعت عمق صوتها.
         - مراد؟.. قاوم اشتياقه إليك ولم يحتمل الفراق إلى أن انتهى.
         امتقع وجهها وانمحت صورة الأشياء أمامها بفعل الدموع.
         - مات ؟!..متى ولم لم تخبرني؟ جحظ فيها ولم يعلق.
         في حين توقفت سيارة فاخرة أمام المقهى أشار إليها أحدهم، وقفت دون استئذان. ظل هو يراقبها من مكانه ، وفي رأسه تتسابق التكهنات .         
شديدة الارتبتك رجعت مشتت الأفكار لتأخذ مكانها من جديد لكنه
طلب الانصراف  .
         تذكر وهو في طريق العودة أن والدته أوصته بأن يقتني
لعبة لابنه مراد ففعل بغبطة لا متناهية.                                
         في نهار الغد  قرأ في الصحف: تم إلقاء القبض على عصابة
تتاجر بالمخدرات بينهم امرأة هي زوجة لأحد المقاولين الكبار.
 .....................        
        كان يمشي تحت المطر، أشفقت ا عليه وقد قررت أن تمنحه   
مطرية وتستدرجه للداخل، غير أنه بلغ منطقة التجاوز، فلم يقبل ورفض تمكينك من سحبه إلى منطقة ورقتك العريضة.  
                          & nbsp;                         &n bsp;               
تمت
 السعيد مرابطي/الجزائر

                          & nbsp;                         &n bsp;       
- حديقة صوفيا : حديقة بالجزائر العاصمة
- ديدوش : البطل الشهيد ديدوش مراد.
- يتقمقم : جزائرية محكية بمعنى يظهر الأبهة
- صوفيا : حديقة عريقة بالجزائر العاصمة


تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة