دموع...شهدٍ – قصة : أحمد الحارون

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgفي سكونِ ِليل وعلى حياء طرقتْ كلماتُها عيوني، وكنت أظنها جاءت تغازلني، أو تلين رباط عشقٍ قيدتني فيه, فجرحت وأدمت الفؤاد, وسكبت دموعاً تشعر في حرارتها وكأنما تنورٌ فار بعد طول غليان.
هرب شعاع النوم الذي توسد مقلتي, كانت كل ُ كلمة بمثابة ِ سكين أو مديةٍ لا نصل لها, طعنات تلو طعنات, جلدتني بسياط ِدموعها وكنتُ أظنها شهداً, فأبقت في النفس لوعة ومرارة لم أتذوقها من قبل, جاءت عبراتها ترميني بالخيانة, وتغزل ثوب خيانة لأرتديه على مقت ٍفأبيت.
 أهٍ من طعنة الأخ ِ وقسوة ِ المعشوق ِوجرح الصديق, لا مبضع ٌ يداوي أنذاك,.ولا دواء يُشفى البتة.
رمتني بالخيانة ولها محرابٌ في أعماقي أصلي فيه, وأرممُ فيه ما ينهدُّ,
فكل ُْ ليل دونها مظلمٌ كواكبه, أهٍ حين يرمي رجل ٌ مختمرةً بالسفور وبالدعارة,
هكذا كان وقع دموعها علىَْ وأشد, فما أصعب الحكم وأقساه إن لم يسبقه مداولة أو رد!
كرهت ُ كلماتي, كفرت ُ بقلمي,.مزقت ُ بعض أوراقي, فلربما مثلها كثيرٌ يرميني خيانةًدون أن أدري, ومداد قلمي عاهدني أن يحيا يدافع عن وطني الكبيرالذي في همومه ومراحيضه أتنفس .
قلت لها: يا دموع الحبيبة أنت لم تفهمي قصدي, فأنا عكس ما تظنين وأقسمتُ, فأعيدي قراءتي من جديد, وحاولتُ أن أعطر يدي ولو بدمعة منها فأبتْ.
يا سيدتي كُلنا كَلْمَى كلنا مكرهون ننفذ مشيئة الإنسانية ومشيئة القدر,
والقانون في مثل حالتنا هذه يعدل بظلم, ويصرف الناس من خوف الله إلى خوف الحاكم, فأنت ِ يا دموع غزة حباك الله لشرف الدفاع عن القضية النبيلة,اختصك الله دون سائر أهل الأرض فمنكم من قضى نحبه, ومنكم من ينتظر, كشفت عن ساقيهالأرى إصابتها, فغضتُ, قالتْ : لا بأس انظرفتشجعتُ, قلتُ لها: هذه باقة حب يرسلها المولى للقد, كنا نغبطكم في حصاركم ويتمنى ندى ترابكم كل ذي قلب.
أنتم حقاٌ أحرار وكل ما سواكم محاصرون , في أجسادهم يثًْاقلون ,مع شيطانهم وأدرانهم يعبثون.
يا دموع غزة الدنيا عالم واحد لكل من فيها, لكن دائرة النفس والفكر والمنهج والسلوك هي لصاحبها عالمه وملكوته, فالحرُْ السعيدُ من استقر في عالم ِ فكرته ومنهجه يحكم فيه كالملك, وان كان تحت الحصار, والشقي المحاصر من ينظر إلى عوالم الغير يقلد هذا, ينافق هذا يحابي هذا, فلا فكرة تأويه, ولا منهج يحكمه فيصير كالأجنبي في غير بلده, وإن بدا ملكاً أمام الغير, إن كل شئ ٍّيصبح أجنبيا وحصارا على الإنسان مادام هو أجنبيا عن نفسه وفكره وسلوكه ودينه, أعلم أنك مجروحة,  لكن جرح الأمة اعمقُ بعمق ِ حدود الأمة وأفرادها, فمن يرضى بما حدث لكم ولم يبذل المستطاع فهو الخاسر, أما من تاجر وزايد عليكم فلا أعلم في مفردات اللغة كلمة تصف قبح جرمه. 
حين يسكن مقلتك يا غزة رجال ينبعثون من حدود فضائلهم ودينهم لا من حدود أنفسهم وشهواتها, فاعلمي أنك تذرفين شهدا لا دمعا, إن من يسكن جفونك يا غزة هم العقل الجديد في قلب الأمة, فهم اعتادوا عبادة الأعضاء التي تورث طهارة وانضباطا, واعتادوا عبادة القلب التي تورثُ طهارة السريرة والنماء, واعتادوا عبادة النفس التي تورثُ بذلها في سبيل كل خير. 
ستظل فلسطين عذراء يا غزة حتى تتزوج حريتها على يد هؤلاء ساكني عينيكِ, وتنجب جيلا يغسل كل دنس الأرض بإذن الله, لك الحق أن تفخري بهم, فأنا أظن الشمس تشرق الأن عليهم فتحدث عليكِ صفاءَاللؤلؤ وإشراقة الياقوت يتأمله الجميع ويتعلمه.
فهذا النور الذي في الوجود هو حظ غزة ورجالها, أما ما عداهم فأسباب الحياة التي يكدحون وراءها, هي نفسها ستتحول إلى أسباب مرض, ثم أسباب موت, ثم إلى ؟؟؟؟؟التاريخ غير مأسوف عليهم, أما عندكم فأسباب الحياة تفضي إلى استشهاد, أو إلى يقظة تُخرج من عينيكِ دعوى بقاء واستمرار.
فإن لم يكن البحرفلا أمل في لؤلؤ, وإن لم يكن النجم فلا أمل في شعاع, وإن لم تكن زهرات الورد فلا أمل في أريجه, وإن لم تكن الشمس فلا ضياء ولا حياة, وإن لم ترو غزة أرضها بالشهد فلا جهاد ولا قضية, فحماس الفكرة ..أنبتت ألفا من نِزار, وسعيدٌ فينا لم يمت, وسعيد ٌمن مات عليها صائماً .
وهنا…هدأت…..سكنت….. جفت دموع غزة وتركتني أتوسد… أحلم…….أتشهد……ألعق…… في...
 
أحمد الحارون

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة